الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله يخليها سلعة....

عبد الغني سهاد

2016 / 8 / 31
الادب والفن


ٍالله يخليها سلعة....
------------------
(مساءات مراكشية )
------------------
تفوح عند اقترابك من المشبك الحديدي لتلك للحانوت روائح عشبة الكيف الممزوجة بروائح شواية السمك على الفحم ..السردينة لذيذة تسيل لعابه حتى لو كانت معدته محشوة عنوة بالتردة (نوع شعبي من التريد .اساسه العدس والفول وكسرات الخبز الجاف بلا لحم يلتهمه الفقراء) ..من داخل الحانوت تصلك نحنحته وصوته ..غالبا ما كان يجالس هذا الكائن البشري مول الحانوت لا داعي للتعريف باسمه الحقيقي .. فقط نقول انهم يسمونه ..هكذا ..( الله يخليها سلعة ) يجالسه لتمرير الوقت في تدخين الحشيش و الثرثرة معه في مواضيع تافهة.. كان ناذرا ما يحرر له مكتوب على ورق اصفر .شكاية للقايد ..فاتورة كراء ..اومرسول الى اخ مهاجر في ارض الطاليان ..الله يخليها سلعة رجل متهور في الاربعينات في سن الرشد لكنه بخيل و جهول لايفرق بين حرف الزي وعصا الطبال .قصير القامة كبير الراس اسمر اللون وغليظ الشفتين .متوثر على الدوام .اما لكون اعزب .او لعشقه للدرهم ..مقدمة راسه بها صلعة تنتشر كل يوم بمسافة الى الخلف ..عيناه ضيقتان سوداوتان كعيون ابن عرس ..يملك دراجة هوائية قديمة ترابط بباب الحانوت على الدوام يشغلهاا في نقل السلعة من والى الحاانوت ...
احيانا كثيرة يستعملها لمطاردة زبونة جديدة تبسمت في وجهه حين اشترت منه علكة شوينكوم امريكية .يتبعثر امامها ويبدأ في التجسس عليها و.جمع المعلومات عنها ..ليضيفها الى لائحة صديقاته الجديدات ..كلما حضرت باب دكانه امراءة كان رقصه قويا ولا يقدم ولا يؤخر ..قيل لنا انه مكبوت منذ طفولته ..قلنا لهم ان الكبت لا يوصل الى هده الذرجات من فقدان الكرامة امام تواجد الجنس الثاني ..تراكم الشعور بالذونية وفقدان الاحساس بالنفس يلازمه شعور قوي لاجل البحث عن معوض نفسي ..لاجل التغلب على النقص من جهة والظهور بمظهر القوي من جهة ثانية ,,زيرنساء الحي ...
على اية حال .الاخر ..لست انا .. .يضع راسه الى جانب الستارة وراء المشبك الصغير هو ذكي وغريب الاطوار مامن قدرة لنا على متابعة مغامراته او حتى مناقشته في بعض الامورالغريبة التي تصدر منه في جل الاوقات ...عندما يكنف من تدخين عشبة الكيف ...يتبرم الى مص لفافة انيقة من الحشيشة ..ولا شيء منهما ( الكيف والحشيش ) يدوخ تلك الراس الصغيرة و الطويلة ..واثق من نفسه الى حد الغرور ..يستند الى صندوق المشروبات الروحية التي غزت كل الاسواق في رمشة عين و حلت محل البن والشاي .كل صباح ..لايحلو له تدخين الكيف ولا اكل الشواء الا في الحانوت مع قنينة ...الكوكاكولا ..البيبسي كولا فما احلاها بعد حرقة الحشيشة في الحلق على الريق ..على الريق تعني ....على الريق ... ..
- هل تعرف ما الذي ساخبرك به اليوم؟
- كيف لي ان اعرف ..
- صحيح انك لا تعرف ..المخزن يامرنا . بتنظيف ابواب الحوانيت وتبيضها ..ربما تقترب ذكرى ما ......مولد ملك ...موت ملك..تحرير وطن ...
- كيف لي ان اعرف ...؟
- انك تقرأ التاريخ ..تاريخ الوطن ....؟
- قد تكون .. ذكرى المسيرة الخضراء اقتربت ...ولا بد للمقدم ان يدور على الحانوتيين والمحلات والمنازل لااجل رفع الاعلام الوطنية وتنظيم الحفلات ...ودبح الخرفان..
- فيها خير اسيدي .سيحل الرواج المأمول ..يشتري الناس المشروبات ..الروحية والعقلية اعني الخمر ..خير الذكرى سينتشر في الحي بل في المدينة ......لايام طويلة..اه ...لو دامت طيلة السنة ..
- هراء ...هراء
- انت تعاند ..وتعارض لاجل الظهور فقط ؟
- ربما .. ؟ من اين سيحصل الناس على المال ....الا تقوم السلطة بتدبير الاحتفال وتموله بنفسها ...
- ههه....السلطة تحتفل دوما بالقضايا الفاشلة..متى ستشرق شمس الحكم الذاتي على الصحراء..هل تعرف متى ؟
- انك لا تحسن سوى الثرثرة ..دخن واصمت ...؟
فعلا فكر في نفسه ان الثرثرة هي سلاحه الوحيد لهضم هذا الواقع الذي يشعره بعطش شامل ..في عز الصيف..صيف المدينة .. ستكون الاحجيات الشعبية متوفرة عند ساكنة الحي وسيسمع عنها الكثير ..بل المدينة كلها ستزدهر ..مبالغ طائلة ستصرف على الاكل والشرب و الخمر ..ستمر بالمدينة كانك ستمر بحانة كبرى .. فكركم يبلغ مبلغ ما تجمعه السلطة من تناول الخمرو الحشيش وتدخين الكيف ..كم ستدخر من بيعها للخرفان في اعيادها الوطنية ...تبا لنا هذا التفكير السهل الغير الوطني..اهم شيء عند السلطة هو تعميق شعورنا الحار بعزة هذا الوطن ..يهمها الوجدان ..وجدان الشعب ...
العشبة مصدر الهام الشعب ..لاتهمه الصحراء و لا العطالة ولا القهر ولا فراغ ذات اليد..ينسى كل شيء في الحفلة والمتعة ولكل شيء مدبرحكيم ..في المساء تطول سهراته مع العشبة والاحلام الوردية كباقي القطيع عفوا الشعب ..هلوسات .و..وتهيئات احيانا تسكنني حالة من الوجد والتيه اتوقع الاشياء فتحدث كاني المسيح نفسه يخاطبني هاتف بصوت رخيم في مقصورتي الضيقة ..يلقمني الحكمة .والافكار .ينبؤني بان الغد دائما هو الافضل .لا افيق من هلوساتي الا ذلك الصوت الحقيقي صوت والدتي الطيبة ..( افق ياهذا المنحوس ...تكركرب الى حانوت صاحبك ..بغينا الخبز....؟)
الخبز .. وحده هذا الخبز قناة وصل مابين سمائي و هذه الارض ..اسرع لاقف ممدودا كحرف اول في ابجدية لغة الشعب ..الى جانب جارتي الفارعة القامة الفاتنة المحيا تلك المنتصبة امام مول الحانوت ذي العينين الشبيهة بعيون ابن عرس .. تستجديه ترغبه في قليل من الجبن وقرص خبز لوالدتها المريضة الى نهاية الشهر . تستعرض امامه مواد منشورة على ورقة قديمة اقترضتها منه تذكره بها ..علبة صابون ..شفرة حلاقة ..وقنينة زيت بلدية...وكيس من الدقيق الصلب ..كانت عيون الحانوتي النذل لا تفارق نهديها ..عجبا ما ذا يريد ؟
يلف الحانوتي الجبن في ورقة بيديه الملطختين بالاوساخ وهو يتمتم بكلام فارغ .. يتبسم بمكر ويغمز ..ويغمز....ويكشر في وجهها ..(.....)
- والان ..ماذا تريدين ..؟
- لاشيء ...(وهي تمد رسخها المكتنز..وتنظر في اتجاه بعيد )
في مثل هذه المساءات تصبح الاحياء في المدينة كسوق كبرى للماشية..شناقة ونعاج وسور كبير بلف الجميع..الحيوانات تخور في زرائبها..نعاج موسومة ..تدلي وسقوط الروث..الشناقة باحديتهم المسننة يرسفون بسهولة على الفضلات ..ضاربين باكفهم على عجيزة مكتنزة ..وهذه واحدة مميزة.......
هقة ..وهفة..وهفة ..وتغادر جمجمتها كانت كانها تنطح الارض ..
لف لفة سريعة الى الوراء وهو يحملق في صديقه الحاوني النذل ..لن يطيب له هذا المساء ولا كل المساءات القادمة ..حياته ستبدو عسيرة على المعيش ..عاقبتها ليست مضمونه مادام يتصرف كالحيوان مع ناس في رقة الانسانية ..
- ايها النذل اجعل كل قروض الفتاة على حسابي ..وفي الغد سادد لك المجموع ..
- (.........)
شرعت غيمة تزحف على الافق تسد الطريق على القمر ضباب يتبع ضباب ظلام هائم..في سماء مدينة قاحلة قفراء من احاسيس انسانية ..يغيب فيها الوجدان عن الشعب ..ما من ريح قادرة على رفع ضغط هذه العتمة ...الغميقة في اوصال المدينة ..هذه المدينة مدينتي ..اعشقها ..
سمعتهم في الصباح يتهامسون ان السماء امطرت اكياسا من الزغاريد العذبة كل عام يفرح الشعب باسترجاع صحرائه....ترى ما ذا سيحصل لو استعاد الشعب بمسيرة تلك البحار المحتلة حتى لو كانت ميتة ...بلا سمك ...ولا اعشاب .ولا طحالب ...سيستحم الشعب على شواطئها .. سيتخلص من مظاهر الخبث والمكر من مدننا الغارقة تحت صدأ الفساد ..سيغسل اوساخه البشرية في شواطئ متجهة نحو الشمال... نحو الافضل .. الا ان تلك العجوز المحدودبة الظهر لاتزال تمر كل صباح على مول الحانوت...
.ساسدد له الدين واباذر بالمغادرة ..رعب رمادي يسعف وجهي عطفت مسرعا الى البيت..... و هي تصرخ.... ليس في وجهي طبعا.. ..لكن في وجه مول الحانوت ..
....(.الله يخليها سلعة )....

عبد الغني سهاد
في يوم من ا يام ... عام 2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج