الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتدين والعلمانية

إبراهيم رمزي

2016 / 7 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عيب المتدين - إذا قرأ - أنه لا يقرأ إلا قليلا من كتبه الدينية، ولا يتعداها إلى كتب أخرى سعيا لتوسيع مداركه وإرواء "نهمه" المعرفي المفترض، فهو كالطالب الذي يكتفي بـ"المقرر" الدراسي، ويعتبر نفسه جهبذا، سواء فهم المقرر أم لم يفهمه.

من مقولات الاستراتيجيين: "اعرف عدوك". ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتجميع المعلومات عنه، ومن ضمنها "أفكاره، وطرق تفكيره، وكيفية تخطيطه، ...". والمتدين لا يريد أن يعرف "عدوه" العلماني، ولو من باب إرضاء الفضول المعرفي، ..

المتدين جمجمته ملأى بأحكام جاهزة عن العلمانية، نُقِلتْ إليه شفويا من غيره، ولكنه لم يتخط حاجز الخوف ليطلع على الكتب العلمانية، حتى يتيقن بنفسه من الرأي الذي نسج حولها. قالوا له: العلماني عدوك. فصدق وآمن، وأقفل منافذ التعلم والبحث والمقارنة، ولم يبذل أدنى مجهود أو يقم ولو بخطوة بسيطة لتمحيص هذه المقولة، عن طريق قراءة بعض ما كتب العلمانيون.

المتدين خاضع لسيطرة الوهم، والترهيب، بأنه - إذا قرأ للعلمانيين - سيصبح تلقائيا "ملحدا". متناسيا أن إيمانه - إن كان صلبا قويا - لن يتزعزع بتأثير الاطلاع على "إلحاد" الغير. لذلك فهو يعادي العلمانية عن جهل مركب، وغباء مركب، وعقد مركبة، .. وسيصاب بالدهشة - إن لم تكن الصدمة - حين ينتصر على عوائقه النفسية والفكرية والاجتماعية .. وتوصيات التلقين .. ويبدأ بالتعرف على وجه العلمانية.

العلمانية تدعو إلى توظيف العقل، واعتماد المنطق، والحرية في التفكير، والجرأة في رفض الخزعبلات، ونبذ الأفكار المعلبة. ولا تريد من الشخص أن يكون إمَّعة تابعا للقطيع بحكم: العاطفة، والتلقين، والتقليد، والتعصب، والتخويف، ..

العلمانية تريد من الشخص أن يكون متفاعلا بإيجابية مع عصره وزمانه .. مع عالمه الحالي الذي أصبح كالقرية الصغيرة نتيجة التقدم العلمي ووسائل الاتصالات الحديثة .. ولا تريد منه أن يعيش حاضره بعقلية القرون المندثرة، أو تتحكم في تصرفاته "أفكار" الرمم البالية.

العلمانية تنتقد الفكر الديني. وتتجاوز المعتقد الديني لأنه حق شخصي، ولأن من مباديء العلمانية احترام الحقوق والدفاع عنها. ولذلك فهي لا تطلب من الشخص التخلي عن معتقده الديني، ولكنها تدعوه إلى غربلة الأفكار المرتبطة بهذا المعتقد، ونبذ ما فيه من أوهام وخرافات.

العلمانية تنادي بإخراج الدين من الشأن العام، وقصْره على الشأن الخاص. فكل الطقوس التي يمارسها المتدين في إطار ما يؤمن به، ويرجو من ورائها الثواب والحسنات، والفوز بالجنة في الآخرة، ويتجنب المعصية والآثام، للنجاة من النار .. كلها خاصة بالمتدين وحده، فلا يمكنه أن "يَهَبَ" معاصيه ويلصقها بغيره، ولا يمكنه أن يقتسم حسناته أو يقبل بسلبها منه لصالح طرف آخر .. الدين علاقة خاصة بين الفرد وربه.
أما الشأن العام فيخضع للقوانين التي يضعها المجتمع - وفق نسق متجدد - لتنظيم علاقات الأفراد وعلاقات الدول فيما بينهم، في شتى مناحي الحياة، حتى لا يسود حكم الغاب.

العلمانية ليست شرطي دين "أو مطاوع"، يترصد الشخص ليحاسبه على: طعامه وشرابه ولباسه ومظهره وعواطفه، وأدائه لشعائره تبعا لطقوس يرضاها "سدنة الهيكل" وقد لا تروق لهم إن جاءت مغايرة لتصوراتهم، ممّن يختلف معهم،
العلمانية تدعو إلى التعايش والتسامح والسلام، ولا تحاسب أحدا على: مذهبه الديني ورموزه، أو التعبير عن معتقداته، أو إبداء رأيه في القضايا العقدية ... ما دام بعيدا عن التطرف والتعصب والحقد والعنصرية والتحريض على النعرات الطائفية ...

العلمانية تنتقد الفكر الديني، لأنه من وضع بشر مثلنا، اجتهدوا لفائدة عصورهم وحياتهم. وأفكارُهم قابلة للصواب والخطإ، وقابلة للنقد، وقابلة للتبني أو الرفض، وقابلة للإلغاء لعدم مسايرتها لعصرنا وحياتنا. والعلمانية - بهذا الموقف - تقدم للدين خدمة جليلة، إذ تُنشِّط قرائح "حُماته" لاستنباط "اجتهادات" من وحي الحياة المعاصرة لتواكب متطلبات الأتباع.

العلمانية لا تنطلق من التقديس، ومن يتصدى لنقد الفكر الديني يفترض أن له اطلاعا - (مقبولا وشاملا) - على الأفكار الدينية والملابسات التاريخية، يزنها بميزان العقل والمنطق، وذلك ما يفتقده (أو يتنكر له) المتدين العاطفي المتعصب حين يتسلح بالسباب والتجريح والعنف إزاء كل نقد يتصدى لما اعتاد إحاطته بهالة تقديس.

العلمانية ليست مرادفا للانحلال الأخلاقي ، وإلا لأدى ذلك إلى انهيار القوانين التنظيمية، وتفسخ المجتمع، ثم اضمحلال الدولة. وليس أهون على العبثيين المعادين للعلمانية من إلحاق كل نقيصة بها، سعيا للتصدي لها بالجهل والمكابرة وسقم العُدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س