الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد المصري في غرفة الانعاش

محمود يوسف بكير

2016 / 7 / 22
الادارة و الاقتصاد


منذ أيام قليلة قرأت في أحد الصحف المصرية الإلكترونية تصريحا لمحافظ البنك المركزي السيد طارق عامر عبر فيه عن توجهه لتخفيض قيمة الجنيه المصري للمرة الرابعة في خلال أشهر معدودة.
وللعلم فان الجنيه فقد ما يزيد عن 25% من قيمته أمام كل عملات العالم في الأشهر القليلة الماضية. وقد برر السيد عامر توجهه هذا بالقول: "لن أفرح باستقرار سعر الصرف والمصانع متوقفة، سآخذ القرارات الصحيحة من وجهة نظري وأتحمل نتائجها". كما قال: "مثلما لارتفاع سعر الصرف من إيجابيات فإن لانخفاضه إيجابيات على الاقتصاد أيضا حيث أنه يؤدي الى زيادة الصادرات وانخفاض الواردات".
كما أطلق سيادته تصريحا عنتريا آخر بأنه "لا يخضع لإملاءات الخارج"! وهو محق في ذلك لإنه يخضع لإملاءات الداخل فقط والتي تأتيه عادة من جهات عليا.

وتعليقا على تصريحات السيد المحافظ فإننا نقول بداية إنه لا يصح ان ترهن حياة الشعوب ومستقبل الأجيال بإرادة ورؤية شخص واحد لمجرد الادعاء بإنه سوف يتحمل المسؤولية حيث أن لنا خبرة مريرة مع المحافظ السابق فاروق العقدة الذي أدت سياساته النقدية لضياع احتياطي مصر من النقد الأجنبي ثم ترك مصر معززا ومكرما دون ان يتحمل أي مسؤولية وتم تحميل المواطن الغلبان المسؤولية كاملة.
والعجيب في الأمر أن الرجل يتكلم بأريحية غريبة خاصة وأنه يعلم أنه لا يضع الحقائق كاملة أمام الناس ويكتفي فقط بذكر إيجابيات قراراته ولا يذكر شيئاً عن سلبياتها ومنها ما يلي:

•1) من مبادئ السياسة النقدية التي ندرسها في علم الاقتصاد أن الاستقرار النقدي عامل حاسم لتحقيق التنمية الاقتصادية والمسؤول الأول عن تحقيق هذا الاستقرار هو البنك المركزي بحكم الدور الذي يلعبه في تحديد كمية النقود المتداولة بكل أنواعها ومسؤوليته عن السيطرة على التضخم والحفاظ على سعر مستقر لقيمة العملة المحلية لحماية مدخرات الناس باعتبار ان النقود هي مخزن للقيمة.

ولكن عندما يبدأ البنك المركزي في طبع النقود بشكل عشوائي وإصدار أدوات دين دون قيود لتمويل العجز المالي، وكذلك عندما يقوم بتخفيض قيمة العملة المحلية بشكل متكرر وبنسب كبيرة في فترة زمنية قصيرة ، فإن مثل هذه السياسات تؤدي إلى نسف الاستقرار النقدي من أساسه وإشعال التضخم الجامح وضياع مدخرات الناس وتعطيل الدور الذي تلعبه العملة كمخزن للقيمة. وهو ما يؤدي في النهاية إلى فقدان ثقة المواطنين في عملتهم ولجؤهم إلى التخلص منها لصالح العملات الأجنبية أملا في الحفاظ على ما تبقى من مدخراتهم التي يؤدي التضخم وتخفيض قيمتها بقرارات سيادية إلى تآكلها وخسارتهم لشقى عمرهم.
وكما قلنا مراراً من قبل فإن أسرع طريقة ﻹفقار أي شعب هي تخفيض قيمة عملته.
وفي هذا فإن الاقتصادي البريطاني العظيم جون مينورد كينز كان يصف التضخم المرتفع بالشر الكبير وأن البنوك المركزية التي تسمح بهذا فإنها تقوم بمصادرة ثروات مواطنيها.

•2) أما على الصعيد الدولي فإن تلاعب المركزي في قيمة العملة المحلية أمام العملات العالمية يرسل إشارات خاطئة للمستثمرين الأجانب بأن الجنيه المصري غير مستقر وأنه عرضة للانخفاض في أي وقت بقرار من محافظ البنك المركزي إذا ما ترأى لسيادته هذا. وبالطبع فإن هذا لا يشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية طويلة الأجل والتي تتنافس كل دول العالم عليها باعتبارها الرهان الرابح لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تهدف إلى رفع مستوى المعيشة لأغلبية أفراد المجتمع.

•3) أما بخصوص ما يدعيه المحافظ من أن تخفيض قيمة الجنيه سوف تؤدي إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية بشكل فوري، فإن هذا صحيح ولكنها تكون استثمارات قصيرة الأجل غرضها المضاربة وتحقيق أرباح سريعة والخروج من السوق في أسرع وقت. ولا تعالج مثل هذه الاستثمارات أيا من المشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري وعلى رأسها البطالة وانعدام الاستثمار في البنية التحتية في صعيد مصر وريفها وانهيار منظومة الصحة والتعليم وضآلة الانفاق على البحث العلمي والتكنولوجيا. وبدون هذه المنظومة لا أمل في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة ومتوازنة.

• 4) أما بالنسبة لمقولة أن تخفيض قيمة الجنيه المصري ستؤدي إلى زيادة الصادرات المصرية للعالم الخارجي والحد من الواردات فإنها مقولة صحيحة ولكن المستفيد الأكبر منها هم المصدرون والاغنياء بينما يتضرر منها الفقراء لما تؤدي اليه من ارتفاع اسعار كل الواردات ومن أهمها الادوية والمواد الغذائية وكذلك معظم السلع المنتجة محليا نتيجة لاعتمادها على المواد الخام التي تستورد من الخارج.

إن تصريحات المحافظ تعني ببساطة أن الحكومة المصرية قررت أن يتحمل الفقراء العبء الأكبر في فاتورة الإصلاح الاقتصادي كما أنها تعني أن الحكومة لا تولي اهتماما كبيرا بظروفهم المعيشية الصعبة ولا تبالي بتبعات المزيد من ارتفاع الأسعار نتيجة التخفيضات المتوالية في قيمة الجنيه وسياسات التمويل بالعجز.

وتراودنا هنا تساؤلات كثيرة منها:

• لماذا لم يفكر المحافظ في حث الحكومة على تخفيض الإنفاق العام على المشاريع العملاقة التي تقوم بها والتي تفوق تكاليفها الموارد السيادية للدولة وهو يضطرها للاستدانة من الداخل والخارج؟

• لماذا لم يفكر المحافظ في تقديم المزيد من الحوافز الضريبية والنقدية لقطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة والتي تتميز بقدرتها على النمو السريع وخلق وظائف جديدة بدلا من تخفيض قيمة الجنيه من جديد خاصة بعد ان ثبت فشل هذه السياسة وان أضرارها أكبر بكثير من منافعها كما ذكرنا مرارا من قبل؟

• وبالإضافة لما سبق وهو الأهم أن محافظ المركزي المصري يتصور ان مشكلة الاقتصاد المصري سببها الجنيه المصري وحده وان تخفيض قيمته سيحل مشاكل مصر وينهي متاعبها وهو يغفل تماماً الجوانب السياسية وحالة عدم الاستقرار والعشوائية في اتخاذ القرارات وغياب استراتيجية واضحة لتحقيق نوع من التنمية المستدامة في مصر تشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية. بمعنى ان السياسات المالية والنقدية وحدها لا يمكن أن تنجح في غياب إرادة سياسية حقيقية للتغيير وخلق مناخ مواتي للإصلاح الشامل ومحفز للشباب على الإبداع والمشاركة في بناء وتقرير مستقبل بلادهم .

ومن المفارقات العجيبة هنا ما قرأته في أحد الصحف المصرية منذ أسابيع من أن مجموعة من خريجي الجامعات وحملة الماجيستر خرجوا في مظاهرة سلمية للمطالبة بإيجاد فرص عمل لهم فتصدت لهم قوات الأمن بالقنابل المسيلة للدموع والعصي وتم القبض عليهم وايداعهم في السجون مع زملائهم الآخرين من أهل الشر لحماية أهل الخير والبلطجية الأحرار من شرورهم.

دعونا نقول الحقيقة بأن مصر في ظل الحكومة الضعيفة الحالية بلد مفلس وبلا احتياطيات نقدية وديون داخلية وخارجية تجاوزت كل حدود الأمان المتعارف عليها اقتصاديا. مصر تعاني من تضخم جامح وزيادة معدلات الفقر بسبب البطالة وافلاس السياسية النقدية وهدر ما تبقى من مواردها المحدودة على مشروعات عملاقة الهدف الأساسي من إنشائها المنظرة وابهار البسطاء.

مصر بحاجة إلى المصارحة والافاقة من حالة التعامي عن رؤية الواقع والحقيقة.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اخبار سيئه
على سالم ( 2016 / 7 / 22 - 06:03 )
الاستاذ محمود بدون شك هذه اخبار مؤسفه ومحزنه عن بلدنا مصر , الاشكاليه هنا تراكميه منذ الثوره المشؤمه للعسكر الجهله حيث دخت البلد فى نفق مظلم وقاتم , المحزن ان الذين يقوموا بأداره مصر لايعرفوا اى شئ عن اداره دوله وجميعهم غير مؤهلين , هذه منظومه جاهله وفاسده وغبيه لايملكوا الاليات السليمه لااداره حتى مجمع استهلاكى , من المؤكد ايضا ان السيسى غير كفؤ سياسيا واداريا واقتصاديا ولايملك الخبره لكى يكون رئيس , كذلك معظم رجال حكومته من لجنه السياسات للحزب الوطنى والذى كان يديره جمال مبارك وهم جميعا للاسف يعانوا من الهطل وسطحيه التفكير وخبرتهم تكاد تكون صفر , حتى محافظ البنك المركزى غير مؤهل ابدا لمنصب محافظ البنك , الواسطه تلعب دور كبير , هذا المحافظ ماهو الا ابن اخ المشير عبد الحكيم عامر , يعنى لعنه المشير تلاحقنا فى كل زمان ومكان

اخر الافلام

.. أسعار النفط العالمية تقفز بأكثر من 4% بعد الهجوم على إيران


.. دعوات في المغرب لا?لغاء ا?ضحية العيد المقبل بسبب الا?وضاع ال




.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ