الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دردشة في السياسة السعودية

وليد الحلبي

2016 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


هناك مثل بدوي يقول، عندما يطول الحديث في موضوع ما، يصبح (مثل سيرة الحية)، أي عندما يبدأ سرد قصص الأفاعي، يطول الحديث بسبب كثرة القصص التي يرويها الناس عنها. كذلك الحديث عن السياسة السعودية، فهو كالحديث عن سيرة الحية، يطول ويتشعب بسبب كثرة التجارب التي عانتها الشعوب العربية والإسلامية جراء السياسة السعودية، تلك التي يعجب المرء من تناقضاتها المذهلة، ففي الحديث عن الوحدة العربية والإسلامية، تتظاهر السعودية بالحث عليهما بترديد الآية (واعتصموا)، بينما تشهد مواقفها العملية على عكس ذلك، فوقوفها ضد الوحدة السورية – المصرية عام، وعملها الدؤوب على فك عراها ونجاحها في ذلك عام 1961، وحرصها على تقريب حافظ الأسد منها برشوته بمليارات الدولارات، ودعمه في دخول لبنان عام 1976 تحت مظلة قوات الردع العربية، كان فقط لمنعه من التقارب مع العراق، وتشجيعها اليمن الجنوبي "الشيوعي" للانفصال عن اليمن الشمالي كان لإضعاف الجار اليمني كذلك أمر لا جدال فيه، أما فتح أراضيها لمئات الآلاف من الجيوش الأجنبية لقتال العراق في عامي 1991 / 2003 فدليل لا يمكن دحضه لبيان حرص السعودية على دمار أية قوة صاعدة في الجوار، كما أن موقف السعودية من رفض مشروع الهلال الخصيب مثال آخر على ذلك، حيث رفضته مع مصر، ولشخصية عبد الناصر الطاغية منتصف خمسينيات القرن الماضي، فقد وقفت الجماهير العربية ضد ذلك المشروع، مع أنه كان لمصلحتها. فدأب سياسة الدولة السعودية منذ نشأتها هو منع التقارب بين أية دولتين عربيتين – خاصة من دول المشرق العربي –، لشعورها بأن ذلك يهدد نظام الحكم فيها، حتى أنها – وهي زعيمة مجلس التعاون الخليجي منذ العام 1981- لم تقدم على أية خطوة وحدوية مع أية دولة من دوله، ولا حتى مع البحرين التي تبعد عنها ثلاثين كيلومتراً فقط، وربما كان هذا الإحجام استمراراً للوفاء بالعهد الذي قطعه المؤسس الملك عبد العزيز، لبريطانيا، بعدم مد حكمه إلى أي من دول الجوار.

أما في المجال الإسلامي، فإن دول منظمة التعاون الإسلامي، التي تشكلت بدعوة من السعودية كردة فعل على حرق المسجد الأقصى عام 1969، لم تكن سوى لامتصاص غضب المسلمين، ولتأكيد أن السعودية هي زعيمة العالم الإسلامي بلا منازع، أما ما عدا ذلك، فلم يحقق هذا المؤتمر سوى تشكيل أمانة عامة مقرها جدة – بانتظار نقله إلى القدس بعد تحريرها!-، وبعض الموظفين العاطلين عن العمل سوى قبض رواتبهم فقط، والتحضير للمؤتمرات السنوية للمجلس، والتي ينتج عنها دائماً "اللاشيء" المعهود، ومن البديهي أن يكون للسعودية نفوذ في معظم الدول الإسلامية، حيث تسود الدكتاتورية معظم دولها، وبالتالي يسهل شراء مواقف أصحاب القرار فيها بالمال، قلَّ أو كثُر.
ويبدو أن هذا الهوس السعودي في الابتعاد عن الآخرين، والحرص على تشتتهم، مرده حرصها على التفرد بادعاء تمثيل العالم الإسلامي كون أراضيها تضم الأماكن المقدسة للمسلمين في مكة والمدينة، وهي وإن رضيت بتمثيل إيران للمسلمين من المذهب الشيعي – لاختلال توازن القوى معها –،غير أنها تتمسك بشدة بادعاء تمثيل المسلمين السنة، وادعاؤها بهذا التفرد في التمثيل هو الذي كان وراء تصنيفها الإخوان المسلمين السنة على أنها جماعة إرهابية - تماماً كما تصنفها إسرائيل - ودعمها نظام الانقلاب في مصر بمليارات الدولارات، رغم القتل الذي مارسه الانقلابيون، هو تماماً كما تم دعم حافظ الأسد بمليارت الدولارات رغم إفنائه مدينة حماة عام 1982، أما الادعاء بأنها احتضنت الإخوان المسلمين الذين هربوا من بطش حافظ الأسد، فهو ادعاء مضحك، لأن هؤلاء كانوا محتجزين لديها، ولم يكن لهم الحق في ممارسة أي نشاط سياسي ضد النظام السوري، على عكس الإخوان الذين لجأوا إلى أوربا، والذين استمروا في نشاطهم السياسي.
ما يهمني هنا هو موقف السعودية من الانقلاب الفاشل الذي وقع مؤخراً في تركيا، والذي بإمكاني الجزم بأن السعودية كانت ستكون أول دولة تعترف به لو نجح،ذلك أن شبح الدولة العثمانية،وولايتها مصر، ما زال – ومنذ مئتي سنة – يؤرق الساسة السعوديين، الذين لا ينسون أن تدمير دولتهم الأولى تمَّ على يد جيش الوالي العثماني على مصر محمد علي باشا، والذين يدركون بأنه لولا سقوط الدولة العثمانية وخروجها من البلاد العربية، لم يكونوا ليستطيعون ضم مكة والمدينة إلى دولتهم وتحت حكمهم، وبالتالي ادعاء تمثيل العالم الإسلامي، وبمراجعة مواقف أجهزة الإعلام السعودي، الإم بي سي وأخواتها، والعربية وأخواتها، يتبين لنا تحسر هذه القنوات الفضائية على فشل الانقلاب في تركيا، وتشهيرها بكم الاعتقالات التي تجري في صفوف الجيش والصحفيين وغيرهم من وسائل الإعلام التركية الموالية لفتح الله غولن، وأسفها! على تضرر الديمقراطية التركية، إلا أن هذه الأدوات الإعلامية السعودية صممت بحيث لا تقيم على الأرض السعودية، بل اتخذت من "دبي" ضاحي خلفان ومحمد بن راشد، وكراً لها، وذلك كي تتظاهر السعودية بعدم تبنيها آراء تلك الفضائيات، والتي يملك معظم أسهمها – إلى جانب أصحابها السعوديين - إمبراطور الإعلام الاسترالي اليهودي "مردوخ"، وعندما دعى مجلس النواب التركي السفراء العرب لحضور جلسته بعد فشل الانقلاب، لم يحضر السفير السعودي ولا أي من السفراء العرب، بل كانت قطر هي الدولة الوحيدة التي لبت الدعوة. أما موقف المملكة من الثورة السورية، فلم يزد عن الدعم اللفظي، فهي لم تستقبل اللاجئين السوريين الذين ابتلعت مياه المتوسط الآلاف منهم وهم في طريقهم إلى أوربا، أما الذين تدعي أنها استضافتهم من السوريين، فهم العاملون فيها بإقامات نظامية، أو أقاربهم الذين وفدوا بتأشيرات زيارة ويقيمون على نفقة أقاربهم، أما تهديدات المرحوم سعود الفيصل وبعده عادل الجبير، بطرد بشار الأسد بالسياسة، وإن لم تنفع فبالقوة، فقد أصبحت محل تندر من السياسيين ورواد المقاهي على حد سواء.
واليوم، بعد أن تدمر محيط السعودية دماراً شبه كامل في العراق وسوريا ومصر واليمن، وارتُهِنَ لبنان لإيران، تجد السعودية نفسها بألف خير، وتدرك الآن أنها هي الأقدر – بما تملك من ثروة – على أن تبقى المهيمن الوحيد على الجيران، وهي التي بقوتها المالية تلك، سوف تسيطر على القرار السياسي لهذه الدول إلى أجل غير مسمى، طبعاً باستثناء القرار الإسرائيلي، والذي يمكن التعامل معه بطرق شتى، لن تعجز السياسة السعودية الذكية عن ابتكار أشكالها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح