الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة والنضال البيئي، أية علاقة؟ (2)

عبد السلام أديب

2016 / 8 / 12
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


تفاعلا مع الانتقادات والتعليقات التي لحقت مقالتي السابقة: الطبقة العاملة والنضال البيئي، أية علاقة؟ أود من خلال هذه الورقة التعبير عن وجهة نظري حول ما قيل في بعض هذه التعليقات. وقد اخترت هذه الطريقة في التعقيب بدلا من الرد المباشر في حيز التعليقات الضيق جدا. كما أن مواقفي هذه حول بعض الافكار ليست موجهة ضد أي أحد، بل هي أفكار موضوعية تتداولها الحركة الماركسية اللينينية منذ صدور كتاب ما العمل؟ للرفيق لينين، وأعتقد أن الحوار السياسي بين المناضلات والمناضلين الماركسيين اللينينيين حول بعض القضايا الموضوعية التي تطرح نفسها عليهم بإلحاح خلال مسارهم لا يتضمن اي تشهير أو استهانة بأحد ما دام يستهدف أفكارا خاطئة وليس أشخاصا، بل يصبح الجدل ضروريا وبكافة الطرق، عندما تختفي لأسباب موضوعية قاهرة امكانية التواصل والحوار الديموقراطي المباشر.

سأحاول التركيز في هذه الورقة الثانية على الأفكار التالية والتي وردت في تعليقات بعض الرفاق على ورقتي السابقة:

1 – الاقتصادية والنضال السياسي؛

2 - الوعي الطبقي لا يتحقق من داخل النضال الاقتصادي بل من داخل سيرورة الصراع الطبقي؛

3 - سيرورة الحركة الماركسية اللينينية ببلادنا.

4 - الحركة الماركسية اللينينية المغربية تعيش تحت الحصار والانعزالية:


أولا: الاقتصادية والنضال السياسي:

يقول لينين في كتابه ما العمل؟ "لم نعمل غير النزر القليل، لم نعمل تقريبا أي شيء لألقاء تشهيرات بين جماهير العمال، تتناول مواضيع الساعة وتشمل جميع ميادين الحياة. حتى أن الكثيرين منا لم يدركوا بعد واجبهم هذا، ويستمرون على زحفهم العفوي خلف "النضال الجاري المعتاد" ضمن اطار الحياة المعملية الضيق" ويضيف لينين في مكان آخر: "فنشاطنا أكثر مما تظنون بكثير. فنحن نعرف كيف ندعم بالنضال السافر في الشارع حتى المطالب التي لا تبعث الأمل بأية "نتائج حسية".

المبدأ العام الذي ينطلق منه لينين إذن هو التفرقة بين النضال الاقتصادي المحض والذي يعتقد الكثير من المناضلات والمناضلين في بلادنا انه الطريق الوحيد الكفيل بتنمية الوعي السياسي الطبقي وسط العمال، في حين أنه بحسب لينين نفسه يؤدي الى "تدمير الوعي الطبقي" ويوقع الحركة في دوامة الاصلاحية البرنشتاينية "الحركة كل شيء والهدف لا شيء" وبين النضال السياسي الاشتراكي الذي يشمل جميع القضايا الحياتية الاجتماعية اليومية بما فيها النضال ضد رأس المال داخل المعامل وبما فيه القضايا البيئية المرتبطة عضويا بالعامل طبعا ما دامت هي مصدر المواد التي يشتغل عليها ومصدر غذائه ومائه وهوائه والذي تغتصبه البرجوازية اغتصابا عبر قانون الملكية الخاصة وتعمل على تدميره تدميرا نهائيا يدمر الحياة نفسها. إن لينين يصل في مجال انتقاده للاقتصادوية حد الرغبة في احداث "صدمة" للاقتصادويين، صدمهم بتلك المهام التي يغفلونها بشكل لا يغتفر، بذلك الفرق الذي لا يريدون فهمه، والموجود بين الاقتصادوية و"السياسة الاشتراكية الديموقراطية" على حد تعبير لينين نفسه.

ويؤكد لينين على فكرته هذه في نفس المرجع كما يلي: "مهما بذلنا من جهد في اضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه، لن نستطيع أبدا أن نصل إلى إنماء وعي العمال السياسي (الى درجة الوعي السياسي الاشتراكي – الديموقراطي) ضمن إطار هذه المهمة، لأن هذا الاطار نفسه ضيق" ... "وهو الخطأ الذي يقترفه جميع "الاقتصاديين"، ونعني الاعتقاد بأنه يمكن انماء وعي العمال السياسي الطبقي من داخل نضالهم الاقتصادي، إن أمكن القول، أي انطلاقا من هذا النضال وحده (أو منه بصورة رئيسية على الأقل). وهذا الرأي مغلوط من أساسه، وبما أن "الاقتصاديين"، من غضبهم علينا لجدالنا اياهم، لا يريدون أن يعملوا الفكر في مصدر خلافاتنا، يكون الحاصل أننا لا نفهم بعضنا بعضا بالمعنى الحرفي للكلمة ونتكلم بلغات مختلفة. إن الوعي السياسي الطبقي لا يمكن حمله إلى العامل إلا من الخارج، أي من خارج النضال الاقتصادي، من خارج دائرة العلاقات بين العمال وأصحاب الأعمال".

ثانيا: الوعي الطبقي لا يتحقق من داخل النضال الاقتصادي بل من داخل سيرورة الصراع الطبقي:

لنقف قليلا شيئا ما عند الفكرة السياسية الأخيرة للينين، فإذا كانت الفكرة السياسية الأولى والتي يجب استقاءها من أعمال الرفيق لينين والتي يجب أن يضعها كل ماركسي لينيني نصب عينيه فهي ان النضال الاقتصادي المحض والذي يمكن أن نرى حتى البيروقراطيتين الادارية والسياسية تقوم به بنفس المواصفات على أكمل وجه، لن يؤدي أبدا، نظرا لضيقه، إلى انماء الوعي الطبقي العمالي. وهنا نلاحظ كيف ينتقل لينين الى الفكرة السياسية الثانية المضادة والتي ينزلق الكثير من الرفاق، بسبب عدم فهمهم لها، نحو انزلاقات تحريفية غير منطقية، وهي هنا عندما يشدد لينين على "أن الوعي السياسي الطبقي لا يمكن حمله إلى العامل إلا من الخارج"، فيعتقدون بأن لينين كان يقصد أن الوعي الطبقي يتم نقله الى الطبقة العاملة من خارجها أي من طبقات أخرى وهما اما "البرجوازية أو البرجوازية الصغرى" وهذا غير صحيح بالمطلق لكون هذا الفهم فهم ميتافيزيقي للأشياء يركز على الخصوص على الأشخاص كعنصر "وحيد" يتم عبره نقل "الوعي الطبقي"، بينما نلاحظ أن لينين يركز على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ككل وهو ما يسميه كارل ماركس ب"الكائن" أو "الكينونة "ETRE" ويختلف الشخص الطبيعي عن الكائن من حيث أن الأول يؤخذ كعنصر بيولوجي مستقل "نعتقد" أنه منعزل عن العالم وعن المؤثرات الخارجية وأن ما يصدر عنه من أفكار واحاسيس وأفعال عبارة افرازات خاصة بذلك العنصر عن عبقريته أو كما عبر عن ذلك فردريك انجلز في معرض انتقاده للمثالية القائلة بان الدماغ هو من يفرز الافكار "مثلما يفرز الكبد الصفراء". أما "الكائن" فهو نظرة ديالكتيكية مختلفة إلى الشخص الذي يؤخذ في اطار ارتباطه العضوي والبيولوجي بالمحيط، تكون مصدر الأفكار والأحاسيس والأفعال، وبالتالي يتبلور الوعي الطبقي في اطار العلاقات التي تربط مختلف المكونات المحيطة والمتفاعلة والمتحولة باستمرار.

ونلاحظ هنا مدى اختلاف النظرة الديالكتيكية الماركسية عن النظرة المثالية الهغلية للأشياء. فالوعي الطبقي بالنسبة للينين لن يصل أبدا إلى العامل من داخل علاقة محدودة ضيقة تقتصر على العلاقات الشغلية تقوم أساسا ما بين العامل والباطرون في فضاء المعمل الضيق، كوحدة توجد إلى جانب العلاقات المنعزلة عن باقي وحدات العلاقات الأخرى المحيطة. المثال العملي لذلك الاكتفاء "بتوزيع المنشورات التي تندد بما يجري في المعامل من تجاوزات وبسلوك الحكومة الموالي للرأسماليين وبالطغيان البوليسي، وحيث لا يخرج الحديث في اجتماعات العمال في المعتاد عن اطار نفس هذه المواضيع والتي لا يكاد يخرج عنها".

فبالنسبة للينين يتأتى الوعي الطبقي من خارج هذه النظرة المحدودة الضيقة للعلاقات الاقتصادوية بين العامل والباطرونا أو بالأحرى "من داخل العمل النقابي وحده"، أي أن الوعي الطبقي يتأتى من شمولية النظرة السياسية الى مختلف العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحكم مجتمع معين في مكان وزمان معين وفي ارتباط وتفاعل فيما بينها. وحيث يتسع المجال هنا ليشمل "القاء المحاضرات والأحاديث عن تاريخ الحركة الثورية وعن القضايا السياسية للحكومة على المستويين الداخلي والخارجي وحول قضايا التطور الاقتصادي داخليا وجهويا ودوليا وعن وضع هذه أو تلك من الطبقات في المجتمع ودورها في مسلسل الإنتاج بارتياط مع الهيمنة السياسية... الخ". كما يدخل في هذا الاطار الرد بسرعة على كل مظهر من "مظاهر الطغيان والظلم بصرف النظر عن مكان حدوثه وعن الفئة أو الطبقة التي يصيبها هذا الطغيان أو الظلم، وحيث يتم تلخيص جميع هذه المظاهر التي تتولد عنها لوحة تامة للطغيان البوليسي وللاستثمار الرأسمالي. فعلى "التنظيم" أن يحسن الاستفادة من كل أمر تافه لكي يعرض أمام الجميع عقائده الاشتراكية ومطالبه الديموقراطية، ولكي يشرح للجميع ولكل فرد الأهمية التاريخية العالمية لنضال البروليتاريا التحرري". ولا أعتقد هنا أن النضال البيئي أمر تافه بالنسبة للبروليتاريا حتى لا يتم اللجوء اليه من أجل رفع الوعي السياسي وسط الطبقة العاملة وجعله حصان طروادة لتوسيع مجال التحليل والدعاية السياسية الاشتراكية بل واستعمال القضايا البيئية الطارئة في التحريض السياسي(كمناهضة استيراد نفايات ايطاليا لحرقها في معامل الاسمنت قرب الدار البيضاء، والاحتجاج على التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز الصخري من منطقة تندرارة قرب مدينة فيكيك الذي سيلوث المياه الجوفية والماء الشروب والفلاحة والنبات لمئات السنين)، فأي مناضل سيتجاهل مثل هذه الأشياء سيتجاهل في نفس الوقت القضايا الحيوية للطبقة العاملة التي تؤثر بشكل مباشر في حياتهم اليومية.

إن فكرة كاوتسكي "الخاطئة" والواردة في مقالته الصادرة سنة 1901 والتي اقتبسها عنه لينين لاستعمالها بشكل مختلف و"صحيح"، وهي فكرة "ان الوعي الطبقي لا يتأتى للطبقة من داخلها وانما من خارجها"، كان يقصد بها بالضبط ما فهمه "خطأ" الكثير من المناضلين من بينهم حتى الرفيق حسقيل قوجمان، حينما اعتقدوا بأن الأمر يتعلق بكون الوعي الطبقي البروليتاري يتأتى بالضرورة من الطبقة البرجوازية ما دامت توجد خارج الطبقة العاملة. وأعتقد جازما أن "هذا الفهم" بعيد جدا عن فكرة كل من كارل ماركس ولينين وهي فكرة أن "الوعي الطبقي يتأتى في ظل سيرورة من الصراع الطبقي وعبر الفهم الشمولي السياسي لمجمل العلاقات التي يتبلور فيها وعي "الكائن". وهذا الوعي السياسي البروليتاري الثوري يتبلور وسط الطبقة العاملة ولا يمكن أبدا أن ينقل اليها من خارجها أي من البرجوازية والبرجوازية الصغرى، لأن "فاقد الشيء لا يعطيه"، فلو كانت البرجوازية تمتلك فعلا وعيا طبقيا وتعمل على نقله للبروليتاريا، لما استمرت على شكل "طبقة برجوازية" أصلا، فكيف يمكن للبرجوازية ان تنقل الى البروليتاريا الوعي الطبقي الثوري الصحيح الذي تستعمله لتدميرها بواسطته، بل لن تنقل الى الطبقة العاملة سوى ايديولوجياتها الميتافيزيقية التخديرية وتعمل من خلاله على تعميق اغترابها وانبطاحها للاستغلال السياسي والاقتصادي.

ثالثا: سيرورة الحركة الماركسية اللينينية ببلادنا:

أختلف كثيرا مع فكرة الرفيق بوخبزة المعلق رقم 2 على ورقتي السابقة " الطبقة العاملة والنضال البيئي، أية علاقة؟ "الذي ينكر تماما وجود ماركسيين لينينيين ببلادنا وأنا لا أقصد هنا من يدعون الماركسية اللينينية قولا ويخونونها فعلا، أو الذين انحرفت اخلاقهم البروليتارية نحو الاخلاق البرجوازية الصغرى وبالتالي المعبرين طيلة الوقت عن انتهازية وعجرفة برجوازية صغرى لا تحتمل والذين ربما هم يعنيهم الرفيق بوخبزة، بل أعني المئات من الماركسيين اللينينيين الذين تشبعوا من هذا الفكر منذ نعومة أضافرهم في مدارسهم ووسط عائلاتهم وفي احيائهم المهمشة وتمترسوا على النضال الطبقي الميداني والفكري سواء خلال فترة دراستهم في الجامعة أو بعد ولوجهم ميدان العمل في مختلف مجالات الحياة وظلوا رغم ظروف الانعزال التي فرضت عليهم في الكثير من الحالات بسبب العمل أو الموقع الجغرافي، متشبثين بأفكارهم وبضرورة تجسيدها على أرض الواقع. فعلى خلاف الرفيق بوخبزة أؤكد هنا وجود هؤلاء المناضلين المادي المحسوس بمختلف المواقع، بل أن الكثير منهم تطوروا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بغض النظر عن التجربة الرائعة للمناضلين الماركسيين اللينينيين خلال عقد السبعينات من القرن العشرين، خاصة منها تجربة منظمة الى الأمام.

فإذا كان العمل خلال عقدي الثمانينات والتسعينيات اقتصر على مواجهة التحريفية بكافة اشكالها خاصة داخل الجامعة من خلال تجربة النهج الديموقراطي القاعدي والاقتصار خارج الجامعة على العمل بكل قوة الى جانب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وانتقاد كل مظاهر الانحراف عن هذا النوع من العمل من خلال حمل شعارات راديكالية من قبيل(لا للعمل في الاطارات الجماهيرية) فالمهمة كانت تقتصر آنذاك على توطيد مواقع الماركسيين اللينينيين ومواجهة التحريفية والردة التي أعقبت الموجة الثانية من قمع النظام للحركة الماركسية اللينينية وانهيار سور برلين سنة 1989 وانهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، خاصة وأن عددهم الماركسيين اللينينيين الذين ظلوا متشبثين بهذا الفكر لم يتجاوز عدد من الالكترونات المحدودة المشتتة بين عدد من مواقع الصمود.

أما منذ بداية الألفية الثالثة وحيث بدأ الماركسيون اللينينيون يتكاثرون في كل مكان نتيجة انتشار الكتاب الالكتروني والتعليقات الالكترونية عبر الانترنيت والصراع الفكري المفتوح ضد الحركات التصفوية للماركسية اللينينية: الفوضوية والتروتسكية والماوية ... الخ، والذي فرض على المناضلين رفع مستوى التكوين الذاتي في مجال قراءة الكتب الحمراء وتوسع مجال اشتغالهم لينتقل الى مجالات جديدة متعددة نقابية وحقوقية وجمعوية وحركات احتجاجية ... وبدأت تتبلور وسطهم بوادر تنظيمات ماركسية لينينية منغلقة على نفسها في كثير من الحالات وبعضها مفتوح اكتفى بإصدار البيانات والمقالات الصحفية والتي تحاول المواكبة النقدية للشأن العام، بينما اقتصر بعضها الآخر على العمل الاقتصادوي اي العمل في اطار نقابي محض وسط الطلبة أو وسط العاملات والعمال، بهدف نبيل طبعا هو الانغراس وتطوير العلاقات العضوية مع الطبقة العاملة رغم أن مثل هذا العمل تقوم به حتى التنظيمات البرجوازية . فإلى هنا أعتقد، وتعقيبا على الوجه الأول من تعليق الرفيق بوخبزة، أن الماركسيين اللينينيين لديهم وجود وكيان مادي فعلى، رغم كونه لا زال جنينيا وغير منظم بما فيه الكفاية وهذا هو الوجه الثاني الذي اتفق معه من نقد الرفيق بوخبزة أي "غياب التنظيم الماركسي اللينيني" بحد المعنى، لأن الطوائف السياسية الماركسية اللينينية التي تتجاوز اليوم 12 طائفة (لا أقصد هنا تنظيمات التروتسكيين والماويين) لا تزال منغلقة على نفسها (بسبب القمع وغياب الثقافة التنظيمية الجماعية وانعكاس كل ذلك على سلوك المناضلات والمناضلين) لم ترقى بعد الى تنظيم سياسي موحد تقوده مجموعة من الأفكار السياسية الماركسية اللينينية المنسجمة وتسعى الى تحقيق نفس الهدف الاستراتيجي في اطار من المركزية الديموقراطية.

ولعل هذا النقد الأخير حول غياب التنظيم له من السلبيات الخطيرة على سيرورة توسع حركة الماركسيين اللينينيين أنفسهم. فالتراكم قد يؤدي الى نشأة نوع جديد متقدم (التنظيم الماركسي اللينيني المتطور)، لكن ليس بالضرورة حدوث هذا التحول النوعي الايجابي بل قد يحدث تحول نوعي سلبي. فتراكم المناضلات والمناضلين الماركسيين اللينينيين على الصعيد الوطني من شأنه ولادة تنظيم ماركسي لينيني متقدم سياسيا ونضاليا، وهذا هو الجانب الايجابي في العملية. لكن قد يوجد تراكم للماركسيين اللينينيين الى جانب احتباس أو جمود عقائدي فكري داخلي في أوساطهم، وهذا ما حاول على ما أعتقد الرفيق بوخبزة التعبير عنه في تعليقاته، فإن ذلك قد يؤدي الى عدد من الظواهر السلبية معاكسة تماما للنتائج الايجابية المتوخاة، والتي قد تظهر على شكل هروب عدد من الماركسيين اللينينيين السابقين نحو اعتناق افكار تحريفية مناقضة تماما للفكر الماركسي اللينيني العلمي الذي حملوه سابقا. فالظاهرة هنا ظاهرة ديالكتيكية لا علاقة لها بقناعاتنا أو بادعاءات نقدية لا أخلاقية لهذا الطرف أو ذاك، فالطبيعة تأبى الفراغ، فإما أن يسمح تراكم الشروط الموضوعية بولادة تنظيم ماركسي لينيني متطور فكريا وعمليا، وإما أن تنحرف تلك الشروط الموضوعية بالتواءات ذاتية داخلية يؤدي انحرافات وتشويهات خلقية.

هناك أجيال إذن من المثقفين الماركسيين اللينينيين الذين انضافوا الى المشهد السياسي العام المغربي منذ بداية الالفية الثالثة وهم يعارضون بشكل أو بآخر كل مهادنة أو تطبيع مع النظام السياسي القائم وفضح متزايد للتحالف الطبقي الحاكم واحزابه ونقاباته، حيث يندرج ذلك في اطار من النضال الديموقراطي العام في أفق "التحرر" و"الحرية" و"الاشتراكية". ويوجد هؤلاء المناضلون المثقفون الماركسيون اللينينيون في مختلف المدن والقرى المغربية ويساهمون في حدود امكانياته في نشر الفكر الاشتراكي الثوري وان ظلت تلتهمهم الاقتصادوية المفرطة وتقديس العفوية والذي يقود الى نتائج معاكسة لمتطلبات المرحلة كما يؤثر على نمو طاقات شابة جديدة. إن العمل السياسي الجدي لكل هؤلاء الرفاق سيظل مشتتا طائفيا ما لم تنبع من داخلهم أداة تنظيمية توحدهم وتوجه حركتهم السياسية الاساسية الى العمال، يعملون خلالها وسط الطبقة العاملة على نشر المعرفة السياسية الحية الشاملة الحقيقية، الذي هو السبيل الوحيد لانبثاق عمال اشتراكيون ديموقراطيون ويشكلون الطليعة القائدة للتنظيم السياسي الثوري المنشود.

رابعا: أزمة ماركسية لينينية أم أزمة ماركسيين لينينيين؟:

أمطرني الرفيقان حمزة الشامي ومحمد بوخبزة كل بطريقته بوابل من النقد اللاذع لتجربة الماركسيين اللينينيين المغاربة، ومن عادتي أنني أحاول إعطاء كل تعليق أكبر قدر من الاهتمام والاحترام في نفس الوقت بحيث أحاول ابداء وجهة نظري حل التعاليق التي تدبج بمناسبة نشر احدى أوراقي. لكنني إزاء الانتقادين المومأ اليهما للرفيقين ترددت كثيرا لأن المسألة حساسة جدا، وأن أي إجابة سواء بالتأكيد أو بالنفي لتلك الانتقادات اللاذعة ستحمل حكم قيمة إضافي جديد من طرفي قد يجلب لي المشاكل مع عدد من الرفاق الذين أقدرهم، لذلك خطر لي ان اتجاهل تلك الانتقادات، لكن مع مرور الوقت بدا لي ان ذلك التجاهل بالإضافة الى انه نوع من الجبن أمام إشكالية عظمى وضعت أسفل مقالتي بالحوار المتمدن، تجعلني أكثر مسؤولية عنها من مؤلفيها. لذلك اخترت أن أقدم بعض التوضيحات عبر أبرز محاور الانتقادات المطروحة والتي ألخصها في ما يلي:

1 – التلفيقات غير الأخلاقية التي تعرض لها الماركسيون اللينينيون المغاربة؛

2 – الإضافات النوعية للماركسيين اللينينيين بالمغرب؛

3 – الماركسيون اللينينيون والتنظيم؛

4 – الماركسية اللينينية تحت الحصار والانعزالية.

التلفيقات غير الأخلاقية التي تعرض لها الماركسيون اللينينيون المغاربة

يتحامل الكثيرون على الماركسيون اللينينيون بالجامعة وخاصة النهج الديموقراطي القاعدي والبرنامج المرحلي بأنهم يفتقدون للأخلاق النضالية ويستندون في ذلك الى تاريخ من الصراع الدموي الذي عاشته الجامعات المغربية خاصة منذ بداية عقد التسعينيات بين المناضلات والمناضلين الماركسيين اللينينيين وفصائل سياسية ظلامية أو شوفينية أو تحريفية. بل ساهمت مواقف وتصريحات بعض التحريفيين في تعميق هذه النظرة السلبية للقاعديين، والتي كانت دائما تقف بمواقفها وتصريحاتها الى جانب المعتدين بدلا من الوقوف الى جانب الضحية. ويعود تاريخ هذه المواقف التحريفية منذ اغتيال الشهيدين المعطي بوملي بوجدة وآيت الجيد بنعيسى في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين. وحيث لا زال هؤلاء التحريفيون يعانقون قتلة الشهيدين الظلاميين باسم حقوق الانسان وأشياء أخرى.

كما لا زلنا نتذكر الموقف الرجعي الذي عبر عنه هؤلاء التحريفيين عقب اغتيال العصابات الشوفينية الشهيدين عبد الرحمان الحسناوي ومحمد الطاهر الساسيوي، فقد حملوا مسؤولية الصراع السياسي القائم للرفاق في البرنامج المرحلي متجاهلين أن تلك العصابات الشوفينية المخترقة مخابراتيا كانت تعمل على اجتثاث الحركة الماركسية اللينينية من المواقع الجامعية فكان النظام يغمض عينيه عن عصابات الشوفين بينما يضيق الخناق على الماركسيين اللينينيين ويفبرك لهم المحاكمات الصورية في أدنى فرصة يتيحها الشوفين.

تسويد نضالية الرفاق القاعديين أصبح هو الشغل الشاغل للتحريفيين ونتذكر التحامل الكبير للتحريفيين على الرفاق القاعديين المعتقلين بموقع مكناس سنة 2012، ورفض "حقوقييهم" مجرد اثارة وضعهم داخل سجون الرجعية. نفس الشيء سيتكرر خلال مؤامرة 24 أبريل 2014، حينما نزلت ميليشيات ظلامية بقيادة حامي الدين من مكناس الى فاس مدججين بالأسلحة لتصفية القاعديين وحدوث إصابة في صفوفهم أدت الى وفاة احد المهاجمين شاهدنا كيف تتجند التحريفية الى جانب الظلاميين لتدمير القاعديين.

خلاصة القول ان الماركسيون اللينينيون بالجامعة المغربية في حالة دفاع مستمرة منذ عقد السبعينات من القرن العشرين حينما وضع مناضلي الى الأمام شعار لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو، فلا علاقة لسلوك الماركسيون اللينينيون بالأخلاق البرجوازية وأن ما يحدث من تشويه واثارة غير أخلاقية اتجاه القاعديين عبارة عن أوهام مفبركة من طرف العدو الطبقي. ان تلفيق تهمة قصر شعر قاصرة لعدد من مناضلات ومناضلي موقع مكناس، والزج بهم في السجون لسنوات دون ان يونوا حاضرين خلال الواقعة، بينما يتم اطلاق سراح ستة مجرمين اغتصبوا فتاة ببنجرير مما دفع هذه الأخيرة الى الانتحار حرقا بالنار، لهو أفضع مثال على المؤامرة الجماعية التحريفية والرجعية والظلامية ضد الرفاق والرفيقات القاعديين.

الإضافات النوعية للماركسيين اللينينيين في المشهد السياسي المغربي:

الحركة الماركسية اللينينية بالمغرب التي يرجع تاريخها الى الثلاثينيات من القرن العشرين حيث ساهمت الجرائد الشيوعية بالفرنسية (كالمغرب الأحمر سنة 1931 والوضوح سنة 1935) في تسييس ساكنة الدار البيضاء على الخصوص وحيث كانت السلطات الفرنسية ترتكز على مبدأ محاربة الشيوعية لطرد الصحافيين الشيوعيين الفرنسيين من المغرب، كما ساهم العشرات من الشيوعيين المغاربة في ظل صمت القوى الرجعية المتواطئ المطبق، بدمائهم في عمليات المقاومة والتحرر والتحرير الأيديولوجي إعلاميا أولا والنضال الميداني ثانيا وحيث لا زال تاريخ هذا العطاء التحرري للشيوعيين المغاربة معتم عليه. وقد أدت الخيانات العميلة مباشرة بعد الاستقلال الى تصفية أبرز تنظيمات الماركسيين اللينينيين السرية آنذاك وهي منظمة الهلال الأسود وقادتها كعبد الله الحداوي ولحسن لكلاوي لرفضها لمعاهدة ايكس ليبان وفضحها للدور العميل لحزب الاستقلال.
واكب الشيوعيون المغاربة عمليات نهب التحالف الطبقي الحاكم لأراضي المعمرين المسترجعة واطلاق عمليات الاستغلال المتوحشة للطبقة العاملة والتنديد بمعاهدة إيكس ليبان الخيانية الشيء الذي جعل عقد الستينيات تعرف أكبر مجزرة للائحة طويلة من طليعة الجماهير الشعبية المسحوقة الاشتراكية سواء عبر الاختطاف والاعدامات السرية أو المحاكمات المفبركة والزج في غياهب السجون.

في نهاية عقد الستينيات سيؤسس عدد من الشباب الماركسي اللينيني ثلاث منظمات أ وب وج، اعتمدت السرية والدعاية والتحريض ضد جرائم النظام السياسية والاقتصادية. وهذا ما رفع نسبة الوعي الشعبي والنضال والصراع الطبقي الشيئ الذي جعل النظام يدشن موجة قمع جديدة سقط تحتها شهداء الحركة الماركسية اللينينية كالشهيدين عبد اللطيف زروال وسعيدة المنبهي بينما زج بالمئات من الماركسيين اللينينيين داخل السجون المظلمة بأحكام مفبركة.

خلال عقد الثمانينيات وفي عز تطبيق سياسات التقويم الهيكلي ظل الفكر الماركسي اللينيني مستيقظا داخل الجامعات المغربية، مواكبا للسياسات الليبرالية المتوحشة بالفضح والدعاية والتحريض من اجل اسقاط تلك السياسات وهو ما أدى الى ثلاث انتفاضات شعبية تاريخية لسنوات 1981 و1984 و1990 كان النظام عقب كل انتفاضة شعبية يراجع سياساته الرجعية خوفا من انفجارات أكبر. كما لجأ النظام مرة أخرى الى موجة قمعية جديدة من أجل اجتثاث الحركة الماركسية اللينينية التي تغلغلت عميقا وسط المجتمع المغربي، ورغم الاغتيالات والسجون ظلت شعلة الماركسيين اللينينيين مشتعلة على الأقل داخل الجامعات المغربية من خلال فصائل القاعديين.

في عقد التسعينيات حيث حاول النظام مرة أخرى تدمير الحركة الماركسية اللينينية داخل الجامعات من خلال اختراقه للمنظمات الإرهابية الظلامية التي اغتالت الشهيدين المعطي بوملي وآيت الجيد بنعيسى ومحاولتها السيطرة على عقول الطلبة مستغلا الفراغ الذي احدثته الموجة القمعية لعقد الثمانيات. لكن جيوش حاملي الشهادات العاكلين والمنتظمين في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين عملوا من جديد على نشر الوعي السياسي وسط عائلاتهم ووسط مختلف المدن والقرى، جعل الفكر الماركسي اللينيني يواصل طريقه المناضل داخل وخارج الجامعة ويقدم شحنة معنوية قوية لأجيال من المناضلين الماركسيين اللينينيين الذين ينشئون في كل مكان انويتهم وينتسبون بشكل تلقائي للنهج الديموقراطي القاعدي ولطلبة الكراس والبرنامج المرحلي.

منذ بداية الألفية الثالثة، ورغم محاولات الفصائل التصفوية التروتسكية والماوية والتحريفية إنجاح هجوماتهم التخريبية للحركة الماركسية اللينينية، سواء داخل الجامعة أو خارجها إلا أن تلك المحاولات بائت بالفشل الذريع، وبدأت الحركة الماركسية اللينينية تعرف توسعا نوعيا عبر التراب الوطني وانخراطا ميدانيا وفكريا متقدما في الفعل النضالي سواء في اطار الحركات الاحتجاجية كتنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار وتفكيك الخدمات العمومية أو حركة 20 فبراير أو في اطار مجموعات المعطلين حاملي الشهادات أو داخل المركزيتين النقابيتين الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديموقراطية للشغل.

إن ما تم استعراضه في هذه النقطة يكشف بوضوح أن الحركة الماركسية اللينينية قائمة الذات بشكل مادي ملموس رغم محاولات الاجتثات المتعددة وأن هذه الحركة مستمرة ومن شأنها ان تحقق طفرة نوعية اذا ما تظافرت الشروط الموضوعية لبلورة تنظيم مستقل للطبقة العاملة.


الماركسيون اللينينيون المغاربة والتنظيم:

يعتبر التنظيم الماركسي اللينيني افرازا عضويا للنشاط النضالي المتصاعد للحركة الماركسية اللينينية، فمثل هذا التنظيم لا يتم فرضه فوقيا بإرادة فرد أو عدة أفراد قرروا فجأة تأسيس الاطار السياسي المنشود. ففي خضم الصراع الطبقي وتزايد حدته على كافة الواجهات، وبروز دينامية متصاعدة لفعاليات ماركسية لينينية مناضلة وسط هذا الصراع الطبقي، يبدأ التنظيم الماركسي اللينيني يتبلور شيئا فشيئا عبر مجيمعات وحلقات نقاش دورية سرعان ما تتطور الى تنسيقات وتوافقات حول ادبيات التنظيم ومبادئه وقواعد النقاش وبلورة المواقف المشتركة. فهذا التعريف المبسط للتنظيم الماركسي اللينيني عبارة عن افراز جدلي تراكمي في لحظة تاريخية معينة.

وتختلف ولادة التنظيم الماركسي اللينيني عن سيرورة استمراره وتوسعه. فإذا كانت الولادة عملية تاريخية عسيرة تتطلب توافر عوامل موضوعية وأخرى ذاتية، فإن استمرارية التنظيم تتطلب من أعضائه التحلي بقدرة هائلة على استيعاب تاريخ الحركة العمالية العالمية منذ نشأتها ومختلف تجاربها الناجحة والفاشلة وأيضا مجمل الادبيات الماركسية اللينينية ومبادئ التنظيم الشيوعي خاصة المركزية الديموقراطية والنقد والنقد الذاتي المحركان الحقيقيان للتنظيم والضامنان لاستمراريته.

تاريخ الحركة الماركسية غزير بالتجارب التنظيمية السرية منها على الخصوص، فمنظمة الهلال الأسود خلال عقد الخمسينات تفوقت في استمرارية تنظيمها السري الى غاية معاهدة الاستقلال الشكلي لإيكس ليبان حينما تراخت احتياطيات التنظيم مما مكن الخيانات الرجعية من تصفية أعضائها. كما أن منظمات الى الأمام و23 مارس ولنخدم الشعب مارست التنظيم السري والنضال السياسي السري وتركت لنا العديد من الأدبيات التنظيمية التي يمكن الاستفادة منها.

ان التجارب التنظيمية للحركة الماركسية اللينينية خلال عقدي السبعينات والثمانينات والتي عرفت موجتين قمعيتين وحشيتين لاجتثاث تلك التنظيمات، تقدم للمتتبع دروسا بليغة خاصة منها أن العمل السياسي السري لا يستقيم مع مركزية التنظيم، لأنه ما إن تنفضح شبكة التنظيم المركزي حتى يسهل على العدو الطبقي تدميره بالكامل. وذلك ما حدث للتنظيمات المذكورة خلال هذه الحقبة. ولست أدري هل ما حدث بعد ذلك على مستوى التنظيم الذاتي للماركسيين اللينينيين من قبيل الصدفة أم ظاهرة واعية تمام الوعي. فانطلاقا من عقد التسعينات الى يومنا هذا اختفى التنظيم المركزي وانتشرت التنظيمات اللامركزية الماركسية اللينينية المتعددة، وإيجابية هذا الأسلوب اللامركزي هو ان العدو الطبقي لا يمكنه ابدا اجتثاث الفعل الماركسي اللينيني الذي أصبح منتشرا بين الشباب في كل مكان ويخترق كافة الحركات الاحتجاجية وقياداتها حتى وان اختلفت شعارات هذا الفصيل أو ذاك بحكم التاريخ والجغرافية والتأخر في تعميق الدراسة النظرية وتجارب الحركة العمالية العالمية.

لكن بمثل هذا القدر الهائل من الطاقة التنظيمية الممكن المخزنة في إطار الحركة الماركسية اللينينية المغربية، هناك تمظهرات غير صحية وذات تأثير سلبي على الحركة ككل ومن شأنها أن تشكل عاملا طاردا للماركسيين اللينينيين من الحركة. ويمكن اجمال هذه التمظهرات في:

أ – الضعف العام في استيعاب الادبيات الماركسية اللينينية ومبادئها وخاصة الجهل الكبير بالمادية الديالكتيكية حيث تختلط لدى العديد من الشباب الفلسفة المادية بالمثالية فينعكس ذلك على السلوك السياسي وبالتالي ظهور نزوعات برجوازية صغرى وتطلعات هيمنية لا علاقة لها بنمط التفكير البروليتاري؛

ب – الجهل الكبير بتجارب الحركة العمالية العالمية وبالتالي الجهل بأسباب فشل العديد منها، مما يقود نحو الوقوع في نفس التجارب الفاشلة، في حين ان دراسة تلك التجارب كفيل بتمكين المناضلين الماركسيين اللينينين من تفادي الوقوع فيها؛

ج – الذات المتضخمة لبعض القيادات الماركسية اللينينية نتيجة استيعابهم التاريخي لبعض الادبيات السياسية الماركسية وتواجدهم وسط محيط من الشباب التابعين الجاهلين بتلك الادبيات، مما يجعل التناقض بين الطرفين يتضخم مع تضخم انانية الزعيم الشيء الذي يحول كامل المجموعة الى سطل فارغ كاريكاتوري رغم الرنين الأجوف الذي يصدر عنها؛

د – تحكم بعض القيادات المطلق في الشباب المنفتح على الفكر الماركسي اللينيني والذي يصل حد توزيع احكام قيمة على المناضلات والمناضلين الذين يبتعدون عن دائرة نفوذ القائد، وهو ما يصيب عدد من الشباب بالإحباط والأذى المعنوي والجسدي، مما يجعلهم ينفرون من التنظيم والابتعاد المطلق عن الماركسية اللينينية والتحول الى مناهض لها بالانخراط في التنظيمات الرجعية والتحريفية.

تلك هي بعض التمظهرات النسبية لبعض السلبيات التي قد يكون لها عواقب وخيمة على الحركة العمالية الثورية المغربية، والتي لا يمكن علاجها الا بالعودة الى نمط التفكير البروليتاري وثقافة الحوار البروليتاري.


رابعا: الحركة الماركسية اللينينية المغربية تعيش تحت الحصار والانعزالية:

من خلال ما سبق تمت بشكل نسبي محاولة رصد الفعل النضالي الغني للحركة الماركسية اللينينية المغربية، كما تمت الإشارة الى المؤامرات التي تحاك ضدها والأخطار المحدقة بها، خاصة بعض التمظهرات السلبية لدى بعض أعضائها. لذلك فإن الحركة الماركسية اللينينية تعيش تحت ضغوط الحصار الطبقي والقمع يشتى أشكاله بالإضافة الى الوضع الاجتماعي المزري للكثيرين من المنتسبين لهذه الحركة.

وتشكل ضغوطات الحصار والقمع والاضطهاد وتلفيق الاتهامات وتشويه الحركة وفكرها العلمي عاملا مؤثرا على الوجود الاجتماعي العادي للناضلات والمناضلين، مما يزج بهم في قوقعة من الانعزالية والنفور من الأطراف الأخرى. وهذا الوضع هو الآخر له انعكاساته السياسية السلبية على التحليل العلمي السليم للوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي العام وبالتالي يؤدي الى استنتاجات ومواقف غير سليمة وبالتالي الاتيان بأفعال معاكسة تماما لنمط التفكير البروليتاري، مما يزيد من الحصار والعزلة وهكذا دواليك.

يوصي الرفيق لينين رفاقه البلاشفة بالتواجد أينما تواجدت الجماهير، فالانغراس وسط الجماهير هو أفضل علاج ضد الحصار والانعزالية. وعندما نتحدث عن الانغراس وسط الجماهير فذلك بمعناه العام وفي إطار ومستوى نضالات هذه الجماهير، حيث يمكن للماركسي اللينيني أن يساهم المناضل وسط الجماهير اللامنتمية سياسيا في نشر الوعي الطبقي العلمي عبر التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهو ما نسميه بالدعاية الاشتراكية وفي نفس هذا الاطار يمكن التحريض ضد الممارسات القمعية الاقتصادية والسياسية لتلك الجماهير. فهاتين العمليتين الدعاية والتحريض توسعان من عدد الملتحقين بالفكر الاشتراكي الذي يصبح مع مرور الزمن أفضل حصانة من الحصار والانعزالية.

بدلا من الخاتمة

لقد كانت هذه المحاولة للرد على تعليقات بعض الرفاق على مقالي السابق خاصة ما تعلق بالاستهانة بالمدرسة الماركسية اللينينية وعطاءاتها خلال تجربتها الغنية التي تصل الى ثمانين سنة. انه تأريخ مختصر لتاريخ مشرف للماركسيين اللينينيين. كما انه انطلاقا من الفكر النقدي والنقد الذاتي حاولت ان ارسم بشكل موضوعي بعض السلبيات التي تعرقل العمل السياسي الثوري للماركسيين اللينينيين. قد أكون على خطأ على طول الخط، كما قد أكون قد أصبت في بعض الجوانب وأخطأت في جوانب أخرى، لكنني مقتنع في قرارة نفسي أنني قدمت تحليلا صادقا من رجل حمل هذا الفكر منذ نعومة اظافره ولا زال مستمرا في حمله وعاش تجارب كافية لتكوين عدد من المواقف أحاول المساهمة بها الى جانب رفاقي في كل مكان والذين أكن لهم فائق الحب والتقدير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرجاء التوقف عن ارسال تعليقات
عبد السلام أديب ( 2016 / 8 / 13 - 10:17 )
الرجاء من كافة الرفاق والرفيقات التوقف عن نشر التعليقات حول الموضوع اعلاه في هذا الحيز ، ومن أراد مناقشة الموضوع فليفتح له موقعا خاصا به يقدم فيه ما يشاء من أفكار، مع المعذرة للجميع

اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في