الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزرع و الحصاد

رفعت عوض الله

2016 / 7 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يعيش الناس والدول والحكومات في قلق وتوتر وتوجس وتوقع حدوث أعمال إرهابية هنا وهناك . نظرا لان الاعمال الإرهابية تتوالي وبإيقاع سريع ،وجثث الابرياء واشلاءهم ورائحة الموت والدمار والدم المُسال فى كل مكان في بلاد الشرق الاوسط المنكوبة وفي امريكا و اوروبا .
حاول الأرهابيون القيام بعمل إرهابي أثناء مباريات كأس اوروبا بفرنسا ، ولكن الاحتياطات الامنية المشددة واليقظة فوتت الفرصة علي المجرمين الإرهابيين ، قتفتق العقل الإرهابي الشرير عن إستغلال مناسبة احتفال فرنسا والفرنسيين بالعيد الوطني لفرنسا ، وتجمع المواطنين في الميادين والساحات ليحتفلوا بعيد فرنسا الوطني ، فبدلاً من استخدام السلاح او المتفجرات أستخدم شاحنة كبيرة ،أوراقها المرورية سليمة فدهس بها كل من يقابله ،وكانوا كثرة فخلف عشرات الجثث ومئات الجرحي ،وفي ظني ان الرجل كان مبتسما ، يملأ قلبه الأسود الزهو بعمله وهو يري الابرياء يتساقطون تحت عجلات الشاحنة التي سحقت اجسادهم سحقا ،ولونت الأسفلت الأسود بلون الدم الاحمر القاني
رغم كل اليقظة الامنية والاحتياطات واستخدام التكنولوجيا الراقية التي تصور وترصد وتسمع المكالمات وتتنبأ بامكانية حدوث عمل إرهابي ، ورغم عمل المخابرات في الرصد والمتابعة وإجهاض الاعمال الإرهابية قبل حدوثها ،ورغم ورغم .. إلاان الإرهاب يواصل إجرامه ،وسوف تقع احداث يذهب ضحيتها أناس أبرياء هنا وهناك ،وسوف يبدع وينوع الأرهابيون الأشرار في وسائلهم وطرقهم للإيقاع بالمزيد من الضحايا . !
الإرهاب أصبح ظاهرة كوكبية تشمل كوكب الارض كله ،وخطرها يزداد يوما بعد يوم .كل ظاهرة لها أسبابها التي ولدتها وانتجتها ، لذا علينا ان نرصد أسباب هذه الظاهرة لنعرف كيف نتعامل معها ونتقي شرها المستطير .
اول تلك الأسباب هو الاصولية الدينية الإسلامية
تنطلق الاصولية الإسلامية من عقيدة يؤمن بها الأصوليون إيمانا مطلقا وهذه العقيدة تقول : بان الحق كل الحق هو عندنا ،والباطل كل الباطل هو عند الاخرين
وواجب وعمل من يملك الحق ان ينشر ذلك الحق ،فيحارب ويقاتل من هو على باطل حتي يتوب ويعود عن ضلاله او يٌقتل ، لذا الأصولية الأسلامية تشن حربا شعواء علي معسكر الزيف والضلال والشرك والفساد حتي ينتهي أمره ،وهي حرب لا هوادة ولا تراخ فيها ،حرب مستعرة
هذه الأصولية منذ صدور كتاب "تهافت الفلاسفة " للغزالي والذي نتج عنه تكفير الفلسفة والفلاسفة بزعم انهم يوفقون بين الحكمة والفلسفة اليونانية الوثنية والدين الإسلامي ،ورغم ان الفيلسوف العظيم أبن رشد رد علي كتاب التهافت بكتاب "تهافت التهافت" إلا ان تيار الغزالي المناوئ للعقل والفلسفة هو الذي ساد وهيمن ،وأستمر وامتد من الغزالي إلي أبن تيمية ،إلي محمد بن عبد الوهاب في القرن 18 م إلي الاخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب في القرن 20 م
ورغم كل جهود المفكرين المستنيرين الذين نادوا بإسلام معتدل متصالح مع الإنسانية والحضارة ، من محمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين وعبد المتعال الصعيدي وخالد محمد خالد وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد إلا ان جهود هؤلاء تحطمت علي صخرة الاصولية الإسلامية ورفضها لكل من وما يخالفها
قامت وتأسست المملكة العربية السعودية علي أساس تحالف بين أل سعود والوهابية السنية السلفية التي نادي بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أقاليم نجد والحجاز في القرن 18 م
الوهابية تقدم صورة قوية للاصولية الإسلامية فهي لا تكفر غير المسلمين فقط ولكنها تكفر المسلمين المعارضين والمختلفين معها، وأتبعت سياسة القهر والعنف والقتل مع كل من خالفها
أستغل السياسي الداهية عبد العزيز أل سعود الوهابية والوهابيين لتحقيق طموحة بتـأسيس مملكة تحمل أسم عائلته علي بقاع نجد وتهامة والحجاز وعسير ونجران والقطيف ومكة والمدينة ، وقد كان له ما خطط له فظهرت المملكة العربية السعودية للوجود في سنة 1932
ظلت المملكة منكفئة علي نفسها ويعيش شعبها حالة الفقر والبداوة والإيمان بالاصولية الوهابية حتي ظهر البترول بباطن صحرائها ،وتحول توليد الطاقة من الفحم إلي البترول
نتج عن هذا دخول المملكة الفقيرة في الغني والوفرة
ولأن حكام وملوك بل وكل السعوديين أصوليون وهابيون نظروا للعالم رغم علاقتهم الممتازة بأوروبا وامريكا ، أقول نظروا للعالم نظرة تكفير لذا عليهم واجب تغييره او محوه من الوجود
هاجرت اعداد من سكان مستعمرات فرنسا وبريطانيا وغيرها الي اوروبا طلبا وسعيا لمستوي معيشي أفضل
اوروبا العلمانية رحبت بهم ووفرت لهم الإقامة والعمل فعاش المهاجرون الاوائل وهم مبهورون بالحضارة والحريات وحقوق الإنسان، ولكنهم لم يندمجوا في المجتمعات الجديدة ،فحافظوا علي تقاليدهم وأعرافهم ودينهم ،ولكنهم عاشوا هناك في سلام ولم يسببوا مشكلات للمجتمعات الجديدة
بعد الطفرة البترولية تذكرملوك مملكة أل سعود واجبهم الأصولي الديني ، فوظفوا جزءا كبيرا من عوائد النفط لنشر الوهابية في العالم ،فعمدوا لوهبنة المراكز الإسلامية الكبري في الشرق مثل الازهر بمصر وجامع الزيتونة بتونس وكانت النتيجة تشبع الشيوخ والدعاة بالفكر الوهابي الأصولي .هذا حدث بالتوازي مع إنشاء المساجد والمراكز السلفية الوهابية والانقاق عليها بسخاء ،وشيئا فشيئا صُبغ الأسلام والمسلمون السنة بالصبغة الوهابية
أوروبا العلمانية في احترامها لحقوق الإنسان وحرية العقيدة سمحت للمسلمين المهاجرين ببناء المساجد للعبادة ،أستغلت السعودية هذا الامر فأنشات مساجد ومراكز ومدارس إسلامية بعواصم ومدن أوروبا ،وكانت تلك المساجد والمدارس وهابية التوجه والفكر ،فيها علم الشيوخ الوهابيون الناس هناك أن اهل الغرب كفار و قتالهم واجب ديني ،واحتقار الحضارة وقيمها ورفض قيم الحداثة ،وحقوق الإنسان وإنكار الحريات ومنها حرية العقيدة
وهكذا ربي الوهابيون الاجيال الجديدة من المهاجرين المسلمين ،ولما أستعرت نار الإرهاب كان الشبان المسلمون الذين وُلدوا في اوروبا هم منفذوه

ساهمت دول اوروبا ومعها الولايات المتحدة الأمريكية في تأجيج نار الإرهاب . تلك الدول نظرت نظرة انانية للشرق المظلم ،قوام تلك النظرة المنفعة الأقتصادية . الغرب بحاجة لبترول السعودية ودول الخليج لذا لنتركهم في أستبدادهم ، وعدم استنارته وعصفهم بحقوق وحريات الإنسان لضمان ضخ البترول عصب الصناعة ،ولنتركهم ينشرون الأصولية بين المسلمين فامر المسلمين واستنارتهم لا يعنينا
لنترك شعوب الشرق المسلم البائسة رهن بطش وأستبداد وقهر الحكام المستبدين طالما لا يهددون مصالحنا
وهكذا غض الغرب المستنير الطرف عن تفشي الأصولية الإسلامية ،وعن استبداد حكام الشرق المسلم بشعوبه
غفل الغرب عن ان تنامي الاصولية الإسلامية سوف يؤدي حتما للإرهاب الذي يعاني منه كل كوكب الأرض الان

غفل الغرب عن حقيقة مؤكدة تقول : أن الذي لا يؤمن بالحرية لا حرية له ، وأن حقوق الإنسان لا تُقدم لمن ينكرها ،الغرب يحترم حرية دعاة الإرهاب ويترك لهم المجال واسعا في مساجد روما ولندن وبرلين وباريس لنشر فكرهم الاصولي المتشدد بدعوي حرية وحق الدعوة والتبشير ، الغرب يتعامل مع الارهابيين المهدرين لحق الحياة وكأنهم مجرمون عاديون فيطبق عليهم منظومة حقوق الإنسان القانونية
الغرب ارتكب جريمة بعدم مساندته لتيار العقلانية والإستنارة والاعتدال في الإسلام فترك دعاته وهم قلة في مواجهة جحافل الأصولية التي أجهزت عليه
لكل هذه الأسباب سوف تظل البشرية تكتوي بنار الإرهاب الاسود القاتل ،وسوف يبدأ الخلاص منه لحظة الوعي بتلك الأسباب والعمل علي تغييرها فتغير المقدمات يأتي بنتائج جديدة مغايرة
رفعت عوض الله
كاتب وباحث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت