الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان عادة أم شهر للعبادة

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 9 / 9
كتابات ساخرة


هل أنّ « رمضان» عادة أم شهرٌ للعبادة ؟

كثيرا ما يقال : « إنّ للضرورات أحكاما تخصّها » و « إنّ الضرورات تبيح المحظورات» وبالتالي فإنّ الضرورة الاجتماعيّة هي التّي قد تقتضي من المرء أحيانا أن ينافق في أمور كثيرة على حدّ قول الشاعر الجاهلي :
ومن لم يصانع في أمور كثيرة *** يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم( )
وحتّى أنّ العلوم الاجتماعيّة تكاد تعترف بأن «النفاق» ظاهرة اجتماعيّة لا بدّ منها، عاديّة ومقبولة ما لم تتجاوز حدود المعقوليّة واللّياقة السّلوكيّة ولا يلحقنا منها ضرر، لكنّها مختلفة في حدّتها من مجتمع إلى آخر باختلاف هذه المجتمعات في تحضّرها وتمدّنها وأساليب عيشها وباختلاف ثقافاتها ومعتقداتها ولكن عندما يدخل «النفاق» في مجال الطقوس والشعائر الدينية يصبح الأمر مختلفا ومحيّرا يبعث على التأمّل والتفكير والبحث عن الحلول، لأنّ المعروف عن «الطقس» أو ما يسمّى بـ «الشعيرة الدينيّة» أنّها لا يمكن أن تُمارس اعتباطا دون التزام بشروطها، وشروطها ثابتة لا تتغيّر أبدا في أي زمان أو مكان وإذا لم تُمارس بما يجب أن تكون عليه (وعن علم ودراية بذلك الواجب) يصبح الفعل فيها خداعا أكثر منه نفاقا وهو خداع للنّفس قبل أن يكون خداعا للّه أو للنّاس لأنّ اللّه « بكلّ شيء عليم» كما جاء ذلك في القرآن الكريم ، وأمّا النّاس فإن صدقوك مرّة عن جهل بك فإنهم لا يصدقونك دائما إذا ما عرفوك منافقا وفي هذا يقول الشاعر أيضا :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفي على النّاس تُعلم
أمّا أن تخادع نفسك فتلك هي المشكلة....
ولا يخفي على أحد أن «النّفاق» قد ظهر مع ظهور الأديان أيضا ولازمها في مساراتها وفي مختلف عصورها فما كلّ من دخل الإسلام كان مسلما على حقيقته بدليل ما حدث بعد موت الرّسول مباشرة ممّا يُعرف بحروب «الردّة» فهناك من كان مسلما ليسلم برأسه من بطش غلاة المسلمين به وهناك من كان مسلما ليَحضي بمنزلة عند قومه ويكسب رضاهم وتقديرهم وهناك من كان مسلما ليحقق بذلك عملا يرتزق منه هو وعياله وهناك من صار بعد ذلك مسلما ليتّخذ في الحياة موقفا (تقليدا ومجاراة لأهله وذويه) وينضمّ إلى السّرب مع الآخرين بعد أن كان وحده ضائعا وهكذا تعدّدت الأهواء والأسباب والشخص واحد هو هذا الإنسان المتقلّب المراوغ المتردّد، المكابر المجامل المتعاطف والمُداري والمُجاري أو المقلّد ... وهو في الأخير الذي نقول عنه «المنافق» لأنّه بذلك وحده يعيش مع النّاس ويندمج ويتكيّف. لذا فإن الذين يصومون رمضان على نوعين :
* منهم من كان يؤمن باللّه ورسله واليوم الآخر إيمانا صادقا وبريئا من كلّ الشّوائب خالصا للّه وحده ويعرف أن رمضان هو أحد أركان الإسلام الخمسة وحكمه الوجوبُ والحكمة منه أن يجوع المرء قليلا شهرا في السّنة ليحسّ بالجائعين في الأرض دوما وهم كثر فيفكّر فيهم ويتعاطف معهم ويحنّ عليهم ويساعدهم بقدر ما يستطيع فيتحقّق بذلك نوع من التكافل الاجتماعي والتعاون بين المسلمين، وأن يجوع المرء ويكفّ قليلا عن شهواته ونزواته ليُدرك بذلك أنّه يختلف عن الحيوان في قدرته على كبح جماح نفسه والتحكّم في ذاته بإرادته. ويجوع المرء أيضا ليبتعد قليلا عن عالم المادّة الصّرف ويقترب أكثر من عالم الرّوح فيراجع نفسه ويقيّم أفعاله وأعماله ويتدارك أخطاءه، كما يجوع المرء ليتعلّم الصّبر على المكاره وهي اليوم كثيرة كما أنّه يحقّق بذلك توازنه الصحّي لأنّه بهذا الصّيام يعوّد جسمه على أن يعوّل على نفسه عندما لا يجد الغذاء الكافي، هذا إضافة إلى ما وعد اللّه به المؤمنين الصّادقين من خير جزاء في الدنيا وفي الآخرة . كما أنّ الصّائم- على حقّ- يعرف أنّ للصّيام شروطا لا بدّ من الالتزام بها وهي النيّة أوّلا أي القصد إلى الصّيام للّه خالصا والإمساك عن الطّعام والشّراب وكلّ الشّهوات من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس والإتيان بما أمر اللّه به والانتهاء عمّا نهى عنه والقيام بكلّ الواجبات الدينيّة الأخرى من صلاة وزكاة وحجّ ما استطاع إلى كلّ ذلك سبيلا وإلاّ فصيامه باطل ولا يُجديه نفعا لا في الدنيا ولا في الآخرة .
* ومنهم من كان يجاري ويماري فقط ويُمسك عن الطّعام والشّراب نهارا ليأكل منهما ليلا أضعافا مضاعفة كما لو كان ينتظر رمضان ليزداد اندفاعا في شهواته ونزواته ولهفته على المأكل والمشرب وكما لو أنّه ما أكل يوما وما شرب. وإذا كان الصّائمون الصّادقون يقضون أيّامهم ولياليهم – بعد الانتهاء من أعمالهم- في الصّلاة والعبادة والدّعاء لله فهو يقضيها متسكّعا في الشّوارع والأسواق نهارا يتطلّع إلى ما يمكن في الإفطار أن يأكله ويشربه فتراه يتسمّع إلى الأصوات المنادية بأنواع المأكولات المختلفة فيقترب منها ينظر ويتلمّس ويتشمّم ويستنفر كلّ غرائزه التّي ستأكل منها لاحقا أو تشرب. وتراه ليلا يجلس إلى موائد القمار بعد انتهائه مباشرة من الجلوس إلى موائد الإفطار وهذا من المفارقات العجيبة أيضا في هذا الزّمن أن يصير رمضان «شهر العبادة» مناسبة لتعاطي القمار وبالخصوص في القرى والأرياف التّي ما كنّا نعهدها في العادة وفي باقي الأيّام من السّنة تحفل بمثل هذا النّشاط المنكر .
المهمّ في الأخير هو الإشارة إلى أنّه يصعب على الإنسان أن يخادع نفسه ولا يكون معها صريحا وتدخل عنده الواجبات الدينيّة وشعائرها كلّها في مجال العادة وتبتعد به عن مجال العبادة فلا يكون لها في «الآخرة» جزاء ولا في هذه الدنيا استفادة.
تُرى هل يأتي يوم يكون فيه النّاس كما ولدتهم أمّهاتهم أحرارا بالفعل وخالصين مع أنفسهم دونما ختل أو خداع أو مراوغة ويعود المرء إلى طبيعته الأولى التّي منها آتى دون تزيّف أوتملق ؟
عبد اللّطيف بن سالم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با