الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام العولمي وسيادة القوة

طيب تيزيني

2016 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



مع شدائد القرن العشرين ودخولاً في القرن الحادي والعشرين تأخذ في الإفصاح عن نفسها نبوءة فوكوياما القائلة بأن قطار الحضارة الأميركية يبلغ منتهاه، مجسداً في القاطرة الأخيرة منه، وقد مثل على المسألة بالقطار التاريخي وبقاطرته الأخيرة ليستنبط نتيجة تتوافق مع منظومته المنهجية، التي تعني أن من تمكن أو يتمكن من التعلق بالقاطرة الأخيرة من القطار التاريخي، يحقق الخطوة التاريخية الحاسمة (وهي كذلك الأخيرة)، للمحافظة على مساره التاريخي. وبتعبير آخر، فإن من أنجز ذلك من البشر والمجموعات البشرية، كائنة من كانت، يصير بمثابة من كُتب له البقاء والاستمرار صُعُداً، أما من فاتته القاطرة المذكورة، فعليه أن يقتنع بمصيره المجسد بـ«الخروج من التاريخ»، لأنه دلل بذلك على عجزه في الاستمرارية التاريخية. أما المعيار في ذلك فيتجسد في «قصوره التاريخي» الذي راح يتضح في إخراجه من الرهان التاريخي وفي دفعه في وضع عالمي متسم بالفوضى الشاملة وباستباحة للقانون الدولي، كما بسيادة للقوى الغاشمة الصماء، وهذا ما راح يتجلى في أحداث العالم منذ ذلك الحين إلى عهدنا هذا المعيش.

ذلك أنه مع ظهور النظام العولمي وتعاظمه، أخذ العالم يعيش فصولاً جديدة من التاريخ الجديد، وكان سقوط بغداد إحدى القرائن الكبرى الدالة على ذلك، أما القشة التي قصمت ظهر البعير فقد راحت تتجلى في سوريا وفي غيرها، وقد صدق ذلك متجلياً بما خاطب به كولن باول دمشق، بعد سقوط بغداد عام 2003، حيث قال آنذاك بصفته قائد القوات العسكرية الأميركية التي أسست لذلك السقوط: على دمشق أن تُتقن الدرس البغدادي، لقد كان السقوط البغدادي العراقي مقدمة لهيمنة العصر الأميركي هكذا مباشرة، أو عبر مظاهر أخرى: فقد أتت هذه الأخيرة فاعلة باتجاه تساقط البلدان العربية الواحد بعد الآخر. وراح ذلك يتجلى بالتسويق العميق للمذهبية والطائفية والعرقية، بحيث أصبحت هذه تعبيراً عن استراتيجية إسقاط بلدان عربية عبر التمكين لعصر الطوائف المركب هذا، إلى درجة أن «الثأر» التاريخي لهذا الأمر أو ذاك راح يعلن عن نفسه بوضوح وبكثير من التهديد أولاً، وإلى أن تتدخل قوى أجنبية أخرى تتجسد في بلد عربي هو سوريا، بالتدمير بالطيران وبالوسائل الكيماوية إن لم تركع، وتعلن الترحيب بالغزاة المجرمين، فهي مفتوحة مُستباحة لعالم السوق العولمية وبمواقفهم المختلفة في المصالح، والمتوافقة في الغرب وإسرائيل على طمر الشعب السوري أخيراً.


وببعض التفصيل بالقول بأن إيران تعلن بوضوح أن لها أربع عواصم في العالم العربي، هي دمشق وصنعاء وبيروت وبغداد، لها الحكم (الشيعي) فيها، أما روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي فتأتي إلى دمشق لتجرب أسلحة لها تسلطها ضد قوى «الإرهاب»، ونجد أن أسماء «كبيرة» من المثقفين السياسيين اللبنانيين تسعى لامتلاك أسلحة سورية تفجرها، بالتعاون مع مسؤولين من الجوار، في قلوب وعقول لبنانيين وسوريين وآخرين، ونراقب - والنار تشتعل في جوانحنا- ما يحدث في حلب الشهباء، وغيرها من تفكيك منهجي غير مسبوق ومركز، وهي التي تُعتبر إيقونة الشرق ذات الخمسة عشر قرناً. أضف إلى ذلك ما أعلنه حسن نصر الله حين قال إنه دخل سوريا لحماية المقدسات! وسؤالي الآن له هو التالي: هل تعني أن المقدسات إياها كانت فاقدة لمن يحميها؟ هذا بغض النظر عن حقيقة أن هنالك خلافات بين مؤرخين في تحديد أماكن تلك المقدسات؟ يبرز التساؤل المرير التالي: أين موقع الشعب السوري من هذا الواجب على مدى ألف وأربعمئة سنة؟

والآن، ماذا أضيف إذ أرى سوريا الحضارة والتاريخ صيداً ثميناً لمن لا يؤمن بالحضارة ولا بالتعدد الحضاري؟ فأمامنا مشاهد لا أدري إن كان وجد مثيل لها في زمن آخر. لكن يبدو أن التاريخ له خطاياه ومذلاته الكبرى، التي ظهر أنها لا تدخل حالة النسيان، وأنها لا تستطيع ذلك، فهناك أعين البشر وذاكراتهم وسجلاتهم تعمل جميعاً على الاحتفاظ بها، على الأقل من أجل كرامة الإنسان.

إن مأساة سوريا ذات خاصية مركزية، بقدر ما نراها في محيط هائل من الدماء الحارة، وكذلك بقدر ما تتجلى في أقسى أقدار التاريخ العالمي. ولابد من التذكير هنا بأنه لا شيء يحمل أثقال البشرية الحرة المجيدة أو بعضها، قابل للنسيان أو الذوبان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو