الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد للعنصرية في معالجة الفرضية العنصرية - مراجعة لمقال عامر محسن بعنوان -الفرضية العنصرية-

علي عامر

2016 / 8 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


• كل ما هو بين مزدوجين يعود للسيّد عامر محسن, نقلاً حرفياً عنه, بحيث أنّ مجموع ما نقل عنه هنا, هو نص مقالته بالكامل, لم أترك منها حرفاً واحداً دون نقله.
• وكل ما هو عدا ذلك, فهو بقلم كاتب هذا المقال.

يقول: "في الأدبيات السياسية، تتم الإشارة الى «حريق الرايخشتاغ» كمثالٍ على حادثة تشكّل «نقطة تحوّل» في المجتمع السياسي، تنتقل معها أفكارٌ عنصرية أو سلطوية أو قمعية من أن تكون محصورةً في أقلية مؤدلجة الى أن تصبح سياسات عامّة تطبّقها الحكومة، ويدعمها قطاعٌ واسعٌ من الشعب ــــ أو حتى أكثرية, نقطة التحوّل هذه (سواء كانت «طبيعية» أم مفتعلة) غالباً ما ترتكز على الخوف واستجداء ردّة فعلٍ متطرّفة من جمهورٍ فقد شعوره بالأمان. بمعنى آخر، تصبح «الفرضية العنصرية» حاكمة حين تخرج من صفوف حزبٍ أو نواة من العنصريين المهووسين، يتخيّلون أخطاراً في المستقبل ويحذّرون منها، وتضحي فرضية «منطقية» بالنسبة الى الرجل العادي في الشارع، وحلّاً مقبولاً لاسترجاع النظام والأمن ــــ وحين يصبح الخطر ماثلاً ومحسوساً وليس نظريةً، أو نبؤةً كارثية مؤجلةً الى المستقبل"

- يفترض هنا السيّد عامر محسن بدايةً, وجود حكومة عنصرية, وشعب غير عنصري, فيما يبدو أنّه من غير المهم بالنسبة له, إخبارنا لماذا هذه الحكومة عنصرية, أو كيف نتجت هذه التركيبة من حكومة عنصرية وشعب غير عنصري. أي دون التطرق للأسباب التاريخية والسياق الذي قاد إلى هذه التركيبة المفترضة.
- ثم يفترض أيضاً, وقوع حدث ما (طبيعي أم مفتعل), يعتبر نقطة تحوّل, حيث تتسرّب العنصرية من الطبقة الحاكمة إلى قطاع كبير من الشعب وربما أكثرية من الشعب, من خلال الارتكاز على الخوف.
- مما يدفع الشعب لاستجداء, رد فعل متطرف إثر فقده الشعور بالأمان.
- وبذلك تصبح الفرضية العنصرية حاكمة, حيث تسرّبت من غرف الطبقة الحاكمة المغلقة, إلى رجل الشارع العادي.
- لا يمكن الاختلاف مع السيّد عامر محسن, في حدود ما ذكره هنا, ولكن يكمن كلّ الاختلاف في الطريقة الميتافيزية الثقافوية في معالجته للأمور, حيث يسقط من تحليله أي بعد مادي, حتى ولو تلميحاً, فالتفكير العلمي, ضد الثقافوي على طريقة محسن, يتطلب من الكاتب على أقل تقدير, أن يكشف عن حقيقة الأسباب الكامنة, والإجابة على أسئلة تأسيسية من مثل: لماذا أصبحت هذه الحكومة عنصرية, ما هي الطبقة التي تمثلها الحكومة, والتي تجد في العنصرية مكسباً مادياً لها, ما هو النمط الاقتصادي, وما هي حدود المرحلة الرأسمالية الحالية, والتي انتجت هذا الكم الهائل من العنصرية المتزايدة, والفاشية الناميّة في حكومات العالم.
- المشكلة في المعالجة الميتافيزية الثقافوية للظواهر, لا تكمن في غياب التحليل المادّي الأساسي والكشف عن الأسباب فحسب, بل إنّها وبالضرورة ستقود لنتائج خاطئة بل وكارثية. دعنا نتتبع هذا المقال اللغوي الأدبي, لنكتشف إلى أين سيصل.

يقول: "اذا ما استمرّت وتيرة عمليات «داعش» في اوروبا على شكلها الحالي، أو تصاعدت، ملتزمةً بتوجيهات العدناني (بأن لا تستهدف مقرّات عسكرية أو سياسية، بل أن تحاول ببساطة قتل أكبر عددٍ ممكنٍ من المدنيين، وألّا يسعى الانتحاريون الى أوامر وتنسيق من القيادة، بل أن يبادر كلٌّ للعمل بشكلٍ مستقلّ)، سيكون من السّاذج أن لا نتوقّع تصاعد العنصرية ضدّ المسلمين في المهجر، وتحويل «الحرب على الإرهاب» لتستهدف كلّ رجلٍ بسحنةٍ عربية وكلّ امرأةٍ ترتدي حجابا"ً.

- أوّل خطأ كارثي, وهو خطأ, لأن المنهج أجوف, وهو كارثي لأنّه يخرج عن كاتب عربي, والذي جاء تعبيراً عن النظرة الميتافيزية الثقافوية للظواهر, في التعامل مع داعش, باسقاط الدعم الاستعماري الغربي لها, باعتبارها منتجاً عربياً شرقياً إسلامياً بامتياز, ويشكل حقاً تهديداً للأوروبي العادي, وبالتالي يمنح مبرراً للأوروبي العادي أن يكون عنصرياً, وما لم يلاحظة السيّد محسن, أنه هنا يتساوق مع النظرة العنصرية أحادية الجانب, بإسقاطه للدور الرئيس الذي لعبته دوائر الاستعمار الغربي, في بناء وتأسيس وتسليح وتدريب وتطوير داعش, ويبدو لي أن السيّد محسن لم ينزلق إلى هذا المنحدر طوعاً, بل وصل إليه بدفع قسري من منهجه الثقافوي في معالجة الظواهر.

يقول: "عناصر «الفرضية العنصرية» هنا واضحةٌ وكاملة، وما عليك الّا أن تضع نفسك، لبرهة، في عقل مواطنٍ اوروبي تصيبه العمليات الارهابية بالذعر، وهي لم تعد حوادث متفرّقة بل احتمالاً يومياً، ومن الواضح أنّ الأمن والنظام السياسي الحالي غير قادرين على احتوائها ومنعها. من جهةٍ، فإنّ الحلول الأمنية التقليدية لا تنفع مع هجمات «داعش»: لا يفيدك بشيء أن تؤمّن الحدود وأن تتحكّم بالداخلين الى البلد (أو أن تمنع المسلمين من الهجرة، على طريقة دونالد ترامب)، فعدوّك موجودٌ أصلاً داخل بلادك، وهو لا يحتاج الى السّفر والمرور عبر الإجراءات الأمنية. أكثر الهجمات، من جهةٍ ثانية، تجري من دون تنسيقٍ مع قيادةٍ في الخارج أو دعم تنظيمٍ عالميّ، بل هي فردية أو مكوّنة من مجموعات صغيرة، لا تنفع معها جهود المخابرات وتفكيك الشبكات المركزية. "

- هنا وبعد مجموعة منمقة من الجمل التبريرية للعنصرية الأوروبية, باعتبار داعش قوة لا مركزية, وفكرة قابلة للانتشار والتطبيق, دون الحاجة لإدارة أو توجيه - علماً أنّ الدوائر الاعلامية الاستعمارية, وظّفت هذه الفكرة بالتحديد, في وصف القاعدة, باعتبارها تنظيم لا قاعدة مركزية له, بل بالأحرى فكرة قابلة للانتشار في كل مكان وزمان, مما يبرر للحكومات الغربيّة كل الاجراءات الأمنية الداخلية والأمنية والعسكرية الخارجية وأنماط التعذيب في السجون وكل أشكال انتهاك مبادئ الديمقراطية الأوليّة – يختتم السيّد محسن الفقرة بجملة تكثف كارثية المنهج الذي يتبعه وخطورة نتائجه, فيقول بعد وصف الأسباب التي تجعل من القضاء على داعش مهمة مستحيلة: "لا تنفع معها جهود المخابرات وتفكيك الشبكات المركزية".
- فما افترضناه سابقاً, جاءت هذه الجملة لتثبته, فها هو السيّد محسن, ودون أن يدري ينزلق للفكرة الخطيرة التي تقول بأنّ تفكيك داعش هو أحد أهداف المخابرات الاستعمارية, منافياً لحقيقة دور المخابرات والدوائر الاستعمارية بدايةً في تأسيس داعش وتغذيتها وادارتها وتوجيهها, ومبرئاً الاستعمار من دوره الخطير في تفتيت المنطقة وزجّها في شتى أشكال الصراعات الطائفية والعرقية.

يقول: "بل أن هذه العمليات لا تحتاج الى تهريب سلاحٍ ومتفجّراتٍ أو نقل أموالٍ، أو حتى تدريب ورصد ومهارة، اذ يستخدم المنفذّون أسلحة بسيطة يمكن الحصول عليها محلياً، أو يحوّلون الشاحنة والطائرة والسيارة الى سلاح، وهذا لا يمكنك أن تتحوّط منه مهما فعلت, أكثر من ذلك، يزرع الإعلام الغربي في عقل الجمهور باستمرار مؤخراً فكرة أن أيّ فصلٍ بين «عربي جيد» و»عربي سيئ» أضحى غير ممكن بسبب ظاهرة «الداعشي اللحظي»، أي أنّ «العربي الجيّد» ــــ العلماني المتأقلم في الغرب، الذي يعمل موظّفاً في مصرف أو نادلاً في بار ــــ يمكنه أن «يُصاب» بالتديّن السّلفي اليوم، ويفجّر نفسه يوم الجّمعة. فلا جدوى، اذاً، من ملاحقة السلفيين المعروفين ومرتادي المساجد، أو اعتقال وعزل كلّ من يحتفظ الأمن بملفّات عنهم. تسقط هكذا ــــ أقلّه بمعنى الأمن والإرهاب ــــ أهمّ نظرية للتسامح مع المهاجرين في الوسط الأوروبي وأكثرها رواجاً (القسمة بين «مهاجر سيئ» و»مهاجر جيّد» نقبله ونرغبه). فحتّى هذا «العربي الجيد» ــــ الذي درس وتعلّم وصار يلبس بذّةً أنيقة ويشرب النبيذ ــــ يمكن أن يصير «داعشياً» انتحارياً في أية لحظة. بالمختصر: من وجهة نظر الناخب الأوروبي، فإنّ القاسم الوحيد المشترك بين كلّ من ينفّذ هذه الهجمات ضدّه هو أنهم مسلمون، ولا يمكن عقد أي تمييزٍ أو فرزٍ أبعد من ذلك"

- من البديهي أن يصل الناخب الأوروبي لهذه النتائج, بدافع من الخوف والحقد الذي يتغذّى على مخرجات الماكينة الاعلامية الغربية الضخمة, والسيّد عامر محسن, بنظرته الثقافوية ومعالجته الميتافيزية, وثم بإسقاط دور الغرب في تكوين داعش, يساهم, وربما دون قصد مسبق, في هذه البروباجندا الغربية.
- يتأخر السيّد محسن هنا, عن كوكبة من المفكرين والفلاسفة الغربيين, الذين يؤكدون دوماً على دور الدوائر الغربية في صناعة داعش وتغذيتها وتمويلها. وينظروا للإرهاب والقتل الجماعي, كتعبير اجتماعي عن انسداد الأفق أمام الرأسمالية, التي تبدو عاجزة عن الايفاء بأبسط وعودها. ويحصر اتهامه للخلفية الثقافية التي تنطلق منها داعش.

"في هذا السياق، لا يعود يهمّ أن «تفسّر» العمليات الإرهابية أو أن «تشرح» دوافع المنفّذين، بل سيتبع الجمهور من يعده بحلٍّ جذريّ وآني. لن يكترث المواطن الاوروبي الخائف لدوافع هؤلاء الانتحاريين ومظالمهم، أو لماضي الاستعمار، أو لقول انّ الانتحاريين هم أبناء اوروبا، وليسوا نتاج دار الإسلام ــــ لن تهمّ كلّ الحجج والتفسيرات التي قدّمناها أو يمكن أن نقدّمها حين يكون الجمهور خائفاً والتهديد ماثلاً ومميتاً. يمكننا، من اليوم، تخيّل الخطاب المعاكس لدعوات العنصريين، وكلام اليساريين الأوروبيين ــــ في البرامج الحوارية والمناظرات ــــ عن ضرورة «فهم» الانتحاريين، وأن معالجة الإرهاب لا يمكن أن تكون أمنية، وأنّ الحلّ هو عبر برامج بعيدة المدى لاستيعاب المهاجرين، وتعديل ثقافتهم، والغاء أسباب نقمتهم على البلد الذي تبنّاهم. ضع نفسك مكان الاوروبيٍّ الخائف، انّه لا يريد أن يسمع مثل هذا الكلام. هو يرى خطراً داهماً ويريد حلّاً فورياً يوقف القتل، وهذه اجراءات تحتاج الى سنواتٍ وأجيالٍ حتّى تثمر، هذا اذا ما افترضنا صحّتها في الأصل."

- بناءاً على مقدمات السيّد عامر محسن, ومعالجته الواردة أعلاه, فالنتيجة المنطقية لمقدماته, هي ما ورد في الفقرة الأخيرة, وهو استحالة القضاء على الارهاب وداعش, وعدم جدوى محاولة الاحتواء والإصلاح, وبالتالي شرعنة الخوف والعنصرية المطلقين من الاسلام.
- وتظهر جملة أخرى هنا, تعبّر عن خطورة اللامنهج الذي يستخدمه عامر محسن, وبالتحديد حين يتكلم عن دور اليسار الأوروبي, في البرامج الحوارية والمناظرات, ودفعهم لضرورة فهم الانتحاريين, ورفضهم للمعالجة الأمنية للارهاب, وبالتالي فالحل, هو في برامج بعيدة المدى, لاستعياب المهاجرين, وتعديل ثقافتهم, وإلغاء أسباب نقمتهم على البلد الذي تبنّاهم, فيحصر السيّد محسن دور اليسار الأوروبي ويقزّمه في هذه النزعة المركزانية الأوروبية, ففي حين يطرح السيّد محسن مشكلة العنصرية, ينحصر دور وبرامج اليسار الأوروبي بالنسبة له, في مجموعة من الإجرارءات العنصرية, التي تهدف إلى تفكيك الهويّة الأصيلة عند المهاجر, وتعديله, ليصبح ملائماً للحياة الحديثة الراقية في الغرب, والوصول لهذه النتائج المعممة عند السيّد محسن, لا يبدو غريباً, إذا أخذ مع مقدماته ومعالجته الثقافوية للظواهر, المتعالية عن غبار الواقع الحيّ, والتي تفترض ضمناً دون أن تعرب صراحة, ان الإرهاب هو مشكلة ثقافية, وبالتالي معاجته ستكون من خلال برامج تعديل ثقافي, وتفكيك للثقافة القديمة مصدر الشرور. مسقطة تماماً الأسباب الحقيقية لتفشّي الإرهاب في هذه المرحلة التاريخية وبهذا الشكل.
- وتلك الخطورة تعبّر في شقّها الثاني, عن إجحاف وتقزيم وتعميم ضد موقف اليسار الأوروبي من هذه القضيّة بالذات.

"في سياقٍ مختلفٍ تماماً، تمّ الإعلان مؤخراً عن تنفيذ طائرات دانماركية لغاراتٍ في سوريا، معلنة دخول الدانمارك الحرب. هذا يذكّر بمشاركة البلد الاسكندينافي في غزو العراق، حين انضمّت الدانمارك الى التّحالف، بل وأرسلت غوّاصةً يتيمة الى الخليج (اضطر الدانماركيون الى تعديل الغوّاصة، التي تُبحر عادة في المياه الباردة شمال اوروبا، حتى تتأقلم مع مياه الخليج الدافئة). كان من المفهوم أن جورج بوش، ومعه بلير، سيغزوان العراق، ولكن مشاركة دولٍ كالدانمارك واستراليا هو ما أثار دهشتي يومها. "

- لم اندهش لاندهاش السيّد محسن في الفقرة أعلاه, فإن تناوله لظواهر العالم المتشابكة بمنظار ثقافي أخلاقي متعالي وتسطيحي, بمعزل عن شبكة المصالح والصراعات الطبقية والمادية التي تتفاعل على أرض الواقع, سيجعل من البديهي أن تثار دهشته إذن, لدخول بلد هادئ ووديع من الناحية الثقافية والأخلاقية مثل الدنمارك, إلى معمعان المعارك في الشرق الأوسط الدامي والدموي. متناسياً عضوية الدنمارك في حلف الناتو, والأسباب التاريخية التي وضعت الدنمارك في هذا السياق, وطبيعة تركيب المصالح الاقتصادية السياسية التي تحكم منظومة العالم الحالي المعقدة, ليبدو بالنسبة للسيّد محسن, قرار الانضمام للحرب أو السلم, هو خيار واحد من ضمن سلّة واسعة من الخيارات المعروضة في فاترينا لعبة الأمم, وهو قرار ذاتي, يعتمد بشكل أساسي على ثقافة البلد الذاتيّة, حتى دون أن يميّز السيد محسن بين مصالح الحكومة ومصالح الشعب, أو بشكل أكثر دقة, دون التمييز بين مصالح الطبقات المختلفة والمتناحرة داخل نفس البلد.

“المسألة تتعدّى زوال الوهم حول «اوروبا المحايدة»، الذي راج بين منظّرين عرب في التسعينيات (ذهب بعضهم الى أن الاتحاد الاوروبي سيتحدّى أميركا وينهي الأحادية القطبية) ، السؤال تركّز عمّا إذا كانت الدانمارك تعي ما تفعل وأبعاده. لماذا يورّط بلدٌ من شمال اوروبا نفسه في غزوٍ لا ناقة له فيه ولا جمل، فيتحمّل المسؤولية السياسية والأخلاقية والتاريخية عن احتلالٍ غير قانوني، ويعلن العدوان والحرب على العراق، جاعلاً من جيشه ودولته أهدافاً مشروعةً للعراقيين؟ (هذا اذا ما افترضنا التكافؤ القانوني بين البشر والدول) هل يحقّ لهم بعد ذلك الادّعاء أنهم دولٌ مسالمة وانسانية، لا سبب لأن يقع عليها عدوانٌ وغزو؟”

- هنا يظهر فراغ مضمون النظرة الميتافيزية الثقافوية للظواهر من جديد, وبحلة جديدة, فالدنمارك نسبة لمحسن, دولة لا تعي ما تفعل, تورطت في غزو لا ناقة لها ولا جمل, وبالنسبة للمعالجة الثقافية الأخلاقية للأمور, ستكون التبعات هي تحمّل الدنمارك المسؤولية السياسية والأخلاقية والتاريخية,على غزوها غير القانوني, فهذه المحاكمات الانسانية الأخلاقية المتعالية للظواهر البشرية المعقدة, والتعاطي مع الغزو والاجتياح والحرب من حيث قانونيتها أم عدمها, هي مخرجات طبيعية للمعالجة الثقافية للعالم البشري, تلك المعالجة الميتافيزيّة التي تقيس العالم بمقياس ثقافي ذاتي أخلاقي, يدّعي الصحة والإطلاق, حتى لو أنكر ذلك.
- فمن جديد يتم التعاطي مع مشاركة الدنمارك في غزو العراق, وكأنّه قرار ذاتي من عدة اختيارات متاحة, والعامل الذي حسم في اختيار الدنمارك لهذا القرار دون غيره, هو مستوى وعيها الذاتي, لا طبيعة تركبيتها الطبقية وموقعها في الاقتصاد العالمي.

"حين تصعد الفرضية العنصرية وتنتشر بين الأوروبيين البيض، ستبدو لهم منطقية وبديهية و»ضرورية». لن يسأل أحدٌ عن غزو العراق وعن التاريخ، ولن يلاحظ المعلّقون أنّ أميركا لا تعاني من الإرهاب (رغم وجود أكثر من ستة ملايين مسلمٍ فيها) فيما شريكتها الصغرى، والثانوية، أصبحت الهدف الرئيسي والقريب لـ»داعش». ولن يُطرح السؤال عمّا إذا كانت نظرة المسلمين الى أوروبا اليوم ستختلف لو أن حكوماتها لم تعِن اميركا على قتل المسلمين أو ظلّت، أقلّه، خارج المجزرة. أمّا «داعش»، فهو يعرف تماماً ما يفعله، وسيستفيد من مسار الأمور كيفما ذهبت؛ ستكون عنصرية الأوروبيين في صالحه وسيستثمر أكثر في نقمة المهاجرين. على عكس كلّ الفاعلين الاسلاميين اليوم، فإنّ «داعش» ــــ الوريث الحقيقي لـ»القاعدة» ــــ لا يبتغي أن يكسب لنفسه مكاناً داخل النظام، وأن يعترف به الغرب أو يتفاهم معه؛ الرؤية الوحيدة لـ»داعش» تتمثّل في أن يشعل النار في النّظام بأكمله، وأن يدفعه الى الفوضى، وأن يقلبه بكلّ ما فيه"

- تعبيرات جديدة لنفس المنهج, فداعش وأوروبا والمسلمين وغيرهم, هم ذوات فاعلة مستقلة, تتحرك بدافع من القرارات الذاتية, في تغييب كامل لطبيعة تشابكات و توازنات القوى والصراعات.
- يجب أن أؤكد هنا على وجود بعض الهفوات الخطيرة, من مثل افتراض خلو الولايات المتحدة من مظاهر الإرهاب, هذا الافتراض الذي يدحضه التاريخ القريب, قبل البعيد.
- في نهاية المقال, يحدد الكاتب هدف داعش, بإشعال النار في النظام بأكمله, يقصد النظام العالمي, وأن يدفعه إلى الفوضى, وأن يقلبه بكل ما فيه, حسب تعبيرات كاتبنا, دون أن يجد الكاتب أو يشعر بأية ضرورة ليبرهن أو يستنبط أو يبيّن لنا لماذا يعتقد أنّ هذا هو هدف داعش بالتحديد دون غيره, والحقيقة أنّ النظر لداعش كمشكلة ثقافية, تتكون عناصرها من التطرف والأصولية والانغلاق, يفترض ضمناً أن هدفها سيكون الفوضى الكاملة والمطلقة, بمعزل عن أي دراسة متفحصة للأمور, وكأن داعش عبارة عن كتلة عمياء, لا تحمل أية مصالح حقيقية في ذاتها, حتى يغيب عن بال كاتبنا أن يسأل نفسه, ألا يتناقض هذا الهدف العدمي الذي يفترضه مع اسم داعش أصلاً, ذلك الاسم الذي حدد داعش منذ نشأتها كمشروع (دولة) في العراق والشام.
- لنلاحظ نهايةً, كيف أنّ الكاتب الذي أراد أن يقدم لنا فرضية العنصرية, وقع هو نفسه بين فكّيها.
- وكيف أنّ المنهج الأجوف الثقافي المتعالي الذي اتبعه, قاده إلى استنتاجات سياسية خطيرة, وكارثية وبالتحديد لكونها تخرج من كاتب عربي, يساهم في تبرئة الاستعمار من أقبح جرائم التاريخية بحق مجتماعتنا, وكيف ساهم الكاتب بدفع قسري من منهجه, في تبرير العنصرية الأوروبية, وتقزيم اليسار الأوروبي, بل وتقديم صورة طفولية للعالم وعلاقاته المعقدّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي


.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024




.. الشرطة الأميركية توقف متظاهرين بعدما أغلقوا الطريق المؤدي لم


.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد




.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض