الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- ثمن الايدولوجيا - الجزائر نموذجا .

صالح حمّاية

2016 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في حوار سابق لي مع صديق حول مسألة الشريعة و الحكم ، و التي كان موقفي فيها أن تطبيق الشريعة الإسلامية يعني الخراب الحتمي للدول التي تتبناها كمصدر للتشريع، رد علي الصديق بطرح واقع كل من دولتين السعودية و إيران ، فالدولتان وكما نعلم تطبقان الشريعة كلاهما (كل حسب تصورها ) ولكنهما لم تنهارا كدول أخرى على غرار الصومال والسودان وغيره ( وهو الكلام الصحيح عموما ) فالسعودية و إيران بالعموم قادرتان على البقاء فترة طويلة نسبيا على المدى المتوسط صامدتين بلا احتمالات سقوط ، وكان ردي حينها على هذا الكلام منه، ان السبب الوحيد في نجاح السعودية وايران في الصمود مع تطبيق الشريعة ، مع انهيار دول أخرى ، هو في كون ايران و السعودية دولتنا تملكان موارد لا تؤثر عليها الايدولوجيا ، و عليه أمكنهما أن يستمرا في تطبيقها ، فتلك الموارد التي لديهما تسمح لهما أن يستمرا، على عكس الدول الأخرى ، والمغزى من هذا الكلام ، ان الايدولوجيا أي أيدلوجيا ، سواء إسلامية او شيوعية أو نازية ، تتطلب من صاحبها بالضرورة الإنفاق عليها ، فمثلا حين تقرر ان تكون إسلاميا ، فأنت مثلا تخسر موارد كبيرة على غرار السياحة و غيرها في سبيل هذا ، في المقابل ستضطر للإنفاق بما ينهكك فقط في سبيل نشر تلك الايدولوجيا على شعبك على غرار ما تخسره السعودية بسبب منع السيدات من القيادة مثلا ، أو الجحافل التي تدفع رواتبها ايران من رجال الأمن الذين لا هم لهم سوى تسريحات شعر الرجال ، وحجاب البنات . و لكن بالنسبة للسعودية و إيران فما يحميهما بالنسبة لهذا الأمر ، فأولا أنهما يملكان النفط للإنفاق ، وطبعا النفط لا تؤثر عليه الايدولوجيا كمورد كالسياحة مثلا ، وعليه سهل جدا تغطية عجز النفقات على الايدولوجيا بعوائد النفط ، الأمر الثاني أنهما دولتنا لهما ميزة أن قضية كالسياحة متلا لديهما لها الحل ، فالأولى سياحتها دينية قائمة على مكة ، والثانية سياحتها دينية قائمة على قم ، ولكن هل تملك دول كالسودان أو الصومال او أفغانستان تلك الميزة ؟ ، و الجواب طبعا لا ، وعليه تلك الدول رأينا أنها عانت من الكوارث بسبب الشريعة ، بينما صمدت السعودية وإيران كما كذلك صمد الاتحاد السفياتي مع الشيوعية لفترة بسبب فوائض النفط ، ولكن ماذا بالنسبة لدولة لا تملك ما تغطي به العجز ؟ وماذا بالنسبة لدولة سترهقها مع الزمن تكاليف نشر الايدولوجيا ؟ والجواب هنا طبعا معلوم ، وهو أنها ستنهار في النهاية كما إنهار الإتحاد السفياتي ، وكما ستنهار السعودية و إيران في لحظة ما حين تصبح تكاليف الحافظ على الايدولوجيا أكبر من قدرة الدولة على التحمل لا محالة ، وهو ما يعيدنا لنقطة المقال الجوهرية وهي قصة الجزائر و الايدولوجيا كنموذج ، فحاليا الجزائر تعيش هذه الحالة من حالات أوهام الايدولوجيا ، وتحديدا قصة (نصرة فلسطين ظالمة أو مظلومة ) فقبل أيام مثلا ثارت ضجة حول قضية استبدال إسم فلسطين بإسم إسرائيل على خريطة على أحد الكتب المدرسية، وطبعا و لأن المناخ المؤدلج ، فقد هاج المجتمع في الجزائر بسبب هذا الأمر على الحكومة ، و اتهموها بالتطبيع ، فما كان من الحكومة الغارقة في أوهام الأدلجة هي الأخرى، سوى سحب الكتاب المدريي المتهم بتلك الفضيحة لاستبدالها بطبعة أخرى ، وهو الأمر الذي كان طبعا له ثمنه ، فسحب نسخة من كتاب مدرسي و استبدالها بنسخة أخرى من أجل خطأ بسيط في وقت تدعي فيها الجزائر أنها تعاني ازمة تقشف ليس هينا لأنه وبالرجوع مثلا لتكاليف هذا الأمر ( أي سحب نسخة و إستبدالها بنسخة أخرى بسبب بضعت حروف ) نجد وكما نشرت الشروق الجزائرية يوم 17 سبتمبر 2016 " أن كتاب الجغرافيا الذي يضم الخطأ، كلف المؤسسة تقريبا 230 دج للنسخة الواحدة، فيما كلف سحب الورق 130 دج، وأنهم سيسحبون 850 ألف نسخة من الكتاب الخاطئ، مؤكدا أن تصحيح الخطأ وإعادة الطباعة قد يستغرقان ما بين 10 و15 يوما فقط، بعدما تم تجنيد إطارات المؤسسة للعمل يوميا من دون انقطاع" ( الشروق الجزائري 17 سبتمبر 2016 ) وبحسبة بسيطة حول هذه الأرقام ، أي ضرب رقم تكلفة الكتاب ، في عدد النسخ ، ثم تقسيمه على ثمن سعر الدولار بالنسبة للدينار الجزائري لنعلم التكلفة ، يوصلنا أن خسائر الجزائر من هذه العملية هو 200 الف دولار امريكي بالظبط ؛ 200 الف دولار ستخسرها الجزائر ببساطة لا لشيء سوى الادلجة، هذا طبعا مع أن امر كهذا كان يمكن حله في ظل غياب الايدولوجيا بتكلفة قيمتها صفر؛ بل و مع حفاظ الجزائر على تصوراتها السياسية على كل حال ، وهذا عن طريق أن يشطب كل تلميذ على عبارة إسرائيل في الخريطة التي ثارت عليها الضجة ، و يغيرها بعبارة فلسطين وسينتهي الأمر سهلا خفيفا بلا أي إزعاج ، ولكن طبعا لأنها الايدولوجيا و المزايدات، فقد قررت الجزائر المضي في هذا الخيار، رغم هراء التقشف الذي لا تكف الحكومة عن الحديث عنه ، و الذي يزعم المواطن أنه أثقل كاهله كذلك ، ولكن وكما تابعنا ، فلا أحد.. لا الحكومة و لا المواطن الجزائري سوى شخص تعيس الحظ مثلي هو من أشتكى من هذا الوضع ، وهو ما يقودنا للسؤال الثالي : وكم سيقدر الجزائريون على دفع ثمن الايدولوجيا أكثر إذا كان هذا هو خيارهم الذي يتخذونه ؟ فكما نعلم ، فهم ضحوا ( أي الجزائريون ) بقصة السياحة سابقا بسبب الايدولوجيا ، و من يحضر مؤتمرات تنشيط السياحية في الجزائر فسوف يضحك على هذه القصة ، فمرة حضرت شخصيا مؤتمرا لتنشيط السياحة كان يناقش قضية تنشيط السياحة في الجزائر عن طريق استغلال السياحية الدينية ، وحينها أتذكر أني وقفت في فترة الأسئلة لطرح السؤال التالي : كيف يمكن للجزائر تنشيط السياحة عن طريق السياحة الدينية ، فهل نحن إيران لديها قم مثلا ، أو السعودية لديها مكة ليتاح لنا هذا ؟ وطبعا لم يكن من جواب للمشاركين سوى السكوت و الكلام العائم ، و الذي في النهاية كنت أدرك مغزاه ، فالجزائر تهرب من قصة تنشيط السياحة بصورة جدية ، لأنها تعلم أنها اقتصاد قائم على الحرام ، فالسياحة هي اقتصاد إشباع الرغبة للسائح ، ولا متعة بلا اشباع للأهواء ، وبما ان الجزائر تدرك أن لا تحقيق للمتعة بلا مراقص وملاهي وجنس كما هي الدول السياحية الكبرى بما فيها الإسلامية ( دبي و ماليزيا وتركيا مثلا) فهم يتهربون بهذا الهراء السمج ، و يغطون العجز الناتج عن التمسك بالايدولوجيا الإسلامية التي يفرضها عليهم قانون المصالحة بفوائض أموال النفط ، ولكن إلا متى سيقدر الجزائريون على التحمل... خاصة وحاليا الجزائر تعرف عجزا رهيبا في الموازنة بسبب انهيار أسعار النفط ؟ فسابقا الهراء الأيدولوجي كانت تغطيه فوائض النفط ، وكان الجزائريون يسخرون من بلدين شقيقين كتونس و المغرب بأنها بلاد كلها دعارة و فسق وفجور فتحت أبوابها لكل من هب و دب ليعيث فيها فسادا ، ولكن إلى متى سيستمر الحال هكذا ؟ فهل ستستمر الجزائر في دفع ثمن الايدولوجيا حتى الرمق الأخير لتنهار كما حصل في السودان والصومال وغيره ؟ ، أم هي ستتخلى عن هراء الأيدلوجي ، وستنظم لعالم البشر العقلانيين ؟.

عموما هذا سؤال لا احد يدري عدى الجزائريين أنفسهم أصحاب القرار جوابه ، ولكن المؤكد أن ثمن الايدولوجيا بالنسبة لأكثر الدول ثراءا باهظ ، و لا أحد مهما طال الزمن قادر على تحمله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجزائر الأمازيغية قادمة لا محالة !
ماسنسن ( 2016 / 9 / 18 - 21:04 )
ثق أن ما تقوم به لن يغير شيئا وستبقى الأمور كما هي | ثق أيضا أن تاريخ إيمازيغن لن يغفر للمتخاذلين

أزول


2 - الى المعلق ماسنسن
سليمو ( 2016 / 9 / 18 - 23:45 )
صحيح لن يتغير شئ في الجزائر بأمثالك من المتعصبين للعرق والدم

اخر الافلام

.. أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم


.. شبكات | مكافآت لمن يذبح قربانه بالأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح