الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راهنية ماركس*

عبد المجيد السخيري

2016 / 8 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لا تزال الماركسية، منذ النصف الثاني من القرن الماضي، تشكل الطرف القوي والمنفرد الذي به تتحدد الأفكار والتيارات والاتجاهات المختلفة في الفلسفة والعلوم الانسانية والاجتماعية والاقتصاد السياسي والفكر السياسي وغيرها من حقول المعرفة والممارسة، تماما كما كانت لعقود من زمن القرن الماضي محور الصراع الإيديولوجي بين أهم تيارات الفكر والسياسة والفنون والآداب والجماليات والنقد، وذلك برغم كل الشكوك التي طالتها في العقود الأخيرة بفعل ما تعرضت له التجارب الاشتراكية التي تسمَت بها من هزات وإخفاقات ومآلات تراجيدية، وبرغم توالد خطابات النعي التي تجدد الإعلان بين أزمة وأخرى عن موت ماركس وشيخوخة منهجه في التحليل الاقتصادي، وعقم استنتاجاته السياسية وإسقاطاته الفلسفية والإيديولوجية. وقد اعتدنا في السنوات الأخيرة أن نقرأ في كبريات الصحف والمجلات الدولية القريبة من دوائر الرأسمال العالمي، مثل "ذو إيكونوميست"، "فيناشيال تايمز"، "بزنيس ويك"، "ماغزين شالانج"، "لوموند"، "لونوفيل أوبسيرفاتو" و"دير شبيغل" وغيرها، عناوين بالبنط العريض عن عودة الصراع الطبقي وراهنية النقد الماركسي للرأسمالية والحاجة الماسة لقراءة "الرأسمال" لفهم الرأسمالية وتفسير أزمتها المستفحلة اليوم؛ وحتى صحيفة محافظة مثل "لوسيرفاتوري رومان" الناطقة بلسان الفاتيكان، اعترفت للرجل بالصواب في تشخيص اللامساواة. وبذلك لم يعد الماركسيون في أغلب الأحيان هم من يطرح العودة الملحة إلى ماركس ويعتبرون تحليله راهنيا، وهم على أي حال ليسوا بحاجة إلى ترديد مثل هذا الكلام، بل الرأسماليون هم من يفعل ذلك، وإن لم يكن بطبيعة الحال بغاية استلهامه سياسيا وإيديولوجيا للقيام بثورة ضد نظامهم وتسليم مقاليد السلطة للبروليتاريا التي أوكل لها ماركس مهمة تحطيم الرأسمالية، أو للتطهَُر مما ارتكبوا من خطايا وذنوب الاستغلال! إنهم يفعلون ذلك في الواقع كلما شعروا بالأرض تهتز من تحتهم والنار تقترب من النظام الذي يبرر وجودهم، أو حين تصل الأزمات المالية إلى عقر الديار المقدسة للرأسمال المتوج مثلما حدث في السنوات الأخيرة. فأحيانا كثيرة تضطر البورجوازية إلى الاعتراف بحقيقة ما يعتمل بداخل نظامها من أزمات وبؤس وشقاء، بل ويكون من مصلحتها فعل ذلك، إنما بالتأكيد ليس من أجل التسليم بحتمية نهايته، بل بالأحرى للقول أنه ليس في النهاية من بديل أفضل من الرأسمالية بالضرب على وتر الشر الشمولي!!

ومن غير إدراك هذه الحقيقة، فقد نستغرب لتصريح أحد إيديولوجيي الرأسمالية المعولمة، آلان مينك، على صفحات مجلة "ماغزين شالانج"، التي خصت ماركس بمديح صريح حين عنونت غلافها بـ"تحليل راهني دائما"، وهو يقول: "هو الوحيد [يقصد ماركس] الذي فكَر في نفس الوقت الاقتصاد والمجتمع. ولم يفعل ذلك أحد قبله وبعده بذلك المستوى الرفيع. فكينز، على سبيل المثال، لم يكن يفهم شيئا في المجتمعات هناك حيث استخلص ماركس مثلا عوامل للإنتاج، الرأسمال، العمل والثقة. ومن وجهة نظر هذه سأكون دائما ماركسيا إلى الأبد". وفي نفس الاتجاه وعلى صفحات نفس النشرة سينصح باسكال لامي، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، رأس رمح الأذرع القوية للرأسمال العالمي، بالعودة إلى علبة الأدوات الفكرية الماركسية لمن أراد تحليل رأسمالية السوق المعولمة اليوم. والأمثلة كثيرة، وربما سنقرأ من هذه العناوين ما لا حصر له في القادم من الأيام طالما ستستمر الأزمة الحالية متفاعلة وبلا جواب عملي من قبل المؤسسات النافذة للرأسمال، وسيظل الفكر الاقتصادي البرجوازي يلوك العبارات الكلاسيكية التي ألف ترديدها في الفترات الزاهية عن كفاءة السوق وفضائله.
فلم يعد سرا أو مدعاة للخجل الاعتراف لماركس بفضيلة الفهم العميق والتفسير العبقري لاشتغال وتطور نمط الإنتاج الرأسمالي، ولا أيضا مخيفا استشرافه لآفاق التطور الرأسمالي والأزمات التي ستلازمه بنيويا أو من أثر الفعالية الانسانية في المقاومة المتحلقة حول البديل الاشتراكي. ولعل غياب بدائل أخرى للتحليل السياسي والاقتصادي المتماسك والمتقدم الذي طورته الماركسية على امتداد عقود من الممارسة والاجتهاد الفكري، والذي من شأنها أن تساعد أو تخدم النضال ضد الآثار السلبية للرأسمالية، يقوي ويعزز حظوة التحليل الذي وضع أسسه ماركس، وهو اليوم ينبعث من جديد ويصبح قاسما مشتركا للحركات الاحتجاجية المتنامية في العالم. وبالنسبة لجميع ضحايا العولمة والمتخلى عنهم، في إطار اقتصاد السوق، والبؤساء وعبيد العمل والبروليتاريين، فسيظل ماركس أكثر راهنية، كما يعتقد بذلك الكثيرون اليوم بثقة.
لم تمت الرأسمالية، وكذلك ماركس. فهي تستمر بالقفز من أزمة إلى أخرى، غير أن الأزمات الراهنة أضحت أكثر ترددا واتساعا بحيث أن مشكلة صغيرة في مقطورة مالية بالولايات المتحدة، يقول الاقتصادي رافاييل ديديي، تكفي من الآن فصاعدا أن تتحول إلى أزمة عالمية. أما ماركس فكان قد توقع أن التقسيم الدولي للعمل، الذي يطالب اليوم المستثمرون بتعميقه، سيؤدي إلى مضاعفة استغلال العمال، خاصة في بلدان الأطراف، مع تيسير مزايا الإنتاجية، وهو ما يمكن تبينه بوضوح في عالمنا اليوم.

لهذا، ولغير ما ذُكر هنا، يجدر بنا أن نفكر ونتأمل ما تعنيه راهنية فكر كارل ماركس دون تعصب أو تبخيس أو استسهال.

*نص الافتتاحية التي قدمن العدد الخص من مجلة نوافذ(فصلية ثقافية) حول "راهنية كارل ماركس"، العدد 61-62 يناير 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري