الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام تقسيم الدول

محيى الدين غريب

2016 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


منذ الثمانينات ويغرق إعلام الدول العربية فى مستنقع من الأوهام حول مخططات وهمية لتقسيم وتفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة وضعيفة بغرض إستنزافها في صراعات طائفية ومذهبية داخلية وحدودية. ويتسابق المفكرين والكتاب والمحللين فى الإسهاب حول هذه المخططات الغربية والصهيونية التى تحاك للدول العربية ليلا ونهارا، وللأسف فهم يفكرون ويحللون بناء على أوهام وأساطير يتداولونها، وليس على أساس من العلم ولا حتى المعرفة البسيطة للتاريخ والجغرافيا.

ذلك لأن هذه المخططات هى نسخ مكررة ومبالغا فيها لأفكار المفكر الصهيونى "برنارد لويس" الذى تعمد خلط الحقائق والخرافات بتشكيل خرائط مزعومة لا أصل لها لتفتيت الشرق الأوسط منذ 1992. ومع أنه استثنى مصر من احتمالات التقسيم، إلا أن البعض أجتهد وأضاف تقسيم مصر إلى 4 دويلات*. (المخططات منشورة منذ أكثر من 30 سنة ولم يذكر مرة واحدة أن ثورات الربيع العربى واحدة من بين مخططات التقسيم والتخريب ).

وذلك لأن معظم دول الشرق الأوسط وأفريقيا ودول أخرى فى العالم جميعها تعرضت إلى التقسيم مرارا وتكرارا عبر التاريخ. جميعها تغيرت حدودها الجغرافية، بل أن بعضها لم يكن موجود على خريطة العالم. جميعها عبر الغزوات والإستعمار والحروب والمعاهدات والوصايا، نزعت منها أو ضمت إليها مساحات أو أدمجت داخل دول أخرى قسرا. جميعها أرغمت شعوبها أن تتعايش عنوة مع أعراق وطوائف وديانات ومذاهب لا تتنتمى إليها.

وذلك لأن جميع ماتم قسرا وما سيتم فى المستقبل من تقسيم للدول لن يدوم طويلا، جاء وسيجيئ دائما بالفشل ولو بعد حين بعد أن زاد الوعى بضرورة التطبيق الديمقراطى، وبعد أن قويت المنظمات الحقوقية. فلقد سقطت الإمبراطورية العثمانية 1922 وتفككت ولاياتها إلى دول، ومحيت أتفاقية سايكس بيكو بعد أن تحررت دول الهلال الخصيب ما بين 1932 و 1946، وسقط الاتحاد السوفيتي فى 1989 وتفكك لـ15 دولة مستقلة، وأستقلت 4 دول من يوغوسلافيا السابقة.

وبالطبع هناك العديد من المخططات فى منطقة الشرق الأوسط خاصة، كما كان دائما على مدى العصور ضمن تصورات كل دولة لتحقيق مصالحها على المدى القريب والبعيد، وضمن تصورات الواهمون فى الخلافة الإسلامية وما إلى ذلك. ولكنها لا تعدو أن تكون أمنيات إستعمارية أو منفعية أو إستغلالية لبعض الدول، ولا تعدو أن تكون وسيلة تكتيكية عادية لإضعاف الدول العربية وإغراقها وتشتيتها فى مثل هذه المخططات، ولا تعدو أن تكون فخا للخائبين والنائمين الذين هم عن مصالح بلادهم ساهون. فهذه المخططات لا يمكن تنفيذها إلا بمباركة وموافقة ومساعدة الدول العربية نفسها.
لو أخذنا دولة مثل سوريا كمثال، والتى لم يكن لها وجود قبل القرن الثالث قبل الميلاد، حيث دعيت لأول مرة باسم سوريا (كلمة يونانبة الأصل) خلال العهد السلوقى في القرن الثالث قبل الميلاد. قامت على أرض سوريا منذ ذلك حضارات كثيرة وتعدد شعوب سكنها، من السومريون و الأكديون والكلدان والكنعانيون والآراميون والحيثيون والبابليون والفرس والإغريق والرومان والبيزنطون، وأخيرا العرب والعثمانيون، ثم خضعت للانتداب الفرنسي حتى الاستقلال فى عام 1946.
ولقد دمرت سوريا وحلب عدة مرات وأعيد تقسيمها وتضخمت وتقلصت مساحتها عدة مرات ووصل عدد سكانها فى بعض الفترات إلى الثلث. ثم أثناء الإستعمار العثمانى فى القرن الخامس عشر أصبحتا كلا من سوريا وحلب ولايتين مستقلتين ضمن بلاد الشام حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918. ثم تحت الإنتداب الفرنسى وبموجب أتفاقية سايكس بيكو تم المزيد من "لخبطة" المنطقة.
سوريا الجغرافية والتى كانت تشمل منطقة مؤلفة من أكراد وسريان وأرمن وعرب، استطاعت الحروب والغزوات قسرا ضم أجزاء منها أونزع أجزاء أخرى رغما عن إختلاف الأعراق والمذاهب والطوائف واللغات.

وذلك لأنه لولا أوهام الديكتاتور صدام حسين لما غزت العراق الكويت، ولولا الفاشيات الدينية ومساعدة البلاد العربية لما قامت الحروب فى العراق وسوريا واليمن وليبيا.

وذلك الأخيرة لأنه من الطبيعى وبزيادة الوعى والتعليم والتطلع إلى الديمقراطية أن تطالب الشعوب بإعادة التقسيم وبالإستقلال لعدم التجانس وهو مايحدث الآن.
تقسيم الدول على أساس سليم وبرغبة شعوبها يعد حلا نافعا وليس إضعافا لهذه الدول لتجنب الصراعات العرقية أو الدينية أو المذهبية أو الطائفية لاحقا كما يحدث الآن. ويمكنها بعد ذلك إقامة تحالفات سليمة على أساس المصالح المشتركة. كما أنه ليس بالضرورة أن تقاس قوة الدول بمساحاتها أو كثرة أعدادها.
ويبدو أن ثورات الربيع العربي ولو بعد حين ستكون هى الحل المتبقى لتجنب التقسيم ولإنقاذ منطقة الشرق الأوسط لإرساء دول مدنية ديمقراطية.

* الذى أقترح تقسيم مصر هو أودد يينون رئيس سابق فى المخابرات الإسرائيلية، نشرت خطته بالعبرية فى مجلة "كيفونيم" فى عام 1982.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي