الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُفوا عن عار الخطاب الطائفي

طيب تيزيني

2016 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ما لبث لهيب القتال الوحشي آخذاً مداه غير المسبوق في سوريا، ملغماً باستراتيجية فاشية طائفية تحلم بإعادة بناء هذا الوطن، وفق مصالح ورثة الاتفاقية الاستعمارية سايكس بيكو الفرنسية، أي بمقتضى أولئك الحالمين بنمط من ذلك الوطن الزائف «سوريا المفيدة»، ألا نلاحظ أن ما يختفي وراء هذه الأخيرة، إنما هو ما يُفضي إلى أوهام لفّقها فوكوياما الأميركي، حين تحدث عن عصر القطار الأميركي الجديد. إنه قطار العولمة، و«منظومة المابعديات»، كما نقول ما بعد القومية والوطن والوطنية والحداثة والتقدم التاريخي والديمقراطية إلخ، ومن شأن ذلك، كما نلاحظ، أن يضع يدنا على حقيقة كبرى لم يكتشف الإخوة من السوريين، الذين أخذوا بخطاب طائفي يستند إلى إعادة بناء سوريا العربية الواحدة الموحدة طائفياً، وهم في هذا يسلمون أمرهم إلى من يقدم خطاباً دينياً طائفياً باتجاه وطن مزعوم، وليس باتجاه الوطن العربي بعينه، وهم في ذلك يسعون إلى تحقيق ما يرغبون فيه حيث يتجهون باتجاه بقعة جغرافية طائفية أو أخرى تلخص كل ما عداها عبر إزالته، فكأنما نحن هنا أمام خارطة عولمية بوجه آخر، أما هذا الآخر فيتلخص في مصطلح يوازي مصطلح العولمة وظيفياً، وهو ما يمكن أن ندعوه بـ«سوريا المفيدة».

وإذا كان الأمر كذلك، فعلى شعوب الأقطار العربية المجتمعين تحت راية العروبة، أن يستبدلوا بهوياتهم البديل الجديد «الشيعي» أو بديلاً آخر موازياً لهذا الأخير، مثل «السني» و«العلوي» إلخ، ولا ندري إن كان الإخوة من كل الطوائف في العالم العربي، يعرفون إلى أين يُفضي ذلك، ونحن نشك في ذلك، إنها هبّة قد تكون الأخطر في عصرنا.



إن الخطاب الطائفي هذا يمثل امتداداً لمشروع الاستعمار الفرنسي والأميركي والروسي إلخ: أن يُصبح التعامل مع فئات طائفية (أو إثنية أو غيرها) بحيث يفقد ذلك انتماءاته التاريخية الوطنية والقومية، وهنا نكون قد دخلنا عالم ما بعد (أو ما قبل) الوطنية والقومية، كما هو الحال في حقل النظام العولمي، الذي عرفه المفكرون الغربيون، وهو مؤلف كتاب «أميركا التوتاليتارية»، حيث أعلن أن العولمة هي «السوق المطلقة» فهذا السوق قادر، بكل تأكيد، على ابتلاع ما بعد الوطنية وما بعد القومية، وتحويلهما إلى سلع وإلى مال أو إلى مشتقاتهما (وهي كثيرة جداً في عالم السوق، مثل المخدرات وبيع الأفكار بعد إعادة بنائها وظيفياً، أي وفق مقتضيات الموقف المطلوب).

وعلى هذا النحو نتبين خطورة ما يجري الآن على الأرض العربية، ومن ضمنها السورية، فقد نلاحظ ظاهرة نادراً ما تحدث، وهي ترحيل مجموعات بشرية من أوطانهم باتجاه بقع جغرافية لم تُولد فيها ولم تعش تحت ظلالها ولم تبنِ مستقبلاتها فيها، إنها حالة مضادة لشرف البشر، كما هي جُرم مؤلم للجميع، ومُسعد للبعض، وبتعبير نظري راهن، إن تلك الحالة تماثل قتل بشر لأنهم وُلدوا في وطن هو وطن (مهم).

والعملية أكثر تعقيداً حين نراها مجسدة باللعب على الأيديولوجيات الطائفية، بحيث يقود الأمر إلى إشعال نار لا تنطفئ، ويحدث ذلك باسم طوائف دينية هي كلها تنتمي إلى دين الإسلام، أي لدين يقود إلى مبادئ الكرامة الإنسانية المتمثلة خصوصاً في خياراتها عبر عقولها المفتوحة وفقاً للحديث الديني المحمدي الحصيف والقابل للتعددية في الفهم والعقل: أنتم أعلم بشؤون دنياكم.

فكيف يحدث أن يقوم طرف بشري بانتزاع حق طرف آخر في الوطن والمواطنة والعيش المشترك؟ إن هذا الذي يحدث، يجب أن لا يحدث، خصوصاً أن المطلب في إحداثه مدجج بوسائل من القتل والتدمير في وطن يُراد له أن يُستباح.

إن سوريا وطن لكل من يعيش فيها بكرامة، وما يحدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا نمط من التدخل لا يمكن السكوت عنه، وخطاب الطائفية الراهن إنما هو طريق إلى تفكيك الوطن العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سبب كوارثنا
عبد القادر أنيس ( 2016 / 9 / 14 - 08:43 )
(إلى دين الإسلام، أي لدين يقود إلى مبادئ الكرامة الإنسانية ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك