الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (29 / 29): الحديث ومدى حجيته الجزء 6

انور سلطان

2016 / 7 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثلاث مسائل أخيرة

في ختام هذا الفصل هناك ثلاث مسائل ينبغي تفنيدها, وهي: تقسيم الحديث إلى متواتر وآحاد, وقول الشافعي أن لفظ الحكمة الذي ورد في القران يعني الحديث النبوي أو السنة النبوية, والنقطة الثالثة هي تسمية الحديث بالسنة.

لا يوجد حديث متواتر
إذا كان الحديث المتواتر هو الحديث الذي رواه عدد كبير (عشرات الرواة) يستحيل تواطؤهم على الكذب, فإن من دونوا الحديث لا يبلغ عددهم مبلغ التواتر, وبالتالي فما كان حديثا متواترا رجع في نهاية الأمر إلى حديث آحاد غير متواتر. والقول أن هذا الحديث أو ذاك كان متواترا لا يجعله متواترا. فالتواتر يتحقق إذا وجد فعلا في أرض الواقع عشرات من الرواة يروون عن عشرات عن مثلهم إلى النبي, ولا يتحقق بمجرد زعم راو فرد أنه سمع حديثا من عشرات الرواة. فما الذي يضمن أنه صادق؟
لذلك جميع الأحاديث المدونة هي أحاديث آحاد, وما كان متواترا انتهى إلى حديث آحاد. ويمكن لهؤلاء الآحاد أن يحرفوا الحديث الذي كان متواترا, أو يكذبوا ويزعموا أن حديثا ما حديثا متواترا وهو ليس كذلك.

الحديث والحكمة
للحكمة معنيان:
الأول: التعاليم التي نزل بها الوحي. لأنها ترشد الناس إلى الحق في القول والعمل. أي تبين ما ينبغي فعله وما ينبغي تركه.
قال تعالى: (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله واطيعون). (الزخرف: 63).
سمى عيسى ما نزل عليه من تعاليم مبينة للحق بالحكمة.

الثاني: الرأي والحكم الصائب على الأمور. قال تعالى:
(يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب). (البقرة: 269).
هذا يعني رجاحة العقل الذي به يًتوصل إلى الرأي الصحيح والصواب في الأمور.
وتسمية العقل السليم الراجح بالحكمة هو تسمية للشيء بنتيجته، وهو صواب الرأي والحكم على الأمور.
فالله سبحانه وتعالى أنزل الحكمة على أنبيائه ورسله، أي البينات من الوحي، وآتاهم الحكمة أي رجاحة العقل والحكم الصائب. والأنبياء والرسل أوتوا الحكمة، وهم في أعلى ذرى الحكمة والعقل.

والقرآن أراد بالحكمة وصف الكتاب بأن ما نزل فيه أمر حكيم. وتفسير كلمة "الحكمة" التي وردت في القران بالسنة هو تحكم لا دليل عليه، الغرض منه رفع مرتبة الحديث إلى مرتبة القران, والرد على من يرد الحديث.
لقد أوتي النبي الحكمة ولاشك، وأمر القران بطاعته وجعلها دين، وبالتالي فتكرار الحكمة في القرآن على أنها الحديث لا معنى له، وإنما المراد الصحيح منها هو الكتاب نفسه وطبيعة ما نزل فيه أنه تعاليم صائبة، وحق، وأمر محكم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

قال تعالى: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ...). (الإسراء: 39).
جاءت هذه الآية بعد عدد من النواهي، وصفها الله في الآية التي قبلها، بأنها أفعال سيئة. إن هذه الآية توضح أن ما جاء في القرآن (الكتاب) من بينات، أو تعاليم تبين الحق في القول والعمل، يقرها العقل ويعرف حسنها وقبحها ونفعها وضرها، هي الحكمة.
والقرآن فيه حكمة تتمثل في التعاليم، وفيه عظة تتمثل في القصص، وفيه إخبار عن الغيب، وفيه تبشير وتحذير للإنسان، وفيه تعريف بالله وقدرته المطلقة. والغرض النهائي هو التزام الناس بما ورد من تعاليم حكيمة نافعة وحسنة. ولذلك كثيرا ما ينبه القران إلى الحكمة التي نزل بها.

الحديث والسنة
لأنهم لم يفرقوا بين العبادة والمعاملة اعتبروا كل ما جاء عن النبي دين ثابت لا يتغير ولا يرتفع، وأطلقوا عليه اسم السنة بهذا المعنى. وأخذوا هذا اللفظ من بعض الأحاديث، منها: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).
واضح أن الحديث فيه مصلحة سياسية لطائفة معينة. فالحديث رد على منكري بيعة أبي بكر, والخلفاء الثلاثة من بعده, وما قاموا به من أعمال, وأولها حروب الردة. فالحديث يفيد: ألا تناقشوا ما حدث, فعليكم باتباعهم فما فعلوه دين. وكأنهم أنبياء معصومين. هذا الحديث يستغل مصطلح "السنة" الذي حول الحديث إلى نص ملزم في مرتبة القران عمليا. وهذه الفائدة السياسية والطائفية تكفي للشك في الحديث وعدم قبوله.

وقد يعترض معترض ويقول انما طائفة أهل السنة أصبحت كذلك لأنها أتبعت هذه الأحاديث. ومعنى هذا أن هذا النوع من الأحاديث الطائفية كان بمثابة نبوءة, لما سيحدث وبالتالي فهو أيضا من دلائل النبوة.
هذا القول استغفال للناس. فدلائل النبوة يجب أن تكون قطعية الثبوت لا ظنية الثبوت إن احتاج الأمر إلى دلائل غير إعجاز القران البلاغي. ثم ما الذي يضمن صدق مثل هذا النوع من الأحاديث؟ فباستطاعة أي فرقة أن تختلق حديثا يعكس ما جرى من أحداث وتقدمه كنبوءه وتضرب عصفورين بحجر. تعتبر النبوءة التي في الحديث دليل على صدقه, وتعضد بعدئذ موقفها بهذا الحديث.

إن أكبر الأكاذيب التي نسبت للرسول هي الأحاديث التي فيها نبوءات سياسية وطائفية. مثل: (الخلافة ثلاثون عاما), و (الائمة من قريش). والطوائف أنتجت الأحاديث وليست الأحاديث هي التي أوجدت الطوائف.
وبغض النظر عن ثبوت الحديث من عدمه، فالقاعدة هي حمل كلمة "سنة" هنا على المعنى اللغوي وهو الطريقة المتبعة. وبهذا المعنى فسنة النبي في أمور الدنيا هي إتباع الحق وهو المبادئ العقلية الكلية فيما يتخذ من قرار عام أو فيما يشرع أو يقضي. وكانت هذه سنة الخلفاء الراشدين. ولا تعني كلمة سنة هنا الأحكام التفصيلية في المعاملات التي جاءت تطبيقا لمبدأ العدل والمصلحة وفق الظروف القائمة، وأنها أحكام ثابتة لا تتغير. ولا يمكن اعتبار ما جاء عن الخلفاء سنة بالمعنى الإصطلاحي، وإلا أصبحوا مصدرا للدين، وهذا يتناقض مع التصور عن الدين الذي حاول الشافعي التأصيل له، والذي يقوم على القول أنه لا مشرع إلا الله. وحتى يرتفع التناقض فلا بد من تبرير قول وفعل الخلفاء بأحد المبررات الأربعة التي سبق ذكرها.

إن إطلاق كلمة سنة على كل ما جاء عن النبي باعتباره دين ثابت لا يتغير ولا يرتفع هو تحريف للكلمة عن معناها اللغوي إلى معنى اصطلاحي لا يصح، أعتمد على الخلط بين العبادة والمعاملة، أو على الخلط بين أمور الدين وأمور الدنيا. ولكن إذا أطلقت بهذا المعنى الاصطلاحي على الوحي غير المنصوص في العبادات باعتباره دين ثابت يمكن قبول ذلك، لأنه فعلا دين لا يتغير، ولا مشاحة في الاصطلاح.

ما جاء عن الرسول في العبادة ثابت، والخطاب فيه لكل مسلم، في كل زمان ومكان، وإتباعه واجب.
أما ما جاء في المعاملات والجنايات فقد اقتضته إدارة الشأن العام للمجتمع السياسي الذي يقوده الرسول، وليس دينا ثابتا، ولا يجوز تسمية قول الرسول وفعله سنة بمعنى دين لا يتغير. والسنة فيما فعل الرسول، أي الطريقة التي اتبعها الرسول، هي إتباع الحق أو المبادئ الكلية، وإتباع الحق فيها يظهر على شكل أحكام جزئية هي انعكاس لظروفها. وإتباع المبادئ العامة هو إتباع لحكم القران العام عندما أمر باتباع هذه المبادئ.

انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي