الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازمة الثقافه و المثقفين العراقيين

هاشم الشبلي

2016 / 8 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ازمه الثقافه والمثقفين العراقيين

تمر الثقافه العراقيه والمثقف العراقي بازمه حاده وبحاله من الفوضى والارتباك والتعقيد والالتباس وعدم وضوح الرؤيه للفوضى السائده ولاضطراب الاوضاع السياسيه والاجتماعيه التي اعقبت زلزال 2003 الذي قلب كل التوقعات والاحتمالات والتصورات رأسا على عقب , فتبخرت الاحلام الورديه باقامه نظام سياسي ديمقراطي بديل يقوم على مبادئ العداله والمساواه والتسامح وعلى احترام سياده القانون وتعزيز المؤسسات الدستوريه وصيانه الاستقلال والسياده وتحقيق قدر من حريه الرأي والتعبير الذين كانا مقموعيين في العهد الاستبدادي المتواري .
وقد حله محله نظام سياسي لاتعرف هويته ولا ملامحه الرئيسيه او الاساسيه , نظام رسم ملامحه الاساسيه دستور وضع لا لبناء دوله عصريه ديمقراطيه مؤسساتيه وانما لبناء شبه دوله ممزقه الاوصال فيها القرار السياسي الوطني غائب والحاضر هو القرار السياسي الاجنبي والسياده والاستقلال عباره عن بنود جامده في ورقه الدستور واضحى العراق مرتعا للارهاب المتوحش وللميليشيات المشكوك بولائها ولقوات الاحتلال الاجنبيه فضلا عن تضخم الصراعات العرقيه والدينيه والمذهبيه , وفشل تام في اداره الدوله والمجتمع وفساد ينخر في جسد كل مؤسسات الدوله وضلوع كبار المسؤليين في هذه الكارثه دون حياء او ضمير او دين او اخلاق او وطنيه .
تمكن هذا المناخ الموبوء والمريض من اسكات الاصوات والاقلام الوطنيه والواعيه والمدركه لعظم المسؤليه الملقاة على عاتقها في فضح التقأعس في مكافحه الفساد ومحاربه الارهاب واشاعه مبادئ العداله والمساواة وقيم التسامح والمحبه ونبذ الكراهيه والاحقاد والدفاع عن حقوق الانسان والحريات العامه والخاصه وعن استقلال البلاد وسيادتها وعن استقلال قرارها.
انتجت هذه الاوضاع السياسيه والاجتماعيه المتعثره واقعا ثقافيا مريضا ومجموعه من المثقفين التابعين ولالقاء الضوء على هذا الواقع لابد من الحديث عن محطات الازدهار ومحطات التراجع والانكفاء في مسيرتنا الثقافيه بصوره موجزه.
شهد العصر العباسي الاول نهضه فكريه وعلميه وثقافيه عقلانيه لا سابق لها في العلوم والطب والفلسفه والفلك والفقه والاداب والفنون وعلم الكلام وغيرها من العلوم الدينيه , كما شهد حركه ترجمه واسعه للتراث الفلسفي الاغريقي الي اللغه العربيه اما من الاغريقيه مباشره او عن طريق السريانيه , وبرز علماء ومفكرون كبار مثل الرازي والفارابي وابن سينا والكندي والجاحظ وغيرهم وظهرت مدارس فقهيه وفلسفيه كبرى, الجعفريه الحنفيه الشافعيه المالكيه الحنبليه المعتزله اخوان الصفا وحركات صوفيه انتشرت في كل البقاع الاسلاميه .
وشهد مناظرات ومساجلات مهمه وجوهريه في مسائل وقضاياه رئيسيه ( وجود الله, حدوث العالم, خلق القران, النبوه, حريه الاراده, مسؤوليه الانسان عن اعماله, هل هو مخير او مسير, نفي الصفات, الخير والشر ) بين كبار علماء وفقهاء المسلمين وكبار علماء وفقهاء الاديان الاخرى (المسيحيه اليهوديه الزرادشتيه المانويه البوذيه), ما كان لهذه النهضه العظمى ان تحدث لو لم يكن هناك مناخ سياسي وثقافي حر ومتسامح ومتوازن ومساحه واسعه من حريه التعبير والنقد العقلانيين ووجود نخبه من المثقفين الجريئيين الذين شعرو بمسؤليتهم الثقافيه والعلميه تجاه انفسهم وتجاه الناس وتجاه عقولهم , هذه الثمره العظيمه التي انتجها التطور والارتقاء الانساني.
تعرضت هذه النهضه الي انتكاسه وتراجع شديدين بعد ازاحه التيار الاسلامي العقلاني من المشهدين السياسي والثقافي وسيطرت التيار الاسلامي المتشدد والمتعصب المتمثل بتيار احمد ابن حنبل وتصفيه الفكر المعتزل العقلاني وملاحقه اتباعه بعد تبني السلطه هذا التيار ومن بين ابرز تلاميذ احمد ابن حنبل الذي واصل اتجاهه المذهبي ومسيرته المتشدده ابن تيميه الذي لازالت افكاره واراؤه واجتهاداته اللاعقلانيه فاعله ومؤثره لدى الكثيرين من اتباعه والمهوسيين باجتهاداته.
وكذا الحال بالنسبه للمذهب الجعفري الذي يتبعه الشيعه فانه لايقل تزمتا وتشددا وتمسكا بالغيبيات والاوهام عن المذاهب السنيه الاخرى ويزيد عنها وجود المرجعيات الدينيه في النجف وكربلاء والكاظميه التي تلزم اتباعها بتقليدها والتقيد بفتواها وتوجيهاتها.
سلبت هذه السطوه الدينيه المذهبيه للفريقيين الشيعي والسني حريه الفرد في التفكير العقلاني وشلت ارادته الواعيه الحره واوهمته بان كل تصرفاته وسلوكياته وتفكيره ليس من انتاج قدرته الذاتيه انما بفعل قوه خارج كيانه الانساني مما جعله يعيش في متاهات الجهل والعبثيه.
افرزت هذه الثقافه الظلاميه ضواهر سيئه كالبدع والخرافات والشعوذه وسلوكيات بلغت حد الجنون عند بعض المتصوفه كضرب الدرباشه او حمل الاواني المعدنيه الشديده السخونه او المشي حفاة او الهلوسه وجلد الذات وعبادت الاموات واتباع افكار وسلوكيات شخصيات غيبها الموت منذ قرون وغاب الحاضر بكل منجزاته الفكريه والعلميه والعقلانيه والابداعيه وشاعت ثقافه الاقتداء بالسلف الصالح وكأن الحاضر كله طالح, سلف الحروب والنزاعات والجواري وماملكت ايمانكم والنهب المكشوف باسم الدين والعقيده ومبدأ الافضليه .
تفاقمت هذه الحاله الظلاميه في عصور التخلف والانحطاط وموجه الاحتلالات التي عصفت بالعراق , البويهيون السلجوقيون المغول الصفويون العثمانيون المماليك واستمرت الي الربع الاول من القرن العشرين حيث انقشعت هذه الغمه بتأسيس الدوله العراقية الحديثه التي شكلت نقله نوعيه نحو البناء والتقدم والتنوير والتحديث الثقافي وذلك بفتح المدارس العصريه للذكور والاناث ووضع المناهج التعليميه والتربويه العلميه الحديثه وفتحت الكليات لكل حقول المعرفه والفنون والاداب وارسلت البعثات الدراسيه الي الخارج لتلقي العلوم والمعرفه الحديثه ورعت الدوله النشاطات الرياضيه والفنيه والثقافيه الوطنيه والحديثه, واهتمت بالموروث الحضاري العراقي واجازت الصحف والمجلات الثقافيه والسياسيه وخلصت التعليم والتربيه الرسميين من سطوة رجال الدين ومن مناهجهم الدراسيه التقليديه المعتمده على النقل لا على العقل وعلى التلقين لا على الابداع والابتكار, وشهدت الساحتان السياسيه والثقافيه نشاطا واسعا لنقد الظواهر الاجتماعيه والسياسيه والثقافيه المتخلفه التي تعيق التقدم والارتقاء, ومن ابرز هذه الاقلام الجريئه الراحل الدكتور علي الوردي والراحل معروف الرصافي وابداعات الراحلين الفنانيين جواد سليم ومحمود صبري والصوت المبدع عزيز علي وغيرهم من الادباء والعلماء والكتاب والفلاسفه والشعراء والفنانين الذي لامجال لذكرهم والذين قدموا خدمات عظيمه في اشاعه الفكر الحر العقلاني وفي نشر الثقافه الوطنيه العليا الذين تحدو بها الاستبداد والرجعيه .
اسدل الستار على هذه المرحله بصعود الانظمه الدكتاتوريه الي سدة الحكم , واول انجاز من انجازاتها انها قننت الثقافه وجندت بعض المثقفيين لتمجيدها ولخدمه اهدافها وتبيض سياساتيها وفرضت السيطره الكامله على وسائل الثقافه والاعلام والتربيه والتعليم والانشطه الفنيه والادبيه والرياضيه وغاب النقد البناء وزيف الوعد النقدي عدا بعض الومضات الخافته من المثقفين الذين ادركو مسؤوليتهم الثقافيه والوطنيه والاخلاقيه.
لم يتغير الحال بعد تغير النظام السياسي في سنه 2003 ان لم يكن قد ازداد سوءا وتخلفا بالرغم من توفر مساحه من حريه الرأي والتعبير وذلك لسيطرة الاسلام السياسي على الحكم حيث حل ولاء بعض المثقفين والكتاب للطائفه وللمذهب وللقبيله بدل الولاء للوطن وللشعب اما لمنفعه ماديه او طمعا في منصب او ارضاء لنزعه طائفيه مكبوته او مسايرة للاوضاع السائده لهذا السبب او ذاك , اما الثقافه العقلانيه الثقافه الوطنيه العليا ذات البعد الاصلاحي والانساني فقد ضمرت وذابت في خظم انتعاش الثقافه الشعبيه بعاداتها وطقوسها وتقاليدها ومفاهيمها والتي لاقت الدعم والتأيد والتشجيع من اولي الامر الجدد وسياقا مع هذه الحاله فقد همش المثقفون الحقيقيون وابعدو عن الساحتين السياسيه والثقافيه خشية من دورهم في تنشيط وتعميق الوعي الوطني العقلاني لدى الشعب ونشر ثقافه الرقابه والمحاسبه والنقد للاداء الحكومي وللظواهر الاجتماعيه المتخلفه.
ازاء هذه الحاله المزريه فان البلاد بامس الحاجه الي تحول ثقافي جذري يعيد الي العقل مكانته وهيبته واحترامه والي مثقفين حقيقين يشعرون بمسؤوليتهم تجاه بلدهم وشعبهم ووطنهم , تحولا يجتث جذور الثقافه السائده ويستلهم ما انجزه العقل الانساني والوطني من منجزات معرفيه وعلميه ومن نفحات ثقافيه وطنيه اصيله .
ان وقوف المثقفين على الحياد في زمن الازمات لاي ذريعه من الذرائع امر مستنكر وغير مقبول لذا فان الكتاب والفلاسفه قد ميزو بين المثقف الرسمي السلبي والمثقف الذي يتبنى مصلحه الشعب ويدافع عنها ويضع نفسه لخدمه المصلحه الوطنيه العليا للبلاد, فالمثقف العضوي مثقف موضوعي وطني انساني علمي اما المثقف الرسمي فانه مثقف تابع للسلطه او للطائفه او للحزب بدلا من ان يكون قائدا متبوعا , وهو مثقف مغترب غريب عن واقعه اسير لمصلحته الشخصيه او لميوله الطائفيه او القبليه او العرقيه او المحليه , مغترب فكريا ووجدانيا غير مستقر نفسيا يعيش حاله من ازدواج الشخصيه كما يقول الراحل علي الوردي في نظريته عن المجتمع العراقي .
فمجتمعنا الان في حاجه الي مثقف جريء وصادق, مثقف لايخاتل ولايجامل ولايظهر خلاف ما يبطن الى مثقف يضع مصلحه البلاد العليا فوق المصالح الثاتيه او الفئويه مثقف لا ينحاز الا الى هويته الوطنيه لا الى هويته القبليه او المذهبيه او المحليه او نزعاته الطائفيه او مصلحته الذاتيه
هاشم الشبلي













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة