الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل لخطاب الجلوس على كرسي الحكم - العرش -

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2016 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تحليل لخطاب الجلوس على كرسي الحكم
" عيد العرش "
بمناسبة جلوس الملك محمد السادس على كرسي الحكم ، وليس العرش لان هذا لله لا لغيره ، ألقى خطابا اختلف وتميز عمّا كان الناس والمهتمون ينتظرونه منه ، بحيث بدّد كل التخمينات والتوقعات ، حين تم ترتيبه كغيره من الخطابات التي دأب الملك على إلقاءها بمناسبات مختلفة ، فكان بذلك خطابا للاستهلاك المناسباتي أكثر منه خطابا يعكس حقيقة ما يجري بالواقع . بل ومن خلال الرجوع الى نص الخطاب ، يتبين ان الذين حرروه وأعطوه للملك لقراءته ، لا علاقة لهم بالواقع المعاش على مستوى الداخل ، ولا بالوضع الفاقئ للأعين على المستوى الخارجي ( الدولي ) ، والإقليمي (الاتحاد الإفريقي ) . فكان ان سقط الخطاب في تناقضات ، ليس لها من تفسير غير ان محرريه هم في واد ، والواقع في آخر .
وبغض النظر عن التحليلات الطبّالة للخطاب ، من الكثير من المنافقين الذين حاولوا إعطاء تفسيرات إطنابية وتزيين الواجهة في هكذا مناسبات ، فان تحليلنا سيكون مخالفا ، وقد يعتبره غيرنا نشازا وخروجا عن المألوف الذي يتحكم في أسلوب الإنشاء المحرف للحقيقية ، لكنها الحقيقة الفاقئة للأعين التي يتجاهلها " مثقفو " المناسبات ، الواقفون على ابواب القيصر ، علهم يحصلون على فتات عفن من طاولة زينت مأكولاتها بأموال الرعايا المساكين .
سنحلل الخطاب من خلال ثلاثة محاور : 1 ) المحور السياسي . 2 ) المحور القانوني . 3 ) المحور الإقليمي : الصحراء والاتحاد الإفريقي .
1 ) المحور السياسي : حتى لا نطيل ، فقد ركز من حرّر للملك الخطاب ، على الانتخابات ودور الأحزاب والناخبين ، ما دام ان النظام يحضر لانتخابات تشريعية في أكتوبر المقبل . هنا سنجد دعوة الملك المتبني للخطاب ، يحثُّ الناخبين على حسن اختيار منتخبيهم ، ويحثُّ الأحزاب على اختيار أجود وأحسن المنتخبين المرشحين لتمثيلهم بالبرلمان . كما اعتبر الملك نفسه كقيمة فريدة ، فوق العملية الانتخابية التي تعني فقط الأحزاب وجمهور الناخبين ، حين قال " أنا لا انتخب ولا أصوت " . وإدراكا منه بحقيقة العملية الانتخابية المتحكم فيها بواسطة القوانين الانتخابية وبواسطة نظام اللائحة ، اعتبر الملك نفسه ملكا لجميع المغاربة ، سواء من كان يصوت ، او يمتنع عن التصويت . اي انه وبخلاف رؤساء وملوك الدول ، هو الممثل الأسمى لل ( امة ) ألما فوق مسرحية الانتخابات ، لان اي ناخب عند ( فوزه ) في الانتخاب ، ورغم انه برلماني مصوت عليه من قبل كتلة ناخبة ، فهو يظل يمثل فقط سكان الدائرة الانتخابية التي انتخبته ، ولا يمثل الأمة التي يظل تمثيلها من حق الملك كأمير للمؤمنين .
السؤال هنا وفي ظل نظام ملكي ، اثوقراطي مزيف ، تحكمي ، مستبد ، الملك فيه هو الكل في الكل ، ولا يخضع لأية محاسبة سياسة او جنائية ، كيف يمكن تصور مشاركة الملك في عملية سياسية ، هو المشرف عليها و على نتائجها التي تصب في مجملها في خدمته شخصيا وفي خدمة ( حكمه ) . أليس الأحزاب كلها أحزابا ملكية تدور في فلك النظام لا خارجه ؟ أليس النقابات تحولت إلى إطارات في خدمة القصر وحاشيته ، لا في خدمة العمال ، والمستخدمين ، والموظفين والمنتمين اليها ؟ بماذا يفسر تحميل الضحايا إفلاس كل الصناديق وعلى رأسها صندوق التقاعد ، في حين ان اللص الذي سرق هذه الصناديق وهرب بأموالها معروف ، ولا يزال ينهب وما بدل تبديلا ؟ أليس كل الانتخابات التي عرفها المغرب منذ ستينات القرن الماضي والى آخر انتخابات ، والانتخابات القادمة ، كلها تصب في مصلحة القصر وتخدمه بالأساس ؟ كيف نفسر عدم خضوع ميزانية القصر للبحث والنقاش من قبل مجلس النواب ومجلس المستشارين ؟ فإذا كانت الاستحقاقات تخدم القصر من قبل الأحزاب التي تستظل بظله ، فلا معنى ان يشارك الملك في عملية من إخراجه ومن صنعه ، وهو المتحكم في كل نتائجها من بدايتها الى نهايتها . والملك الراحل الحسن الثاني حين اعتبر البرلمانيين بمثابة وزراء ، فهو كان يعي ما كان يقوله ، حيث بالرجوع الى الطقوس المخزنية التي تصاحب افتتاح رئيس الدولة للبرلمان كأمير للمؤمنين وليس كملك عند كل جمعة ثانية من شهر أكتوبر ، مع الالتزام باللباس المخزني التقليدي ، وإلقاء الأمير لخطابه دون ان تتبعه مناقشة من قبل ( وزراء الملك ) البرلمانيين ، فانه كان يركز على جعل يوم الافتتاح ، يوما يجسد البيعة الحقيقية من قبل ( الأمة ) بواسطة نوابها البرلمانيين ، وهي بيعة اشد وقعا من البيعة التي يؤديها كل من هب ودب في عيد الجلوس على كرسي الحكم ( عيد العرش ) . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فان اعتماد نظام الاقتراع باللائحة المعمول به منذ العشرية الأولى من الألفية الثالثة ، لا يصلح إلاّ في الدول الديمقراطية التي تحتكم في كل شيء كبير او صغير إلى الاستفتاءات الشعبية ، والى صناديق الاقتراع في ظل دساتير يحتفظ فيها الملك بدور رمزي لا تقريري . أما في النظام المخزني العشائري ، الطوطمي ، الفيودالي المغربي ، حيث الملك هو المجسد للسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية الحقيقية ، فان النظام يستعمل نظام اللائحة كفرملة وجمرك لفرض الأشخاص الطيّعين المخزنيين ، وإبعاد الأشخاص المشاكسين ، او المحرجين حتى لا نقول الثوريين ، لان الثوري الحقيقي يرفض الانخراط في عملية متحكم فيها بالقوانين والمساطر من أولها إلى آخرها .
ان فرض ورفض الأشخاص بواسطة اللوائح الانتخابية ، هو تحكم مسبوق مفروض على الناخبين ، ومكبل لإرادتهم ، وحسن اختيارهم . إنهم سيجدون أنفسهم وجها لوجه أمام أشخاص ، وان كانوا فاسدين ، فلا خيار من التصويت عليهم ، ما دام ان عملتهم الوحيدة هي رضا القصر عليهم . لذا لا نتعجب عندما سنجد نفس الأشخاص الذين اعتلوا البرلمان منذ الستينات ، والسبعينات ، والثمانينات والتسعينات على رأس القوائم واللوائح الانتخابية القادمة ، مثل العنصر ، ونبيل بنعبدالله ، ولشكر ، و بنكيران ، والعرشان ، وشباط ، والياس العماري ، وآل الفاسي ، وربما المحجوبي احرضان ، وقد تجدون عبدالواحد الراضي ، وعبدالرحمان اليوسفي ، واليازغي ، والحبيب المالكي ، وفتح الله ولعو ووووووو الخ .
إذن أمام هذه اللعبة المسرحية التي تنخرط فيها الأحزاب الملكية والنقابات ، وتوظف الرعية باسم الديمقراطية المغشوشة والمهزوزة ، تنبّه محررو خطاب الملك ليجعلوا منه حقا الأب الروحي لكل المغاربة سواء صوتوا ام لم يصوتوا . وهنا فإننا سندرج عدم التصويت بالمقاطعة ، ما دام ان الموقفين متلازمان ، يشتركان في عدم الذهاب الى صناديق الاقتراع الملكية . واعتقد ان محرري الخطاب عندما تحدثوا عن الذين لا يصوتون ، فهم كانوا يقصدون المقاطعين ، لان نسبتهم كانت دائما كبيرة في جميع الاستحقاقات الماضية .
وبالرجوع الى الخطاب سنستشف ان الملك عندما اعتبر نفسه في الخطاب ملكا لجميع المغاربة بدون استثناء ، يكون هنا قد تخلص من الطابع ( الحداثي ) للدولة المحكومة بدستور ممنوح ، ولان نسبة مهمة من المغاربة لم تصوت على الدستور ونسبة أخرى قاطعته ، فلا يعقل ان تبقى هذه النسبة المهمة المحرجة خارج خضوعها للملك الى جانب الرعايا وجيش الشباب الملكي . وهنا وبخلاف الدستور الملكي الممنوح للرعية ، يكون محرر الخطاب قد أحال الى عقد البيعة غير المكتوب ، والمفروض بقوة الحق الإلهي في دولة ليس لها من الدولة الاثوقراطية غير الاسم الذي يوظف لتطويع الرعايا العبيد داخليا . ان الله ، وليس البشر هو الذي اصطفى الأمير الإمام ، فلا بد من الخضوع لمشيئة ، ولقدر الله الذي لا خيار لخياره حتى ولو كان الأمير الإمام ، لا علاقة له بالإمامة وبالإمارة التي شروطها معروفة ، وفي حال تخلف احدها تسقط شرعا .
ان قول الخطاب هو ان الملك مفروض وليس مختار ، وبما انه مفروض من عند الله فهو يبقى على رأس الجميع أرادوا ذلك ام لم يريدوه ، اي كرها ، ومن ثم فمحرر الخطاب يجعل من الملك الأمير ، إماما مستبدا ومتسلطا رغم انف المخالفين والمعارضين .
فهل يعلم محرر الخطاب ان هناك فئة من المغاربة لا تعترف بمحمد السادس كملك ، وهناك فئة اخرى لا تعترف له بالشرعية الدينية ولا بالبيعة ، وهناك فئة أخرى لا تعترف به كملك ولا كأمير للمؤمنين ؟
وإذا عدنا الى الأغلبية التي لا تصوت او تقاطع وهي مقلقة للقصر ، فماذا يعني عدم استجابتها لنداء الملك بالذهاب للتصويت في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، حيث ان نسبة المقاطعة كانت بنسبة جدة كبيرة ؟ هل عدم استجابتها ورفضها لنداء الملك ، هو رفض للملك شخصيا ، او لنظامه ، او هو رفض لكل أنواع الملكيات المطلقة ، ام هو رفض للدولة ، اي رفضٌ تجاوز حتى الملكية البرلمانية لصالح الجمهورية ؟
وماذا عن الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية في المغرب ، الذي يرفض شخص الملك ونظامه دون تحديد موقف واضح من طبيعة الدولة الديمقراطية ، هل ستكون ملكية برلمانية ام جمهورية ؟ وللإشارة ومن خلال كتابات مصطفى أديب الى الآن عبر النت ، لا يزال الموقف غامضا بخصوص الإمامة والإمارة ، ليس مع شخص محمد السادس ، بل الموقف من هذا النظام اللاديمقراطي المسمى ظلما " إمارة المؤمنين " .
ثم ماذا عن حركة الجمهوريين المغاربة التي ترفض الدولة وليس فقط النظام ؟ وماذا عن مختلف فصائل النهج الديمقراطي ، من قاعدي ، وماوي ، وكُرّاسي ، ومن أماميين ثوريين ، وبديل جذري ، وتروتسكيين ، واناركيين ..لخ الذين يرفضون كل الدولة ، وليس فقط محمد السادس او نظامه ؟
ثم ماذا عن جماعة العدل والإحسان التي اعترفت في وقت سابق بحكم محمد السادس كملك ( مضمون رسالة إلى من يهمه الأمر ) ، لكن بعد فترة عادت الجماعة الى مواقفها السابقة من عدم الاعتراف للملك بالشرعية الدينية وتشترط البيعة المقيدة لا المطلقة ؟
وإذا نحن عرجنا على الأقاليم الجنوبية ، فان تنظيم أي استفتاء لتقرير المصير ، ستكون نتيجته نحو الانفصال بنسبة 99 في المائة . فماذا تعني هذه الحقيقة . أليس سكان الصحراء لا يعترفون ليس بشخص محمد السادس ولا بنظامه ، وإنما هم ضد الدولة في مجملها ؟ أليس هذه الحقيقة في أن سكان الصحراء ، لا نقول قد خلعوا بيعة النظام من عنقهم ، هي دليل على رفضهم إطلاقا ( للإمامة وللإمارة ) وللملكية ؟
ثم ماذا عن أهل الريف وجمعياتهم مثل حركة 18 سبتمبر التواقون الى الجمهورية كما حاول تأسيسها المجاهد عبدالكريم الخطابي في عشرينات القرن الماضي ؟
وماذا عن ضحايا اعتداءات مجرمي محمد السادس الذين نصبهم على الأجهزة الأمنية التي يوظفونها في الاعتداء على الناس ظلما وعلى رأسهم ( مستشاره الأمني والسياسي ) المدعو فؤاد الهمة ، والمدعو الشرقي ضريس الوزير المنتدب في الداخلية ، والمدعو عبداللطيف الحموشي المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للامن الوطني ، والوالي مستشار المدعو الشرقي ضريس بالمديرية العامة للشؤون الداخلية المدعو نور الدين بن إبراهيم ، ورغم رفع نداءات التشكي له لأنه هو رئيسهم القانوني والدستوري لم يجب ولم يستجيب ، بل انحاز الى جانب المجرمين المعتدين على حساب المعتدى عليهم . ومما يحضر له من قبل المدعو فؤاد الهمة وبتحريض من المدعو الشرقي ضريس اللذين يحرضان الملك على الدرك الملكي حين تم استبعادهم من أمام الاقامات الملكية ، ان يصبح مستقبلا جهاز الدرك مثل المفتشية العامة للقوات المساعدة تابعا مباشرة لوزارة الداخلية ، وليس لإدارة الدفاع ، حتى يسهل عليهما تلغيمه بالمقربين والأحباب والأصدقاء ، ومن ثم يسهل عليهم بسط اليد طولا وعرضا على المغرب بخلق الدولة الأكثر من بوليسية بعد سيطرتهم على الجيش من خلال الجنرال العجوز عروب . بل لماذا أغمض الملك أعينه عن الاعتداءات المتكررة والعديدة التي تعرضت لها شرائح مختلفة من المجتمع المغربي قضاة ومهندسون ومستثمرون ... لخ . وبلغ الظلم بعضهم ان وجه للملك رسالة يخلع فيها بيعته من عنقه ، رغم انه لم يبايعه قط مثل المهندس احمد بن الصديق ، والقاضي قنديل ، والقايد فنيش الذي لا يزال ينتظر إصلاح الضرر والاعتداء الذي تعرض له ؟ ( فنيش لم يسحب البيعة وانتقد طريقة الركوع في عيد الجلوس على كرسي الحكم ) .
ان هذه الأكثرية من المغاربة ، منها من يرفض شخص محمد السادس ، لأنه لم ينصفه من الاعتداء والظلم المسلط عليهم ، لأنه ليس عادل ، لان أساس الملك العدل المفقود ، ومنها من يرفضه كملك بسبب جهله التام بما يحصل بالدولة التي سلمها إلى المجرمين المذكورين ، ومنها من يرفض نظامه دون الدولة ، ومنها من يرفض تزكية ( مشروعيته الدينية ) ، ومنها من يرفض ليس فقط شخص محمد السادس او نظامه ، بل يرفض الدولة العلوية برمتها .
ان هذه الفئات أعلاه ترفض ان تسلط عليها اية سلطة دون إرادتها ورغبتها ، وتبقى فئات ثورية رافضة للأمر الواقع الذي يريدون فرضه عليها . ومن ثم فان محرري الخطاب حين حرروا الخطاب الذي تلاه الملك دون إدراك كنهه ، يكونون بمن يزكي المأسسة لشخص الدكتاتور المستبد المتسلط والطاغية ، وتكون العملية بالنتيجة ضد النظام الديمقراطي المتاجر به للواجهة الخارجية ، وبالأخص الواجهة الغربية . وبخلاف ما جاء في الخطاب من ان الملك هو ملك لجميع المغاربة ، سواء صوتوا ، او لم يصوتوا ، او قاطعوا ، فان تنظيم الاستفتاء بالصحراء تحت إشراف الأمم المتحدة ، او حصول تحول جذري في طبيعة المؤسسات وعلاقتها بالشارع ، سيفند إطلاقا أسلوب التعميم ، ليتبين ان الملك ليس ملكا لجميع المغاربة ، بل هو ملك لجزء منهم فقط ، بل حتى هذا الجزء هو قابل للتحول من موقف الى آخر ، تبعا لدينامكية النضال ودرجة الحراك .
2 ) المحور القانوني : يعتبر خطاب الجلوس على كرسي الحكم ( العرش ) الذي ألقاه الملك ن خطاب اعتراف بوجود الفساد من أعلى سلطة بالبلاد . يقول الملك " إن الفساد ليس قدرا محتوما ، ولم يكن يوما من طبع المغاربة ، غير انه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد ، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع مبرزا انه لا يوجد احد معصوم منه سوى الأنبياء والرسل والملائكة .. " .
نستشف هنا ، أن الفريق الذي حرر الخطاب ، كان يحاول جاهدا إيجاد تبرير سيكولوجي ، وليس منطقي للفساد المستشري من قبل " خدام الدولة " ، خاصة الفضيحة حول عامل الرباط المدعو لفتيت . واذا كان الفساد ، وكيفما كان يبقى فسادا يلزم مواجهته بالإجراءات الضبطية ، فان تلاوة الملك للخطاب ، هذا إذا كان قد أدرك مضمونه ، هو اعتراف صريح بفضائح وثائق باناما ، وبتهريب الأموال بالعملة الصعبة إلى خارج الوطن ، وبالتهرب الضريبي ، وبالحسابات البنكية المفتوحة بطرق غير قانونية بالابناك السويسرية وبفرنسا وأمريكا .
ان هذا الاعتراف من الملك يبطل كل الدعوات التي تريد النيل من المفسدين ، باللجوء الى السلك القضائي المغربي الذي يصدر أحكامه باسم الملك ، وقضاته هم مأمومون لرئيسهم الإمام الذي هو الملك . فهل المأموم ( القاضي ) سيجرأ على البحث في دعوى ضد رئيسه الإمام الملك القاضي الأول ؟ وهل يستسيغ أن نتصور أنّ الأحكام ستصدر باسم الملك وضد الملك وينفذها أعوان الملك على الملك ؟
وما دام ان الملك ردد في خطابه " لا احد معصوم من الفساد " فهذا يعني ان الفساد في بعض مظاهره يأتي منه كذلك ، وليس فقط من ما يطلق عليهم " خدام الدولة " .
لكن بالمقابل سنجد الملك ولكي يتمكن من الحفاظ على مصالحه ومصالح أعوانه ومحيطه ، فهو لم يتردد في استعمال لغة التهديد والوعيد ، باللجوء الى سلطات الضبط من بوليس وقضاء ، بدعوى المحافظة على النظام العام . ان لغة التهديد هذه هي موجهة بالأساس ضد من يستنكر الفساد ايا كان حجمه وأيا كان مصدره ، وهي لغة ليست بالجديدة ، بل هي لغة استعملها النظام منذ الستينات لردع وضرب المعارضة ، ويستعملها النظام اليوم باسم السلك القضائي لتوريطه في زجر المعارضين لا المفسدين .
فهل بعد هذا الاعتراف من الملك بالفساد ، والتهديد بضرب كل من سولت له نفسه مقاومة الفساد ، باللجوء الى سلطات الضبط الإداري ، بقي ان نشكك في أصل النظام المبني على الفساد ؟ وما الجدوى من رفع دعاوى ضد الفساد او ضد الملك او احد أفراد الأسرة الملكية ، او احد اللصوص " خدام الدولة " ، او احد أصدقاء الملك مثل الماجيدي او فؤاد الهمة ، إذا كان الملك يقر بالفساد ولم يحرك القانون لمواجهة هذا الفساد . ان الملك كرئيس للسلك القضائي ، والسلك التنفيذي والمشرع الأول ، هو مسئول عن الفساد بالدولة . ومسئول عن تصرفات مستشاريه ، ووزراءه عن كل تصرف يلحق الأذى بصورة المغرب . فهل يستطيع الملك تحريك القانون ضد صديقه الحميم فؤاد الهمة ووزيره صلاح الدين مزوار بعد فضيحة مرقص وخمارة الدوحة ؟ هل يستطيع ان يسير على خطى الحسن الثاني الذي لم يتردد في معاقبة رئيس المجلس الأعلى للقضاء المدعو ميكو بعد وفضيحة لندن حيث هاجم على فتاة قاصر بالفندق الذي كان يقيم به ؟ .
بل ومن حقنا ان نسأل : هل الملك مسير ام مخير ؟ وفي ظل أوضاع كهذه حيث الفشل ضرب كل القطاعات وفشلت كل السياسات . من يحكم اليوم بالمغرب ؟ من يلحق به الاهانات تلو أخرى ، ومن يسيء له داخليا وخارجيا ؟
3 ) المحور الإقليمي – الاتحاد الإفريقي : لفهم مضمون الشق المتعلق بالموقف من الاتحاد الإفريقي في الخطاب الملكي ، يتعين الرجوع لإجراء مقارنة بين ما ورد في الخطاب بخصوص هذا الموضوع ، وبين ما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى المؤتمر السابع والعشرين للاتحاد الإفريقي بكيغالي برواندا . ان المتمعن المحلل لخطاب الجلوس على كرسي الحكم ( العرش ) سيجد تراجعا أكيدا عمّا جاء في الرسالة الملكية الى الاتحاد الإفريقي .
بالرجوع الى الرسالة الموجهة الى الاتحاد الإفريقي ، والتي احتفظ بها إدريس ديبي في أسفل درج مكتبه ، ولم تحظ باهتمام الأفارقة الذين تجاهلوها أصلا ، سنجد ان القصر استعمل لغة خشبية متعالية وآمرة معتقدا انه يخاطب الرعايا الذين لا حول ولا قوة لهم إزاء مختلف المظالم التي يتعرضون لها ، وذلك حين انفرد القصر يفرض على القادة الأفارقة شروطا تعجيزية هي ضد القانون الأساسي للاتحاد ، مثل ربط ( عودة ) النظام إلى حظيرة الاتحاد بشرط طرد عضو مؤسس للاتحاد ، الجمهورية الصحراوية . والواقع ان النظام هنا سقط في ارتباك وارتجال حين اختلط عليه الأمر بين العودة إلى منظمة غير موجودة هي منظمة الوحدة الإفريقية ، وبين الانضمام إلى منظمة جديدة لا يعتبر عضوا فيها ، اي انه خارجا عنها ويطالب بطرد عضو فيها . فإجراءات الانضمام ليست هي إجراءات العودة . ورغم رسائل الاستجداء التي نقلها أعوان الملك إلى الرئيس الجزائري والرئيس الموريتاني ، فقد وقفتا هاتين الدولتين موقفا صلبا ضد شرط النظام بربط ( العودة ) الانضمام بطرد الجمهورية الصحراوية ، فجاءت كل قرارات القمة مناصرة لجبهة البوليساريو وجمهوريتهم ، وضد أطروحة النظام بخصوص النزاع حول الصحراء .
ما يلاحظ من جديد في خطاب الجلوس على كرسي الحكم بالنسبة لعلاقة النظام بالاتحاد ، وبخلاف الرسالة الملكية الى المؤتمر السابع والعشرين للاتحاد ، انه استعمل لغة ناعمة وليست خشبية ، حين أكد على حتمية الانضمام إلى الاتحاد مع الاحتفاظ بالحقوق دون ان يحددها ، وهو يعني بها الصحراء .
يلاحظ هنا ان النظام عندما سيقرر الانضمام إلى الاتحاد وليس العودة ، من جهة سيكون مجبرا على احترام القانون الأساسي للاتحاد ، ومن جهة فان من أهم شروط قبول انضمامه أن يتخلى ويتنازل عن شرطه التعجيزي بربط الانضمام كعضو جديد ، بطرد عضو مؤسس قديم . وهنا فان طلب النظام بالانضمام الى الاتحاد ، سوف لن يجد معارضة من أية دولة ، بما فيهم الجمهورية الصحراوية ، وموريتانيا ، والجزائر ، وجنوب إفريقيا .. الخ .
لكن السؤال : إذا أذعن النظام المغربي للقانون الأساسي للاتحاد الإفريقي ، وقبل بكل الشروط المنصوص عليها لقبول اي عضو جديد ، وتخلى عن شرطه ، كما جاء في خطاب الجلوس على كرسي الحكم ( العرش ) ، بطرد الجمهورية الصحراوية العضو المؤسس للاتحاد . ألا يكون النظام بهكذا تحول مفاجئ قد رضخ لشروط الجزائر ، وأضحى يعترف بالجمهورية الصحراوية التي يجلس في مقعد الى جانب مقعدها بالاتحاد الإفريقي ؟ . والسؤال : ماذا حصل بين 1984 والآن بخصوص مغربية الصحراء . هل حسم النظام المعركة التي لا تزال مفتوحة وتصب عالميا في أطروحة معارضي مغربية الصحراء ؟ هل سيقبل بتنظيم الاستفتاء الذي طالب به منذ الستينات ، وفي سنة 1982 وفي اتفاق الإطار الذي أعده جميس بيكير ؟ ام أن للنظام سياسته ، وربما خططه الرامية الى العمل على تقسيم الاتحاد الإفريقي بعد الانضمام إليه ، ليصبح الاتحاد اتحادين ، واحد يمثل النظام المغربي وأصدقاءه ، واتحاد يمثل النظام الجزائري ومؤيديه ؟ .
من خلال التراجعات التي عكسها الخطاب الملكي بمناسبة الجلوس على كرسي الحكم ( العرش ) بخصوص القضية الوطنية ، ومقارنة مع الرسالة الملكية إلى مؤتمر القمة السابع والعشرين للاتحاد الإفريقي ، يبدو أن النظام الذي أضحى معزولا دوليا وإقليميا ، يبحث عن مخرج لقضية الصحراء ، قد يجد تبريره بالشرعية الدولية ، من قرارات مجلس الأمن ، إلى الجمعية العامة ، إلى الاتحاد الأوربي ، إلى البرلمان الأوربي ، إلى الاتحاد الإفريقي ، الى حكم محكمة العدل الأوربية التي ستزكي استئنافيتها قرار محكمة الدرجة الأولى الذي ألغى المعاهدة التجارية بين النظام ، وبين أوربة بخصوص الثروات الصحراوية .
فما رأي الشعب المغربي في فشل النظام في المحاور الثلاثة التي حللنا ، المحور السياسي الذي ركز على دكتاتورية شخص الملك " انا ملك جميع المغاربة " ، والمحور القانوني الذي اعترف فيه الملك بالفساد ، ولجأ لسلطة الضبط الإداري لتلجيم وتخويف المعارضين ، والمحور الإقليمي ، الصحراء والاتحاد الإفريقي الذي سجل تراجعا فاضحا عمّا جاء في الرسالة الملكية إلى مؤتمر رؤساء القمة السابع والعشرين للاتحاد الإفريقي ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي