الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوجد مثل هذا الحزب!

مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)

2016 / 9 / 3
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


هذه العبارة الشهيرة: "يوجد مثل هذا الحزب!" أطلقها لينين في مؤتمر السوفييتات الأول لعموم روسيا في يونيو/حزيران 1917 (حضره أكثر من ألف من النواب، 822 منهم كان لهم الحق في التصويت).
وكان لوفد البلاشفة في المؤتمر 105 مقاعد فقط، أي أنه كان يقف بعيداً وراء كل من الاشتراكيين الثوريين (285 مقعدا) والمناشفة (248 مقعدا). فبهذه العبارة التي دخلت التاريخ رد لينين على بيان المنشفي، رئيس سوفيات بتروغراد تسيريتللي، الذي زعم أن لا أحد يمكنه أن يسمي حزبا يجرؤ على أخذ السلطة بيديه وتحمل المسؤولية عن كل ما يحدث في روسيا.
البلاشفة، كما نعلم، أخذوا السلطة وأظهروا من خلال كل ما فعلوه لاحقاً أن حزب الطبقة العاملة يمكنه أن يدير شؤون دولة الشعب العامل، دولة الكادحين. والإنجازات السوفييتية معروفة جيدا ولا يمكن أن ينكرها سوى الأعمى.
طبعاً، برجوازيو كل دول العالم منذ بداية تشكل الحركة الشيوعية حاربوا حفّار قبرهم بقسوة مما بعدها قسوة. حاولوا بالتدخل خنق روسيا السوفياتية فلم ينجحوا. ثم في عام 1936 أنشأوا اتفاقية مكافحة الشيوعية بقيادة ألمانيا النازية. لكن هزمت الفاشية من قبل قوات التحالف المعادي لهتلر بقيادة الاتحاد السوفيتي الذي أجبر البلدان الامبريالية الكبرى على المشاركة في الحرب ضد النازية. ورفع جنود الجيش الاحمر العلم الاحمر مع المطرقة والمنجل فوق معقل الفاشيين. ونما نفوذ الشيوعيين في العالم كما نمت بشكل أسرع كراهية البرجوازيين.للشيوعية.
واليوم، يحظر الإمبرياليون في كثير من دول العالم نشاط الأحزاب الشيوعية (مثل أوكرانيا وجمهوريات البلطيق السوفياتية سابقا وغيرها)، ويمنعون الرموز الشيوعية، ولا يسمحون للشيوعيين بالمشاركة في الانتخابات وهلم جرا. وينشرون في كل مكان دعاية مسعورة معادية للشيوعية. ولكن الوسيلة الرئيسية لصراعهم مع الشيوعيين لم تعد الحظر بقدر ما صارت إضعاف الحركة الشيوعية بإفراغها من مضمونها الثوري. فالانتهازية والتحريفية تحولتا اليوم بهمة مثقفي يسار ما بعد الحداثة وبتشجيع البرجوازية الحاكمة من ميل طبيعي ومعهود في الحركة الشيوعية بعد وفاة ماركس وإنجلس خاصة إلى سلاح تديره البرجوازية. والمثال الأكثر شهرة على ذلك انحطاط ما يسمى الشيوعية الأوروبية، التي تحولت إلى "حزب اليسار الأوروبي".. فقد تخلى معظم أحزابها عن مبدإ ديكتاتورية البروليتاريا أساس النظرية الماركسية وعمادها، أي عن فكرة سلطة العمال التي لا تدحرها البرجوازية بالقوة العسكرية في اليوم الثاني للثورة. ورأى البعض منها أن المطرقة والمنجل رمز عفا عليه الزمن وبات موضة قديمة، والبعض الآخر لم يبق لديه من النظرية الثورية سوى التقاليد التاريخية والتسمية الشيوعية (الحزب الشيوعي الأميركي مثلا)، وتحول ثالثون إلى حماية حقوق الأقليات الجنسية (الطليان والفرنسيون خاصة)، وليس الطبقة العاملة. وكلهم يعانون من مرض "البلاهة البرلمانية" حسب تعبير ماركس. ومن الواضح أن مثل هذه الأحزاب لا تشكل خطرا على البرجوازيين وهم يدعمونها أيما دعم لتحصر بها الشارع الراديكالي المعارض وتبطل مفاعيله الثورية.
في روسيا، يقوم بهذا الدور المهمِّد الحزب الشيوعي الروسي المعارض بقيادة غينادي زوغانوف الذي استنفدت روسيا برأيه المخزون الثوري كله منذ ثورة يلتسين والليبراليين سنة 1993 التي كانت على ما يبدو بالنسبة لهذا الحزب نهاية التاريخ الثوري الروسي (زوغانوف فوكوياما الروسي) وبدء النضال باللوائح الانتخابية بدلا من الحجارة والمتاريس، وكذلك الاشتراكيون في حزب "روسيا العادلة" (بقيادة ميرونوف)، ومؤخرا أضيف إليهما حزب "شيوعيو روسيا" الذي اصطنِع اصطناعاً من قبل الكرملين ويعمل كمدافع صريح عن بوتين وحتى يفخر بتعريفه مثابة "مشروع كرمليني". هذا الحزب الأخير تم إنشاؤه لإضعاف الحركة الشيوعية الروسية، بما في ذلك الحزب الشيوعي الروسي بقيادة زوغانوف، وإزاحة اسم الشيوعيين تدريجيا من الساحة السياسية العامة. جميع هذه الأحزاب تناضل من أجل رأسمالية جيدة و"غير متوحشة"، وهي تشبه في ذلك الحزب الشيوعي الروسي الذي يعد الناس بـ"حكومة ثقة شعبية" في ظل حكم البورجوازية.
كيف هي الأحوال عندنا يا ترى؟
يقول المثل اللبناني: بأيام اللولو ما هلّلولو! عندما كانت الأحزاب الشيوعية العربية بعد الحرب العالمية الثانية التي أسفرت عن تقوية النظام الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي ونشوء منظومة اشتراكية عالمية وانسلاخ كثير من دول العالم الثالث عن النظام الاستعماري وسلوك العديد منها سبيل التوجه الاشتراكي، لم تبدِ أحزابنا الشيوعية حماسا لأخذ السلطة بيدها وإن كان قد تسنى لبعضها ذلك وقصرت بذلَ طاقتها على دعم الأنظمة البرجوازية الصغيرة المناهضة للاستعمار حين بدأت هذه تتخذ إجراءات محددة تقدمية، أو تعرضت للقمع، حتى أنها في بعض الأحيان حلت نفسها. فكيف بها اليوم وهي لا تطالب بأكثر من دولة مدنية (ربما المقصود في آن دولة غير طائفية وغير "عسكرية" استبدادية، دكتاتورية....) ومن انتخابات نيابية من دون قيد طائفي في ظل سلطة البرجوازية (بلاهة برلمانية أم عجز ثوري!!)، علماً أننا شعب معروف بـ"الطموح" الذي يحدثك عنه اللبناني ليل نهار!! ومع مضي الزمن نشهد المزيد والمزيد من التراجع والخمول والنزعة الانتهازية والتجاهلية في عودة ميمونة إلى جاهلية أيديولوجية تفضي إلى سياسات باهتة بحيث نرى المطبخ السياسي المحلي أقل حدّة بكثير حتى من المآكل اللبنانية الشهيرة بتوابلها الحرّيفة التي تضفي عليها نكهة خاصة محببة.
واليسار العربي عبارة عن بيانات لا طعم لها ولا لون ولا حتى رائحة تظهر بين الفينة والأخرى. مع أن المطلوب والملحاح في عصر الهمجية الإمبريالية الجامحة التي لا تني عن شن الحروب من أجل الهيمنة على العالم والتهديد بحرب عالمية ثالثة هو وحدة الشيوعيين العرب الكلية أو الجزئية التي تتجاوز مجرد التنسيق إلى أشكال تنظيمية أرفع لأجل مواجهة أي سحق عسكري لانتفاضة جدية في بلد عربي واحد أو أكثر. فالتضامن والتنسيق العملي لا بد منهما لحماية أي اختراق ثوري إذا ما حصل وإلا سيخنق في المهد في عصر القوة العسكرية الغاشمة أي تطلع إلى التقدم والارتقاء.
حتى اللحظة لا نرى من يستطيع أن يصعد إلى المنبر عندنا ويصرح بأعلى الصوت ما صرح به لينين في عام 1917: "يوجد مثل هذا الحزب". وتسيريتللي العربي على حق!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة