الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (26 / 29): الحديث ومدى حجيته الجزء 3

انور سلطان

2016 / 7 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة (26 / 29): الحديث ومدى حجيته الجزء 3

ثانيا: مغالطة المصادرة على المطلوب.

من الغريب أن الشافعي يحتج بحديث الآحاد في سياق إثبات حجية حديث الآحاد. وهذا مصادره على المطلوب.

(1). استدل الشافعي على إلزامية حديث الآحاد بحديث: (نضَّر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط مِن وراءهم).
يرى الشافعي أن ندب النبي باستماع مقالته وأداءها هو ندب لأداء ما تقوم به الحجة.

إن المشكلة الأساسية في حديث الآحاد هي الشك في ثبوته عن النبي. وأن الرواية الشفهية ليست توثيقا يمكن الإعتماد عليه. ولو لم يدون القران ويوثق بالكتابة مباشرة بعد وفاة النبي، لما كان حجة ملزمة. لأنه لا ضمان بعدم تحريفه والزيادة والنقص فيه بما يخل بجوهر الدين. وإذا كان هناك شك في ثبوت حديث الآحاد عن النبي، كيف يمكن قطع الشك عن المشكوك فيه بالمشكوك فيه كالحديث أعلاه الذي يستشهد به الشافعي؟
ما هو مطلوب إثباته أولا حجية حديث الآحاد بدليل غير حديث الآحاد مقطوع بصحته كالقران أو العقل. ولا يوجد نص في القران يعتبر حديث الآحاد نصا ملزما ولا نصا مقدسا. والواقع العملي، وهو قرينة عقلية، يثبت أن حديث الآحاد، مهما توفرت فيه من شروط السند الظاهرة، عرضة للتحريف والتغيير. ولا يوجد ضمانة لأي حديث آحاد من التحريف بقصد أو بغير قصد.

(2). واستدل أيضا بالحديث: (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه).
لا يمكن أن يقول صحابي مؤمن: (لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) فالقران أمر الصحابة باتباع الرسول وطاعته. ولا يمكن أن يصدر هذا الحديث عن النبي بدون مناسبة. فإما أن من قال تلك العبارة منافق، وهذا غير ممكن لأن المنافق عنده الأمر سواء، فالقران عنده ليس إلا من تأليف الرسول. ولا يمكن أن يقول هذا مؤمن. وبهذا فالحديث مضطرب المتن. والظاهر من متنه أنه مختلق، سيق لمن يحتج بالقران ولا يحتج بحديث الآحاد لعدم ثقته به أو يقدم عليه الرأي.
وإذا تجاوزنا اضطراب المتن فالحديث ليس حجة على إلزامية حديث الآحاد لسببين:

السبب الأول: أن نقل صحابي عن النبي للصحابة الآخرين لا يمكن الشك فيه فالصحابي صادق ولن يكذب على النبي في حياته، ولا بعد مماته، ولا يمكن حدوث خطأ لأنه ينقل أمر النبي ونهيه لا نصوصا مطولة، كما ينقل أمر القران ونهيه لا نص الآيات. فيخبر الواحد من الصحابة غيره بتحريم الخمر وتحويل القبلة ونهي النبي عن أكل الحمر الأهلية، ولا يطلبون منه نص كلام رسول الله كما سمعه، أو يطلبون نص الآية. وهذا هو الأمر الطبيعي، فالناس تنقل عن بعضها في حياتهم ولا أحد يطالب الناقل بدليل على صحة نقله. ولا يطالبه بنص كلام المنقول عنه. وليس هذا في رواية نصوص عبر سلسلة من الرواة لفترة امتدت عشرات العقود.

السبب الثاني: معنى هذا الحديث صحيح في حق الصحابة. وهو مؤكد للقران، فالقران جاء بأمر صريح بطاعة الرسول حتى في الشأن الخاص للرجل (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (الأحزاب: 6).
فأمر النبي ونهيه هو خطاب للصحابة وملزم لهم بوصفه زعيمهم الذي أمرهم الله بطاعته في شأنهم الخاص والعام. فالصحابة شكلوا مجتمعا بزعامة النبي له شأنه العام الذي يحتاج إلى إدارة واتخاذ قرار عام وإلى تشريع وإلى قضاء ودفاع وسلم، وأمر الصحابة بطاعة النبي وجعل طاعته من طاعة الله حتى يؤدي رسالة ربه ويتم التمكين للدين على يديه بمعونة أصحابه، ولن يحدث هذا إلا بطاعة تامة للرسول ليس فقط في الشأن العام بل في الشأن الخاص لكل واحد منهم.

(3).ومن المصادرة على المطلوب قول الشافعي: (ولو جاز أن تترك سنة مما ذهب إليه من جهل مكان السنن من الكتاب، ترك ما وصفنا من المسح على الخفين....). (الرسالة: 233).
والمطلوب, كما تقدم, إثبات حجية حديث الآحاد أولا قبل الاستدلال به، وليس العكس.

إن الشافعي هنا يعتمد على ما شاع واعتبره الناس من الدين نتيجة الفتاوى، وبهذا يجعل الاعتقاد بشئ دليل في ذاته على صحة الشئ. فمنطقه هو: إن المسح على الخفين أمر صحيح ومن الدين، وإذا لم نقبل حديث الآحاد فلن نقبل أمر صحيح من الدين! وهذه مغالطة، تقوم على قلب الأمور رأسا على عقب. فالمفروض أن العمل بالمسح على الخفين هو نتيجة للقبول بحديث الآحاد لا دليل على صحة حديث الآحاد.
ثم ذكر الجمع بين المرأة وعمتها ومحرمات السباع، وإمكانية نسخ نصاب السرقة، ورجم الثيب، ومحرمات البيوع، والربا.

وهذه يجدر التوقف عندها. فالجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في حكم الجمع بين الأختين. وتحريمه هو تأكيد للفطرة، ولا أحد يفعله، وإن فعله أحد فهو أمر نادر جدا كان في زمن الجاهلية، وبالتالي فالتحريم إبطال لعادة جاهلية. فمن غير المعقول أن تقبل عمة أو خالة المرأة أن تكون ضرة لابنة أخيها أو أختها، أو العكس إلا في مجتمع لا قيمة للمرأة فيه وتعتبر متاع، وتوأد صغيرة، كما هو في الجاهلية فتزوج الأخت على أختها والعمة على ابنة أخيها.
أما رجم الزاني نعم، فجائز جدا أن يكون فعله النبي عملا بما جاء في التوراة، وقد أخبره القران أن ما جاء في التوراة هو حكم الله، وأن القران مصدق لما بين يديه، عندما تحاكم إليه اليهود قبل إخراجهم من المدينة. ومن الجائز أن يكون حكم الزنى الذي جاء به القران نسخ لحكم التوراة, وهو الرجم, الذي عمل به النبي.

أما الحديث عن حد السرقة والبيوع والربا فغاية في التهافت. يجزم العقل أن نصاب السرقة مرتبط بحد السرقة ولم يأت قبله.
ونهي النبي عن بعض البيوع كان لما يقع فيها من ظلم وتظالم، وهذه ليست من البيع الذي أباحه القران، وبالتالي لا يمكن أن يكون إباحة البيع نسخا لها سواء جاء قبلها أو بعدها.
والنهي عن ربا الجاهلية، وهو أكل أموال الناس أضعافا مضاعفة استغلالا لحاجتهم، فإن أمر النبي بتبادل الذهب والفضة، مثلا بمثل يدا بيد، دون تأخرأحدهما، مؤكد لنهي القران عن الربا في الذهب والفضة. أما فيما يخص التبادل مثلا بمثل ويدا بيد في التمر والشعير والملح الذي ورد في الحديث، فهو للاحتراز مما قد يقع من غبن. فالناس لن تتبادل تمرا بتمر من نفس النوع وإنما من أنواع مختلفة، وهنا قد يغبن أحدهما، والأفضل أن يبيع الشخص النوع الذي لديه نقدا ويشتري النوع الآخر الذي يريده، وإلا فالتسوية في التبادل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إضافة بسيطة
انور سلطان ( 2016 / 7 / 18 - 01:19 )
ما ذكره الشافعي من الجمع بين المرأة وعمتها ... الخ
يُقال فيه ما قيل في المسح بين الخفين, لا يمكن ان تكون تلك المسائل التي جاء بها حديث آحاد دليلا على حجية حديث الآحاد
أما المناقشة لهذه المسائل فليست إلا توضيح بعض جوانب هذه المسائل

وكنت أنوي التعديل ولكن نشر الموضوع قبل تعديله

تحياتي

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah