الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تحل التسويات الدولية محل الشعب

بدر الدين شنن

2016 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يتصدر في هذه الأيام خبر دولي له دلالة حمالة أوجه . في مجريات الحرب السورية ، وهذا الخبر يخص حركة .. ولقاءات .. ومحادثات رجلين حول تسوية تفضي ، كما يقولان ، إلى وقف الحرب . وإلى حل سياسي لما سمي بالأزمة السورية . وهذان الرجلان هما ، وزير الخارجية الروسي " سيرغي لافروف " ووزير الخارجية الأميركي " جون كيري " . اللذان أمست دولتيهما ، بحكم المتغيرات الدولية مع مطلع القرن الحالي ، وبحكم قوتهما العسكرية والاقتصادية ، تمثلان القطبية الدولية الثنائية .

وتلاحق وسائل الإعلام العالمي ، لقاءات الوزيرين ومحادثاتهما في الشأن السوري ، بصورة هزلية مؤسفة أحياناً . إذ قبل اللقاء تنشر بشائر قربهما من الاتفاق ، أو الأساسيات فيه ، وبعد انتهاء لقائهما دون اتفاق ، تنشر أن الوزيرين كادا أن يتوصلان للاتفاق الكامل ، لولا أن هناك مسائل تقنية ما زالت معلقة وتحتاج إلى متابعة من قبل الفنيين من الطرفين .
وقد لعب الوزيران الكبيران والإعلام هذه اللعبة أكثر من مرة ، حتى بات المراقبون ، والسياسيون المتابعون باهتمام بالغ حركتهما ، يشككون بإيجاد تقاطعات جوهرية ، تلتقي فيها المصالح الروسية والأميركية والسورية ، وإنجاز وعودهما ، التي غدت إعلامية استعراضية ، أكثر مما يريدانها سياسية .

ورغم ذلك تبقى الأضواء محصورة بأنشطة الرجلين المتلازمة واقعياً مع حركة انتشار القوى المقاتلة في الحرب ، وهي قوى صديقة لروسيا من طرف .. وقوى صديقة لأميركا من طرف آخر . ما يعني عملياً ، أن اللغز في تلك الجولات من المحادثات الماراثونية ، إنما هو انتظار ما سوف يستقر عليه هذا الانتشار لتحديد حدود التماس التي تحدث بين قوى الطرفين ، ومضامين الحل السياسي .
الدلالة حمالة الأوجه التي أشرنا إيها آنفاً ، هي أن ما يثوم الوزيران ، كيري ولافروف ، فيما يتعلق بالشأن السوري ، أنهما قد تمكنا من حصر المصير السوري ، بما يتطابق ومصالحهما المشتركة أولاً ، نيابة عن القوى الدولية الحليفة .. ونيابة عن الشعب السوري . وتمكنا من تكريس قطبية ثنائية دولية ، أميركية روسية دون منازع . ، تتولى في الظروف الراهنة تقرير مسار الحرب السورية . التي امتد مجالها الحربي والسياسي ، إلى الإقليم وإلى المجال الدولي . حيث انتهى المشهد الدولي إلى انقسام العالم إلى تكتلين . وهما : ا - تكتل القوى الدولية العريقة بالحروب والغزو ونهب ثروات الشعوب . وهذا التكتل كبير وخطير بحجومه المختلفة وخاصة العسكرية والاقتصادية 2 - وتكتل يشتغل في المرحلة العالمية الراهنة ، تحت عناوين ، احترام القوانين الدولية ، والتكامل الاقتصادي ، وحق الشعوب بالسيادة الوطنية وتقرير المصير .

بمعنى أن أي نقاش دولي حول مسألة هامة ، سوف تحكمه شروط هذا الانقسام . وهذا ينطبق تماماً على الحالة السورية ، عندما يبحث لافروف وكيري في مضمون التسوية السورية . وكذلك الحال ، عندما تجري محادثات سورية ـ سورية . فليس هناك حقيقة حوار ، سوري ـ سوري ، مجرد عن العلاقة مع طرفي التكتل الدولي . وفي أي حال يبقى أي حوار من أجل حل سياسي ، هو هجوم سياسي مواز للهجوم العسكري . وحسب خبرات المحاور الحربية ، تكون نتائج الحرب التفاوضية موازية للحرب العسكرية .
-لكن الحرب العسكرية الميدانية ، تكون أصدق قولاً ، من الحرب الحوارية ، مهما استخدمت الأخيرة الذرائع والفصاحة .
ومن المغارقة المضحكة ، أن المتحالف مع الجماعات المسلحة مباشرة أو غير مباشرة ، الذي يطالب بالحل السياسي ، يجد نفسه مرغماً على متابعة المسار الحربي العسكري ، فيقوى ويضعف حسب معطيته . فيما المقاتل المطالب بدحر العدوان ، والثأر لضحايا وطنه ومشرديه ، لا يتأثر بمعطيات النشاطات السياسية ، والمؤتمرات ، والعبقريات السياسية الجوفاء .

ولما تتأكد حقيقة ، وليس جدلاً ، أن الحل السياسي ، في ظروف الحرب ، هي هجوم سياسي ، مواز أو مطابق للهجوم العسكري ، فإنه لابد من السؤال : .. من سيفاوض من ، من أجل الحل السياسي ؟ لاشك أن لافروف سيكون حاضراً مع طرف الحكومة ، وسيكون كيري حاضراَ مع طرف المعارضات . كما أن الجيش الوطني السوري ومؤسسات الدولة وقوى شعبيىة معترف دولياً بحجمها ودورها في التصدي للجماعات الإرهابية ، سيكون مع طرف الحكومة ، وستكون الجماعات المسلحة بما فيها " داعش " مع طرف المعارضات . سيما إذا صدقنا تصريحات كيري عن المعارضة المتدلة كحقيقة ، التي تبين أنها هي كل الجماعات المسلحة التي تتلقى الدعم من أميركا وحلفائها . وتصبح هذه المعارضات المسلحة المعتدلة ، أولى بالجلوس إلى طاولة المفاوضات .

وكنتيجة منطقية لهذا الواقع ، سوف تبقى المناطق التي تحتلها الجماعات المسلحة ، تحت سيطرتها . وتتحول الدولة إلى كانتونات يحكمها أمراء الحرب والطوائف . ولذلك إن من المصلحة الوطنية بمكان ، للوصول إلى حل سياسي وطني ، إبعاد كل معارضة هي بمثابة صنو للجماعات الإرهابي المسلحة .عن مجال التفاوض .

وعلى أية حال ، ليست التسوية ، التي يشتهيها الكثيرون ممكنة ، إن لم تتوفر على الأرض معادلة عسكرية ترضي الأطراف الأساسية المشاركة والمعنية في الحرب السورية ، وحسب معطيات اللحظة ، إن تحركات القوى الموالية لأميركا تكذب كل ادعاء أميركي أنها تعمل مع الشريك الروسي على إنجاز التسوية السورية . فحليفها الأهم في الإقليم ، أردوغان قام باحتلال آلاف الكيلو مترات المربعة من الأراضي السورية ، زاعماً أن ذلك هو لإبعاد " داعش " والكرد عن الحدود التركية . والكرد مع بقية قوات سوريا الدمقراطي ومئات الجنود الأميركيين ، قاموا بإبعاد " داعش " عن منبج ، وكانت هذه القوات عازمة على دخول جرابلس ، وتجتاز الفرات شرقاً وغرباً بالتنسيق مع أميركا . والهيئة العليا الممثلة لمؤتمر المعارضات في الرياض تتوجه إلى لندن ، وتعلن شروطها المكررة السابقة لأي تسوية . ويشاركها كيري عبرالاتصال الفضائي في هذا الشأن . وأخيراً فقد حدد مبعوث واشنطن إلى سوريا " مايكل راتني " برسالة مهذبة وجهها إلى ممثلي " ثوار سوريا " الموقف الأميركي الداعم لأهداف الجماعات المسلحة ، المتعارضة مع منطق التسويات بين أطراف تنشد التلاقي على مضمون وطني مشترك ، وكاشفاً النفاق الذي يمارسه كيري مع لافروف ومع الشعب السوري والإعلام .

وهكذا يتضح أن مسار الحل السياسي ، الذي يمر بدون موافقة الشعب السوري ، وإنما عبر تسوية دولية .. ثنائية أو أكثر ، وتضم عملاء للخارج ، ومقاتلين ضد الدولة السورية ، ليس له مستقبل . يمكن أن يهدئ القتال وقتاً قد يطول أو يقصر ، لكنه لا يلغي مخاطر تجدد الحرب . لأنه لا يوحد الشعب السوري ، ولايعيد اللحمة الوطنية .. وسسيحكم الأراضي السورية أمراء حرب وطوائف متعددة .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة