الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانعطافة الأردوغانية بين الاستراتيجية والتكتيك وآفاقها

محمود جديد

2016 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


" الانعطافة الأردوغانية بين التكتيك والإستراتيجية وآفاقها "
محمود جديد
- شكّل الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا بتاريخ 15 / 7 / 2016 وما نجم عنه زلزالاًحقيقياً داخل تركيا و ارتدادات قوية خارجها .. وبعد التصدي له بنجاح ، ابتدأ أردوغان باستخدامه كمبرّر للبدء بانقلابه المضاد، وتصفية الحساب مع مايطُلِق عليه " الكيان الموازي " التابع لفتح الله غولين المقيم في أمريكا ، وإعادة صياغة الدولة التركية بما ينسجم مع طموحاته العثمانية ومبادئ حزب العدالة والتنمية ..
- وعلى الرغم من نجاح أردوغان في القضاء على الانقلابيين إلّا أنّ تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية برزت أمامه ، وتعثّر حلّها يعني تراجع محتمل لشعبيته إلى درجة كبيرة.. فتسريح 150 جنرالاً دفعة واحدة من أي جيش في العالم، واعتقال وتسريح الآلاف من العسكريين الآخرين ، ومحاكمة قسم كبير منهم ليست عملاً سهلاً وبدون عواقب .. هذا بالإضافة إلى اعتقال أو تسريح حوالي مائة ألف من أبناء الشعب التركي يعملون في سلك القضاء والتعليم والأمن ..الخ ، والمواجهة المباشرة مع القاعدة الشعبية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والخدماتية الهائلة لفتح الله غولين، وبقاء الملف الكردي الداخلي متفجّراً .. سيترك هذا كلّه لامحالة انعكاسات شعبية واسعة غير مريحة لأردوغان ونهجه وحزبه ، وقد تترك ظلالاً سلبية للغاية على نتائج أيّة انتخابات برلمانية أو رئاسية قادمة ( بالنسبة له ) إذا لم تُعالج الأمور السياسية والأمنية والاقتصادية بسرعة وجرأة وحكمة وببراغماتية عالية ...
- إن قيام أردوغان ومدير مخابراته وأركان حكومته بزيارة خارجية قبل مرور أقل من شهر على الانقلاب الفاشل هذا يعني أنّه مطمئنّ بشكل مؤقّت على الأقلّ من ثبات نظامه ، وقد يكون أحد أهداف المهرجان الشعبي الضخم الذي أجراه ، وخطب أمامه نوعاً من الرسالة المباشرة للعسكر لردعهم عن التفكير بأيّ انقلاب جديد، ورسالة سياسية إلى بوتين أيضاً بأنّه قادم إلى موسكو وهو مطمئن على ثبات حكمه ، وليس مهيض الجناح ..
- إنّ شهر العسل مع أحزاب المعارضة على إثر الانقلاب سيتلاشى وستعود التناقضات الداخلية معها، فالذي جمعها في خندقه هو كرهها للانقلابات العسكرية ، وحرصها على المحافظة على النظام الديمقراطي القائم في تركيا على عجره ، كما أن البرجوازية التركية لن تتحمّل أكثر بسبب تراجع أرباحها في الداخل والخارج ...
وكخلاصة لما تقدّم ، فإن معالجة الملف الأمني بشكل صحيح وجريء ، وإعادة إنهاض الاقتصاد التركي بزخم جديد يكتسبان أهمية بالغة في أولويّات أردوغان وتوجهاته .. وهذا ما دفعه للاندفاع شرقاً بعد أن خابت آماله غرباً ، وخليجيّاً ...
ووفقاً لهذاالسياق، والتوجّه تمت زيارة نائب رئيس الوزراء التركي على رأس وفد اقتصادي هام إلى موسكو في أواخر الشهر الماضي لتحضير مشاريع التفاهمات والاتفاقيات الاقتصادية ( غاز،مشاريع، سياحة ، نقل..) قبل زيارة أردوغان إلى روسيا في 9 / 8 / 2016 ، والتوقيع النهائي عليها وهي اتفاقيات استراتيجية تتعلق بتمرير أنابيب الغاز الروسي عبر تركيا إلى بلغاريا ثمّ أوربا وهذاسيؤمّن لتركيا مبالغ كبيرة سنويّاً، ومصدر طاقة مستقر للاستهلاك الداخلي ، وخاصة إنّ خمسين بالمائة من استهلاك الغاز مستورد من روسيا ، وهناك اتفاقية حول بناء منشأة نووية في تركيا ، واتفاقية السياحة والنقل والتي تدرّ للخزينة التركية حوالي خمسة مليار سنوياً قابلة للزيادة نظراً لقرب المسافة بين البلدين ومقوّمات السياحة العالية في تركيا ...الخ .. وهذا مايفسّر اقتصار جلسة وحيدة مع بوتين لإنجاز هذا الملف الاقتصادي الهام ...
ولكنّ الملفّ السياسي والأمني لم يكن بحثه بهذه السهولة واليسر حيث احتاج لتشكيل لجنة من الجانبين مشكّلة من وزارة الدفاع ، والمخابرات ، والخارجية لتحديد نقاط الاتفاق ، والاختلاف والعمل على حلّها ... ولكنّ الأهم من ذلك هو الخلوة التي تمّت بين بوتين وأردوغان التي رسمت الخطوط العريضة للجنة الخاصة لوضع الإطار التنفيذي للمسائل المتفق عليها، وخطة لمتابع ماهو مختلف حوله ... وبما أنّ خلوة بوتين -أردوغان لم يتسرّب محتواها فلا بدّ لنا من الدخول في مجال التوقّعات والافتراضات وفق التصوّر التالي :
- الاتفاق على أولوية مكافحة الإرهاب الدولي في سورية والذي تجسّده داعش ، وجبهة النصرة ( جبهة فتح الشام ) ، وستكون حجة بوتين قوية حول هذا التحديد باعتباره مقرّ دولياً ، ولكنّ أردوغان قد يناقش ويجادل حول جبهة النصرة وخاصة بعد أن ادّعت أنّها قطعت علاقتها مع القاعدة ، وغيّرت اسمها، ولذلك من المفيد إعطاؤها فرصة لإثبات صدقيّة هذه المستجدات ، ولكن بالمحصّلة لا مناص له من الموافقة ولو بإيماءة من الرأس لتجاوز ذلك ، وإبداء استعداده للعمل المشترك مع الروس ضدّ داعش ...
- التمسّك بوحدة سورية وسيادة الدولة على أراضيها، والوقوف في وجه تجزئتها .. وهنا يبرز الملفّ الكردي في سورية بقوّة ، وحماس أردوغان لمعرفة رأي بوتين الدقيق حوله ، وخاصة بعد موافقة الروس على فتح مكتب لحزب الاتحاد الديمقراطي ( صالح مسلم ) في موسكو ، والدعم العسكري الأمريكي القويّ لقوّات سورية الديمقراطية المشكّل من وحدات حماية الشعب الكردية أساساً، والنجاحات التي حقّقتها شمال وشرق سورية ضدّ داعش .. لأنّ قيام كيان كردي على حدود طويلة مع تركيّا يشكّل حافزاً لمزيد من اندفاع أكراد تركيا باتجاه قيام كيان آخر موازٍ ومماثل له ، وهذا خط أحمر بالنسبة للأتراك ..
وهنا ، قد يهدّئ بوتين من روع أردوغان عن طريق تبسيط الآثار السياسية لمكتب حزب الاتحاد الديمقراطي في موسكو والتقليل من أهميته دون أن يعد بإغلاقه من جهة ، والتأكيد له بأن لا مجال لتشكيل كيان كردي مستقل في سورية ، والفيدرالية المطروحة هي سقف عالٍ للحصول على إدارة ذاتية في شمال شرق سورية من جهة ثانية ، وهذا الموضوع سابق لأوانه ..
واهتمام أردوغان الثاني هو عدم السماح لقوات سورية الديمقراطية بالاندفاع غرباً ووصل عين العرب ( كوباني ) بعفرين .. وهذا غير مقبول تركيّاً ولن تقف مكتوفة الأيدي تجاهه،وآخر المعلومات تشير إلى دعم فصائل مسلحة سورية من " الجيش السوري الحر" وحشدها لتشارك في قتال جيوب داعش هناك من جهة ، ومنع تقدّم وحدات حماية الشعب غرب جرابلس من جهة ثانية ... وما أظنّ أنّ بوتين سيعطي رأياً نهائياً حول الموضوع ، وسيقترح تحويله الى اللجنة المشكّلة بين البلدين لمتابعته وتقديم التوصيات بخصوصه ..
- أعتقد أنّ أردوغان تجاهل طروحاته السابقة حول إقامة منطقة آمنة، وحظر جوّي في شمال سورية ، ولم يتعرّض إليها في خلوته مع بوتين ، لعدم وجود جدوى من طرحها في هذه الخلوة ، لأنّها لا تنسجم مع سياق التوجّه التركي الجديد ...
- الاتفاق على مقولة لا حلّ عسكري للأزمة السورية، والحل السياسي هو الطريق الوحيد المتاح والمطلوب ، ولكن من الطبيعي أن تكون معارك حلب وفكّ الحصار عنها والمسائل الإنسانية قد طُرحت في الخلوة من قبل أوردغان وأن يبدي اهتماماً خاصّاً لمعرفة الآفاق المستقبلية لهذه المعارك من وجهة النظر الروسية ، وأنّ يدافع عن خرق الفصائل المسلحة لمناطق الكليات في جنوب غرب حلب ( منطقة الراموسة ) باعتبارها خطوة لإعادة التوازن تهيّئ لاستئناف المفاوضات في جنيف ( كما صرّح عشيّة الزيارة )، ويطالب بعدم التقدّم شمال حلب والاقتراب من الحدود التركية منعاً لمزيد من الإحراج له ، وإبقاء محافظة إدلب تحت سيطرة الفصائل المسلحة حتى لا يختل التوازن كثيراً وعندها سيزداد النظام السوري تصلّباً ممّا يعرقلة عملية الحل السياسي .. ووربّما هنا، كان بوتين أكثر وضوحاً ، بالنسبة لإكمال الطوق حول حلب ومعالجة الخرق الذي تمّ، وفي الوقت نفسه يطمئنه بشكل غير مباشر حول وجهة الأعمال القتالية شمال حلب ، وبحرص روسيا على عدم محاصرة المدنيين في أحياء حلب والسعي لمعالجة هذا الملف ...
- والموضوع الشائك الذي واجه الرئيسين هو بحث ملف الانتقال السياسي في سورية ودور بشّار الأسد فيه ، وهنا سيتكلّم أردوغان بنبرة عالية ، ولهجة مسرحية يتقنها عادة بضرورة رحيله ، ويكرّر تحميله مسؤولية إزهاق أرواح مئات الألوف من السوريين .. ولكنّ بوتين سيكرّر أيضاً موقف روسيا القائل بأهمية وجوده في المرحلة الانتقالية لمنع تفكّك الدولة السورية وسلاسة عملية الانتقال السياسي ، وبعد ذلك فالشعب السوري هو صاحب الحق باختيار رئيسه ، مع إشارة رشيقة للأساليب غير الديمقراطية في تغيير أنظمة الحكم ومنها المحاولة الإنقلابية الفاشلة من جهة ، واستعداده لردم الهوّة الكبيرة بين أردوغان والأسد وبالتعاون مع إيران ، وعودة الأمور إلى مجاريها بين القيادتين التركية والسورية من جهة ثانية .. ولن ينسى الطلب من أردوغان بذل الجهود لحث الإئتلاف المعارض على المشاركة في المفاوضات مع النظام السوري في الجولات التالية ، وعدم المراهنة على الإدارة الأمريكية القادمة ، ووهم الانتصار العسكري .... وكمحصّلة سيبقى موقف أردوغان أقرب إلى التصلّب الممزوج بشيء من الحلحلة والمرونة التي تتناغم مع الموقف الأوربي والأمريكي من هذا الملف ...
- قد يسأل أردوغان بوتين حول لقاء القمة الثلاثي : الروسية - الإيرانية - الأزربيجانية وآفاقها .. وبالتأكيد سيثني على نتائجها ، مع الإشارة إلى زيادة أهميتها بانضمام تركيا إلى مثلها في المستقبل دون الطلب المباشر لأردوغان بالعمل على ذلك ، ولكن الاكتفاء بإلقاء الطعم ، وإبقاء الباب مفتوحاً له ...
- وبدوره سيسأل بوتين عن تفاصيل أكثر عن الانقلاب الفاشل ، ودور الغرب ، وقاعدة "أنجرليك "
كنوع من الاستطلاع لمعرفة أبعاد وانعكاسات ماجرى على مستقبل العلاقات التركية - الغربية دون تشجيعه على عمل شيء ، والمهم هنا ، هو الحصول على معلومات إضافية ومراقبة قسمات وجه أردوغان وهو يتحدث عن هذا الملف المعقّد ، وتقييم كل حرف وكلمة وتعبير لاحقاً بحرفية مخابراتية ، وترك الأمر وتفصيلاته للقاءات مستقبلية ..
وأخيراً، نستطيع القول : إنّ التفاهم الروسي - التركي كان استراتيجياً في مجال الاقتصاد ، وبقي محصوراًبالنسبة للجانب السياسي والأمني في المستوى التكتيكي ، مع إبقاء باب المساومات مفتوحاً، وبحركيّة ومرونة كافية لمتابعته مستقبلاً وتطويره ، وهذا سيتطلّب المزيد من الوقت والإخراج الذي يحفظ ماء وجه الطرفين المتخاصمين .. وعلى كل حال، فإنّ ماجرى في خلوة أوردغان مع بوتين، وخلوته مع وزير خارجية إيران(3 ساعات ) من نقاشات وتفاهمات مليئة بمعلومات لم تُسوّق بعد .. وستُطرح للتداول في البورصة السياسية بالتدريج حتى يسهل تبليعها وهضمها واستيعابها من قِبٓل حلفاء تركيا في سورية وخارجها، والتكيّف معها، ويقوم رئيس وزراء تركيا ووزير خارجيتها بعملية الإخراج بكفاءة، وعلى مبدأ خطوتين إلى الأمام ينفّذها بن علي يلدريم ،وخطوة إلى الوراء ينفّذها جاويش أوغلو .. ولكنً تحديد موقف نهائي من الأزمة السورية وكيفية حلّها قد يحتاج إلى المزيد من الوقت والصبر والرصد والتفاعل مع التطوّرات الميدانية ، مع عدم إغفال مستجدات الموقف الأمريكي في ظل الإدارة الجديدة العام المقبل .. أمّا بالنسبة لعلاقة تركيا بالناتو فهي شديدة التعقيد ولا تملك الحكومة التركية الجرأة أو القدرة على الخروج من تحت مظلته في الوقت الراهن .. ولكنّ تلك العلاقة قد تتميز بالبرودة مستقبلاً، واستمرارها في الآفاق البعيدة مرتبط بعوامل داخلية وإقليمية ودولية عديدة ، وخاصة بمدى جدية وفعالية انعطافة تركيا باتجاه روسيا وإيران ، وتطورات الأوضاع الداخلية في سورية ، وتركيا نفسها، والتفاعلات الدولية في آسيا الوسطى ، ومستقبل العلاقة الاستراتيجية بين روسيا والصين والهند، وإمكانية تطويرها وتوسيعها، والتطورات داخل الاتحاد الأوربي نفسه ..
في : 22 / 8 / 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة