الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل واقعنا واقع سرابي ؟

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2016 / 9 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كلما عاودت زيارة أي مكان لا أشعر حياله بأي شيء، يغيب عني أي فضول أو رغبة في المعرفة، دائما أهفو نحو الجديد، هكذا لما زرت الشمال وخاصة المدن التي زرتها من قبل لم ينتابني أي انطباع، ومذاك قررت ألا أزورها وفضولي تلاشى بالمرة، أصيلة هي أصيلة و طنجة هي طنجة لا شيء تغير ولا شيء يثير الفضول. كانت لي رغبة في زيارة مهرجان تويزة ولكن بعد الصراع الذي حدث بين المفكر زيدان والشاعر عدنان جعلني لا أرغب في أي زيارة لمهرجان ثقافي، هذه المهرجانات ليست سوى شكليات والبحث عن المظاهر، الصراع لا ينبغي أن يكون سبا وشتما، ليس هذا هو التنوير موضوع الندوة، الصراع يجب أن يكون صراع مشاريع فكرية أو ثقافية وليس صراع كلمات، كان الأجدر بعدنان أو زيدان أن يقحم كل واحد نفسه في مشكلة التنوير بالدعوة إلى النقد الجذري للرموز التراثية الإسلامية كما فعل اسبنوزا في كتابه " دراسة في اللاهوت و السياسة"، لقد وجه هذا الفيلسوف رصاصة الرحمة إلى التوراة معتبرة إياها كلام بشر عبر أزمنة متعاقبة وليس كلام الله، فالله لا يعلن الحروب ولا ينشر الدسائس بين البشر ولا ينتقم من أحد. وإذا كانت التوراة تحفل بإله منتقم، فذلك الإله ليس سوى ملك أو زعيم بشري. وعلى ضوء ذلك : ألم يأت الوقت لنقد تراثنا ونزع القداسة عن رموزه حتى لا تستلبنا وتتركنا نتقدم ؟ أليس ذلك الصراع التافه هو أداة لتحريف أساس التنوير ؟ أليس ميلاد التنوير مرتبط بالنظر في الإنسان وتمجيد العقل والتجربة والتخلص من سلطة النصوص الدينية الحافلة بتقزيم الإنسان؟ أليس هذا التقزيم يكرس سرابية الواقع ؟ يفيد السراب نوعا من الخداع والانحراف عن جادة الحقيقة بإسقاط الإنسان في وهمية الإنسان، أليس هذا ما نلاحظه يكرر نفسه على الدوام كما تكرر الطبيعة دورتها ؟ حينما أعود إلى قريتنا من حين لآخر وخصوصا في أيلول أو تشرين الأول ينتابني إحساس بسرابية الواقع، الأشجار تواري أوراقها بصمت، النباتات تموت في خشوع، الكلاب تعوي كأنه العدم المبين، لا شيء يبعث التفاؤل وسط موجات الغبار التي تنتفض مع كل هبة ريح، لا تختلف المناسبات الدينية عن ذلك، الأعياد تمر فاترة حزينة بدون ضجيج أو صخب، حينما كنا صغارا كنا ننظم بوجلود ونقتحم المنازل ليلا ونبعث الضجيج في الليل الساكن، اختفى مثل هؤلاء الأطفال تماما، الآن صاروا منغرسين في "الفيسبوك" أو " الواتساب" أو راكعين أمام شاشة التلفزة، نفس الشيء بالنسبة للشباب الذي غادر المدرسة باكرا ولا يملك الوعي الكافي، لا يهمه خلال الانتخابات سوى الزرقالاف، لا يهمه التغيير أو إصلاح البنية التحتية أو الشأن العام، إن ما يهمه هو شأنه الخاص الآني ليس إلا، كما تلقن الرهاب من المخزن حد تصنيمه وتقديسه والنقص من قيمته كإنسان، وهذا ما يضفي على الواقع سرابية أكثر من اللزوم، لا نلاحظ سوى واقع منافق متفه، تهيمن عليه المظاهر مثلما حصل في صلاة العيد الأخيرة، لقد تقاطرت جموع غفيرة إلى المصلى، وأنا أعرف أن الكثيرين لا يصلون في الأوقات العادية ورأيت الكثيرين تلقوا أموالا خلال الانتخابات الأخيرة، وخلال صلاة العيد تجدهم في المقدمة معبرين عن شدة إيمانهم، لكن ذلك ليس سوى بحث عن التضليل والتمويه، ما أكثر المرشحين الذين تجدهم في المسجد لكي يموهوا المجتمع بصلاحهم، مع العلم أنهم أكثر نفاقا وكذبا وتضليلا للشأن العام، لا تجدهم يصارحون الناس بوضعهم، ونحن نعرف أن المصارحة أساس التعاقد، لكنهم يستغلون جهل السواد الأعظم من الناس ويتربعون على كرسي التمثيلية منذ أكثر من 18 سنة، ولا يصلحون من حال الناس وشروطهم الاجتماعية والاقتصادية، ولم يجدوا من يتصدى لهم ويفضح نفاقهم وغيهم، تراهم يجلسون في الأعراس والأتراح يتحدثون في سفاسف الأمور ويزيدون الواقع تتفيها، لا يسعني بعد سنوات طوال من العيش في الريف سوى أن أرفض الطريقة التي تدار بها الأعراس، لما كنت طفلا كانوا يطردوننا لأننا أطفال غير مرغوب فينا ولا يحق لنا الجلوس مع الكبار ولا التقرب إليهم، ولا حتى الجلوس مع النساء، لذلك كنت أكره الأعراس، إذ كانوا يتركون الأطفال يعتدون على بعضهم البعض، ولا تشعر كطفل بأية قيمة، كنا كأطفال في قريتنا لا نختلف عن حيوانات الغابة دائما تشعر بالخزي والظلم. أثناء وقت الغداء كنا نتصارع من أجل الأكل، لم يكن هناك أي تنظيم، كانت الحقارة بشتى تفاصيلها . حتى لما صرنا شبابا، كانت الجماعة تتداول تفاهاتها مقهقهة ولا تكترث بالشباب ولا تقيم لهم وزنا، هذه الجماعة كانت تبث الدسائس فيمن تراه غريبا وتمنع بعض الغرباء من الرعي وتمارس العقاب عليهم، كنت دائما أسرق السمع و أنصت لما يقولونه، ذات مرة عقبت على فقيه المسجد، فمسكني واحد من الشيوخ الأميين قائلا : "نت اش كتعرف؟ واش تعرف حسن منو" . لم أبال وأخذت الكلمة وفي النهاية قال لي شيخ مسن كان يرعى معي الأبقار : " هذاك ع كيخربق ياك ؟ والله تعجبتيني فيه . المرة جاية نديرك في بلاصتو، هذاك راني عارفو منافق كيحش لعباد الله من الزروعة دالهم"، اعتذرت وقلت له لا يشرفني أن أكون فقيها لأن الأفكار المثالية لا يسعني تطبيقها، فأنا مجرد إنسان يحاول أن يتماشى مع واقعه كما هو ولا يريد أن يكون أحد مثاله، مثالي هو نفسي، لم يفهم الرجل المسن ما قلت ولكنه كان حصيفا ولا يساير الجماعة في طرحها وتجاوزها . كان فقدانه خسارة كبيرة، كان من أنصار التغيير بالقرية، كان لا يطيق البهدلة التي وصلت إليها القرية، كم مرة أراد ترشيح ابنه الأمي وتراجع ودعاني للترشح لإسماع صوت القرية، قال لي أنت حصيف ومتمكن وتجيد الكلام، لكن في ذلك الوقت لم احسم موقعي الأيديولوجي وخيار الانخراط في حزب سياسي، فكل الأحزاب تتشابه وتتهافت منبطحة إلى المخزن، ولا يهمها مصالح الجماهير وإنما تهمها الكعكة وإرضاء المخزن، حاولت أن اشكل جمعية، إلا أن الجميع خائف، الأمر يعزى إلى الأمية والجهل المستشري في الريف بشكل فظيع، لكن منذ الآن قررت أن أكون مناضلا في سبيل التغيير رفضا لسرابية الواقع وعدميته، ذلك ما اهفو إليه حقيقة، فالإنسان لا يستسلم ولا يتراجع إلى الخلف ويؤمن أن التغيير هو قدر الإنسان ومن صنع الانسان، فالإنسان هو صانع مصير الإنسان، ولا يجب أن يكترث بأي معوق أو حاجز أو مصد، إن الإرادة هي السبيل ضد سرابية الواقع الذي نحياه ونعيشه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى


.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة




.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا