الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاقية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة (دليل عملي )، رقم 19 الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، المفوضية السامية لحقوق الإنسان: قراءة سوسيومفاهيمية:

نزيه حاجبي
كاتب وباحث

(Nazih Hajibi)

2016 / 8 / 4
حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة


سنتناول في هذه الورقة قراءة سوسيومفاهيمية - قراءة نقدية في الفاعلين والمفاهيم - في كتاب عبارة عن دليل عملي، وهو "اتفاقية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة (دليل عملي ) رقم 19"،الذي أعدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وذلك من خلال استعراض تعريف عام للكتاب معنى ومبنى، ثم سنحاول الجواب عن سؤال جوهري نربط فيه بين الأشخاص في وضعية إعاقة وقضية التعليم، وهو " هل يحتاج الأشخاص في وضعية إعاقة تنمية خاصة أم تنمية مندمجة تنبني على الشمول والتنوع والادماج والتكامل؟ إشكالية سوسيومفاهيمية"، بحيث سنقف على دور الفاعلين داخل الكتاب وأهمية استحضار خصوصيتهم ومبدأ الفارقية فيما بينهم وهو ما غاب عن معدي الدليل، ثم القيام بمحاولة لإعادة النظر في المفاهيم التي تهم الإعاقة (معاق، شخص معاق، أشخاص ذوي احتياجات خاصة، أشخاص في وضعية إعاقة)، والتقعيد لها، وذلك بالمراوحة بين ما جاء في الاتفاقية وما يمليه الواقع انطلاقا من تجربتي الميدانية، معطيا بذلك أمثلة من واقع التعليم في علاقته بمفهوم الإعاقة ( الأقسام الخاصة، المدارس الخاصة، الأقسام المدمجة...).
أولا: التعريف بالدليل:
يعتبر كتاب "اتفاقية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، رقم 19"، الذي أعدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، دليلا عمليا شموليا يستهدف كافة الفاعلين المعنيين بالإعاقة، مهما تخالفت مقاييس تدخلهم، وتنوعت مؤشرات فعلهم. ينتظم هذا الدليل في سبع وحدات رئيسة موزعة على 117 صفحة: (ماهي الإعاقة؟، مدخل موجز إلى الاتفاقية، التصديق على الاتفاقية، تدابير التنفيذ، التمييز على أساس الإعاقة، أطر تنفيذ ورصد الاتفاقية على الصعيد الوطني، تقديم التقارير إلى اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، البروتوكول الاختياري)، وقبل أن يناقش الدليل بشكل إجرائي محتويات هذه الوحدات السبع ويفصِّل فيها، تم وضع تقديم منهجي وتقني أطلق عليه إسم " نبذة عن دليل التدريب". عمل خلالها على تبيان المرجعية المعتمد عليها في بناء هذا الدليل، والمتمثلة في كل من "اتفاقية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة" و"البروتوكول الاختياري" اللذين صدرا عام 2006، ليكونا الوسيلتين –حسب الدليل- لتحسين احترام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والذين يمثلون - حسب الدليل- زهاء 15% من ساكنة العالم، لكن وبعد التصديق عليهما من قبل مختلف دول العالم (ومن بينهم المغرب) كان ولابد من وضع دورات تدريبية لفائدة هذه الدول لبناء وتأهيل قدرات فاعليها.
كما حاول هذا الدليل وضع الفاعل المعني في إطار عام حول السياقات المصاحبة لتطور مفهوم الإعاقة، وكيف تم بلورة أفكار هذا الدليل العملي، مرورا بتحديد "الجمهور المستهدف" أو ما يسمى بالفاعلين المعنيين بإشكالية الإعاقة، وقد حددهم الدليل في تسعة فاعليين مرتبين تنازليا كما يلي: ( ممثلي الحكومة، ولا سيما جهات الاتصال وآليات التنسيق المتصلة بالاتفاقية، أعضاء البرلمان، القضاة، ممثلي وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها المتخصصة، ممثلي المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات التي تمثلهم، منظمات المجتمع المدني، ممثلي وسائط الإعلام، المهنيين العاملين في مجالات ذات صلة مثل الصحة والتعليم وخدمات الدعم وغير ذلك). أما طريقة تنزيل بنود هذا الدليل فقد تم وضعها على شكل شرائح حاسوبية تتضمن أسئلة وأجوبة يعقبها نشاط جماعي، عن طريق تبني منهجية تفاعلية تشجع على نهج تشاركي، ومحاولة سد الثغرات المعرفية التي قد يواجهها "الميسرون" أي المشرفون على الدورات التدريبية لفائدة الفاعلين التسعة السالفي الذكر، بحيث سيشرف على هذه التداريب قسم المنهجيات والتثقيف والتدريب التابع للمفوضية السامية.
كما تحدد الوثيقة التقديمة للدليل طريقة تفعيل "التقييم"، والمبني على الغايات التي يتوخى الفريق تحقيقها، بحيث تم تبني تقييما مرحليا حسب مراحل التداريب، بدءا من التخطيط وصولا إلى المتابعة، مرورا بالتصميم والتنفيذ، وأهم جواب تتغيا هذه التداريب الإجابة عنه، كيف يمكن تطبيق ما اكتسبه الفاعلون؟ وكيف سيساهم عملهم في تغيير المجتمع المحلي/ المجتمع على نطاق واسع؟
ثانيا: هل يحتاج الأشخاص في وضعية إعاقة تنمية خاصة أم تنمية مندمجة تنبني على الشمول والتنوع والادماج والتكامل؟ إشكالية سوسيومفاهيمية:
- الفاعلون:
إن الفاحص لمحتويات الدليل الذي أعدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، يكتشف وهو يغوص داخل صفحاته تضاربا في الأفكار، فهو مثلا يشير في تقديمه المنهجي التقني كما سبق وأشرنا إلى مختلف الفاعلين المستهدفين به، كما رتبهم من العام إلى الخاص حسب دائرة اهتمامهم و مجال تدخلهم، لكن في عرض الكتاب لا نجد محاور لتدريب عملي يهم كل فاعل على حدة، علما أن لكل فاعل خصوصيته المعنوية، كما تختلف استراتيجية تدخله عن الآخر، بحيث لا يمكن أن تكون استراتيجية تدخل "ممثلو الحكومة" هي نفسها استراتيجية تدخل المجتمع المدني أو القضاة، فالقضاة لهم اختصاصهم القانوني، اما المجتمع المدني فله اختصاص مدني يقوم على المرافعة والمناصرة، وإن لزم الأمر فله قوة اقتراحية ضمنها له الدستور (نموذج المغرب)، حيث أن ممثلي الحكومة لهم صلاحيات أعلى وأشمل. وهذه أمور تغيب داخل صفحات هذا الدليل العملي.
- المفاهيم:
أما من ناحية المفاهيم فنجد أن الدليل العملي جاء بأمور مستجدة، وإذا ما قارناها بما هو معمول به في كل بلد نجد اختلافا كبيرا بين مقتضيات الدليل وبين الممارسة الميدانية، فقد أكد الدليل على أن الإعاقة مفهوم لازال قيد التطور، فهي ذلك التفاعل بين الأشخاص ذوي العاهات والحواجز الخارجية التي تحول دون مشاركتهم في المجتمع، وهذا أمر ركزت عليه الاتفاقية كذلك في الفقرة (ه) من الديباجة، لكن ما يعد نقصا في الدليل هو كيفية تنزيل هذا المفهوم من شكله النظري إلى ما هو تطبيقي عملي، وهذا ما جعل مجموعة من البلدان خاصة المغرب تعمل بالمفاهيم الجديدة كعناوين وشعارات فقط، في حين مازالت تشتغل بالمفاهيم القديمة على مستوى المضامين، هي فقط قامت باستيراد المفهوم جاهزا دون أن تستطيع بلورته عمليا، وإليكم المثال التالي:
قبل أن نستعمل مفهوم "الأشخاص في وضعية إعاقة"، كان دارجا استعمال مفهوم "الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة"، وبين المفهومين اختلاف كبير جدا، فالمفهوم الأخير يعتبر عاما تعوزه الدقة، إذ يمكن أن نلحق به غير الأشخاص في وضعية إعاقة، فحتى (الأطفال في وضعية سجنية، والشيوخ، وأطفال الشارع، والمتسولون، والأطفال المشغلين...) لهم احتياجات خاصة، وحتى نحن الأسوياء لنا احتياجات خاصة، فالحرية والسكن والوظيفة والكرامة والأمن احتياجا خاصة في حالة غياب أحدهم أو أكثر. لأجل ذلك عندما كان معمولا بهذا المفهوم كانت السياسات والبرامج المسطرة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة لا تؤتي أكلها لأنها لم تكن بتلك الخصوصية التي تهم الشخص في وضعية إعاقة حتى تجيب عن احتياجاته وتلبي طلباته، وترقى إلى تطلعاته، ويمكن أن نأخذ التعليم كمثال لنبين فشل هذا المفهوم، فقد عمل المغرب على وضع ما يسمى بالأقسام الخاصة أو المدارس الخاصة لفائدة هذه الفئة، بناء على مبدأ التخصيص المستقى من المفهوم، بمعنى آخر أنه تم تكريس التمييز عن طريق عزل الشخص في وضعية إعاقة عن محيطه، وبالتالي فطابع التخصيص هذا يفضي إلى التهميش والإقصاء والاستبعاد، بحيث عندما نزج بهؤلاء داخل أقسام خاصة أو مدارس خاصة فإننا نفضي بهم إلى أربعة أشياء تناقض أهدافنا المتمثلة في تحقيق الاندماج والتأهيل وتطوير القدرات، وهي:
- عزل المدرسة عن محيطها.
- يكون التفاعل بين الأشخاص في وضعية إعاقة فقط.
- محدودية التنوع.
- المشاكل التي تناقش تتأثر بالبيئة المركزة على الإعاقة
إذا، نستنتج أن مفهوم" الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة" يعرف اختلالات سوسيومعرفية بين الوسيلة والغاية، مما جعل التنمية في صفوف الفئة المستهدفة تتقدم نحو الخلف. فكل مفهوم إذا لم تكن له رؤية ورسالة تقوده وأهداف استراتيجية وتكتيكية واضحة المعالم ومتكاملة فيما بينها، فإن مصيره الموت، بل تكون له انعكاسات سلبية على هذه الفئة، خاصة ما تعرفه هذه الفئة من هشاشة كبيرة.
بناء على كل ما سبق جاءت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بصياغة جديدة للمفهوم، كانت أكثر تحديدا ودقة، وهنا لابد أن نشير إلى مفاهيم أخرى قبل التفصيل في مفهوم "الأشخاص في وضعية إعاقة"، ومن بينها مفهومي "معاق" و"شخص معاق"، فالمفهوم الأول أي المعاق، فهو يدل على اختزال الشخص في إعاقته، وتغييب كل ما سوى ذلك، فنحن عندما نطلق على الشخص هذا التوصيف فإننا نمركزه داخل العاهة التي تمثل عجزا عن قيامه بأحد الوظائف، ومن تم فهي تعوقه على الانخراط بشكل طبيعي داخل الحياة الاجتماعية، وبالتالي ننفي عنه باقي قدراته ومهاراته الأخرى التي يمتلكها.
أما مفهوم "الشخص المعاق"، فإننا نتوجه إلى الشخص في حد ذاته كهوية إنسانية، تشكل الإعاقة واحدة من خصوصياته، وهو أقرب إلى المفهوم الذي تبنته اتفاقية الأمم المتحدة، بحيث أننا نضع إعاقة الشخص على اعتبارها مشكلا صحيا على قدم المساواة مع باقي الخصوصيات التي يمتلكها الشخص.
فيما يخص المفهوم قيد الاشتغال، والمعمول به حاليا، والمتمثل في "الأشخاص في وضعية إعاقة"، فهو من حيث الشكل يبدو متكاملا، فقد توفرت فيه الوحدات المهيكلة للمفهوم، بحيث أننا نتوجه إلى الشخص في كليته الإنسانية ولكننا نربطه بمحيطه مجاليا وزمنيا، أما من حيث المضمون نعتبره كائنا اجتماعيا تفاعليا وتواصيا، وبالتالي ننتقل من مفهوم الإقصاء والاستبعاد إلى مفهوم الادماج والاستيعاب.
وعليه، فعندما نريد أجرأة هذا المفهوم وفق شاكلته أعلاه، نخلص إلى ما يلي:
نبقى دائما في مثال التعليم، باعتباره ركيزة المجتمع وسبيل نهضته، فإذا كان مفهوم "الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة" يركز على التخصيص، فمفهوم "الأشخاص في وضعية إعاقة" يركز على الادماج والتشارك المجالي والزمني مع باقي أفراد المجتمع تحقيقا لمبدأ "الانسان كائن اجتماعي"، وبالتالي فلا بد من وضع الشخص في وضعية إعاقة داخل مدرسة تستدمجه مع باقي أقرانه غير الأشخاص في وضعية إعاقة، وقد تبنى المغرب ما يسمى بالأقسام المدمجة، لكنها لم تحقق غاياتها نظرا لغياب مقاربة مندمجة، فقد كانت فكرة نازلة من فوق سرعان ما رفض تطبيقها باقي الفاعلين التربويين إما لعدم إشراكهم فيها أو لضعف تكوينهم في هذا الخصوص، أو هما معا وهذا هو الغالب.
وإذا ما استطعنا، وبشكل تشاركي تنزيل مفهوم "الأشخاص في وضعية إعاقة" في قطاع التعليم كما نصت عليه المواثيق الدولية، فإننا سنحصل على مدرسة تكسب الأشخاص في وضعية إعاقة ما يلي:
- القدرة على تخطي الحواجز.
- توقعات المجتمع والفرص الكامنة فيه.
- النظريات والمهارات المجتمعية.
- إمكانية تقاسم الأماكن والالتزامات.
- أوليات المشاركة في الحياة العامة.
وبالتالي، فالتنوع داخل الفصل الدراسي يعكس التنوع داخل المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. اعتقال سيدة اصطحبت جثة رجل إلى البنك لسحب أموال ق


.. الأمين العام للأمم المتحدة: يجب دعم إنشاء دولة فلسطينية مستق




.. الأمين العام للأمم المتحدة: العمليات الإسرائيلية في غزة خلفت


.. -اليونيسف-: طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة




.. العربية ترصد الواقع المأساوي للاجئين السودانيين في تشاد