الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دواعش الخلافة لايعرفون سوى البشاعة بالقتل وأحلال الموبقات والسرقة والتجاوزات

كرار حيدر الموسوي
باحث واكاديمي

(Karrar Haider Al Mosawi)

2016 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مهما كانت دعاوى هؤلاء الغلاة والمتطرفين، فإن الاسلام يرفض هذا السلوك الوحشي مع الأسرى، وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم(( لا يعذب بالنار الا ربُّ النار )) رواه البخاري .
ولكن هذا يدلك على أن الغلو داء عضال، وجريمة مفجعة، تعصف بالدعوة، وتجني على الأخيار، وتقوض المشاريع،،،!ولا يضر الاسلام إلا جاهل او مقلد، يزعم انه ينفعه وهو يسيئ اليه،،،!ولقد تعاظمت إساءات هؤلاء المتطرفين للدعوة، وجنوا على قضايا الأمة، وشوهوا الجهاد وهو ذروة سنام الاسلام،،،!والسؤال هنا، وبعد فلم حرق الطيار الأردني : من يقف وراء هذا التنظيم الخارجي المنحرف ؟!ومن أين لهم هذا الدعم السخي ؟!والتقنية العالية في التصوير،،؟!والملابس اللامعة التي توحي وكأنهم جيش رسمي منظم،،،!وأين الأقمار الصناعية من عملية الحرق المكشوفة في العراء ،،؟!ونحن ندرك ايام مجاهدي أفغانستان والبوسنة والشيشان، كيف كانت حالهم من الشظف والعنت المعيشي،،،؟!لكن هذا التنظيم المتطرف، والطاغي في الخروج والانحراف، وبرغم قصفه جويا من أشهر عديدة، ما ازداد الا قوة وصلابة،،،،!وضُربت قواعده في الشام والعراق،،،!ولا يزال يطبع بطاقات وسجلات لدوائر ووزارات، وينشر أفلاما وفيديوهات،،،،، وبتقنية عالية، تشعرك برخائه المالي،،،،!رغم ان طريقته القتالية أشبه ما تكون (بحروب العصابات)، والقائمة على الكر والفر، والتمركز حول الذات والآلة العسكرية المحمولة فقط،،،،!! فأنى له حمل كل تلك المقدرات،،؟!إذن كيف تيسر لهم كل ذلك،،،؟!والمؤكد أن هذا (التنظيم مخترق) باختصار، وليس إسلاميا خالصا، وتديره دول ومنظمات، من مصلحتها بقاؤه واستمرار حماقاته المتوالية، ليثبت شرهم وحصارهم للأمة، وتدميرهم لحرية الشعب السوري والعراقي،،،! ولذلك يرجح انهم أخلاط من البعثيين والاسلاميين المتشددين، والاستخباراتيين الموجهين، من دول مختلفة،،! ومخلصين مضللين، وبقايا مساجين،،،!
ونعتقد انهم دمروا المشروع الجهادي تجاه الأعداء المحتلين ،،! ويشابهون (الخوارج) في قتل اهل الاسلام وترك اهل الأوثان ،،،!لا سيما ومناهجهم استُعملت قبل ذلك في الجزائر والعراق، وكانت تلصق بالحركات الاسلامية،،! وبعد عشرات السنين يعترف ضباط، بأنها من تدبيرهم لترسيخ مبادئ الاستبداد والخسف والحيف وعسكرة الدولة،،،!وهو ما نجحوا فيه،،،.!وها هنا في الحالة السورية، يُعاد التاريخ نفسه، ولكن (بشكل ملون) ومزركش فاخر،،!ويقدم ذلك على انه الاسلام الصحيح، او مدرسة سلفية عميقة،،،،!وخابوا وخسروا، فلقد وُظفوا لتدمير الدعوة، وتشويه الاسلام الحق،،،،!!ومن الأسئلة المشككة فيهم،،،:أين (ضرباتهم للنظام النصيري)، والجولان المحتل، وسحق الصهاينة ،،؟!وأين أسرهم لمقاتلي ايران المنتشرين في سوريا،،،؟!ولماذا بطشهم يتزايد بأهل السنة فحسب،،،؟!ومن أين لكم تلك السيارات والإمكانيات الإدارية والعسكرية ،،،؟!وأين فقهاؤكم ليخرجوا الى العلن، مناظرين ومناقشين،،،؟!لا إجابة، ولا تعليق،،،!!الا قطع الرؤوس، او سبي النساء، او حرق الأسرى، وترويع الناس ،،او خطب الخلافة،،،؟!ولو كان لديهم (ذرة من عقل) وشرع، لجعلوا من قصة الأسير مكسبا سياسيا وعسكريا ودعويا لهم،،،!!ولكنهم حرضوا العالم ضدهم، وشوهوا ديننا، ونفروا الوثنيين والمحايدين من سماحة الاسلام، وتعاملاته مع الآخرين ،،،!وسدوا منافذ التواصل والتأثير الدعوي،،،!وجعلوا من النظام الأردني، يتشفى بقتل امرأة ومعتقلين يحسبون على التيار السلفي، وربما ضاعف ضغوطاته على الحركات الاسلامية ،،!!
فأي فقه ورشاد يحمله أولئك الضلال الهمج ،،،!!ولو أفلحوا من تأمل الواقع، والنظر بعين العظة، لاستفادوا من حركة القسام، وكيف حبست (شاليط اليهودي)، وأحسنوا التفاوض، واخرجوا مئات من المظلومين الفلسطينيين،،،!
لكن هذا يؤكد عمق التخلف والغلو المسيطر على نفوسهم، او أنهم مؤجرون لهذه الرسالة التدميرية، والمنفرة عن الاسلام وروحه وفضائله ،،،!
وكون الأمة المسلمة مضطهدة، لا يبرر السلوك الإجرامي في الدفاع، لا سيما وانت تقف على عتبات (سطوع اعلامي) لهذا الدين وغزوه للعالم الاخر، برحمته ومحاسنه ،،،! ومطالب باحترام الأسرى وحفظ كرامتهم.ولذلك ما حرق صلى الله عليه وسلم أسيرا ، بل هديه كما قال الامام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الأسرى أنه قتل بعضهم، ومنَّ على بعضهم، وفادى بعضهم بمال، وبعضهم بأسرى من المسلمين، واسترق بعضهم....)ومن أجاز القتل من الفقهاء لم يجز الحرق ولا التعذيب ولا التشفي،،،،!!وما نقل عن ابي بكر انه حرق الفجاءة السلمي قصة لا تثبت،،،!ولكن الجهال لا يعون مثل ذلك،،،!ولذلك سيشتد الحصار عليهم وعلى الأمة، وسيوغل الأعداء في الرصد والحرب والتضييق،،،!وهذا العمل من نتائج الغلو وهو (الهلكة) والمستقبل المظلم، فقد صح قوله صلى الله عليه وسلم(( إياكم والغلو في الدين، فإنما اهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ))..!ونحذر شباب الاسلام من الاغترار بفعالهم، او تقليدهم، فانهم أشبه بالخوارج المستحلين للدماء والتكفير،،،!فلا شرعٌ لهم فقهوا هداهُ// ولا عقلٌ رصين مستطابُ..!اللهم احفظ علينا ديننا، وجنبنا الفتن، واكفنا شر شرارنا،،، والسلام...!
كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن أن “داعش” تمثل صورة الإسلام الحقيقي، وتم الترويج لهذه الفكرة ليس من قبل بسطاء الناس، وإنما أيضا من قبل بعض المثقفين، وكادت أن تصبح حقيقة غير قابلة للنقاش والجدل والمسّ بها. وإذا شئنا أن نطلق اسما على هذه القوة العدمية الخرافية لا نجد إلا مصطلح “الثورة المضادة”، كونها تمددت وانتشرت بسرعة قياسية، هذه “الداعش” التي تعتمد على “المتخيل الجماعي”- وفق تعبير المفكر محمد أركون- الذي يتغذى من التصورات الأسطورية والخرافية الموروثة من الماضي من أجل تجنيد شباب ملقى على قارعة الطريق ومهمل من قبل الأنظمة، قراءتها للنص الديني لا تعدو كونها قراءة أيديولوجية جامدة تنتزع بعض الآيات من سياقها التاريخي، دون أن تعي ظروف شكل وتبلور هذا النص، ولا يعنيها ذلك لأن الهدف من هذا الاقتباس هو توظيف المقدس والديني لغايات سلطوية محضة وبالتالي فإن ظروف انتشارها تفسره ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية، أكثر من كونها ظروفا نابعة من صورة الإسلام المتزمت الذي اعتبره بعض المثقفين المسؤول الأول عن المشاكل، وبذلك تكون قد تطابقت هذه الفكرة مع النظرة الثقافوية، التي طالما اعتبرت الإسلام خصمها الأول، فيما المسؤول الأول عن هذه الرؤية النمطية قوتان متمثلتان في الغرب وأنظمة الاستبداد.ومن غير المعقول ولا المنطقي اعتبار أن تمدد “داعش” حصل خلال الفترة الزمنية التي تلت اندلاع الثورات الشعبية، بينما يعود جذر المسألة إلى الفترة التاريخية التي أعقبت انهيار الثنائية القطبية وتفرد الولايات المتحدة الأميركية وتحكّمها في العالم، ثم أتت أحداث 11 سبتمبر 2001 التي أنتجت شعار الحرب على الإرهاب لتفاقم الوضع، ولتكون ذريعة للتدخل في شؤون البلاد ولنشر جيوشها في العالم، وبطبيعة الحال كان لابد من خطاب فكري ثقافي تسويغي تضليلي يرافق استراتيجية الهيمنة، ويضفي شرعية على توسع القوة الإمبراطورية، ومن بين أهم النظريات التي راجت هي صراع الحضارات لصامويل هنتنغتون، وكان الهدف منها إلقاء المسؤولية على قوى الشر المتمثلة في ما سمّي آنذاك “الإسلام المتخلف الإرهابي وفي الحقيقة لم تكن هذه النظرية سوى ملهاة لتحويل الأنظار عن القضايا الوضعية، وللتعمية عن التناقضات الأساسية التي تحرك التاريخ، لتنقل الصراع من أرضية الصراع السياسي إلى الأرضية الثقافية، وكأن الصراع هو صراع ثقافات وأديان. وكان من الطبيعي، أن يثير هكذا خطاب ردود فعل تنطلق من مواجهتها للهيمنة من موقع النظرة الثقافوية ذاتها، وبذلك يتطابق الخطابان الاستعماري والثقافوي ليغذيا أوهام الخصوصية والانغلاق,أما أنظمة الاستبداد فإن مسؤوليتها لا تقل عن مسؤولية الخارج ودوره، هذه الأنظمة دعمت الأصوليات ونشرت الفكر المتشدد لتحاصر الشيوعيين سابقا، فضلا عن سياساتها التفقيرية والقمعية التي انتهجتها، الأمر الذي أفضى إلى استثارة ردود فعل ونقمة ذات طابع ديني.من يسعى إلى ردّ أسباب انتشار الإسلام السياسي للشريعة والقرآن يكون مخطئا، ويلتف عن ذكر الأسباب الحقيقية وهي بالأساس دنيوية وليست دينية، مثل الاحتلال والاستيطان في فلسطين، والتهميش الاجتماعي العميق، والتوزيع غير العادل للثروات، إضافة إلى انهيار المشاريع الماركسية والقومية والليبرالية التي خلقت فراغا ملأه الإسلام السياسي.هذا هو السياق التاريخي الذي سهّل انتشار الإسلام السياسي، وداعش هي ابنة شرعية لهذا المسار. مسار الحركات السلفية الظلامية التكفيرية الذي كان من أبرز منظريه سيد قطب، الذي لعب دورا بارزا في التعبئة “النيوسلفية”، وكان من المؤسسين لسلفية جديدة تميزت عن سابقاتها بمنزع جهادي، في الوقت الذي جرى فيه تهميش الإسلام المتنور الذي فتح باب الاجتهاد، واعتمد على المنهج التاريخي العقلاني في قراءته للنص الديني، وخير مثال على ذلك كل مفكري ومثقفي عصر النهضة التنويريين، أمثال محمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ورفاعة الطهطاوي، وصولا إلى علي عبدالرازق الذي كان لكتابه المفتاحي والهام “الإسلام وأصول الحكم” صدى واسع، فضلا عن كتاب “في الشعر الجاهلي” لطه حسين الذي اعتبر أن المشكلة ليست في الدين ذاته، وإنما في الدين حين يصبح أداة من أدوات السلطة.كما جرى دعم الإسلام السياسي سابقا، يجري دعم “داعش” حاليا، لتعيق تقدم الثورات واستمرارها، ومع ذلك تبقى داعش مجرد ظاهرة عابرة وطارئة يعتبر تمددها مرحلة طبيعية ضمن مسار صيرورة ثورية وعملية تاريخية من شأنها فتح الطريق أمام التصور الحديث لزمن مفتوح غير مقيد، يشبه إلى حد كبير مسار كل ثورات العالم التي عانت من ويلات الحروب الدينية المديدة، ومن إرهاب محاكم التفتيش التي ارتكبت الفظائع باسم الدين، بيد أنها كانت بمثابة مقدمة لإصلاح ديني ولعصر الأنوار اللذين مهدا لاندلاع الثورة الفرنسية,ويفرض تحدي داعش علينا المصالحة مع المشروع النهضوي، وبناء وعي قادر على مجابهة الواقع الراهن، وصياغة بديل تقدمي عقلاني ديمقراطي، يكون بمثابة كتلة تاريخية تضع نصب أعينها مشروع النضال على أرضية رهانات حقيقية، بدل نقل الصراع إلى سماء الأوهام الثقافوية، التي لا تخدم إلا مصالح الغرب وأنظمة الاستبداد.
في فترة زمنية قصيرة جداً، استطاعت داعش أن تتصدر أخبار الوكالات العالمية، وتشغل آلاف مراكز البحث والتحليل العسكري والأيديولوجي، وتحتل مساحات النقاش من برامج الحوار على الفضائيات العالمية والعربية، لأصغر جلسة بين شخصين في حارة صغيرة ولم تتصدر هذه الظاهرة الحديث لأسباب سياسية أو عسكرية، بل احتلت هذه المساحات بسبب التطرّف الفظيع في أساليب القتال والإعدامات، والسّادية الدموية في فرض هيبتها وانتشارها على الأرض، وفي تطبيقها الحرفي لفهمها وتفسيرها المتطرّف لممارسات وحدود وعقوبات تنسبها للديانة الإسلامية، واضعة تنظيمات سياسية وعسكرية ذات إيديولوجيا متطرّفة منسوبة للديانة الإسلامية كتنظيم القاعدة وبوكو حرام وجبهة النصرة وطالبان، والإخوان المسلمين (في بعض المراحل التاريخية) في خانة الإعتدال مقارنة بفظاعة التطرّف والتشدّد الذي وصلته داعش وإن كان بمقدورنا تصنيف حركات الإسلام السياسي بيمين ويسار، نجد داعش تقبع في أقصى اليمين المتطرف، والحركات المذكورة أعلاه وما شابهها وتفرّع عنها يحتل تصنيف الإسلام السياسي اليميني، أسوة بحزب الشاي الأمريكي ورابطة الدفاع البريطاني وحزب الجبهة الوطني الفرنسي من جهة، والكو كلاكس كلان والنازيون الجدد من جهة أخرى و لكنّ المثير للإنتباه، هو الإتفاق شبه التام بين الأوساط العربية والإسلامية المتعلمة والمثقفة ولو بدرجة بسيطة، على رفض ممارسات داعش من إعدامات جماعية وصلب وقطع رؤوس وأيدي،وتهديم كنائس ومقامات ومعابد، وسبي للنساء وتجارة جواري ورق، وتهجير مسيحيين وأيزيديين وشيعة وأي طائفة أو ديانة مخالفة “لديانتهم”، وفرض الجزية في القرن الواحد والعشرين؛ باعتبار هذه الممارسات لا تمثّل الدين الإسلامي ولا تنتمي له، بدون تفسير كيف إستطاعت هذه الحركة أو الظاهرة إستقطاب عشرات الآلاف من المتطوعين والمقاتلين الذين بدوا وكأنهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة لإطلاق الوحش الكامن داخلهم، وإطفاء عطشه للدماء والقتل والتنكيل وما يدفعنا للتساؤل عن مدى معرفتنا الحقة لحجم الحاضنة الشعبية المهيئة لإستقبال هذه الظاهرة بإعتبارها فتحاً إسلامياً، وجهاداً دينياً، وطريقاً مضموناً للجنّة الموعودة المرصوفة بالحور العين وأنهار الخمر,ويجعلنا نكتشف التعامي والتغابي الذي ما زلنا نمارسه يومياً باعتقادنا بأن مجتمعاتنا الإسلامية سترفض وتحارب هذا المد الدموي إن وجدنا أنفسنا يوماً ما في مركزه وبمتناول سيوفه وحرابه، ونحن نرى مظاهرات مؤيدة لهم في بعض الدول العربية ، واستحياء بل وجبن الكثير من مشايخ ومنظّري الإسلام والحركات الإسلامية عن استنكار الإجرام والدموية والمبررات الدينية التي تسوقها داعش وبالعودة لمسألة “التمثيل الإسلامي”، وفي محاولتنا لمقارنة الإيديولوجية الداعشية بما يفترض بأنه التمثيل الصحيح، نقف حائرين أمام من نستطيع إعتباره معيار المقارنة، فذات الحجّة التمثيلية تُستعمل اليوم لإنتقاد كل النماذج الموجودة على الساحة، فالنظام السعودي يُعتبر نهجاً وهّابياً، والنظام الإيراني يُعتبر رهين الملالي، وطالبان تُعتبر متطرفة، والسلفيّة المتشددة تُنتَقد بأنها رهينة ابن تيمية والمقدسي وعبدالله عزّام، والإخوان المسلمون يُعتبرون إقصائيين و”إرهابيين” في العديد من أقطار الوطن العربي، حتى في تلك التي يحكمونها، ما يجعلنا نكتشف حقيقة مخيفة، ألا وهي غياب النموذج المعتدل المشرق المتسامح للدولة الإسلامية التي لا نفتأ نستشهد بها كلّما دخلنا في حوار الدين السياسي والدولة الإسلامية النموذجية العادلة الفاضلة.وهنا لا يسع المرء إلٌا رؤية التشابه إلى درجة التطابق مع نشأة الحركة الصهيونية العالمية، باعتمادها على المراجع الدينية اليهودية، وتطرّفها في التفسير التوراتي للكثير من الممارسات التي ألبستها صبغة دينية وتفويضاً إلهياً، وفّر لأتباعها الغطاء والتبرير الرّباني للممارسات الدموية التي اعتمدتها ذراعها العسكرية في بدايات ومنتصف القرن المنصرم، متمثلة بعصابات الهاجاناه وشتيرن، التي انتهجت ذات النهج العسكري الذي تمارسه داعش اليوم، من مجازر ودموية جنونيّة كان الهدف منها إعلامياً وتسويقياً بحتاً لزرع الرعب وبث الخوف في نفوس “أعداء الدين” اليهودي، الذين سرقوا ما وعدهم الرّب، ومنعوهم من فرض تعاليمه “التوراتية”، ودفعهم للهرب من الأرض الموعودة وبلاد بني إسرائيل المذكورة في كتبهم وعقيدتهم، وفرض أنفسهم على الأرض كقوة يجب التعامل معها كأمر واقع، مستقطبة اليهود من كل أنحاء العالم لفلسطين للمشاركة في انتزاع الحق السماوي، كما تستقطب داعش اليوم “المجاهدين” من أنحاء المعمورة، ومُهجٌرة وطاردة لسكّان البلد الأصليين في فلسطين، تماماً كما يتم تهجير السّكان الأصليين في العراق وسوريا اليوم وكان لافتاً القدرة المالية واللوجستية الضّخمة التي كانت تتمتّع بها الحركة الصهيونية، التي اكتشفنا لاحقاً الدول التي كانت خلفها، واليوم لا يمكننا تجاهل الحقيقة حول حتمية وجود دول وأنظمة عالمية وإقليمية توفّر ذات الدعم للحركة الداعشية، ساعية لخلق كانتونات طائفية ودويلات مسخ بتقسيم طائفي، قد يكون الهدف منه تبرير وتثبيت وجود دولة يهودية في المنطقة، وربّما جعل هذه الدولة وجرائمها ضد الفلسطينيين تبدو إنسانية مقارنة بالنموذج الداعشي.وبعد انقشاع الغبار وانحسار الدم ودفن الموتى ولعق الجراح، عملت اليد السياسية لهذه العصابات ممثلة بالحركة الصهيونية على تثبيت هذا الواقع الجديد على الأرض بإنشاء ما يُسمٌى اليوم “بإسرائيل”، ورأينا اندثار اليهودية كديانة، واستبدالها بالصهيونية التلمودية، ما أوصلنا لما نراه اليوم من عدم قدرة الأغلبية على الفصل بين “اليهودية” كديانة و”الصهيونية” كحركة، وأصبح اليهودي الرّافض للصهيونية والمطالب بالعودة لتعاليم توراة موسى منبوذاً ومُحارباً وتائهاً بين حركة صهيونية تلفظه، ومجتمع عديم المعرفة ينسبه للصهيونية ويرفضه، مثل حركة ناطوري كارتا.والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبقوّة، هل ينتظر المسلمون أن تصبح الداعشية “صهيونية الإسلام”، ويندثر الإسلام الحقيقي الذي يدافعون عنه، أم ينتفضون الآن لوأد هذه الداعشية وهي في المهد قبل أن يصبحوا هم المنبوذون المطاردون في الأرض؟ وهل توجد نيّة حقيقية لتصفية هذه الحركة الآن وهي لا تملك القدرات الجوية والصاروخية، من قِبَل الدول والأنظمة المؤسِسة والداعمة لها، أم سيتم تركها للإنتشار والتمدد كالسرطان في جسد الوطن؟
وجعلوه الدواعش فرضا و واجباً على جميع المسلمين مبايعة الخليفة”. هذا ممّا قاله الناطق الرسمي باسم داعش أبو محمد العدناني في خطابه الذي أعلن فيه أن أبا بكر البغدادي بويع خليفة للمسلمين. لكن فكرة الخلافة نفسها ليس عليها إجماع بين المسلمين.أن “الخلافة ليست أصلاً من أصول الدين ولا من أصول العقيدة”. وتعليقاً على آراء نجدها في كتابات فقهاء قدامى ويقولون فيها إن الخلافة من أصول الدين قالت “إن هذه آراء بشر. ليقل ما يقول هؤلاء الفقهاء. فالفقيه أو المفكّر أو الفيلسوف هو ابن بيئته وابن عصره. لقد امتدح بعضهم الخلافة، لكن هذه مجرّد أنظمة سياسية مرّت على بلادنا وبالتالي مرّ مَن يدعمها ويشجّعها”. أن “الإسلام يريد من الحاكم أن يكون عادلاً ورحيماً وحكيماً. وكل وسيلة توصل إلى العدل وحماية النفس البشرية وإشاعة الأمن والطمأنينة واستقرار شعوبنا يقبلها الإسلام. فالأساس هو تحلّي نظام الحكم بالعدل وتحقيقه للاستقرار والنمو والديموقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، أما التسمية فهي غير هامّة”.وعن نموذج الخلافة الذي يقدّمه تنظيم داعش علّقت “أي نظام يقدّمون؟! لا يعرفون إلا الذبح وامتهان الكرامة الإنسانية وبشاعة عرضهم لاستباحتهم النفس البشرية التي مَن يقتلها كأنّما قتل الناس جميعاً. هؤلاء هم حطب جهنّم”.والمسلم يمتعض من غياب الحرية وامتهان كرامته وضعفه في الواقع فيوجّه نظره إلى التاريخ، إلى عصور يظنّ أنها شهدت قيادات استطاعت غزو العالم وفتح الحضارات، فيأخذ أفكاراً من هذا الماضي ويحاول إسقاطها على الحاضر”.وشهدت الخلافة قديماً أبشع صور التعذيب وقمع الفلاسفة وحرق الكتب ونسف المكتبات وقتل المختلفين عقائدياً ومذهبياً وفكرياً. فعهود الخلافة لم تكن عادلة ولم تبنِ الإنسان ولم تحقق المساواة بين البشر وظلمت المرأة. وبالتالي، فإن مشروع الخلافة هو مشروع استبدادي وديكتاتوري وأخطر ما فيه هو أنه ينطق باسم الدين”.ولا نستطيع أن نفصل بين التراث وبين الواقع. فمَن يفجّرون ويقتلون حالياً باسم الله يتبنّون أعمالهم في بيانات تبدأ بقال الله وقال الرسول”، مضيفاً أنهم يبرّرون كل أفعالهم بأقوال من التراث وبممارسات للسلف. من هنا فإن إعادة قراءة التراث وتنقيته ضرورية. لكن القناعي يشير إلى أن مَن تصدّروا هذه المهمّة بجدّية كان مصيرهم القتل أو النفي أو التكفير، “فالسلطتان الدينية والسياسية تخافان من هذا المشروع، وكل ما يمكن أن يصدر عنهما في هذا الصدد سيكون ترويجياً. ولذلك، فإن إعادة قراءة التراث الديني تحتاج إلى مبادرة ضخمة من الشعوب نفسها لا من السلطة والمؤسسات الدينية”.
وأنّ الفيديوهات التي ينشرونها على شبكة الإنترنت لذبح الرهائن مثل الأميركيين أو اليابانيين أو الفرنسيين وغيرهم، أو حرقهم أحياء مثلما فعلوا مع الطيار الأردني معاذ الكساسبة “تصرفات لا تمت للإنسانية، فضلاً عن الإسلام، بصلة”، مضيفاً أنّ “قتل الأبرياء مدان في الإسلام ويعتبر خروجاً عن واحة الدين وما أمر به القرآن الحكيم‏، وليس يبرره أو يشفع فيه أن يكونوا غير مسلمين. بهذا أمر القرآن الحكيم، كما علمنا تقديس الروح الإنسانية، في المسلم وفي غير المسلم، ذلك أن الكرامة وقداسة الروح هي لكل بني الإنسان”. وعن موقف الدين من قتل تنظيم داعش لمن يخالفه الرأي، يقول الداعية إنّ “هذه المسألة حسم فيها القرآن الكريم لما فيها من استحلال لدماء المسلمين وانتهاك لحرمتهم وأموالهم وحقوقهم. فالإسلام حرّم قتل الأبرياء، ودليل ذلك في القرآن الكريم “وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ التِّي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقّ” و”ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاُ”. هاتان آيتان صريحتان على أن ما يقوم به داعش ومن يسير على نهجه من قتل للنفس حرام ومن أكبر الموبقات”.قتل تنظيم داعش المئات من الأبرياء الذين لم يكونوا من المحاربين ولا من المسلّحين، وذنبهم الوحيد أنهم كانوا حاملين لرأي مختلف عن تفكير مقاتليه، كذلك جرى العرف في تأمين الصحافيين المراسلين والمصورين، وأهل الإغاثة والجمعيات الخيرية والسيّاح وغيرهم.وقتل داعش صحافيين مثل جيمس فولي وستيفن سوتلوف وعاملين بالمساعدات الخيرية مثل ديفيد هينز. كما يقوم التنظيم الإرهابي بتصدير فتاوى التكفير على مخالفيها في الفكر وتستحل بعد ذلك قتلهم، بينما الإسلام يقول، بحسب الداعية، “إن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهو مسلم ولا يجوز تكفيره وفقاً لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً)”.والحقيقة الواقعة أنّ “داعش أكره الناس على الإسلام وأكره المسلمين على الأخذ بآرائه وأكره من يعيش تحت سيطرته على كل صغيرة وكبيرة بين العبد وربه. أما الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فقال (إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)… وقال (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، وفي موضع آخر (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). ويتابع “بذلك فإن داعش يقوم باستغلال النصوص الدينية من القرآن الكريم والسنة لتبرير أفعاله الإجرامية بتفسيرها الخاص لشباب جاهل بأحكام الدين”.ومن أهم الأسباب التي تساعد تنظيم داعش في تمدده وتغريره بالشباب “تفسير النصوص الدينية بعقلية راديكالية تعتمد على مقتبسات مبتورة من تراث بعض الشيوخ القدامى كابن تيمية وابن القيم و محمد ابن عبد الوهاب، وتسخير بعض الدعاة في بلداننا الإسلامية لنشر أفكارها وتسهيل ترحيل الشباب إلى الأماكن التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة. كما يستغل التنظيم المذهبية الدينية والظلم والتهميش وعدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية والتخلف والبطالة والفقر والجهل”.أن “الإسلام المتمثل في القرآن الكريم وصحيح السنة ليس بحاجة لمن يدفع عنه تهمة الإرهاب الذي يمارسه داعش، لكن يبقى الواجب على أمة الإسلام أن تدفع عنها هذه التهمة التي ألصقتها بها الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش”. وعلى الحكومات فتح مجال أوسع للحرية والديموقراطية وإقامة العدل والقيم الإنسانية التي تدعو إليها الشريعة الإسلامية وحل مشاكل الشباب بإيجاد فرص العمل والعيش الكريم وتجفيف منابع الفكر المتطرف، المتمثل في بعض كتب التراث التي تدعو إلى العنف والإرهاب ورفض الآخر، وإعادة النظر في بعض مقررات التعليم التي تمجد القتل وسفك الدماء والسبي والاسترقاق واستعمار الشعوب باسم الفتح والجهاد”.وإغلاق بعض القنوات الفضائية التي تحرض على الكراهية والطائفية والعنصرية ضد الغير. وإذاعة برامج علمية تثقيفية موجهة للداخل والخارج لبيان حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، فضلاً عن مراقبة المساجد وتطهيرها من الغلاة والمتطرفين وتبسيط الخطاب الديني واختيار خطباء يحملون الفكر المتنور، سواء في الداخل أو بين الجاليات المسلمة في بلاد الغرب. كما يجب على علماء الأمة ومفكريها، بتعاون مع المجتمع المدني، إقامة ندوات ومحاضرات وتنظيم مؤتمرات لدحض شبه داعش وجماعات الإرهاب والتطرف”.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل