الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرفعوا أيديكم عن سيد القمنى الدستور المصرى تحت مجهر إزدراء الأديان

رمسيس حنا

2016 / 9 / 12
حقوق الانسان


عرفنا فى المقال السابق أن فى الدستور المصرى متناقضات تجب فيه مادة واحدة و هى المادة الثانية جميع المواد المتعلقة بحريات البحث و النقد و الإبداع و الإعتقاد. و نذَكَّرَ القارئ بنص المادة الثانية و المواد التى تنص على الحريات و مادة قانون العقوبات التى تعاقب من يمارس هذه الحريات. كما نريد أن نوضح للقارئ العزيز الغير متخصص فى القانون أن عقوبتى الحبس و السجن كلاهما من العقوبات الأصلية السالبة للحرية ويكمن الفرق بين عقوبتى الحبس و السجن في ثلاث خصائص و هى مدة العقوبة و موضوعها و نوع المحكمة التى تصدر الحكم. إذ أن الحبس هو عقوبة سالبة للحرية تبدأ من 24 ساعة إلى 3 سنوات، أما السجن فهو عقوبة سالبة للحرية تبدأ من 3 سنوات إلى 20 سنة، و عقوبة الحبس عقوبة أصلية فى مادة الجنح، أما السجن فهو عقوبة الجنايات، و أخيراً فإن محاكم الجنح هى المختصة بإصدار عقوبة الحبس بينما تختص محكمة الجنايات بإصدار عقوبة السجن.

اما المادتان موضوع التناقض لمواد الحريات و الحقوق فى الدستور و اللتان أوجدتا أرضية لرجال الأزهر تتيح لهم نوع من الوصاية و التربص و الترقب لأى مفكر أو باحث أو ناقد أو كاتب أو مبدع لا يروق عمله لعلماء الأزهر الشريف هى المادة الثاثية و المادة السابعة من الدستور. فالمادة 2 من الدستورتنص على أن: " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع." و المادة السابعة تنص على أن: "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم .وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء."

نحن لن نتساءل كيف يكون للدولة دين لأنه فى منتهى البساطة الدين إعتقاد أو عقيدة و الإعتقاد أو العقيدة تنبع من قليل من العقل السوى السليم و كثير من العاطفة؛ و مركز العقل و العواطف هو المخ و المخ لا يوجد إلا فى الكائنات الحية و العقل لا يوجد إلا فى مخ الإنسان ... فهل هذا يعنى أن الدولة كائن بشرى حى له عقل و عواطف و مخ؟؟ أم أن عقل الدولة فى عقل علمائها و باحثيها و مفكريها و كُتابها و نُقادها و مخترعيها و سياسييها و فى أطياف الفكر الذى ينتجه كل من يعيش على أرض الوطن؟؟ أم أن الدولة لا تعترف بأى عقل فيها غير عقل رجال الأزهر و هييئة كبار علماء المسلمين... و هل تريد الدولة أن تحول كل "عقول" مواطنيها جبراً الى الدين الذى وسمها به واضعى الدستور؟ أم أن الدولة قصرت و حصرت عقلها فى فئة واحدة و هو عقل رجال الدين الإسلامى؟؟ كيف لدولة أن تكون ثرية الفكر و هى تفكر بعقل واحد؟؟ كيف لدولة أن تكون ذات سلطة و سيادة و هى تكبح تفكير و عقول مواطنيها و تسلم نفسها لعقل واحد؟؟ ............

ألا تعنى هذه المادة تسخير الدولة بكل مؤسساتها لخدمة دين واحد؟؟ و كيف يمكن للدولة أن تخدم دين معين إلا بتحويل رعاياها ليس فقط الى خدمة هذا الدين بل الى إعتناقه كمعتقد أيديولوجى؟ و لماذا تنص الدولة فى دستورها على إعتناق دين معين؟ الا يعد هذا إزدراء بالأديان الأخرى فى الدولة وخارج الدولة؟؟ لماذا لا تترك الدولة الأديان لحالها لتترعرع فيها لعل يكون للإله طرق متعددة للوصول اليه؟ أم أن الدولة تريد أن تحصر الوصول الى "معرفة" الله فى طريق واحد؟؟ و الحقيقة المزعجة أن الأديان لا تعترف ببعضها و بالتالى فإن مساندة الدولة لدين بعينه يعنى عدم إعترافها بأى دين اّخر بغض النظر عن أن الإسلام يكفر جميع الأديان الأخرى أى كانت بتأكيده على "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (سورة اّل عمران 19). هل تريد الدولة أن تحصل على الرضا التام من الله و تريد تتمة نعمته عليها و كفى أم أن تتوسط الدولة بين مواطنيها و الله، خاصة أن فى إعتناقها للدين الأسلامى إرضاء و رضا لله و بالتالى تتمة كل نعمة على الدولة بغض النظر عن العمل و الإنتاج فـ"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا" (المائدة: 3).

و هل تتعمد الدولة أن توجه رسالة للعالم بأنها هى الأعلى فوق الدول فلن تتعامل بالمواثيق الدولية و لن تتعهد بأى إلتزام نحو الاخرين و أنها سوف تتعامل معهم وفق الشريعة الأسلامية فبالتالى تكون كل الدول دار حرب و علينا أن نفتحها عنوة؟؟ أم أن الدولة تريد أن تواجه كل رعاياها فقط بهذا الخطاب المقصى فتتحول الدولة الى مفرزة و مفرمة الاّخرة لمواطنيها " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (سورة اّل عمران 85) ولأن هذا يعنى أن الإسلام نسخ جميع الرسالات السابقة وأبطل العمل بأحكامها و ذلك بنصه على أن "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، فإن الدولة تغض البصر عن إنتهاكات حقوق المواطنين المسيحيين سواءاً كانت هذه الأنتهاكات من الدولة نفسها أو من رعاياها المسلمين؛ و سوف تتعلل الدولة بأن الله جل علاه دعا أهل الكتاب إلى ذلك، فأهل الكتاب مأمورون بترك دينهم واعتناق دين الإسلام، ومن لم يفعل ذلك منهم فهو من أهل النار، بناءاً على حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الإسلام أنه قال: " والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" و الدولة تريد رفاهية رعاياها فى الدنيا و فى الاّخرة أى أن الدولة لن تقبل فيها أى معتنق لدين اّخر غير الإسلام و إن تغاضت عن وجود أحد فيها غير المسلمين فيُعد هذا غير دستورى أولاً؛ كما يدلل هذا للعالم الحر على تسامح الدولة فى أن يعيش فيها غير مسلمين ثانياً؛ و بالتالى علي هولاء غير المسلمين أن يقبِّلوا (يبوسوا) أيديهم و جه و ظهر على هذا التسامح الكريم "و اللى موش عاجبه يسيب البلد". و هذا يفسر حالات التهجير القسرى لبعض العائلات المسيحية فى طول مصر و عرضها بعد جلسات عرفية دائما تجبر المسيحيين على قبول الظلم و الغبن و التى تنظر لها الدولة بعين الأرتياح و لا تحاول التصدى لمثل هذه الحالات أو منعها و لا يطبق أى قانون عليها.

و هنا مكمن التمييز بين المواطنين بناءاً على ما يعتنقون من أفكار ... و لأن الدين فكرة فيكون التمييز بناءاً على الهوية الدينية التى إعتنقتها الدولة و التى بموجبها تتصرف مع مواطنيها و رعاياها ... و بدلا من أن يكون للدولة هوية مستقلة تتعامل فيها مع مواطنيها و رعاياها و تبسط فيها سلطتها على كل مؤسساتها يحدث أن يتحول الدين الى شخص لتقوم الدولة بخدمته و حمايته و رعايته؛ و ترى الدولة أن فى خدمته و حمايته و رعايته أنها ترعى و تخدم و تحمى مواطنيها بلا إستثناء لأنها بذلك تضمن لهم الدنيا و الاّخرة فلا تكون عُرضة لإنتقادات رجال الدين لها وتضمن عدم تأليبهم للمؤمنين عليها. و لأن الدين فى الواقع ليس شخصاً بل هو مجموعة من العقائد و الأفكار التى تحكم علاقة المؤمن بإله معين كما تحكم علاقة المؤمن بغيره فكان ينبغى على الدولة الأ تسقط نفسها فى هذه الهوة العميقة من الإيمان و التدين و تقيم من نفسها وسيط بين مواطنيها أو رعاياها و بين إله بعينه لا و لن يرضى على غير تابعيه؛ و مثل هكذا أسقط واضعوا الدستور الدولة بين أنياب متناقضاته لتضع على نفسها إلتزاما يُسقط هيبتها أمام رجال الدين الإسلامى و يجعلهم يتلاعبون بالدولة فى ملعبهم و هو "الدين" بدلاً من أن تسحبهم الدولة الى ملعبها و هو دنيا السياسة.

و عندما يتشخصن الدين فى مفاصل الدولة و يصبح هو الإله – أى أن الدين هو الإله – و بما أنه "لا إله إلا الله" إذاً "لا دين إلا الإسلام"، و عليه فإن الدولة تكون فى خدمة هذا الإله الممثل لهذا الدين أو فى خدمة هذا الدين الممثل لهذا الإله... و بما أن الدولة أشهرت إسلامها فى مادتها الدستورية الثانية فلابد أن يكون هذا الإشهار واضحاً وجلياً على الملأ فى حكومتها و موظفيها و بالتالى لا إرتقاء فى المناصب العليا لغير المسلمين، فغير المسلمين هم "أصحاب النار" و لأنهم فى "الاّخرة من الخاسرين". و بناء على ذلك فإن الدولة لا تعيش الحاضر بل تعيش الماضى أو تعيش الاّخرة. و لأن الدولة تعيش الماضى أو تعيش الاّخرة فى ظل الشريعة الإسلامية فنكون قد وصلنا الى نهاية مطاف الحياة الدنيا حيث تقف الدولة مكتوفة الأيدى مشلولة الحركة مرتعشة البدن أمام الأله الذى يحاكمها.

و لأن الوظائف الحكومية هى نوع من الولاية فلا يجوز أن تكون ولاية لغير المسلم على المسلم بإجماع علماء المسلمين و ذلك بناءاً على الاّية 28 من سورة اّل عمران: "لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" و فى نفس سورة اّل عمران الاّية 118 "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ" و كذلك بناءاً على الاّية 144 من سورة النساء "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا" و جاء فى سورة الممتحنة اّية 1 "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ" حتى تأتى الاّية 51 من سورة المائدة لكى تتوج هذه العنصرية و هذا التمييز فتخاطب الدولة المؤمنة بالأمر القاطع و الناهى "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين". و هنا تأكل الكراهية و الحقد قلوب المؤمنين على "الكافرين" و "أعداء الله" و هم فى النهاية "اليهود و النصارى" لكى يأتى بعد ذلك حديث رسول الإسلام لتحريض المؤمنين على الكراهية و الحقد و عدم مبادأة اليهود و النصارى بالسلام و التحرش بهم كما جاء فى الحديث الذى رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الإسلام قال: " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه". فهل يوجد حض على كراهية الاّخر أكثر من هذا؟؟؟ و هل الدولة تفعل بقدر إمكانها و حسب ما تمليه عليها التقية غير ذلك؟

فلا غرابة ألا تجد وزيراً مسيحياً فى الحكومة المصرية اللهم إلا أن تتقى الدولة الملامة من دول الخارج أو لكى تظهر بمظهر المدنية و التحضر. و أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز للذميين أن يتقلدوا وظائف عالية في جهاز الحكم لأن طاعتهم للحكم الإسلامي موضع شك. وإن مكانة الذمي المنحطة أيضاً لا تتلاءم مع ما للدوائر الحكومية من خطورة وأهمية بالنسبة للمسلمين. وعليه فلا يجوز أن يصير الذمي قاضياً ولا كاتباً ولا مترجماً. كما أن غير المسلم ليس له أهلية لأدنى الولايات وهي الشهادة على المسلمين لأنهم قالوا بعدم جواز شهادة غير المسلم على المسلم. فبالأوْلى لا يكون له أهلية لأعلاها. وبهذا صرح الفقهاء من مختلف المذاهب كالحنفية والشافعية والشيعة الإمامية والزيدية والظاهرية.أما الماوردى أجاز تولى الذمى لمنصب تنحصر فيه واجباته على مرجع التنفيذ وليس الحكم والقضاء؛ فالذي يتولى التنفيذ يجوز أن يكون ذمياً أو عبداً. و لقد وصل الأمر لدرجة المطالبة بتحريم دخول المسيحيين كليات التربية أو تعيينهم مدرسين لأن رجال الدين الإسلامى إفتوا بأن مهنة التعليم أو التدريس هى نوع من الولاية فلا يجوز أن يتقلدها غير مسلم.

فإذا كرست الدولة نفسها لخدمة دين معين فهذا يعنى التمييز بين الأديان و بالتالى التمييز بين مواطنيها بناءاً على إنتماءاتهم الدينية و لأن لا الدين و لا الإله يوجدان فى كيان مادى ملموس فبالتالى يكون هذا الكيان المادى الملموس هو القائمون على شئون الدين و هم رجاله الذين يمثلونه و بالتالى فهم يمثلون إلإله و الذين يمثلون الإله بالتدريج يحلون محل الإله الغير مرئى و من ثم لا يرى المؤمن غيرهم الهة؛ و حتى الدولة نفسها لا ترى غيرهم الهة و من ثم تسعى الدولة جاهدة لإرضائهم.

هذا ليس إدعاء و لكنه تحليل للموقف و الوضع الذى يميز رجال الدين عن كل المواطنين فى دولة إتخذت من الدين هويةً لها. فرجال الدين لا يطلقون على أنفسهم هذا اللقب و يفضلون عليه أن يطلقوا على أنفسهم أسم "علماء". و "علماء" هى جمع للأسم المفرد "عليم" و هو صيغة مبالغة من علِمَ / علِمَ بـ و الأسم "عليم" هو أحد أسماء الله الحسنى، ومعناه : المُدرِك لما يُدركه المخلوقون بعقولهم وحواسِّهم ، وما لا يستطيعون إدراكَه من غير أن يكون موصوفًا بعقل أو حسّ ، أو الفائق في العلم :- "ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" – "وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيم".

و من هنا نستطيع أن نستنتج أن الدولة موجودة لخدمة الإله الذى إغتصب أسمه رجال الدين بعد إعتماد الدولة لهم فى مادتها السابعة من الدستور كـ"علماء" و مفردها "عليم" حتى و لو أفردوها بالإسم " عالِم " و جمعه "عالِمون و عُلَماءُ ". فرجل الدين الأزهرى هو "عليم"، و الله هو أيضاً "عليم"، إذاً رجل الدين الأزهرى هو "الله". و لهذا فإن من يحاول نقد علماء الأزهر أو نقد تفكيرهم و أفكارهم أو سلوكهم فإنه ينتقد الذات الإلهية و من ينتقد الذات الإلهية يرتكب جنحة أو جريمة فى حق الأله؛ و من يرتكب مخالفة أو جنحة أو جريمة فى حق أحد علماء الأزهر أو أحد هيئة كبار العلماء المسلمين بمجرد نقد أفكارهم فلابد من عقابه لأنه يتجرأ و يفكر خارج صندوق الإسلام و خارج على السرب أو القطيع و بذلك يرتكب الجريمة بالفعل عندما يعلن عن أفكاره. أما إجراءات تقديمه للمحاكمة فهى تحصيل حاصل سواء كانت من الهة الأزهر عن طريق تقديم بلاغ أو شكوى بواسطة محامى الأزهر للمدعى العام أو تحريك الدعوى بواسطة الأخير مباشرة؛ و مثل هكذا يقع المفكرون و المبدعون و الباحثون و النقاد و الكُتَّاب بين فكى علماء الأزهر و المدعى العام دون أن يكلف الأزهر الشريف أحد علماءه بالرد على الكلمة بالكلمة و الرد بالقلم على القلم و الرد على البحث بالبحث؛ و لجأ الى الطريق الأسهل و هو رفع دعاوى الحسبة على العقول التنويرية و من ثم تقتل الدولة عقولها كما تقتل أبناءَها، و لا عزاء لمصر.
دمتم بخير
رمسيس حنا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واقع كارثى
على سالم ( 2016 / 9 / 13 - 06:45 )
الاستاذ رمسيس تحيه لك , حقيقه فأن مقالك مؤلم للغايه ومحبط بشكل كبير , كيف للااقباط ان يقبلوا بهذا الوضع الظالم المجحف طوال قرون وقرون منذ ان هجم المجرم والقاتل عمرو ابن العاص مع عصابه البدو اللصوص والقتله على مصر , انهم بدو اجلاف وخنازير وغزاه وغير ادميين , انتم الاقباط اصحاب البلد الحقيقيين , السؤال المحير لماذا لاتقاوموا هذا الغبن الواقع عليكم على مدار هذه الاوقات الطويله الصعبه , فى امكانكم التظلم للعالم اجمع وجميع المحافل الدوليه , لماذا انتم صامتين وخانعين ؟ اتخيل ان كل مواطن حر له حق الدفاع عن ماله وشرفه وعرضه , لنتخيل انه قامت معركه فى الصعيد بين فصيل اسلامى وفصيل مسيحى لسبب ما , وقررتم ان تسدوا الصاغ صاغين , لنفترض انه قامت معركه بالاسلحه الناريه بين الفصيلين وقتل فيها مئات الافراد بين الفريقين , هل لو تم هذا هل تعتقد ان الدوله ستستمر فى هذه السياسه الظالمه , انا اشك فى هذا كثيرا , يجب المطالبه بالحق وبأراده قويه وبعزم لايلين


2 - الأستاذ على سالم
رمسيس حنا ( 2016 / 9 / 13 - 19:24 )
كل إمتنانى و تقديرى لشخصك: فى رأيى – بإختصار شديد – لم يقبل الأقباط (المصريون) الظلم و لكن منذ سقوط اّخر حكام العصر البطلمى/كليوباترا تحت الإحتلال الرومانى سنة 30 ق.م. استمرت المقاومة قليلاً ثم ذبلت بسبب إضطهاد الدولة الرومانية للمسيجية. حتى بعد أن تحولت الإمبراطورية الرومانية الى المسيحية فى عهد الإمبراطور قسطنطين، كان رجال الدين المسيحى قد إعتلوا السلطة و بذلك تحولت المقاومة للدولة الرومانية الى مقاومة مذهبية (ارثوذوكس و كاثوليك). وتم الإحتلال العربى الإسلامى لمصر فتحول إنتماء المصريين الى الدين أشد و أكثر (سواءاً للمسيحية الإرثوذوكسية أو للاسلام). و نلمس ذلك من عدم ظهور زعامات سياسية وطنية مصرية حتى ثورة 1923 (سعد زغلول/سنيوت حنا/مكرم عبيد/مصطفى النحاس) و هى زعامات وطنية حقة -مسلمان/مسيحيان-. ثم بعد ذلك ظهور جماعة الأخوان المسلمين ليكون الصراع على السلطة بين أسلامى و أسلامى. أما المسيحيون فقد إنسحبوا الى كنائسهم ليكون صراعهم فكرياً مذهبياً (أرثوذوكس/كاثوليك/بروتستانت)؛ و فى نفس الوقت إنحسر الدور السياسى المسيحى فى الرئاسة الدينية المسيحية و تعاملها مع السلطة الحاكمة. دمتم بخير.

اخر الافلام

.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد


.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ


.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال




.. ماذا ستجني روندا من صفقة استقبال المهاجرين غير الشرعيين في ب