الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا خذلت الانتلجنسيا العراقية علي الوردي ؟ ( 1 - 2 )

سلمان رشيد محمد الهلالي

2016 / 7 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لماذا خذلت الانتلجنسيا العراقية علي الوردي ؟
(الاسباب الاجتماعية والنفسية)
1 - 2
2. التناشز الاجتماعي والثقافي : وهي الفرضية الرئيسية الثالثة في الاهمية عند الدكتور الوردي في تفسير الشخصية العراقية . ويعني بها ان عملية التغيير الاجتماعي السريع في المجتمعات النامية ، لا تؤثر في جميع اجزاء الكيان الاجتماعي بدرجة واحدة ، مما يؤدي الى نوع من التناشز في السلوك . بمعنى ان التغيير او التطوير يكون في بعض اجزاء المجتمع ، فيما تكون بعض المفاصل والمؤسسات الاخرى في ركود ، لم يشملها التغيير ، او ان استقبالها يكون غير فاعلا او مؤثرا بدرجة عالية . ويظهر السلوك المتناشز بصورة واضحة عند الانتلجنسيا العراقية ، لان التغيير الثقافي في نظامهم المعرفي لم يكن على درجة واحدة . فهم منفتحون وعلمانيون ومتحضرون في احدى جوانب ذلك النظام ، وفي جانب اخر, هم تقليديون وبدائيون ، او اذا شئنا الصحة هم (رجعيون او متخلفون) في المعايير التي وضعوها هم انفسهم سابقا لتحديد هذه المفاهيم . فهم مثلا ينادون بالاختلاط والغراميات والمساواة بين الجنسين وحرية المرأة ، ويكتبون المقالات والدراسات والقصائد التي تنادي بهذا المجال ، فيما نجد ان حياتهم العائلية والشخصية وطريقة زواجهم تندرج ضمن المسار التقليدي الذي يعتمد مبدأ القرابة والذكورية والفحولة والشرف الشرقي وغيرها ، وقد وصفهم الوردي بقوله (انه دون جوان مع صديقته وحاج عليوي في بيته) .
3. ترويج وترسيخ النزعة الغوغائية والشعبوية في المجتمع العراقي . فالغوغائية مصطلح يستخدم لوصف جماعة او شريحة من الناس ينظرون للامور والاحداث بطريقة بعيدة كل البعد عما هو حقيقي ، ويدافعون عن ارائهم بطريقة تفتقر لابسط مقومات التفكير العقلاني والموضوعي. وقد تبنت الانتلجنسيا العراقية هذه النزعة بقوة بعد الحرب العالمية الثانية ، متاثرة بالاحزاب الفاشيه والنازيه والشيوعيه التي اعتمدت هذا المنهج من التمجيد , واصبحت ممارسة شبه يومية بعد ثورة تموز 1958 ، من خلال تغيير هذه المفردة وتحسينها الى اصطلاح اكثر مقبولية وهو (الجماهير) . فمن المعلوم ان الايديولوجيات الثلاث التي هيمنت على المشهد السياسي والنظام المعرفي والثقافي العراقي وهي (الماركسية والقومية والاسلامية) قد اختلفت في كل شيء ، الا في تمجيد النزعة الغوغائية والشعبوية في المجتمع ، وتعدها انعكاسا لرغبة الجماهير في التعبير عن تطلعاتها وامانيها من خلال الثورة والتظاهرات والاضطرابات ، دون الاهتمام بالانعكاسات والتداعيات الجانبية التي تصاحب عادة مثل هذه النزعة ، كالانفعالية والتدمير والسرقة والقتل والانهزامية وغيرها . وقد اثبت الدكتور الوردي ترويج واعتماد الانتلجنسيا العراقية على هذه النزعة في العديد من كتاباته ، التي وجه فيها النقد الشديد لبعض الظواهر التي برزت بعد ثورة تموز 1958 واهمها النزعة الغوغائية ، حتى انه وجه بسبب ذلك حكما ونقدا مفاجئا عندما قال (ان الثورة في العراق لم تحدث) وانها حولت العراقي الى (حيوان سياسي) , وعبر عن مخاوفه بالقول (اود ان اصارح القارئ ، هو اني كنت في العهد البائد اخشى من غضب الحكام ، وقد اصبحت في العهد الجديد اخشى من غضب الغوغاء) . وقد كان من المفترض ان تقوم الانتلجنسيا العراقيه بمهامها كانتلجنسيا عصرية في تهذيب وتقنين وترشيد المفاهيم المتأخرة والسائدة في المجتمع ، واهمها هذه النزعة الشعبوية ذات الجذور الريفية ، نظرا لتداعياتها السلبية واثارها الخطيرة على السلم الاهلي والمجتمع المدني اولا ، واستغلالها من قبل السلطات الحاكمة والاستبدادية في مواجهة القوى المتضادة معها في التوجهات السياسية الاخرى او المعارضة لها ثانيا. الا اننا وجدنا بدلا من ذلك الاصرار المفرط على الترويج لها ، والتحسين المستمر لصورتها ، وتبرير اعمالها وممارساتها . وقد ذكر الوردي ان سبب تبني هذه الانتلجنسيا للنزعة الغواغائية الى سبب وظيفي او نفعي فقط ، على اعتبار انهم يحققون من خلالها مكتسبات حزبيه وسياسية محددة ، الا اننا وجدنا ان السبب هو اعمق من ذلك بكثير ، وهو ان الانتلجنسيا العراقية التي تصدت للمشهد السياسي والثقافي في العراق بعد ثورة 1958 وانقلاب شباط 1963 ، لا يوجد عندها انفصام بنيوي او قطيعة معرفية او اجتماعية مع النزعة الغوغائية والشعبوية ، لانها في الاصل ترجع الى هذا الوسط الاجتماعي والريفي الذي يتبنى هذه النزعه ، وبخاصة مع تبني هذا الوسط الايديولوجيات الماركسية والقومية والاسلامية – كما قلنا سابقا – بعد ان وجدوا فيها تناغما نفسيا واجتماعيا مع سلوكهم او ميولهم الشخصية ، وطريقا احاديا للتغيير والانقلاب وازاحة نظام النخبة السياسية والاجتماعية الذي كان سائدا في العهد الملكي , حتى نسب لعبد الوهاب مرجان رئيس الوزراء في العهد الملكي وصفه لثورة تموز 1958 قوله (انها ثورة الريف على المدينه) . فيما وجدنا العكس من ذلك ، ان الانتفاضة الشعبية الوحيدة في التاريخ العراقي المعاصر التي تستحق هذه التسمية ضد النظام الدكتاتوري عام 1991 (وهى الانتفاضه الشعبانيه) ، والتي اطلق عليها النظام البعثي الحاكم تسمية الغوغاء ، لم يتم تبنيها بشكل كامل من قبل هذه الانتلجنسيا او الكتابة عنها او تأييدها ومدحها ، ان لم يكن العكس .
4. احترام وتقدير الشخصيات والتوجهات القوية الفاعلة او الثورية في الساحة السياسية على حساب الشعارات والمتبنيات المبدئية والمعتدلة . فمن المعلوم ان ظاهرة احترام وتقدير (او حتى تقديس) الانسان القوي او الزعيم الاوحد ، هي ظاهرة رائجة وراسخة في المجتمع العراقي ، وقد ورثها – ضمن وراثة مفاهيم اخرى متعددة – من القيم البدوية والريفية التي كانت متماهية مع اخلاقيات الغزو والسلب والنهب واحتقار الضعيف ، وقوانين البقاء للاقوى الرائجة في الجزيرة العربية ، وتسخر من الانسان او الفئة ذات التصنيف المعتدل او الضعيف او المتسامح . وضمن نفس المنهجية ، كان من المفترض ان تقوم الانتلجنسيا العراقية بتعديل وتهذيب هذا المسار الريفي والبدوي الخاطئ نحو منطلقات القيم الايجابية والاعتدال ، الا اننا وجدنا ترسيخا لها وتكريسا , بل وانتقالا من الفضاء الاجتماعي الى الوسط السياسي . فالتنظيمات والشخصيات والتوجهات السياسية غير الفاعلة او القوية ، يوجه لها نقدا او هجوما اكثر من غيرها بالقياس الى التنظيمات الاخرى , فاذا كان لهذه الظاهره مبرراتها في الانظمه الاستبداديه او الاحاديه , الا انها وبعد قيام النظام الديمقراطي بعد عام 2003 فانها ستكون محل استهجان واستنكار. وقد اشار الى هذه الظاهرة الدكتور الوردي في معرض تبيان احترام العراقيين لشخصية الزعيم الالماني (هتلر) خلال الحرب العالمية الثانية بالقول : ان السبب في ذلك هو القوة التي يمتلكها ، واعجاب العراقيين التاريخي والمتنامي بالشخصيات القوية ، حتى لو كانت استبدادية او اجرامية . وقال ايضا (فنحن في اعمالنا بدو نحتقر الضعيف ونحترم القوي . اما في افكارنا فنحن افلاطونيون ننشد المثل العليا) (واعتدنا من جراء ذلك احترام الغالب الفاتح مهما كان نوعه ..) (من حسن حظ غاندي انه لم يولد بين العرب ، فلو كان هذا الرجل الذي يشبه القرد يعيش بيننا لاشبعناه لوما وتقريعا .. دأبنا ان نهاب المترفين ونحترم الجلاوزة الضخام ، وسوف لن نحصل في دنيانا على غير هؤلاء ما لم نغير هذه العادة الخبيثة) . كما يعد الوردي اول عراقي ايضا طرح ظاهرة التماهي مع الجلاد ، والتي تعرف عالميا بـ (تنادر او متلازمة استوكهولم) بقوله (ومن الغريب ان نرى رجلا يضطهد من اجل دينه او رأيه ، ثم ينقلب فجأة ، فيصبح بجانب الذي كان يضطهده) و (ان العراقي يكون خاضعا (مازوكيا) عند مواجهة ما هو اقوى منه ، بينما يكون غضوبا (ساديا) اذا واجه ضعيفا) .
5. التعددية في الذوات الداخلية للانسان . وهي من اهم الامراض المزمنة والسلبيات المستحكمة التي لم يسبق لاي كاتب او مفكر ان شخصها قبل الدكتور الوردي في نقد الانتلجنسيا العراقية . فمن الثابت معرفيا عند مدارس علم النفس الحديث ان الانسان البسيط يمتلك اكثر من ذات في داخله ، فهناك الذات الظاهرية التي يتعامل بها مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ، وهناك الذوات الداخلية المتعددة والكامنه في اعماق نفسه او شخصيته . فقد يكون في ذاته الظاهرية امام الملا مثالا للالتزام او التدين او العفاف او الشجاعة اوالمحبة وغيرها ، الا ان ذواته الداخلية والنفسية الاخرى تحمل تراكما هائلا من الجبن والفسوق والكذب والانانية والحقد على المجتمع . وربما تكون هذه الاشكالية طبيعية في المجتمع ، لاسيما وان الحكم على المظاهر هو المعيار الاساس لذلك ، الا ان المفارقة هو ان الانتلجنسيا العراقية تعيش هذه الظاهرة بتناقضاتها الصارخة ، رغم ان المفترض تكون الحدود الفاصلة بين الظاهر والباطن ، او بين الذوات الداخلية عند الانسان المثقف والنخبوي بهذا الشكل الفاضح او الواسع ، وانما تكون ضمن الحدود الدنيا او المعقولة ، التي لا تشكل حرجا او انتقاصا من قيمة الانسان وسمعته وامتيازه كمثقف متجرد ومتعقل لذاته وكينونته . وبالطبع ترفض الانتلجنسيا الاعتراف بوجود مثل هذا التعدد في ذواتها الداخلية والنفسية ، وتصر على وجود التماهي والتطابق بين الذات والموضوع ، او بين الظاهر والباطن ، وان الذات الثقافية والادبية الظاهرة في المجتمع او الوس الذي يعيش فيه هي الذات الوحيدة الموجودة لهذا المثقف او الاديب ، رغم علمنا اليقيني بوجود ذوات اخرى متناقضة او متباينة لهذه الذات الظاهرة ، كالذات المتسلطة , او المرتزقة للحاكم المستبد , او الحقودة على المجتمع وقيمه وانماطه ومقدساته ، او العشائرية التي تبحث عن التمايز القبلي ، او الانانية التي تسعى وراء المكتسبات الشخصية والعائلية ، او الطائفية التي ترزح تحت قناع الوطنية .
وتجد ظاهرة التناقض بين الذوات المتداخلة في الشخصية العراقية الواحدة عند الانتلجنسيا العراقيه بصوره فاضحه ، فما ان يتبادر الى ذهنك احد الاسماء من الادباء والكتاب والفنانين في مجال القصة والشعر والرواية والمقالة والمسرح والغناء والفنون التشكيلية الاخرى ، حتى يأخذك الانطباع الخاطئ الى فضاءات السمو والرقي والعاطفة والمحبة والايثار , وغيرها من المفاهيم التي ترسخت من خلال الاعلام الافلام والادعاءات والتزييف الذي تبثه تلك النصوص واللوحات والالحان من تلك القيم المتسامية ، الا ان الواقع – وكما ذكره الوردي – نجد ان تلك الذات المبدعة , هي الظاهر من تلك الشخصيات الانتلجنسوية ، وان هناك ذوات اخرى في داخلها ، قد تكون متناقضة في التوجه والرؤية نحو المجتمع والقيم الانسانية ، فمن الكراهية الى الحسد ، ومن الانانية الى الحقد ، ومن البخل الى الخصاء ، ولا حاجة الى القول ان الاغلبية من الادباء والفنانين والكتاب التي مجدت الدكتاتورية والاستبداد البعثي هي من هذا الصنف من الانتلجنسيا العراقية .
6. التاثير العاطفي والشخصي في الحكم والتقييم على الموضوعات الفكرية والسياسية والادبية وغيرها . وهذه الظاهرة قد تكون شبه ثابتة عند الانتلجنسيا العراقية ، فغياب النقد الموضوعي والتجرد من العاطفة وتورم النزعة الذاتية ، هي من السلبيات والمآخذ السائدة على هذه الانتلجنسيا ، حتى اختزل الوردي ذلك بالمثل العراقي الشعبي (حب واحجي اكره واحجي) . وقد اعتبر هذه الظاهره ايضا من التجارب اللاشعورية التي تتحكم بالانسان من خلال تعريفها (بانها ميل الانسان الى النظر في الامور نظرة تحيزية ، تبعا لما يشعر به من عاطفة ايجابية او سلبية نحوها ... فمثلا اذا احب شخصا اتجه تفكيره نحو المبالغة في محاسن هذا الشخص ، وغض النظر عن مساوئه ، وهو يفعل العكس من ذلك حين يكره شخصا . ويجب ان لا ننسى ان الانسان حين يركز نظره على المحاسن والمساوئ يتصور انه يفعل ذلك طلبا للحق والحقيقة ، وهو لا يدري انه الة صماء بيد العاطفة اللاشعورية الكامنة في اعماق نفسه) . وكما عبر عن هذه الاشكاليه في العراق سياسيا بقوله (اني اتذكر فعل بعض الناس في العراق من تعاطف مع النازية خلال الحرب العالمية الثانية ، ثم تحولوا بعدئذ الى التعاطف مع الشيوعية ، فالنازية والشيوعية متناقضتان في مبادئهما واهدافهما ، ولكم الناس لم يكترثوا بهذا التناقض الواضح ، اذ كانوا يلهجون بمحاسن النازية اول الامر ، ثم صاروا يلهجون بمحاسن الشيوعية اخيرا ، ولا لوم عليهم في ذلك فهم بشر كغيرهم من الناس ، يفكرون بعواطفهم اكثر مما يفكرون بعقولهم الواعية) .
7. التلازم بين الحقيقة والمصلحة . وهي من الدوافع اللاشعورية التي ادرجها الدكتور الوردي في نقده للشخصية العراقية ، واسماها (الدافع المصلحي) . واذا كان هذا التلازم سمة اعتيادية عند الانسان البسيط في حياته اليومية والمعاشية ، الا ان انتقالها الى الانتلجنسيا العراقية قد يشكل انتقاصا مركزيا في البنية الثقافية لهذه الانتلجنسيا التي كان من المفترض ان تتسامى عن المنظورات العاطفية والجوانب المصلحية . وقد ذكر الوردي ذلك بقوله (ان الانسان حين نراه يلهج بالحق والحقيقة ، انما فعل ذلك لانه وجد الحق والحقيقة في مصلحته ، او ضد مصلحة خصمه ... وهو لا يكاد يراهما وقد صارا ضد مصلحته حتى يتنمر لهما ، ويأتي بالادلة العقلية والنقلية بتفنيدهما) . والتلازم بين الحقيقة والمصلحة عند الانتلجنسيا العراقية يأخذ جانبين ، او يتبلور من خلال طريقين :
الاول : ويتجلى بصورة اضحة في المسارات الشخصية اليومية ، او من خلال الجدل الثقافي والادبي والسياسي ، والانحياز للمصلحة الذاتية او الحزبية او الايديولوجية التي ينادي بها .
الثاني : ويتجلى في انضمامه الى المؤسسات الثقافية الرسمية التي تتبناها السلطة ، - لاسيما الاستبدادية منها – في سبيل الرغبة بالارتقاء والحصول على المغانم التي توفرها عادة الدولة الريعية النفطيه في العراق . ثم تاتي عادة بعد ذلك كمرحلة متأخرة من النقطتين اعلاه ، عملية التبرير والتأويل بان اتخاذ ذلك المسارين ، انما كان في سبيل الامة او الوطن او المصلحة العامة وغيرها من التبريرات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم