الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا خذلت الانتلجنسيا العراقية علي الوردي ؟

سلمان رشيد محمد الهلالي

2016 / 7 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لماذا خذلت الانتلجنسيا العراقية علي الوردي ؟
القسم الاول (الاسباب الاجتماعيه والنفسيه)
1 - 1
ان المقصود بالانتلجنسيا العراقية : النخبة المثقفة العصرية التي تبلورت الارهاصات الاولى لها في الربع الاول من القرن التاسع عشر ، واكتملت ملامحها الاساسية بعد ثورة الاتحاديين واعلان الدستور العثماني عام 1908 ، واصبحت فئة مستقلة بذاتها بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 . وهي تشمل المتعلمين والاكاديميين والادباء والمفكرين والمنظرين والكتاب الذين تبنوا وظائف عقلية – سياسية – تربوية , هدفها الاساس مواجهة قيم التخلف والاستبداد في المجتمع العراقي ، وتعزيز قيم النهضة والاصلاح والتنوير التي ترتكز على مفاهيم من التحديث والتغريب والعلمانية . واقامة نظام سياسي تعددي يستند على اسس من العدالة والحرية والديمقراطية ، التي توزع اغلبها خلال القرن العشرين على التيارات الفكرية الاربع (الليبرالية والماركسية والقومية والاسلامية) . بمعنى ان الانتلجنسيا العراقية ارادت العمل بالتوازي على جانبين مهمين :
الاول : الاصلاح الاجتماعي ومواجهة قوى التخلف والتأخر التي يرزح تحت ظلها المجتمع العراقي كالعشائرية والاسرية والطائفية والعنصرية والذكورية والمحلاتية والدينية والتقاليد والعادات البالية . والارتقاء بها نحو قيم التحديث والعصرنة . وكان على رأس هذا النمط من الانتلجنسيا ، العديد من المفكرين والمصلحين امثال : محمد سعيد الحبوبي وهبة الدين الشهرستاني وعلي الشرقي والزهاوي والاخوين الشبيبي والجواهري وميخائيل تيسي ومحمد حبيب العبيدي ومحمود شكري الالوسي وسليمان غزالة والاب الكرملي ومحمد مهدي البصير وفهمي المدرس وعبد الجليل الطاهر وعلي الوردي والرصافي وغيرهم .
الثاني : الاصلاح السياسي واقامة الدولة الديمقراطية التي تستند على اسس من الليبرالية والتعددية والمساواة بين جميع افراد المجتمع العراقي ، ويقف على رأس هؤلاء العديد من الافراد الذين مارسوا العمل السياسي المباشر ، او نظروا له من خلال المقالات والدراسات امثال : النائيني وكامل الجادرجي وعبد الفتاح ابراهيم وحسين جميل وحمد فاضل الجمالي ومتى عقراوي وحسين الرحال وغيرهم . ويمكن اضافة المثقف الثوري او الايديولوجي الذي تبلور بقوة بعد الحرب العالمية الثانية الذي كان يرغب بتأسيس نظام سياسي يستند الى تيار فكري ايديولوجي (ماركسي او قومي او اسلامي) ، يعتقد ان الاصلح لطبيعة وتوجهات المجتمع العراقي امثال : يوسف سلمان يوسف (فهد) وعاصم فليح وزكي خيري ومحمد مهدي كبة وعزيز السيد جاسم وفؤاد الركابي وابراهيم كبة وسعدون حمادي وعبد الرحمن البزاز ومحمد باقر الصدر ومحمد باقر الحكيم وعبد العزيز الدوري وهادي العلوي وياسين خليل ، وبعض المنظرين العرب الذين استوطنوا العراق امثال : ساطع الحصري ودرويش المقدادي وميشيل عفلق ومنيف الرزاز وشبلي العيسمي والياس فرح واكرم زعيتر ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله وحسين مروة ومحمد علي شرارة وغيرهم . وقد طرح الكثير من هؤلاء المفكرين والمنظرين والكتاب رؤيتهم الخاصة لاصلاح الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي في العراق ، وبجوانبه المتعددة ، من خلال المقالات والدراسات والمؤلفات . او من خلال الرؤية الحزبية للاصلاح او التغيير او الثورة ، التي تطرح عادة ضمن مناهج الاحزاب الخاصة وادبياتها المنشورة ، على اعتبار ان الحزب هو (مثقف جماعي) حسب تعبير غرامشي . كما في رؤية الحزب الوطني العراقي وجماعة الاهالي والحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني وحزب الاستقلال العراقي وحزب الامة الاشتراكي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب الدعوة الاسلامية وغيرها .
الا ان المشروع الفكري المتكامل الذي استند الى اسس رصينة من الاصلاح والتنوير والليبرالية السياسية والفكرية ، هو ما طرحه الدكتور علي الوردي في الخمسينيات من القرن العشرين ، الذي تميز بسمات عدة اهمها : الشمولية في طرح الاشكالات المستعصية في البنى الاجتماعية العراقية ، والليبرالية في تبني الحلول السياسية القائمة على التعددية والديمقراطية , والعصرية في معالجة المفاهيم المتأخرة في الانماط المركبة للشخصية العراقية ، والتحديث او الارتقاء بالمؤسسات التقليدية كالقبيلة والاسرة والدين واصلاحها من الداخل ، والواقعية في استعراض الحقائق او المواقف الماضوية للتاريخ المحلي او العام . وقد تبنى في البدء الكثير من المتعلمين والمثقفين في اواخر العهد الملكي اراء الدكتور الوردي ، وهو العهد الذي شهد تأليف ستة من اهم كتبه وهي (شخصية الفرد العراقي ، خوارق اللاشعور ، وعاظ السلاطين ، مهزلة العقل البشري ، اسطورة الادب الرفيع والاحلام بين العقيدة والعلم) ، الا ان هذا التأثير لم يستمر طويلا ، اذ سرعان ما حدثت ثورة تموز 1958 التي انهت النظام الملكي شبه الليبرالي ، وجاءت بالنظام الجمهوري ذو التوجه العسكري والشعبويي . وكان من المفترض ان يكون الاهتمام باراء الدكتور الوردي الاصلاحية اكثر من ذي سبق ، على اعتبار ان مؤلفاته السابقة قد وجهت نقدا معرفيا الى كثير من المتبنيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في العهد الملكي ، ودعت الى اصلاحات شاملة وجذريه في تلك البنى ، من خلال دعم وترصين المنطلقات الفكرية والاجتماعية التي نادى بها ، وهي طروحات ليست واقعية او حقيقية في تبيان الاشكالات المستعصية التي يعاني منها المجتمع العراقي فحسب ، بل طروحات اركيولوجية – تحليلية – نقدية ، استمدت مقوماتها من التنوير الاوربي الحديث ، والمناهج الغربية العلمية التي تطرح تلك الاشكالات بعمق ومصداقية ، دون اي مجاملة او مواربة وانحياز. الا اننا وجدنا ان الانتلجنسيا العراقية الثوريه (الماركسية والقومية) - لاسيما تلك التي تبلورت بعد انقلاب 1963- قد عملت على تهميش هذا المشروع الفكري الاصلاحي ، واقصائه عن الحياة الثقافية العراقية لاسباب عدة ، يمكن حصرها ضمن نطاق دائرتين اساسيتين وهما الاسباب (الاجتماعية والنفسية) والاسباب (الفكرية والسياسية) :
اولا : الدائرة الاجتماعية والنفسية : وهى من اهم الاسباب التي ادت الى خذلان الانتلجنسيا العراقية لمشروع الدكتور الوردي ، على اعتبار ان الاخير قد اعتمد في نقده للمجتمع العراقي على مبدأ خطير جدا وهو (مبدأ التعرية للمفاهيم والبنى الاجتماعية والثقافية السائدة ). ويعنى به : ازالة القشور والمظاهر والهوامش والاضافات التي تشكل حاجزا امام الرؤية الحقيقية للشخصية العراقية في اطارها العام او الاعتيادي . ومبدأ التعرية : هو من ارقى الخطابات المعرفية التي اخترعها العقل الغربي ، الذي يعتمد النقد والتحليل والحفريات في الوصول الى الطبقات الاصلية للظاهرة . او بيان الطبقات القارة خلف الهوامش والقشور والمظاهر التي تضاف عادة او لاحقا من قبل الايديولوجية النافذة او السلطات الحاكمة ، في سبيل التعميه او التغطية عن الجوانب الحقيقية للظاهرة او الشخصية او المجتمع . وقد ذكر الكاتب العراقي سعد محمد رحيم (ان الفرد العراقي وجد في كتب الوردي نوعا من المرآة التي تحاول ان تعرفه بنفسه على حقيقتها ، لذا واجه عداء السلطة السياسية والسلطة الدينية ، ناهيك عن اخرين من المثقفين الايديولوجيين وبعض الرعاع) . فيما امتدحه بسبب هذه المنهجية الكاتب الفرنسي مونتاي بقوله (علينا ان نحيي هذه الامانة والشجاعة ، كم من الاوربيين والامريكيين من يستطيع ان يعري الاوهام عن حياتهم الاجتماعية بهذا الشكل !!!) . الا ان الامتياز الملفت للنظر في طروحات الوردي بهذا الصدد ، هو اعتماد هذا المبدأ الخطير في تعرية الانتلجنسيا العراقية ، واظهارها من خلال النقد والتحليل ، بمظهر التقليدية او الشعبوية ، او بمعنى اخر ، عاميون وشعبويون في اعماقهم الحقيقية ، او عند خضوعهم لهذه البنى الاجتماعية السائدة من جانب ، وعلمانيون ومدنيون او عصريون مثاليون في مظاهرهم الخارجية من جانب اخر . وقد ذكر بهذا الصدد امثلة ومعطيات وقواعد اثبتت الاحداث والتجارب صحتها ومصداقيتها . وقد شكلت هذه التعرية عند الانتلجنسيا العراقية – لاسيما الثورية الماركسية والقومية منها – جرحا نرجسيا – بلغة فرويد – لم يندمل حتى الان . فليس من السهولة ان تظهر المثقف او المتعلم العراقي ، الذي يحلق في فضاءات النرجسية والتعالي والادعاءات ، المتورم ذاتيا ، والمتضخم ايديولوجيا ، بانه في الاخير – او في الواقع – او في اعماقه – ليس سوى بنية تقليدية او متخلفة في النسق الاجتماعي العام للشخصية العراقية . وان ما يدعيه او يظهره من انماط التغريب والعلمانية والعصرنة ، ليست سوى مظاهر زائفة او فوقية ، لم تنفذ الى اعماق الشخصية الحقيقيه . الا ان الملفت للنظر ان الانتلجنسيا العراقيه وبدل ان تقوم بمراجعة ذاتها ، ودراسة هذه الاشكالية المستعصيه والاقرار بوجودها وخطورتها , من اجل طرح الحلول الواقعية لمواجهتها او تقليل اثارها ، بشكل يجعل الفارق بين كلا الشخصيتين او النمطين المختلفين بين الخطاب والسلوك مقبولا في حدوده الدنيا او الطبيعية – كما هو سائد في دول العالم الثالث – الا انها بالعكس من ذلك ، رفضت الاعتراف بوجود هذه الاشكالية ، واتهمت الدكتور الوردي بالتغريب والتجاوز ، وعدم المسؤولية في تبني خيارات الامة في النضال والتحرر – وهي في الواقع خيارات الانتلجنسيا بشكلها الظاهري انذاك – وعملت من جراء ذلك على تهميش مشروعه الفكري ، وخذلانه في قضية الاصلاح والتنوير ، وبقائه وحيدا في الساحة الثقافية في مواجهة القوى التقليدية والدينيه ، وغض النظر عن السلبيات والاشكالات التي طرحها عن تلك الانتلجنسيا . وقد اشار الى هذا التهميش الدكتور سليم الوردي بقوله (حين قرأنا كتب علي الوردي ، هل وفقنا في قراءته ، لقد احببناه وتمتعنا به ، تداولنا افكاره ومقولاته . ولكن كم تأثرنا بها ؟ وكم انعكست في وعينا الجمعي؟ كم تأثر بها مشروعنا السياسي السابق بعناصره كافة ، الحاكمين والمحكومين . الطغاة والمقهورين . الليبراليين والراديكاليين . الشموليين والديمقراطيين ... الخ .. استوطنت افكار الوردي ذائقة القارئ العراقي ، ولكنها لم تستوطن الوعي الجمعي للمجتمع العراقي ، ولم تتحول الى قوة مؤثرة في دفعه باتجاه المجتمع المدني الذي بشر به الوردي) .
وقد يطرح احدهم تساؤلا اشكاليا : بانه من الطبيعي ان تكون هذه الانتلجنسيا متناقضة بين واقعها الاجتماعي المتخلف من جانب ، والمنظورات العصرية المتعالية التي تنادي بها من جانب اخر ، لانها في الاصل ترجع الى واقع جغرافي محدد ، يضم شعوبا وقبائل ودولا تنتمي الى نطاق العالم الثالث . ولا تستطيع بالتالي القفز على واقعها الثقافي المتأخر الى مديات متسامية من العصرنة والتحديث ، دون الشعور بنوع من الازدواجية او التناشز بين الخطاب والسلوك في الواقع . ان الجواب على هذا الاشكال المشروع يكمن في نقاط عدة اهمها :
1. ان الانتلجنسيا العراقية لم تطرح – او حتى تعترف – بوجود هذه الاشكالية المعقدة والخطيرة على واقعها – او حتى على مستقبلها – كانتلجنسيا , من اجل حلها وطرح المقاربات الناجعة لها . بل وجدنا العكس من ذلك ، اذ نفت وجودها ، وعدت افقها المعرفي متماهيا قلبا وقالبا مع المفاهيم العصرية والتغريبية ، وانها لا تعيش الازدواجية او صراع القيم من قريب او بعيد . وحتى اذا اقرت بوجودها ، فانها تحصرها ضمن نطاق العامة او البسطاء من الناس .
2. التناقض الحاد والازدواجية المتطرفة في تبني كلا الاتجاهين او الجانبين عند الانتلجنسيا العراقية ، يشكل حالة من الشذوذ والتناشز غير السوي ، بشكل لا تضاهيها اي انتلجنسيا اخرى في العالم . فمن المفاهيم والمتبنيات العلمانية والثورية والغربية في الخطاب والاعلام والادعاء ، الى العشائرية والمحلاتية والدينية والطائفية والاسريه والفحوليه في الوقائع والمواقف ، اختزلهم الوردي بعبارة (يتكلم بلغة البير كامو وفي داخلة ملا عليوي) .
3. ان هذه الاشكالية تطرح اشكالية سلبية اساسية تعيق عملية ترسيخ وتأصيل المفاهيم العلمانية والحداثة في المجتمع العراقي ، او عند الاجيال اللاحقة التي تبحث عن الاقتداء ، وهي غياب المثال الحقيقي او القدوة المتجسدة على ارض الواقع للانسان المدني الذي يكون رمزا للتحرر من المآلات المتأخرة للقوى التقليدية ، فيما يكون في الواقع رمزا للازدواجية والتناشز والشعبوية والارتزاق .
ويمكن استعراض اهم الاسباب التي ادت الى خذلان الانتلجنسيا العراقية لمشروع الدكتور الوردي التنويري ضمن الدائرة الاجتماعية والنفسية بنقاط عديدة وكثيرة جدا لا يمكن حصرها او ادراجها كلها ، الا اننا نعرضها بحسب الاهمية ، او بحسب قوة وفاعلية التعرية التي قام بها في هذا المجال :
1. ازدواجية الشخصية : وهي الثيمة المركزية في اطروحة الدكتور الوردي في تفسير الشخصية العراقية بصورة عامة ، والانتلجنسيا العراقية بصورة خاصة . ويعني بها وقوع الفرد العراقي تحت تأثير نظامن من القيم (الريفية والمدنية) . وهو نتاج مباشر لفرضيته الاولى حول صراع البداوة والحضارة في العراق . فقد بين الدكتور الوردي ان الانسان العراقي يسلك سلوكا متناقضا دون ان يشعر بهذا التناقض ، او يعترف به . فهو يتأثر بأحد هذين النظامين تارة ، والاخر تارة اخرى . او طريقين متعاكسين كما في قوله (ان الشعب العراقي حائر ، فقد انفتح امامه طريقان متعاكسان ، وهو مضطر ان يسير فيهما في ان واحد ، فهو يمشي في هذا الطريق حينا ، ثم يعود ليمشي في الطريق الاخر ايضا) . وذكر ان الفئات الاجتماعية الاكثر تعرضا لهذه الازدواجية هم رجال الدين والاداريين والمتعلمين والمثقفين والسياسيين . ونجد ان الفئات الاربعه الاخيرة تقع ضمن نطاق الانتلجنسيا العراقية . وبما ان الوقوع ضمن نطاق هذه الازدواجية هو ارتهان لاشعوري – بحسب الوردي – فان الاغلبية الساحقة من هذه الانتلجنسيا العراقية , قد وقعت تحت تاثير هذين النظامين دون وعي او معرفة بذلك ، مما يشكل اختلالا هائلا او فاضحا ، قد يصل الى مستوى الخروج من فضاءات او دائرة الانتلجنسيا . فالمعروف ان ابسط دلالات المثقف هو( من يعرف ذاته اولا) ، على قاعدة سقراط (اعرف نفسك) او رؤية ميشيل فوكو للمثقف( الذي يستطيع ان يحلل البنيات اللاشعورية ..... والكشف عن الفكر السابق للفكر ، وعن هذا النسق السابق لكل نسق) . اي ان المثقف بحسب المصطلح الفوكوي هو الشخص الذي لابد ان يتقن فن الاركيولوجيا (كشف الحفريات المعرفيه) . او بحسب تعريف هيغل الشهير (هو من يستطيع ان يخرج من ذاته وينظر اليها من بعيد) ، على اعتبار ان الذاتية هي اخطر المفاهيم او السلبيات التي تواجه المثقف , لانها تشكل حاجزا امام الانسان في الرؤية الموضوعية نحو المفاهيم والاحداث ، وتشده نحو الايديولوجيا (الحكم المسبق على الامور والقضايا) ، وتضعه في دائرة الانانية والانتهازية والنفعية والرغبة بالاستئثار والانتصار في الجدال وغيرها ، فيما ان الثقافة هي فضاء معرفي بهيج ، لا ينمو او يتطور الا في مسارات العقلانية والحياد والتجرد التام من الذاتية والايديولوجيا والانحياز ، حتى قال الوردي (كلما كان الانسان اكثر نضجا ووعيا وثقافة وانفتاحا ، كان تأثير العوامل اللاشعورية عليه اقل) . فاذا كان المثقف العراقي وقع تحت تأثير هذه الازدواجية لاشعوريا ، فانه – كما يبدو – لم يعرف ذاته او لم يخرج من ذاته . واذا عرفنا ما هي الذاتية العراقية ومقدار التراكمات والسلبيات المعرفية والاسطورية والريفية والدينية والسلطوية والطائفية والقبلية والاسرية التي تماهت معها عبر التاريخ ، فانك تعرف مقدار التورط الذي وقعنا فيه ، او الاشكالية التي نعاني منها .
ويعد الدكتور علي الوردي اول عراق طرح مفهوم اللاشعور في الساحة الثقافية في العراق في الخمسينات من القرن العشرين . ويبدو انه قد تأثر بمفهوم اللاشعور الجمعي الذي نادى به (يونغ) اكثر من تأثره باللاشعور الفردي الذي اطلقه (فرويد) . وقد اسماه الوردي (العقل الباطن) بدل (العقل الكامن) الذي اطلقه الكاتب المصري سلامة موسى ، وقد ميزه عن الشعور الذي اطلق عليه (العقل الظاهر) . ويبدو ان الوردي قد تأثر بمفهوم اللاشعور واهميته في تحليل الشخصية والمجتمعات على حد سواء من الفيلسوف الامريكي (وليام جيمس) الذي اعتبر نظرية فرويد في اللاشعور (اعظم اكتشاف خلال مائة عام) . (وسبق ان ادرجنا تأثر الدكتور الوردي بالمذهب البرغماتي الليبرالي في دراستنا المفصلة – هل كان علي الوردي برغماتيا – في موقع الحوار المتمدن) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن