الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زماننا أيام زمان

نوري جاسم المياحي

2016 / 9 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


سألني صديق لماذا تكتب وتتعب نفسك ولا أحد يقرأ ما تكتب ...أجبته انني أكتب لمن يريد ان يعرف عن العراق وأهله في زماننا وكيف كنا نعيش ولاسيما ونحن سنترك العراق وأهله وسننزل من قطار الحياة في محطة الموت والنسيان ...
وربما يأتي جيل بعدنا ينصف الإباء والاجداد ويترحم عليهم وربما يلعن من كان السبب في دمار العراق وطمس تراثه والحيلولة دون تطوره وتقدمه حضاريا ...وربما يرمى ما اكتبه في سلة الإهمال والنسيان ولا أحد يلتفت اليه ...وفي كل الأحوال انا شخصيا اشعر براحة نفسية عندما اؤدي رسالة وربما أفضل من غيري ممن يبقى صامتا ساكتا (لا يهش ولاينش) ...وهذا مثل شعبي عراقي ...
حديثي دوما عن حالة او حدث لا يعجبني ولاسيما عندما اقارن بين زماننا أيام زمان والأيام التي عشناها والأيام الحالية والتي كلها (تكرب القلب وتسد النفس) ..
عندما كنا أطفال كان أهلنا وفي المدرسة يؤكدون علينا دوما ان نحترم الزمن ...وبما ان العراقيين حديثي عهد بالاحتلال البريطاني ومتخلصين من احتلال عثماني متخلف ...فكانوا يحاولون تقليد الإنكليز بكل شيء مفيد ...وللامانة التاريخية كان الإنكليز لا يقصرون في ذلك ...ومن حسن حظ العراق ... ان إرادة الإنكليز تجاوبت مع إرادة الوطنين العراقيين لانتشال العراق من مستنقع التخلف التركي العثماني الى رحاب الحضارة الغربية المتقدمة ...واي منصف ودارس لتاريخ العراق ...يجد ان العراق وخلال 38 سنة من الحكم الوطني في العهد الملكي قفز قفزة نوعية خلال هذه الفترة القصيرة في عمر الشعوب ...فكان العراق الأفضل حالا من كل الدول العربية والإسلامية المجاورة للعراق ...وكل هذا تم بارادة وتصميم عراقي – بريطاني ..
لم يكن آنذاك في الاربعينات تلفزيونات كما هو اليوم ...وانما كانت إذاعة وراديوات ...واذكر جيدا ان أهلنا مولعين بسماع الاخبار من إذاعة لندن وعلى الموجة القصيرة ...واللافت للنظر انهم كانوا ينتظرون دقات ساعة بيك بن البريطانية ...والتي كانت تعلن بدأ ساعة الاخبار ...وان أنسي فلن أنسي اعلان المذيع ان ساعة بيك بن أعلنت الساعة الثامنة مثلا وحسب توقيت كرنج وحان موعد الاخبار ...
وان أنسي فلن أنسي كيف كان أهلنا يلتمون (يتجمعون) قرب جهاز الراديو الكبير والذي حجمه آنذاك يشابه حجم التلفزيونات في الثمانينات ...واحدهم يحاول تضبيط الميل (مؤشر موجات البث) على إذاعة برلين او لندن ليتابعوا اخبارالحرب العالمية الثانية ولاسيما البرنامج الذي كان يذيعه المذيع العراقي النازي يونس بحري بصوته المبحوح والجهوري في برنامجه واعتقد كان اسمه حي العرب او ماشابه ذلك ...
المهم ورباط الكلام من مقدمتي الطويلة هذه ان اهالينا كانوا يؤكدون علينا ضرورة احترام الزمن والمواعيد والتوقيتات ...ومثلهم المفضل آنذاك كانت ساعة بيك بن .... ويكررون علينا صيروا مضبوطين ودقيقين مثل الإنكليز ومثل ساعة بيك بن ...وشوف الإنكليز شلون صار براسهم خير لأنهم يحترمون الزمن ... ولازم احنا نتعلم منهم حتى يصير برأسنا خير ... ومن الأمثلة التي علمونا عليها (الزمن مثل السيف ان لم تقطعه قطعك) ...
ومن القصص الطريفة والناقدة رويت عن بريطاني وعن ظاهرة التهرب والتنبلة عند العامل العراقي ...ويقال ان أحد مراقبي العمل البريطانيين شكي لاحد العراقيين كثرة الصلاة والذهاب (تكرمون) للبول او التغوط الى درجة مزعجة ومضيعة للوقت متسائلا (شنو قصة العامل العراقي واثناء العمل عشرين مرة يروح للمرافق وبعد ساعة يلة يرجع ؟؟) او بنص العمل وصاح الله واكبر وترك الشغل ...وتوجه للقبلة يصلي وصلاته تطول ساعة ؟؟؟...وينطبق عليها وصف هذه الأيام كأنها صلاة جعفر الطيار (بالمناسبة لا تسألوني عن جعفر الطيار وصلاته لأنني ما أعرف عنه شي) لأنني كل شيء ما افهم بهاي الشغلات ومو عيب علي اذا اعترفت امامكم بجهلي ..لان الانسان مو شرط يعرف كل شي ...
ومن بعض الأمثلة التي أتذكرها والتي علمونا إياها (الوقت من ذهب) و (من لا يحترم مواعيده لايحترم نفسه) .. (لا تعطي موعد لا تستطيع الالتزام به) وهناك العشرات من الامثال والاقوال والحكم التي تؤكد على احترام الزمن والتوقيتات والمواعيد ...
واليوم عندما اقارن بين زماننا واحترامنا للوقت آنذاك وهذا الزمان الاغبر الذي نعيشه اليوم ..يجعلنا نذرف دما لا دمعا على حال ومستقبل العراقيين ...فالوقت صفحة من صفحات الحياة المهمة واحترام الوقت مراة لاحترام الشعوب لنفسها ...
فالعراقيون حكومة وشعبا أصبحوا لا يحترمون الوقت ...فهل سمعتم في أي بلد من بلدان العالم تكون فيه عدد العطل نصف عدد أيام السنة ...وبعد ان كان دوامنا بالمدارس دوامين صبحي وعصري ...أصبح الدوام لثلاث مدارس في اليوم وفي نفس البناية أي اختزال وقت الدراسة الى سدس الوقت أيام زمان ...
وهل من المعقول ان يكون دوام الموظف 18 دقيقة باليوم بدلا من 480 دقيقة ...ومن يصدق ان طالب الجامعة يقضي 4-6 ساعات يوميا ذهابا وإيابا للجامعة ليحضر محاضرة او محاضرتين ..او يقف ساعة في طابور للتفتيش في نقطة تفتيش وتعتمد على مزاجية الجندي الواقف..
وهكذا يعذب المواطن في مراجعة الدوائر الحكومية وغيرها ...فلا قيمة للوقت...العراقي اليوم أصبح فاقد للإحساس بالوقت فهو ينتظر وينتظر أيام وأشهر كي ينجز معاملة في دائرة من دوائر الدولة ...بلد بهذا الواقع المرير لن يتقدم وسيبقى يتراجع ما دامت الدولة والمجتمع يهملان ثقافة احترام الوقت ...
أيام زمان أيام ما كان للوقت قيمة ...احسن هدية كانت تقدم للطفل هي ساعة يدوية ..واول ما يعلم هو كيفية قراءة الوقت وتعليمه على احترامه والالتزام به ...اما اليوم فالكل نيام وحتى الظهر او العصر وعندما يصحون يصحون كسالى ...وهذه الظاهرة خطرة ومخيفة ويجب ان تعالج والا فالويل لامة لا تعرف للوقت قيمة ...
حتى رب العالمين اعطى اهمية خاصة للوقت عندما اكد في كتابه (وجعلنا الليل سباتا والنهار معاشا) ...واذا بنا نجد دعاة الإسلام السياسي الحاكم اليوم قلبوا الآية راسا على عقب عندما سمحوا للجيل الحالي (وجعلنا الليل لعبا بالموبايل والنهار سباتا) ...
وأقول للرؤساء العشرة الذين يقودون العراق هذه الأيام ما قاله الحسن البصري رحمه الله
(أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم). فانقذنا يارب ..
اللهم احفظ العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن