الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختلاس المالي بسجن الاسكندرية

محمود ابوحديد

2016 / 8 / 25
أوراق كتبت في وعن السجن


السجناء في مصر - جنائيين اوسياسين - يُنكل بهم بكل لحظة وباشكال عديدة. هنا ساكون بصدد أكتر طرق التنكيل اتباعا في السجون المصرية - الغلاء والاختلاس المالي . لا فرق بين جنائي او سياسي فالجميع يخضع للابتزاز والسرقة تحت سلطة ضباط البوليس المصري.

40 مسجون بالغرفة الواحدة
20 غرفة بالدور الواحد = 800 مسجون
سجن الاسكندرية يحوي 10 ادوار اي : 8000 مسجون

في كل زيارة ، وان لم يدفع اهل المسجون رشوة لحراس السجن ، يضطر كل سجين لدفع علبة سجائر ثمنها 15 جنيه ، ولنعتبرها 10 جنيهات = 80 الف جنيه اسبوعيا رشاوي يدفعها السجناء .. لكن لمن تُدفع بالضبط ؟ لضباط المباحث .. هذا هو الابتزاز والاختلاس الاول - وسأشرحه في النقاط التالية.

اتيحت لي فرصة العمل في ارشيف سجن الاسكندرية لمدة اسبوعين ، اطلعت فيهم على مسارات عديدة وفضائح واتهامات لا يمكن ان تسقط بالتقادم .. اقول ان جرائم الضباط ستطاردهم حتما والحساب الرئيسي الذي نعول عليه هو الانتفاضة الشعبية القادمة.

يُخلي مخبري الشرطة جيوبهم عند دخولهم السجن للوردية ، وبانتهائها ، يُسجلوا في كشوفات دقيقة كل ما استطاعوا جمعه من نزلاء السجن. يمكن القول بانها مسابقة بين براعة مخبري الشرطة في نهب السجناء. وهناك المخبر صاح بالمركز الاول والمخبر الضعيف ..الخ السجناء يُطلقوا على هذه العملية (هم يعيشوا على مص دماءنا)

مباحث السجن ، رئيس المباحث على وجه الخصوص ، يتابع هذه الكشوفات . ومن روتينية الحدث اصبحت الكشوفات والايرادات ثابتة ، اقصد الاختلاس مبلغ ثابت.. 80 الف جنيه اسبوعيا ، اي ربع مليون جنيه شهريا.. هذا المبلغ هو الاختلاس الواضح الصريح الذي يعرفه كل مسجون ويظنه يذهب الى مسير العنبر - المسير هو المسجون المسؤول عن العنبر ، هو المسجون المتعاون مع مباحث السجن، مهمته الاساسية هي تحصيل علبة السجائر الكليوباترا من كل زيارة.

مشهد سيريالي يدور دائما بعقلي عن زيارات اهالي السجناء : اناس فقراء من عظام يحملوا اكياس من النقود يضعوها في السجن ليستلمها اقاربهم السجناء وقبل ان يأخذها الاقارب تُقبل المباحث في شكل ذئاب او كلاب ، فيبتعد السجناء بكل هدوء تاركين كل صرر النقود لكلاب المباحث ويأخذوا مكانها فتات وطعام السجن الذي تأنف قطط السجن ان تاكل منه.

كل الاموال التي تدخل السجن يجري تحويلها الى كوبونات فيستحوذ البوليس على كل الاموال التي تدخل السجن ، وتُعد حيازة الاموال جريمة يُعاقب عليها المسجون باقصى العقوبات (شهرين في التأديب والامانة على الاقل)

8 الاف مسجون يتلقى الواحد منهم اسبوعيا كوبونات تساوي 100 جنيه ما يعني 800 الف جنيه اسبوعيا تدخل الى سجن الاسكندرية في صورة كوبونات - تفرض ضرائب على الاهالي 5 جنيه لكل 100 جنيه ما يعني 40 الف جنيه ضريبة اسبوعية على الكوبونات ! هذا هو الابتزاز الثاني.

اذا عرفت ان سعر كل شئ في السجن مضاعف .. وبالتالي خمسين بالمائة من هذه الاموال تصبح غنيمة جاهزة في الحال بيد الضباط مسؤولي السجن. اتحدث عن اختلاس مباحث سجن الاسكندرية لاكثر من نصف مليون جنيه اسبوعيا الحصيلة : اختلاس 2 مليون جنيه شهريا من مضاعفة الاسعار. هذا هو الاختلاس الثالث وهو الاكبر والاهم (كيس الشيبسي 5 جنيه - البسكوت 15 جنيه - الجبن الرومي 15 جنيه.. وهذه اسعار 2015 وليس السنة الحالية )

يدير السجن 5 ضباط مباحث و5 ضباط استيفاء و3 كتائب مخبرين لا يأخذوا مليما واحدا من هذه الغنيمة . المقصود ان 10 ضباط يتقاسموا مع مأمور السجن هذه الغنيمة 2 مليون جنيه شهريا. ما يعني ولو وزعت النسبة بالتساوي : خُمس مليون جنيه شهريا لكل ضابط. الان يمكننا ان نفهم من اين أتى الضابط باموال سيارته الBMW الفارهة ذات القيمة التي تتعدى مليون جنيه ! من مص دماء السجناء كما يحلو للمسجونين ان يشرحوا.

بخلاف جرائم التعذيب التي لا تسقط بمرور الزمن ، وبخلاف جرائم الاحتجاز القسري رغم استنفاذ فترة العقوبة. بخلاف جرائم العمل الاجباري للسجناء.. بخلاف كل هذا فان فهم الاساس الاقتصادي الذي يُبنى عليه (مشروع السجن) في الانظمة الجمهورية يُمكن ان يُفسر قاعدة اساسية للنظام الجمهوري : النظام وظيفته ظلم وقمع وسجن المواطنين.

في الولايات المتحدة مثلا تدار السجون من شركات متخصصة (طبعا تسعى للارباح) وبالتالي القاعدة كالاتي : كلما ازداد عدد السجناء كلما زادت ارباح المسؤولين عن السجن... في الجمهورية المصرية ، لا حدود لما يُمكن ان يصل اليه الجشع البوليسي... مثلا : اختلاس 2 مليون جنيه شهريا - من الهوا !!

سجن الاسكندرية ليس السجن الاكبر في الاقاليم البحرية للجمهورية المصرية ويعتبر من اسوأ السجون التي يرفض فيها الضباط اي وساطة ، ولماذا ييلقوا الوساطة والرشاوي. عملهم المحترف يُدر على الواحد منهم خمس مليون جنيه شهريا. من دماء اهالي السجناء الذين فقدوا من يعولهم.

هناك احصائية تتحدث عن معرفة كل مواطن مصري لاثنين مسجونين على الاقل. ونسبة البطالة التي تعلنها الحكومة تقارب 40 % والواقع اكبر من ذلك . الواقع ان مواطنا من كل اثنين لا يجد عمل ويعيش على عمل اقاربه. الفقر في مجتمعنا اصبح لا حد له ومع ذلك يتقنع الحقد على الاغنياء بستار (سلام اجتماعي) هش لاقصى درجة .. الانتفاضة ستفاجئ الجميع، وعلى المنظمات الثورية ان تستعد لتنفيذ اقصى برامجها طموحا.. بقوة الانتفاضة والجماهير.

تُعلن الحكومة ان السجناء بحوزتها 100 الف سجين ، 10 % منهم سجناء قضايا سياسية. على اي حال لن اشكك في ارقام الحكومة. لنحسب الان : 100 جنيه يتركها اهالي كل مسجون في الزيارة الاسبوعية : 10 مليون جنيه كاش اسبوعيا .. ما يعني 40 مليون جنيه شهريا لضباط السجون .. هل يفهم القارئ ان ما اشرحه هو محض سرقة من عملية بسيطة : مضاعفة اسعار البضائع داخل السجن .

اخيرا ، يتبقى شرح التالي : اصعب المشاكل التي تواجه المسجون - خاصة الجنائيين : التكدس / الامراض الجلدية / التأديب / والغلاء هي المشكلة الاصعب على الاطلاق والتي تجعل من هذه المشاكل مصائب دائمة غير قابلة للحل. فينام فقراء الغرفة بالقرب من دورة المياه وبرميل القمامة ليتعرضوا لمزيد من الامراض التي لن يجدوا لها الدواء فتصحبهم المباحث في رحلة التاديب والعزل. عامة يعيش المسجون في سجن الاسكندرية حياة اسوأ من الحيوانات لم نكن نخرج من الغرفة الا ساعتين اسبوعيا للزيارة.. هل يفهم القارئ هذه الجملة ؟؟ عم رشاد صعيدي يناهز عمره الخمسين عاما ويبيع البطيخ ، قبض عليه في قضية قتل خطأ في مشاجرة مع احد الزبائن (ضربة افضت الى موت) لا يزوره احد لان اقاربه في الصعيد ، يعيش على طعام السجن ومعونة نزلاء الغرفة والتي لا تتعدى السيجارة في اليوم الواحد. في عصر احد الايام نادوا على اسمه لجلسة الغد ، عادة يفرح المسجون لانه سيذهب للمحكمة، لكن عم رشاد لا يملك محامي ولا يعرف اي شئ عن اي شئ ، صعيدي امي لا يقرأ ولا يكتب - غرفتي حوت 40 شخص كلهم اميين عدا 3 اشخاص - بعد ان رجع من الجلسة ، اتضح ان القاضي عين له محامي من القاعة ليترافع عنه ، وحكم عليه القاضي في نفس الجلسة ب15 سنة سجن. صدمتنا نحن السجناء عندما علمنا بالخبر لا تساوي اي شئ امام دهشته ، كان يجلس بجانب الباب دائما في مشهد اقرب ما يكون من الطفل عمران السوري الذي انتشرت صوره على الانترنت في الفترة الاخيرة ! كل ما استطعنا فعله هو العطف عليه بمزيد من الدخان ، لم يُكمل اسبوعا حتى تم ترحيله الى اكبر سجون الوجه البحري - برج العرب. يوم فارقنا احسسنا به يقول : ستتركوني اذهب للمجهول ! في هذه اللحظة يُردد السجناء تعزية مشهورة (السجن مبني على الفراق.. لابد ان نتحمل)

يقولوا ان اكل طعام السجن الملئ بالسوس والحشرات يُنبت البثور والحبوب على اجساد السجناء .. هذه الفكرة هاجس دائم لدى المسجون لكن ما العمل ؟ انا متاكد من الانتصار .. بقوة تنظيمات الانتفاضة القادمة سننتصر، ولن ندوس على جثث الخائنين وسننفذ المثل العليا التي طالما آمنا بها.

توصلت بعد تجربة السجن الى قاعدة اساسية في عملنا السياسي الثوري : لا احد يستحق ان يُسجن تحت سلطة الفاشيين ضباط البوليس المصريين معتادي التعذيب... حتى بانتصار ثورتنا فاننا ابدا لن نمتهن انسانيتهم كما فعلوا معنا .. هذا هو الخط الاحمر الذي سيجعلنا ثوريين : الحفاظ على الانسانية رغم الآمنا وتجربتنا الخاصة. لا اعتقد ان احدا سيفهم ما اقصده بقدر من مر بتجربة السجن.. هل يعرف القارئ ان الدولة المصرية تسجن الاطفال الرضع مع امهاتهم ؟

السجناء يُشكلوا صناعة مربحة جدا للديكتاتورية البوليسية العسكرية. وليس للعمال سوى القيود ليخسروها ، فلترتعد الحكومات من الثورة الناجحة.

ملحوظة : باحتساب 50 % عامل خطأ في المعادلات السابقة سنحصل على ارقام مذهلة لن تُغير من جرائم الاختلاس ، ويجدر على النائب العام ان يشرع في تحقيق علني بشأن هذه الجرائم.. او سيعتبر متسترا عليها ! هههههه اجرب سفسطة المثقفين.. رفاقنا وزملاءنا المعتقلين يعيشوا هذا الواقع بينما يُقرأ هذا المقال، فليجد كل منا طريق للتضامن معهم.

المجد للشهداء والشفاء للمصابيين والحرية للمعتقلين والنصر للثورة.
الثورات تظل دائمة.
تسقط حكومة رجال الأعمال. الموت للبوليس والقضاء والجيش.
لا حل سوى الثورة الإشتراكية والحكومة العمالية لإنتصار الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟