الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطرف الأيمن على العتبة اليسرى

مزوار محمد سعيد

2016 / 8 / 30
المجتمع المدني


مريح جدا أن يقول الفرد لنفسه أنه بخير، هو يعمل وينتظر أجرا، مؤدب مع الناس، له مأوى يلجأ إليه، يلبس ألبسة جديدة، وقد يقود سيارة في وضعية جيدة، يزور الشاطئ، ويتحدث مع الفتيات على هاتفه... الخ، إنه بخير وغير قلق، فهو حرّ ولو في اعتقاده، والرفاهية تلفه وتدير حياته، والجميع أو على الأقل من يلتقيهم ويرتاح لهم هواه، هم يشيدون بمناقبه التي لا تظهر سوى قليلا، أو لنقل نادرا.
تلك العلاقة المخفية بين الفرد وذاته هي التي تحدد مصيره، هي التي ترفع معنوياته إلى مستوى الحماس، وهي التي تضعه في مواقف مدمّرة في أوّل إمتحان جدّي للغاية، وعذرا فإنّ سكان الجزائر من الجزائريين يرسبون أمام هذا الإمتحان والناجحون فيه، تلك القلة القليلة هي عصامية المنشأ والتعليم.
هي أمور بسيطة أو حتى تافهة أمام "الكاميكاز" الجزائري، المستقبل هو آلة تلتهم حاضره، وماضيه هو أبهى صور مستقبله الضائع، ما يشدّ انتباهي هي تلك اللا-مبالاة الباتالوجية "المَرَضية" التي تصيب الجزائري بشكل عنيف، وتستولي على مراكزه العصبية وحتى أتفه تفاصيل يومياته، لتصنع منه نموذجا أقل ما يقال عنه أنه لا يعرف من هو.
لقد سألتُ احدى الجزائريات عن كلمة "رؤيا" وما قد تعنيه لها كلمة كهذه فردت عليّ قائلة: باغدون مسيو... فهمتُ أنها لم تفهم من اجابتها الهروبية، ثمّ أعدتُ السؤال بشكل آخر فقلتُ: ما الذي يخطر ببالك عندما تسمعين كلمة "رؤيا-فيزيون" فأجابت: "هي أمر ما يدخل في خصائص الإنسان".
من حادثة بسيطة كهذه سهل على المتأمّل أن يدرك بأنّ كلمة "رؤيا" هي من خصائص الإنسان فعلا، والفتاة الجزائرية مصيبة في هذا، لكن في إجابتها أمور غامضة، لما استعملت لفظة إنسان ولم تستعمل كلمة "أنا" أو من خصائصي؟ ولما إحتاجت إلى وقت كسبته من إعتذار أوّلا لتستجمع إجابة لم تحضرها في حينها؟ ولما إحتاجت لترجمة للكلمة العربية إلى قرينة فرنسية؟
لأنها لا تملك رؤيا، وهي تعتبر الأمر مزعجا لأنه لا يعنيها، فهي تعيش العبث الذي يديره غيرها، وهذه الأمور أو حتى التفكير من أجل الخوض فيها هي ثرثرة بالنسبة لها، وأنا صرتُ في خانة المغضوب عليهم عندها لأنني وضعتها أمام مرآة ذاتها، وبطريقة ذكية جدا طلبت اعتذارا مبطنا بلوم لكنني أصريتُ على الإجابة فصرفتني باجابة مؤلمة عازمة على عدم خوض حديث معي مستقبلا في قرارة نفسها.
لقد صار العدو بالنسبة للجزائريين هو ذاك الذي يسمونه بأوصاف كثيرة إلا صفة "الصداقة"، هو ذاك الخائض في مسائل روحية معيشية، ولو كان مؤدبا طالبا لرأي لا أكثر، فمجرّد إثارته لمواضيع كهذه تجعله في خانة الأعداء أو المتطفلين أو المزعجين و "حاسبين ريسانهم" في أحسن الأحوال؛ فالجزائري يهرب في كل الاتجاهات ما عدى مواجهته لنفسه.
من الغرابة التي تثير الصداع اجتماع الجزائريين على "الهرب" الروحي هذا، إلا من رحم ربي طبعا، هناك أمور خفية تثير العجب، يفسرها البعض بالصدمة الحضارية، والبعض الآخر بالظلالة عن سبيل الله أو الحق، وآخرون بالكسل والخمول، لكن متى احتاجت الروح للعمل لتواجه روحانيتها؟
التبريرات مختلفة متعددة، هناك الكثير من الأطروحات لمن يجتهدون مشكورين في اضفاء تصوّر لتفسير ما يحدث، لكن المجتمع هو أكبر من فرد، والأفراد عاجزين عن تصوّر الأمم، وهذا هو العامل الأساس في العجز الذي يتوارثه الجزائريون، فبدلا من الخوض في معالجة وتحديد الأدوار بين الأجيال، نشأ صراع تبريرات بينهم، فكل جيل يتهم الآخر بالتخاذل ويجعله محورا لكافة الأشرار والشرور.

ملاحظة: هذا النص مهدى للإنسان (ة)، الذي نبهني إلى موضوع هام كهذا، موضوع روحي عميق، شكرا جزيلا لك.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا


.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة




.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي


.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين