الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن يزدهر في تربة السياسة

شوقية عروق منصور

2016 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


يزهر الفن في تربة السياسة
شوقية عروق منصور
العاصفة التي انطلقت بعد نشر صورة المطرب التونسي " صابر الرباعي " الى جانب أحد الضباط الإسرائيليين ، حيث اتهم المطرب بالتطبيع ، وقامت قيامة ردود الأفعال وقد أكد المطرب التونسي أن الضابط تكلم العربية ولم يعرف أنه إسرائيلي.
هذه العاصفة تتكرر كلما زار أحد الفنانين مدن الضفة الغربية ، أو اذا التقى أحد الفنانين العرب بأحد الإسرائيليين في حفل داخل دولته أو خارجها .
بعيداً عن المزايدات السياسية ، وفوهات المدافع وطلقات الرصاص ، اذا أردنا وضع الفنان العربي في ميزان الالتزام السياسي والوعي الوطني والقومي ، علينا أن نعرف الخلفية الثقافية له ، علينا أن نفتش في تربة المجتمع السياسي الذي نشأ فيه ، علينا أن نعرف ميادين المقايضة التي تفرضها الفضائيات على الفنانين مقابل الولاء للنظام والحاكم وسياسته ؟؟ جميعنا نعرف أن تربة الفن العربي تعاني من الخلل في ذرات الخصوبة ، تعاني من ضعف في جذور القناعة من أن الفن قد يكون السلاح الحاد الذي يقطع عضو اللامبالاة ، وقد يفتح الشرايين المغلقة لتسيل دماء اليقظة وتغمر الوجه الذي يعاني من الإصفرار ، ليتلون ويصبح نضراً ، متألقاً .
الفنان والفن العربي في السنوات الأخيرة يعيش حالة من الترهل والتعفن ، ذخيرته الهروب من الواقع المزري ، الواقع المحبط الضبابي ، الهروب عبر كلمات والحان وموسيقى وأصوات وافلام ومسرحيات وفضائيات وبرامج ، جميعها تؤكد أن خلطة الفن لا بد أن تكون مجهزة في وعاء الوعي ، قبل أن تكون في وعاء الزيف والبهرجة الفارغة ، وحمى الأزياء ورفع رايات الغطرسة والمراوغة .
في الوقت الذي يعيش فيه العالم العربي في مستنقع الدماء والدمار والفقر ، لا نرى اي تحرك للفن العربي ، بكافة أطيافه ، على جميع الأصعدة ، حتى الغناء أصيب بالسكتة القلبية ، وماتت الاغنية الوطنية ، والفلم المقاوم والمسرحية المنبعثة من تحت ركام التغيير ، لقد ابتعد قطاع الفن عن المؤازرة والتضامن والوحدة والسعي للدخول الى الجرح ومسح الدموع والتعاطف وبث الحماس في النفوس .
لقد رأينا الممثلة انجيلا جولي تزور الجرحى واللاجئين وتحضن الفقراء والجوعى ، وتنحني بعطف وحنان على الايتام وتحمل الأطفال المعذبين ، منهم من قال هذه سياسة ودعاية ودولتها أمريكا هي السبب في تدمير العالم العربي ، لكن مهما كان تبقى ممثلة جاءت وحملت رسالة إنسانية ، في المقابل ينشغل الفن العربي بأخبار الفنان الخاصة ، من زواجه الى ثيابه ، حتى يصل الواحد الى التفتيش في ملابسه الداخلية .
لم نجد فنانة عربية ، مطربة ، تنفض ريشها الطاووسي وتنزل الى حارات الألم والفقر والهدم والجوع ، وإقامة حفلات يجمع ريعها لإبناء شعبها – يقال أن الفنان الفلسطيني محمد عساف اقام حفلات غنائية يرجع ريعها لابناء شعبه ، لكن الأموال التي جمعت قد اختفت ، هذه آخر الأخبار - .
يذكر التاريخ أن أم كلثوم عقب نكسة 67 خرجت الى العالم العربي والغربي واقامت عشرات الحفلات الغنائية التي ذهب ريعها للمجهود الحربي .
في الخمسينات ابان الثورة المصرية ، ركب مئات الفنانين قطار الرحمة ، هذا القطار الذي وصل الى صعيد مصر ، ووصل الى جميع القرى المصرية ليشرحوا لهم عن الثورة والإنجازات التي تقام ، وما زال قطار الرحمة انجازاً فنياً يشكل حلقة الفخر للتضامن المصري والعربي ، وفي لقاء لي مع المخرج العالمي " يوسف شاهين " أشار الى هذا القطار الذي استقطب الفنان العربي ودمجه مع مشاريعه القومية والوطنية ، وأضاف أن معظم الأفلام العربية في الخمسينات والستينات كان لها المواقف الوطنية والمعالجة الاجتماعية ، في العراق وسوريا والجزائر وتونس كانت علاقة الفنان مع وطنه الثائر المتخلص من الاستعمار علاقة عشق وعطاء .
في عام 1983 التقيت بالفنانة نادية لطفي ، وكانت خارجة من حصار بيروت ، جلسنا طوال الليل وهي تحكي عن اختراقها الحصار مع عدد كبير من الفنانين والشعراء والادباء المصريين والعرب ، لقد جازفوا بحياتهم ، قاموا بتحدي الطائرات والمدافع ليصلوا الى بيروت الغربية ، عاشوا الحصار ، ناموا على الأرض ، وأكلوا مع المقاتلين ، وقد حملت الفنانة نادية لطفي كاميراتها وصورت مئات الصور التي كانت شاهدة عيان على الحصار الذي دام ثمانون يوماً ، وقد وزعت الصور على نشرات الأخبار آنذاك ، وكذلك قام الفنان نور الشريف الذي التزم بالقضية الفلسطينية وأنتج الفلم الذي يحكي حياة رسام الكاركاتير الفلسطيني " ناجي العلي " وقد خسر الفلم ماديا ، وأثناء لقائي مع نور الشريف ، أكد أنه رغم الخسارة هو راض ، لأن حياة ناجي العلي تستحق أن توضع في فلم ، وعندما سألته هل تلقى الدعم من احد الفصائل الفلسطينية أجاب لا .. بالعكس هناك من حاربني وطالب بعدم عرض الفلم .
التربة السياسية الآن فاسدة ، تعاني من أمراض سياسية ولا تحاول تقديم العلاج ، بل تؤكد على استمرار الفساد ، لذلك تنعكس الحالة الفاسدة على المطرب والفنان والممثل فهم يعيشون بدون مشاريع ثقافية و فنية وإنسانية ، لذلك لا نلوم المطرب " صابر الرباعي " وغيره من الفنانين الذين يعيشون ويعبثون في هذه التربة ، يرتعون بأموال ويبنون القصور ويركبون السيارات الفخمة ، يعيشون حياة منفصلة عن الهم العربي ، طبقات فنية تتمتع بكامل الهالة والأضواء والترهل ، يتنفسون بأخبارهم الحافلة بالثرثرة والاشاعات ، يخلقون اجيالاً تعيش في متاهات ، لأن حكوماتهم وانظمتهم توجههم لتفريغ القدرات ، واذا تجرأ أحدهم على الخروج من الدائرة يحاصرونه ، ويقومون بحشره في خانات النسيان ، هناك عقاب خفي لا نراه نحن ، بل يراه الفنان عبر تجاهله في كل وسائل الاعلام .
نحن نعيش في زمن الطبول القارعة ، والميكروفونات الصاخبة ، ووسط الضجيج نفتشي عن أصوات تبكي وتنوح على وضعنا فلا نجد .
حكاية " صابر الرباعي " مع الضابط الإسرائيلي حكاية عابرة ، في زمن يمجد الخنوع والاستسلام و " صابر الرباعي " جزء لا يتجزأ من هذا الخنوع ، ولا نطالبه بأكثر من ذلك لأنه لم ينشأ وفي داخله الحس القومي ، فالمطربين على دين ملوكهم .
قبل فترة قامت القيامة ضد المطرب الشعبي " سعد الصغير " صاحب اغنية بحبك يا حمار لأنه قاموا بالتقاط صورة مع امرأة يهودية ، دافع عن نفسه قائلاً : أنا لا أفهم في السياسة ولا أعرف شيء في السياسة .. جاءت امرأة في احدى الحفلات في القاهرة .. وقالت اريد أن أتصور معك والتقطت الصورة ، ولم أعرف أنها يهودية ، هل علي أن افتش في هوية كل من يقترب مني .
أنا لم أجد العيب في صاحب " بحبك يا حمار " وجدت العيب في الذي أدخل تلك المرأة اليهودية الى القاهرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة