الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحددات الفكرية للسياسة الخارجية الأمريكية:

بومنجل خالد

2016 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


المحددات الفكرية للسياسة الخارجية الأمريكية:
ترتبط جميع السياسات الخارجية للدول على اختلاف أطرها المذهبية بأفكار تشكل في الغالب خلفية توجه تحركاتها في المجال الدولي. و بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فعلى مر تاريخيها ترسخ موقفين متناقضين اتجاه السياسة الخارجية، أولها انعزالي والأخر تدخلي، وبين هذين الموقفين انقسمت الأفكار التي تحاول توجيه السياسة الخارجية الأمريكية.(1)
ويقصد بالنزعة الانعزالية انكفاء الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها، وعدم تورطها في الصراعات الدولية، وعلى الخصوص الصراعات الأوروبية الدائمة، وإقامة علاقات تجارية مع بلدان أوروبا، في مقابل لعب دور مهم على المستوى الإقليمي، وأما بالنسبة للنزعة التدخلية فإنها تقوم على ضرورة مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في صنع السياسة الدولية، بما في ذلك الصراعات الأوروبية، على اعتبار أن أمريكا وما لديها من قوة لا يمكن أن تنزوي إلى داخل حدودها فقوتها تجعل لها مسؤوليات و مهمات اتجاه كل شعوب العالم.(2)
و نجد أن الانعزالية تجسدت قديما من خلال مبدأ مونرو، وضرورة تجنب الأحلاف العسكرية(3) وبالنسبة للنزعة التدخلية، فقد تجسدت من خلال دخول الولايات المتحدة الأمريكية للحربين العالميتين الأولى والثانية، و بعد ذلك كمدافع عن الايدولوجيا اللبرالية ضد الأيديولوجيا الشيوعية، ومن ثم السير إلى تبني سياسة المشاركة في صنع القرارات الدولية من خلال السياسات المتبعة كمبدأ ترومان و تأسيس حلف الناتو، والتدخل في الحرب الكورية وحروب الخليج ... وبعد انهيار الشيوعية ظهر اتجاهان فكريان لتوجيه السياسية الخارجية الأمريكية :
أ ـ تيار العودة الى الانعزالية:
يرى أصحاب هذا الاتجاه انه على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكف عن قيامها بدور دركي العالم، و هو الدور الذي يكلفها كثيرا نظرا لثقل الالتزامات التي يفرضها هذا الدور، وعليه يجب على أمريكا تكريس جهودها وإمكاناتها لحل مشاكلها الداخلية التي أصبحت تتفاقم يوما بعد يوم، خصوصا الجانب الاقتصادي الذي يعاني من مشاكل عديدة، و في مقدمتها الديون السيادية التي بلغت 17 تريليون دولار بالإضافة إلى انتشار البطالة وانخفاض مستوى المعيشة،(4) ويرى بول كيندي أن القوى الكبرى و يجب أن توفر الأمن العسكري لنفسها، وعليها أن تلبي الاحتياجات الاجتماعية و الاقتصادية لمواطنيها لكن الدول لا يمكن أن تقوم بكل هذه الوظائف دفعة واحدة، مما سيجعلها تتراجع ثم أن هذه الدول تغلب الجانب الأمني على حساب المجالات الأخرى، وبالتالي التراجع وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تزيد من ميزانيتها الدفاعية من عام إلى آخر .(5)
ويتجه البعض إلى اعتبار أن الإفراط في استعمال القوة و التدخل الدائم للولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولي سيجعلها مكروهة، وفي نفس الوقت مهددة(6) ، حيث يقول السيناتور الأمريكي وليام فولبرايت "عندما تطغى القوة وتتجبر تتحول إلى قوة غاشمة تدفع أصحابها إلى الغطرسة في التعاطي مع غيرهم في العالم ويحصدون بذلك كراهية تتراكم مع الزمن".(7)
ب ـ تيار الانفراد بالهيمنة والتدخل:
منذ سقوط الاتحاد السوفيتي تعالت الأصوات التي تدعو إلى الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة
الأمريكية على العالم، وأصبحت اللاعب الرئيسي على المسرح الدولي، وعلى هذا الأساس يرى الجنرال كولين باول على ضرورة تحمل الولايات المتحدة الأمريكية لمسؤولياتها اتجاه العالم، وقد كان رأيه مدعوما بآراء العديد من المحافظين الجدد الذين أصروا على ضرورة العمل بواقعية، واستغلال هذه القوة، ناهيك عن الدعم الديني الذي يرى أن لأمريكا رسالة حضارية إلهية، وهي ملزمة بتأديتها كما أكد هؤلاء على ضرورة الحفاظ على مصالح أمريكا، والتمتع بكونها القوة الأعظم على اعتبار أن القوي يحق له أن يفعل كل ما تمكنه القوة من فعله، ومن ثم ضرورة اغتنام الفرصة، واستعمال هذه القوة من اجل صنع مستقبل أفضل للأجيال القادمة .
وبين الأفكار الانعزالية و الأفكار التدخلية كانت ترسم السياسة الخارجية الأمريكية وان غلبت
عليها منذ الحرب العالمية الثانية النزعة التدخلية والمبادئ الواقعية، التي تشجع على استعمال القوة
واستباق الخطر، و في وصف لاستعمال أمريكا لقوتها يقول المفكر الفرنسي ايبنياسو رامونيه "أن الولايات المتحدة الأمريكية تخضع العالم كما الم تفعل أية إمبراطورية في تاريخ البشرية، وللمرة الأولى في تاريخ البشرية يغدو العالم خاضعا لسيطرة قوة فائقة واحدة".(8)

1 ـ زهير بوعمامة ، من القارة الأوروبية في السياسة الخارجية الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة ، دار الوسام والتوزيع والنشر، الطبعة الأولى ، الجزائر، 2010، ص:72.
2 ـ نفس المرجع ، ص: 75.
3- عيسى درويش، ملامح السياسة الأمريكية والمستجدات الراهنة وآفاقها المستقبلية، مجلة الفكر السياسي،: http://www.reefnet.gov.sy/booksproject/fikr/11-12/3malame7.pdf
4ـ أشرف دهمان، أزمة سقف الدين الأمريكي مازالت تهدد العالم ، موقع جريد الدستور دوت اورق http://dostor.org .
بتاريخ 22 أكتوبر 2013 .
5 ـ زهير بوعمامة، مرجع سبق ذكره، ص: 100.
6- احمد الرمح ، الانهيار الامريكي... ما بين الواقع و السننية، مجلة الفكر السياسي ، ص 136 ، تم تحميلها من : http://www.reefnet.gov.sy/booksproject/fikr/21/7inhiar.pdf
7 ـ فرغلي هارون ، الارهاب العولمي وانهيار الامبراطورية الامريكي ، دار الوافي، سلسلة الوافي الثقافية ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، 2006، ص ، 153.
8ـ حسين طلال مقلد ، محددات السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية المشتركة، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية ، المجلد 25، العدد الأول ، 2009 ، ص 10 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو