الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- العقل الجمعي - مطلب الكينونة والتاريخ

محمد بوجنال

2016 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


محمد بوجنال
أثار اهتمامنا بالموضوع ما جاء في تغريدة إحدى العزيزات علينا (ح.ح )، على حائطها، الذي يعتبر درسا هائلا لمعنى الكينونة والتاريخ وبالتالي معنى الإنسان أو قل العقل. وفي ما يلي جزء من النص كما أوردته عزيزتنا (ح.ح ) على حائطها:" بكل الحب والكرم الذي لا يفارقها بباريس، أعدت سناء وجبة الإفطار لضيفتها وصديقتها اليابانية التي التقتها...في سان فرنسيسكو حين جمعهما نفس الصف الدراسي لتعميق التكوين اللغوي للإنجليزية. قبل أن تشرع الصديقة اليابانية في تناول وجبة إفطارها، بدأت تردد كلاما غير مسموع وهي تحرك شفتيها، بنوع من الفضول الثقافي؛ سألتها سناء: هل بإمكاني أن أعرف ماذا ترددين وأنت تستعدين لتناول وجبتك؟ الصديقة اليابانية: أكيد وبكل فرح، يوميا وعند كل وجبة، قبل أن أشرع في الأكل، لا بد لي أن أشكر كلا من ساهم في جعل هذا الطعام موجودا على المائدة الآن، ابتداء من الفلاح الذي زرع وغرس والعامل الذي صنع والنقال الذي وزع وأنت طبعا سناء لأنك تحملت عناء الإعداد؛ هذا أقل ما يمكن أن أفعله لكل هؤلاء...".
لا شك أن اليابانية واعية بمحتوى قولها سواء كان الوعي ذاك عميقا أم كان بمستوى ما من المستويات؛ لكن الأهم أن ذاك مؤشر تقدم حضاري مهم اعترف ويعترف بالآخر كقوى إنتاج مهما اختلفت مجالات نشاطه. فالكل يشكل الكل أو قل أن السيدة اليابانية هي جزء من كل يتميز بالحضور ذاك في كل المجالات وهو ما يعني حضاريا التأسيس والاعتراف بأن العقل الناجع هو " العقل الجمعي ".
من هذا المدخل نرى أن العقل العربي، في حقيقته، كمثيله العقل الكوني هو مبدئيا " عقلا جمعيا " بالكينونة والتاريخ؛ وكلما منعناه من ذلك كلما دمرناه أو روضناه ليصبح في خدمة الأب الرأسمالي ووكلائه أشكال الدولة السلبية العربية. فالعقل ككينونة هو عقل حر متحرر من الهوية التي هي تعسف عليه طالما عملت على نشرها مجمل أنماط الإنتاج التي عرفتها الإنسانية وراهنها نمط الإنتاج الرأسمالي. ف " العقل الجمعي " ككينونة لا مكان فيه لأوضاع مثل اللامساواة أو الاستغلال أو الاستعمار أو تدمير الدول أو التخلف ؛ بل " العقل الجمعي " ذاك ككينونة هو عقل المساواة والإبداع وفق قواعد الإمكان وقوانين التاريخ؛ إنه الاستجابة العادلة أو التلبية العادلة لحاجيات مكونات المجتمع ومن داخله الجماعة. ولا يسمي كذلك كلما عجز عن تلبية تلك الحاجيات بنفس العدالة والمساواة. وهذا لا يعني أن العقل بهذا المعنى يعني كونه مطلقا، بل " العقل الجمعي " ذاك هو الطاقة الشفافة التي تنشط وفق قدراتها التي تتميز باللانهاية في الإنجاز الذي يعتبر جمعيا لا فرديا. وهنا لا بد أن يطرح البعض السؤال: لماذا القول ب " العقل الجمعي " عوض " الفردي " ؟ الجواب هنا يقتضي منا استدعاء المسلمة التالية: " بداخل الكائن البشري يوجد مبدأ القصور ". إنه المبدأ الذي يستدعي الآخر أو قل المبدأ الذي يمكن العقل من الإبداع وتفجير الإمكانات التي هي مسئوليته ك " عقل جمعي ". هكذا، فمحتوى " العقل الجمعي " ككينونة هو الإمكانات اللانهائية الحدود والنشاط الداخلي الدائم وفق طبيعته التي قلنا بعدالتها .
لقد سبق أن قلنا أن هناك مبدأ يتحكم في حيوية " العقل الجمعي " هو " مبدأ القصور " بمعنى أن الإنسان، وحدته، يكون قاصرا وضعيفا؛ فوعيه بوضعه ذاك جعله يستحضر، وباللزوم، الآخر الذي هو تلك الإمكانات الكينونية التي لا يمكن فصله عنها أو قل أن الوجود يستدعي التعدد وباللزوم. " العقل الجمعي " بهذا المعنى هو التهديد المباشر لنقيضه الأب الرأسمالي ووكلائه أشكال الدولة السلبية العربية. فالعقل الفردي الرأسمالي يرفض العدالة والمساواة باعتبار ذلك نقيض مصالحه؛ لذا، فهو عقل ذو برنامج استعماري وعنصري واستغلالي. إنه الإلغاء المتوحش لكينونة " العقل الجمعي " الذي حل محله " العقل الفردي" الذي هو، وبالكاد، عقل الأب الرأسمالي.
كنتيجة للإلغاء المتوحش ذاك، نقول أن العالم سار ويسير بشكل خاطئ؛ ومن هنا المعنى الثاني " للعقل الجمعي ": إنه المعنى التاريخي. ف " العقل الجمعي " يوجد في التاريخ الذي به يتحدد. " العقل الجمعي " بالمعنى الكينوني يترجم إلى " عقل جمعي " يمارس في التاريخ. ومن هنا أهمية تحرير هذا الأخير من توحش عقل الأب الرأسمالي ووكلائه. ف" العقل الجمعي " ككينونة يترجم في شكل مقولات ومفاهيم على أرض الواقع التي يحكمها نمط إنتاجي محدد. فكلما كان ذلك أنجع وأعدل، كلما كانت تلك المقولات والمفاهيم بدورها أنجع وأعدل وبالتالي يكون الدستور والقوانين والإنتاج والتوزيع أكثر عدالة ومساواة. فمحتويات العقل تكون بناءة كلما كان الواقع كتاريخ بنية بناءة؛ وهذا،بطبيعة الحال، يتطلب النضال والصراع على المستويين النظري والعملي الذي بدوره لا يحصل دون امتلاك أدوات الصراع. إلا أن الواقع هو عكس ذلك لأنه، كما سبق القول، العالم سار ويسير بشكل خاطئ وفي اتجاه خاطئ حيث أن قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج قد تشكلت وفق ما يقتضيه منطق عقل الأب الرأسمالي. لذا تم ويتم التأسيس لدساتير غير عادلة على أنها عادلة، والتوزيع اللامتكافئ على أنه متكافئ، والفقر المنتشر على أنه غنى الله، والتدبير المستبد على أنه الدموقراطية، والترويض المؤدب على أنه حقوق الإنسان، والاحتجاجات المطلبية على أنها الحرية، والاقتتال والحروب والمجازر على أنها ظواهر صحية تقتضيها الحضارة. بهكذا محتوى، تم ويتم تشكيل العقل المعوق كما أراده الأب الرأسمالي ووكلائه ليستمر العالم في السير على رأسه؛ ولكي يعاد إقامته على رجليه، لا بد من إحلال " العقل الجمعي " بمعنييه الكينوني والتاريخي محل العقل الفردي المعوق كما أراده الأب الرأسمالي ووكلائه.
انطلاقا مما رأينا نطرح السؤال: إذا كانت أزمات العالم العربي اليوم أسس لها وقام بتدبيرها تقسيما واقتتالا وإرهابا عقل الأب الرأسمالي ووكلائه المحليين، فما العمل؟ المخرج يفرض ضرورة التأسيس "للعقل الجمعي " حيث الوجود الجدلي لمكونات الكينونة والتاريخ وهو الوضع الكفيل بالتأسيس للعدالة والمساواة والدموقراطية علما بأن حصول ذلك يقتضي برنامجا مدركا وواعيا بعوامل قوة وضعف المرحلة؛ وفي هذا نرى أهمية " الثورة الثقافية أولا ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث