الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوردغان : انقلاب شامل في الداخل ، وانعطافة في الخارج

محمود جديد

2016 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية




" أوردغان : انقلاب شامل في الداخل، وانعطافة في الخارج "
----------------------------------------------------
محمود جديد
كتبت تعليقاً سريعاً على صفحتي في الفيسبوك عقب الانقلاب الفاشل في تركيا ذكرت فيه: " مَنْ يعتبر الانقلاب الفاشل في تركيا كان ملفّقاً ( مفبركاً) باتقان عنده القرائن الكافية لذلك ، ومن جهة أخرى ، مٓن يؤمن بأنّ الانقلاب كان واقعيّاً فلديه الوقائع التي تشير إلى حقيقة حدوثه .. ولكنّ الانقلاب الحقيقي الشامل قد ابتدأ فيه أوردغان هو الأهمّ ممّا حدث ، والذي سيعيد صياغة الدولة التركية بما يتلاءم مع مقاسه وأفكار حزبه ."
يجمع أوردغان في شخصيته السياسية مابين الديماغوجية ،والبراغماتية ، والكاريزما القادرة على الاستقطاب داخل المجتمع التركي ، وخاصة في الريف الذي يُعتبر السند الانتخابي الأساسي لحزب العدالة والتنمية، وهذا الثالوث يؤهّله للانتقال من موقف سياسي إلى آخر بسلاسة ورشاقة ولو كان متناقضاًمعه.. وهذا ماجعله محطّ أنظار الغرب،وأحد أسباب دعمهم له ، وقد شكّل بالنسبة لهم حصان طرواده لإزاحة أستاذه أوربكان، الشخصية السياسية والعلمية المميّزة التي طرحت مشروعاً استراتيجياً منسجماً مع تاريخ تركيا ومجالها الحيوي الحقيقي بتشكيل قطب إسلامي مكوّن من تركيّا ومصر والسعودية وإيران وأفغانستان والباكستان له أبعاده السياسية والاقتصادية، ومؤهّل لأن يلعب دوراً هامّا على الساحة الإقليمية والدولية، والتعامل من موقع قوّة مع الغرب والشرق إذا صمًم على ذلك ... وقد نجح أوردغان في انقلابه الأول داخل حزبه، واستطاع أن يقوم بهذا الدور بكفاءة ، وساعده على ذلك نجاحه في التقدّم الملموس في المجال الاقتصادي من جهة، ودغدغة مشاعر الشعب التركي الإسلامية والإنسانية تجاه القضية الفلسطينية من جهة أخرى، في الوقت نفسه، حافظ على علاقات تركيا مع الكيان الصهيوني ..
كما يجب أن لا نغفل دور فتح الله غولين وتأثيره الواسع في المجتمع التركي عن طريق مؤسساته الاقتصادية والتعليمية والخدمية بعيداً عن الدخول المباشر في غياهب ودهاليز السياسة ، والتي جعلها تبدو نظيفة الأهداف والغايات فأكسبه احتراماً واسعا بين صفوف الأتراك ، وقدرة على تغلغل أتباعه بسهولة في أجهزة الدولة التركية .. وكان لجماهيره دور بارز في إنجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية .. ولكن بعد مرور عقد من النجاح لحكم أوردغان ابتدأ الفساد يدبّ بين صفوف حزبه ، ولم تسلم أسرة أوردغان من ذلك ، عندئذ أخذت عناصر غولين في كشف وفضح ذلك سواءً " لوجه الله "،أم بإيعاز وتشجيع من أمريكا لأغراضها السياسية، وقد وصل بهم الأمر إلى تسريب محتوى اتصالاته الهاتفية ، وكشف أحاديثه في الجلسات الهامة مع رموز حكمه ، وفضح خططهم ممّا أغاظ أوردغان كثيراً وشكّل نقطة البداية للطلاق مع غولين وقصقصة جوانحه في تركيا وهذا مايجري في تركيا بعد الانقلاب الفاشل .
وخلال هذه الفترة تضخّمت شخصية أوردغان، وتعثمنت ، وزادت طموحاته الإسلامية ، ومساعيه للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وساعده في ذلك كلّه اختياره أحمد داوود أوغلو مستشاراًله ثمّ وزير خارجية ورئيس وزراء، وتهميش رئيس الجمهورية السابق عبدالله غول .. وتنامت من خلال ذلك كلّه أحلام الإمبراطورية العثمانية ،وفي هذاالسياق برز دوره القيادي في التنظيم العالمي للأخوان المسلمين ..غير أنّ طموحات أوردغان العابرة للحدود، وحشر أنف أوردغان في الشؤون الداخلية لبعض الأقطار العربية العربية والإسلامية وسّع من دائرة التحسّس من سياسته على صعيد البلدان المعنية ، كما أنّ الدول الغربية لا تريد لتركيا دوراً وحجماً أكبر ممّا هو مرغوب به أوربياً وأمريكياً حتى لا تنمو لديه النزعة العثمانية خارج تركيا ويشكّل تجمّعاً دولياً قوياً يمكن أن يخلق مستقبلاً صعوبات في إبقاء تركيا تحت هيمنة الناتو، وقديسبّب لها متاعب كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ..
وفي الوقت نفسه ، فإنّ وجهة أوردغان نحو الاتحاد الأوربي لم ترتقِ إلى مستوى النجاحات الاقتصادية الداخلية ، حيث وصل إلى طريق شبه مسدود في هذا المسار ، لا بل، أنّ إثارة جريمة إبادة الأرمن في تركيا من قبل الدول المحورية في أوربا، وخاصة ألمانيا وفرنسا، وتعليقات وزير خارجية بريطانيا السابق على استحالة التحاق تركيا بالركب الأوربي قبل عام 3000 زادت من شكوكه بنوايا الأوربيين تجاهه .. ويضاف إلى ذلك الدر الأمريكي الداعم لوحدات حماية الشعب الكردية بشكل يتناقض مع الرغبة التركية .. كما أنّ الانقلاب على محمد مرسي في مصر ودخوله في تناقض مع السيسي ، وبروز رغبة سعودية جامحة بشخص وليّ وليّ العهد نحو دور قيادي أكبر في العالم الإسلامي ضيّقت دائرة أحلامه العثمانية ...كما أنّ التفجيرات الإرهابية داخل تركيا ، وتأزّم العلاقات مع الروس بعد إسقاط السوخوي ، والأوضاع في سورية والعراق أثّر بشكل كبير على الدخل القومي التركي من السياحة والتجارة ممّا انعكس سلباً على الاقتصاد، وسبّب في تراجع معدلات التنمية ، هذاالمجال الحيوي الذي شكّل رأسمالاً ورصيدا مهمّا لشعبية حزب العدالة والتنمية في السنوات الماضية ..
في ظلّ هذه الظروف جاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة وبغض النظر عن سبب عدم نجاحها ، فإنّ موقف الغرب والسعودية لم يرُق للقيادة التركية ، لا بل نقدته علناً وعلى لسان المسؤولين الأتراك الكبار وعلى رأسهم أوردغان ، وهذا لا يمكن حدوثه لولا وجود معلومات مباشرة ودقيقة ترتكز عليها تبرّر هذا النقد ، وتبرهن عليه ..وفي الوقت نفسه، كانت المفاجأة الكبرى هو الموقف الروسي والإيراني السريعان في تأييد أوردغان دون تردّد، والاتصال الهاتفي لبوتين مع أوردغان الذي عبّر فيه عن دعمه ضدّ الانقلاب في لحظة عصيبة ، وهناك مصادر عديدة تتحدّث عن دور للمخابرات الروسية في كشفه مبكّراً وإبلاغ أوردغان ( وإن كانت هذه المعلومة غير مؤكّدة حتى الآن ) .. ثمّ جاءت زيارة نائب رئيس الوزراء التركي مع وفد اقتصادي رفيع إلى روسيا أواخر الشهر الماضي ، ،وكلام أوردغان الإيجابي عن موقف بشار الأسد من الانقلاب .. وإشارته إلى " الصديق بوتين "واعترافه الصريح بأهمية الدور الروسي في أيّ حلّ سياسي في سوريّة في خطابه أمام الجماهير الغفيرة بتاريخ 7 /8 / 2016 ، وعدم صدور أيّة تصريحات تركية حول معارك حلب الأخيرة تتناسب مع أهمية الحدث بغض النظر عن الدور التركي في دعم الفصائل المسلحة المتطرفة .. وتوّج ذلك بزيارته إلى موسكو في التاسع من آب الجاري على رأس وفد اقتصادي وأمني مهم ، وهي الزيارة الأولى له بعد الانقلاب الفاشل.. ويضاف إلى ذلك، وكما هو معروف ، الجدوى الاقتصادية المميّزة من العلاقة الودّية مع روسيا أوّلاً ، ومع إيران ثانياً، ومرور أنابيب الغاز الروسي عبر تركيا ثمّ أوربا والفوائد الكبيرة الناجمة عن ذلك .. الخ
إنّ هذه الوقائع والمؤشّرات جميعها مهّدت وفسحت المجال لإمكانية حدوث انعطافة هامة في الموقف التركي باتجاه روسيا وتعزيز العلاقات معها على أسس متينة ترتكز على المصالح الاقتصاديةالمشتركة ، وهذا سيترك انعكاسات هامّة على الأزمة السورية ، ويساعد على دفع الأمور نحو الحلّ السياسي .. وفي الوقت نفسه ، سيوظّف هذه الانعطافة في علاقاته الدولية من أجل تحسين أوراقه التفاوضية مع الاتحاد الأوربي ، والولايات المتحدة الأمريكية حيال المواضيع الخلافية معهما ...
في : 11 / 8 / 2016
- يتبع في حلقة ثانية " الانعطافة الأوردغانية بين التكتيك والإستراتيجية وآفاقها "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع