الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متغيرات السياسة الحتمية في الحرب

بدر الدين شنن

2016 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تؤكد العلوم السياسية , والوقائع التاريخية ، أن السياسة في الحرب تتغير .. وينبغي أن تتغير .. وتمارس بأشكال أخرى ، حسب متطلبات الحرب ، وبالمقابل إن الحرب هي أداة تحقيق الأهداف التي تصبو إليها السياسة .
بيد أنه لابد من معرفة أية سياسة هي قيد النقاش الآن . هل هي السياسة الداخلية أم الخارجية .. الرسمية .. أم المعارضة ,وفي أية ظروف تجري ، في زمن السلم ، أم في زمن الحرب ، وأية حرب هي التي تفرض متطلباتها حتمية المتغيرات السياسية ، هل هي حرب تقليدية مع الجوار ، أم هي حرب دفاعية وطنية ، ضد غاز طامع في استباحة الوطن ونهب ثرواته واستعباد شعبه ؟ ..

في موضوعنا هذا ، لن نتجه إلى النظريات والمفاهيم الأكاديمية السياسية ، بل نتجه إلى ما هو أهم بالنسبة لنا ، تجنباً للجدل الورقي والعبثي ، نتجه إلى وقائع الحرب التي تجري في بلادنا ، وأثرها على السياسة ، وعلى المصير السياسي . وفي ظروف هذه الحرب يتقدم السؤال : ما هي السياسة الوطنية الناجعة المطلوبة .. لتتكامل مع الجهود الوطنية الميدانية ، ضد العدوان الأجنبي ؟ ..

لابد من التوقف بإمعان ، عند التمايز النوعي للحرب على سوريا ، وفي أي مضمار يضعها هذا التمايز ، بين الحروب في بلدان أخرى . كما لابد من التنويه ، إلى أن السياسة في سوريا ، كانت سياستان متنابذتان . سياسة من هم في الحكم .. وسياسة من هم خارج الحكم . وكانت في مراحل عدة ، صدامية ، عنيفة ، وقهرية .وحدثت خلالها محاولات انقلابية مسلحة ، من قبل أطراف معارضة ، للاستيلاء على الحكم ، أدت إلى نتائج شديدة السوء على البنية السياسية بعامة في البلاد . فيما قوى معارضة أخرى سلكت الأسلوب السياسي ، والمسار الديمقراطي .

عموماً يمكن القول ، أن السياسة المعارضة .. والسياسة بعامة في سوريا ، استقرت منذ ثلاثة عقود ونيف ، على التجاذب السياسي السلمي ، بين أطراف الطبقة السياسية ، داخل الحكم وخارجه . وفي نهاية هذه الحقبة السياسية ، لم يكن يبدو أن هناك حرباً بين السوريين قد تقع . وإنما كان هناك أفقاً لتفاهمات حول إجراء إصلاحات في البلاد ، لطي صفحات المراحل البائسة السابقة . ولم يكن هناك من خلاف بشأنها بين طرفي السياسة ، سوى حول ، أي إصلاح يشكل الأولوية بالأهمية .. الإصلاح السياسي .. أم الإداري .. أم الاقتصادي .

ولذلك يمكن الجزم ، أن الحرب ، بمحفزاتها ، ومفاعيلها ، وأهدافها ، لم تكن سورية . لقد قدمت من الخارج . وضخمت ، ووظفت عناصر التجاذب بين السوريين .. بين المعارضة ونظام الحكم . ولما توسعت الصدامات المسلحة .. وتحولت إلى حريق كبير .. وحرب . اتضح أكثر ، أن الحرب ، بالمطلق ، ليست سورية ـ سورية ، تخص السوريين وحدهم . وإنما هي حرب فرضت على سوريا ، من قبل قوى إقليمية ودولية ، لغايات استراتيجية ، وجغرافية ـ سياسية ، ونفطية وغازية .
بدلالة أن الحرب خلال أشهر فقط ، توسعت ، وانتشرت في كل أرجاء البلاد بسرعة قياسية . وكشفت مصادر رفدها بالجماعات الإرهابية الدولية ، من نحو مئة دولة ، عبر الحدود التركية والأردنية ولبنان . وكشفت كذلك مصادر دعمها المالي والسياسي والإعلامي والمسلح . وارتفع منسوب هذا الدعم إلى المستوى الكوني .
وقد تأتى عن ذلك سقوط مئات آلاف الضحايا السوريين ، وتشريد أكثر من ربع الشعب السوري ، وتدمير كارثي دموي قل نظيره في تاريخ الشعوب .
ودخلت سوريا مرحلة التدويل .. وأصبحت كلمة القوى الدولية الكبرى ، في الشأن السوري ، والمصير السوري ، هي الكلمة العليا .

وهنا يمكن أن نضع الساسة السوريين أمام سؤال : ماذا فعلتم .. وتفعلون .. إزاء ما تعرضت وتتعرض له سوريا ؟ ..
من أسف لم يلب كل الساسة السوريين استحقاقات مسؤولياتهم النوعية .. الوطنية .. والإنسانية .. والأخلاقية .. وظلوا متمسكين بحالة الانقسام والتناحر .

فمن جهة أن أهل الحكم يتحملون مسؤولية عدم اتخاذ ، المبادرة المرنة ، والقرار المسؤول ، في إجراء التغيير المطلوب في أسلوب الحكم ، وفي التقاطع مع الآخر ، في عدد من المطالب المعلقة سنوات طويل ، ومن جهة أخرى إن معظم المعارضين ، يتعاون ، بشكل أو آخر ، مع أعداء البلاد ، في مختلف المجالات ، بما فيها العدوان المسلح على الوطن ، ويتحملون المسؤولية الأسوأ والأخطر بما لا يقاس .

وفي ذروة الحرب ، كانت هناك مجموعات معارضة تطالب ، تكراراً لطلبات الدول المعادية ، رأس الحكم ، وهو في الوقت ذاته ، القائد الأعلى للجيش الذي يتصدى للعدوان ، بالتنحي . وهناك مجموعات أخرى ، تصر على حل سياسي يؤدي إلى إسقاط النظام ، وزعزعة الدولة . وهناك مجموعات أخرى تراهن على تراجع الجيش الميداني ، لتربح أوراقاً جديدة عند تقاسم السلطة . وهنا يكمن أحد مصادر ضعف القدرات السورية في مواجهة العدوان .

وهنا نقول ، ليس من باب الإحراج ، أو المزاودة ، أن المعارضة السورية ، لم تقم بواجبها الوطني المطلوب منها ، وتابعت حضورها إزاء مجريات الحرب ، في خندق الخصومة العتيقة فكراً .. وأفقاً . وفي أحسن الأحوال ، اعتمدت الجري نحو حل سياسي لا تملك أوراقه الرابحة ، الضامنة لوقف الحرب .. والأمان .. والأهداف الوطنية والشعبية .
ليس في تجارب الشعوب الحية تجربة مؤلمة مثل التجربة السورية ، التي ’سخرت فيها الخصومات ، بين أطراف الطبقة السياسية ، تحت قصف العدو المدمر القاتل . بل والبعض يقاتل في صفوف العدو .. ويسميها " ثورة " . إن السياسة كنمط عقلاني في إدارة شؤون البلاد ، ومؤسسات الدولة ، وأداة ناظمة بناءة في حركة المجتمع ، في الحاضر والمستقبل في زمن السلم ، تنتقل في ظروف الحرب الوطنية ، إلى ممارسة مهام نوعية جديدة .. تتكامل مع آليات الحرب .. تبدأ بوحدة صفوفها .. لتوفر حشد القوى الوطنية ، وتأمين مؤسسات الدولة ، الدفاعية ، والخدمية .. ودعم الجبهة النفسية والأخلاقية .

إن سوريا في حربها الراهنة ضد الإرهاب الدولي ، تصنع ملحمة جديدة في تاريخها العسكري . وتصنع وطناً جديداً بقدراته وآفاقه . وتصنع نمطاً جديداً للسياسة الوطنية . . من خلال فهم مضامين وأهداف العدوان ، وكيفية التصدي له . وتصنع طبقة سياسية جديدة ، سوف تتجاوز " ديناصورات " .. و" ذئاب " المعارضات الفاشلة ، الذين رهنوا أمجادهم السياسية الشخصية بسقوط الوطن . وتصنع أيضاً إضافة في تعريف مفهوم السياسة . ربما هي : الحرب ليست ممارسة للسياسة بأشكال أخرى ، وإنما هي أيضاً ، حين تطول وتستفحل تصنع السياسة .. وتصبح السياسة ممارسة للحرب بأشكال أخرى .

بمعنى ، أنه من الوهم انتظار نتائج تحركات ما تبقى من السياسة في غمرة الحرب ، للحصول على لم يستطع الحصول عليه في الحرب ، بالفصاحة السياسية ، التي فقدت صلاحيتها منذ أن بدأت الحرب . ففي الحرب تتحد آليات السياسة وآليات الحرب ، لتحقيق هدف مشترك واحد ،، هو سياسي وعسكري في آن .. وهو انتصار الوطن .

إن هذه المعارضة أو تلك .. إن لم تكن بهذا الشكل أو ذاك ، في خط النار دفاعاً عن الوطن ..فإنها لن تكون في خط السياسة والاحترام الوطني .. اليوم وغداً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم