الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات عامة حول الحساب الاقتصادي للخطط الخمسية في العراق

أحمد إبريهي علي

2016 / 9 / 18
الادارة و الاقتصاد


أعيد نشر هذه الدراسة للأسهام في توثيق التجربة، ولأن الكثير من المشكلات لا زالت كما هي وخلاصتها الأخفاق في إخضاع الأدارة الحكومية للأقتصاد والتصرف بالموارد العامة إلى إطار كلي. ويبدو هذا الأنفصام ، والذي يتأكد أكثر فأكثر بمرور السنين مع الأسف، جليا بين برامج الأستثمار الحكومي والموازنات المالية العامة وما يعلن من وعود في النمو والأزدها الأقتصادي تعبر عنها وثائق رسمية أخرى. د. احمد إبريهي علي

وزارة التخطيط
المعهد القومي للتخطيط

الحلقة النقاشية في إعداد خطط التنمية القومية
للفترة 15-17-1983

ملاحظات عامة حول الحساب الاقتصادي للخطط الخمسية في العراق

أحمد ابريهي علي













مقدمــــة:
أعني بالحساب الاقتصادي: التعبير الكمي أو المراتبي، عن مختلف الفعاليات الاقتصادية بحد ذاتها، أو العلاقات التي تنشأ فيما بينها، بما في ذلك إنتاج وتوزيع القيم الاقتصادية والتصرف بها، والتراكم والنمو، والتحول الهيكلي.
والحساب الاقتصادي للخطة: عبارة عن مقادير، ومنظومة من المعادلات بشكلها الرياضي الصريح او الضمني، تنطوي على فرضيات أساسية عن آلية عمل النظام الاقتصادي، حسب نموذج نظري قابل للأختبار في بيئة مؤسسية ومرحلة تطور معينة، لفترة زمنية حاضرة وقادمة تغطي الأفق الزمني للتخطيط.
ويتشكل الحساب الاقتصادي للخطة من: أولا: متطابقات، وموازنات وعلاقات تبادل. وهي صحيحة بالتعريف وربما تماثل مفهوم حفظ المادة في الفيزياء، كما يصفها ليف جوهانسن ومنها الموازين المادية للسلع ، وموازين المواد والاستخدامات القيمية والموازين المالية، والتعريف المحاسبي للقيمة على أنها السعر مضروبا في الكمية... وهكذا. وثانيا: علاقات الإنتاج الفنية وهذه تحاول وصف ما يمكن إنتاجه بشروط معينة تكتنف المعطيات الإنتاجية ومدخلاتها ومن ذلك علاقات المستخدم- المنتج، والمعادلات التي تصف نمو الطاقات الإنتاجية نتيجة للاستثمار، وعلاقات سلوكية كتلك التي تشرحها نظرية الاقتصاد الجزئي للمستهلك، وأثر الدخل والأسعار، ودوال الأنتاج والعرض، ومبدأ تعظيم العوائد للمنشأة والأستجابة للحوافز، او دالة الأستهلاك التجميعية ... وهكذا. ورابعا: علاقات مؤسسية مثل الضرائب وما يتعلق بها، وحدود القطاع الحكومي ، ودرجة اللامركزية، والنظم الداخلية للمؤسسات المالية... وسواها. وخامسا: علاقات ديموغرافية وبيئية، خاصة في الأمد البعيد.. وسادسا: معادلات تفضيل، وتدخل في هذا النطاق مسائل عديدة تخص إستراتيجيات التنمية مثل أوزان التفضيل القطاعية، وتوزيع الدخل والآثار الاجتماعية، أن لم نقل مفهوم الأمثلية للخطة بشكل عام كما لو وصفت بمسألة من مسائل البرمجة الخطية.
وتتفاوت مكونات الحساب الاقتصادي للخطة في أهميتها ، ودرجة حضورها ، وواقعيتها من نظام اقتصادي لآخر ، ومن مرحلة تاريخية لأخرى.
وأن الآنية والتشابك في منظومة الحساب الاقتصادي للخطة أ مفر منه، كما هو حال سيرورة الاقتصاد الفعلي، ولهذا تكون الدراسة الواقعية للحساب الاقتصادي عبارة عن كل مقعد، وما تبويبها في فصول منفصلة إلا انسجاماً مع القواعد المتعارف عليها لأعداد وثائقها ولتسهيل إعداد التفاصيل والتنفيذ.
سأحاول في هذه المقالة ، المتواضعة أن ألقي بعض الضوء على الحساب الاقتصادي للخطة 1981 – 1985، وأعني بذلك مقترح هيئة التخطيط الاقتصادي في وزارة التخطيط لما يمكن تسميته المؤشرات التوجيهية، أو ما اتفق على تسميته الإطار العام للخطة، سأحاول مقارنة ما أتناوله مع ما فهمته عن الخطط الخمسية السابقة، قد أكتفي أحيانا بمجرد الوصف السريع، وقد أقف موقفا نقديا بعض الأحيان. ولا بد أني سأغفل أشياء عديدة وربما مهمة، منها لجهلي ومها لضيق المجال، وعذري أن ما يقدمه زملائي الأعزاء يسد نقص هذه المقالة ويغنيها، وهذه وغيرها ما هي إلا خطوات في طريق طويل.




المحتويات

• أولا: الاستثمار والنمو الإجمالي.
• ثانيا: الإنتاج والتناسبات القطاعية.
• ثالثا: توليد الدخل والتصرف به، والجوانب المالية.
• رابعا: القوى العاملة.
• خامسا: العالم الخارجي.

أولاً: الاستثمار والنمو الإجمالي.

إن الأحساس بوفرة التمويل إثناء إعداد الخطط الخمسية للسنوات 1976-1980 و1981- 1985، وعلى الصعيد الأجمالي، صار معادلا لأفتراض أن الاستثمار لا يشكل عائقاً أمام النمو الاقتصادي، ولهذا انشغل المعنيون في البحث عن حدود النمو بدلالة المتغيرات وجوانب الحياة الاقتصادية الأخرى. وكنقطة بدء دار الحوار حول إنتاجية العمل ومعدلات النمو القصوى لها. وعند الاطلاع على تجارب النمو كما تكشف عنها البيانات الإحصائية المنشورة، رشح معدل لنمو إنتاجية العمل، وباستخدام المعادلة التعريفية: نمو الناتج = نمو إنتاجية العمل + نمو القوى العاملة + (حاصل ضربهما) تم الوصل لتقدير أولي لنمو الناتج غير النفطي.
كان النمو المفترض للقوى العاملة قد بني على أساس الوصول إلى نسبة مشاركة ( نسبة السكان الفعالين إلى مجموع السكان) مقبولة في منة 1985، أي أن تزداد نسبة المشاركة تبعا لذلك، على اعتبار أنها لا زالت واطئة مقارنة بما لدى البلدان المتقدمة ومتوسطة التقدم، حتى ولو أخذ التركيب السكاني والاجتماعي بنظر الاعتبار.
على ذلك الأساس استهدف نمو القوى العاملة، ولم تؤخذ بنظر الاعتبار – حسابيا – العمالة الوافدة من خارج العراق رغم أنها بدأت تشكل نسبة مهمة – على ما يبدو من الملاحظة العادية – من مجموع القوى العاملة ، وذلك لأسباب تتعلق بالبيانات الإحصائية وأسباب أخرى لا أعرفها.
وظهر أن لدى هيئة تخطيط القوى العاملة، خطة مؤشرات عن الطلب على القوى العاملة. وهذه استنبطت من مقترحات أولية عن نمو نواتج القطاعات وفرضيات لدى هيئة تخطيط القوى العاملة تتعلق بنمو إنتاجية العمل. ولكن تقدير هيئة تخطيط القوى العاملة لأنتاجية العمل كان تقديرا واطئا من وجهة نظر المعنيين في هيئة التخطيط الاقتصادي فظهرت تقديرات الطلب على العمل عالية جدا مقارنة بمعدلات نمو السكان، وأعلى بكثير – طبعا – من تقديرات الدائرة الاقتصادية.
وفي كلتا الحالتين لم يحتسب معدل نمو الأنتاجية بالطريقة المعروفة في النظرية الاقتصادية: حيث متوسط إنتاجية العمل دالة في رأس المال العامل والتقدم التقني. ولعل الحذر في أن ذلك يتطلب بيانات متقنة عن رأس المال، ومعلومات وثيقة الصلة بالتحولات التكنولوجية لكي يسترشد بها لتقدير معامل التقدم التقني، على افتراض توفر البيانات المتقنة عن رأس المال، لفترة الخطة باعتباره يغاير الماضي ولو بشيء بسيط. واعتقد أنه يمكن ترتكيب ومراكمة بيانات تكوين رأس المال الثابت، كما فعلت الدائرة الاقتصادية أخيرا، لاستخدامها نيابة عن رأس المال والتضحية بقليل من الدقة بدلا من التضحية بدالة الإنتاج ككل.
ولكن العائق الثاني الذي حال دون حساب دالة الإنتاج هو غياب البيانات السنوية الدقيقة عن القوى العاملة، إذ أن نتائج تعداد 1977 خطأت جذريا السلاسل الزمنية لأحصأت القوى العاملة التي كانت متداولة قبل ذلك. ولكن بالنسبة للقطاع الاشتراكي على الأقل أصبحت تتوافر بيانات إحصائية لما بعد سنة 1972 وفي المستقبل القريب ستصبح هذه السلسلة كافية لحسابات دقيقة في هذا المجال.
ومع ذلك أجريت حسابات لنسب رأس المال/ الناتج وقد تمت هذه العملية، وبطرق مختلفة للقطاعات التجميعية ( الزراعة ، التعدين، الصناعة التحويلية، التشييد، الكهرباء والماء ، النقل والمواصلات ، تجارة الجملة والمفرد، البنوك والتأمين، السكن، الخدمات ) ولم تحتسب لفروع هذه القطاعات، إذ أن الأبحاث التخضيرية لم تصل إلى هذا التفصيل. وبعد ذلك جرى حساب الاستثمار المطلوب لتحقيق الزيادات في النواتج القطاعية ، وتبين من نتيجة الحساب أن مستوى النشاط الاستثماري كما تبينه سنة البدء أعلى بكثير مما هو مطلوب لتحقيق أهداف النمو، وتحقق ذلك بافتراض فترة تأخير سنة في حالة وبافتراض فترة تأخير سنتين في حالة أخرى. وكل ذلك على نهج نموذج دومار. وحتى مع التلاعب بمعاملات رأس المال والوصول بها إلى مستويات عالية جدا مقارنة بالدول الأخرى بقي هذا الاستنتاج صحيحا.
وجرت الاستفادة من هذه الحسابات في محاولة لا تستند إلى أساس متين للتوصل إلى توزيع الاستثمارات قطاعيا. وقد واجه فريق العمل حقيقة ان التخصيصات الاستثمارية المركزية بالغة الارتفاع وهي تفوق الطاقة الاستيعابية للاستثمار فضلا عن أنها تفوق القدرة على الأستثمار بالمعنى المادي العيني. ومع ذلك حاول الأنسجام مع هذا الوضح حسابيا بإقتراح معدلات مرتفعة لتكوين راس المال الثابت. وإن كان هذا المعدل لا تؤيده امكانات النمو المعروفة وذلك من أجل عدم نمو الفجوة بين عرض السلع والخدمات الاستثمارية، التي أريد بتكوين رأس المال الثابت أن يعبر عنها بالأسعار الثابتة، والطلب على الاستثمار والذي تشكل التخصصات الاستثمارية المركزية العنصر الأكثر حسما فيه. والوصول إلى هذا التقدير العالي لتكوين رأس المال الثابت جرى باختيار أقصى معدل تحقق تاريخيا لفترة من الفترات.
ومن جهة ثانية كانت الاستثمارات بموجب نسب رأس المال/ للنتائج معروفة ، وموزعة حسب القطاعات بأهميات نسبية. ضربت هذه الأهميات النسبية في الاستثمار المحسوب بالطريقة إنفة الذكر ، وبهذا تم التوصل إلى توزيع للإستثمارات حسب القطاعات. بتعبير آخر وفرت نسب رأس المال للناتج وزيادات النواتج القطاعية الحصص النسبية للقطاعات في الاستثمار أما الحجم المطلق للاستثمار فقد قدر بموجب معدل للنمو مستوحى من البيانات التاريخية. وبعد ذلك لوحظت الحصص النسبية للقطاعات من تكوين رأس المال الثابت في سنة أساس الخطة والسنة التي قبلها، وتم تعديل الحصص النسبية للقطاعات في استثمارات الخطة – المستخرجة أعلاه – بطريقة تحكمية للأخذ بنظر الاعتبار الواقع الفعلي لتخصيص الاستثمارات بين القطاعات ، ولا خذ مسألة استمرار النشاط الاستثماري في المشاريع تحت التشييد بنظر الاعتبار.
أما بخصوص تقسيم الاستثمار بين القطاعين الاشتراكي والخاص:

فقد كانت هذه مهمة شائكة من حيث: أن مؤشرات نمو الناتج حسب الأنشطة للقطاع الخامص تأثرت بالاتجاهات النسبية المستهدفة للقطاع الخاص سنة 1985 والتي كانت منخفضة إلى حد أنها لا تسمح أحيانا إلا بمعدلات نمو واطئة جدا لأنشطة القطاع الخاص. فاعتماد نسب رأس المال للناتج في هذه الحالة يجعل الاستثمارات المقدرة للقطاع الخاص واطئة جدا، ويصبح التقدير في هذه الحالة غير واقعي ولا يتماشى مع مجريات الأمور ، كما تعبر عنها كثير من البيانات، وأخيرا تم اللجوء إلى معدلات النمو التاريخية لاستثمار القطاع أريد له أساسا إن لا يقل عن نسبة معينة من مجموع الاستثمار، فقدر الاستثمار في القطاع الخاص بموجب معدل النمو التاريخي، وجعل الباقي للقطاع الاشتراكي.وبعد ذلك توصل الحساب إلى الاستثمار في القطاع الاشتراكي حسب الأنشطة.
وللربط بين الاستثمار في مقترح الخطة والمنهاج الاستثماري:

جرت المقابلة القطاعية التالية: قطاع الزراعة والغابات والصيد يقابل الباب الأول (الزراعة ) ، قطاعات التعدين والمقالع والصناعة التحويلية والكهرباء تقابل بمجموعها الباب الثاني (الصناعة): النقل والمواصلات والخزن يقابل الباب الثالث ، وبقية القطاعات تقابل الرابع والخامس مجتمعة (المباني والخدمات والتربية والتعليم والبحث العلمي) .
والحقيقة فإن هذه المقابلة أي الانتقال من التصنيف القياسي الدولي للأنشطة إلى تبويب المنهاج الاستثماري ليس لها أساس منهجي رصين.أي تنطوي على اخطاء تقدير كبيرة احيانا، ومتاتية فقط من اعتقاد الدائرة الاقتصادية بضرورة الربط بين الخطة، على المستوى الكلي والتي تعتمد انظمة الحسابات الأقتصادية والتصنيف القياسي الدولي للأنشطة، والمنهاج الاستثماري الذي بني تصنيفه اساسا لتسهيل الأدارة المالية للأستثمار الممول مركزيا.
ومن المعروف أن النشاط الاستثماري في القطاع الاشتراكي يمول في قسم منه تمويلا ذاتيا، ولكن هذه المرة كأن من الصعب الحصول على بيانات مناسبة عن التمويل الذاتي وجرى إهمال هذه المسألة . وتم ربط تكوين رأس المال الثابت الذي احتسب بالطرق السابقة والمعاد تبويبه بموجب المقابلة أعلاه، نقول: تم الربط بينه وبين تخصيصات المنهاج الأستثماري عن طريق معاملات من البيانات التاريخية. بتعبير آخر، أعيد تبويب بيانات تكوين رأس المال الثابت التاريخية والمبوبة أساسا وفق التصنيف الدولي للأنشطة في قطاعات أربعة بطريقة تحكمية وفق المقابلات أعلاه، ونسب التخصيصات في أبواب المنهاج الاستثماري إلى تكوين رأس المال الثابت المحتسب للخطة فتم التوصل إلى تخصيصات استثمارية، وهذه التخصيصات جرى توزيعها حسب السنوات بموجب معدل نمو مركب عندما يعامل مع بيانات سنة الأساس يحقق المجموع المطلوب للتخصيصات في الخطة. ومع كل ما تقدم بخصوص التقدير العالي لتكوين رأس المال الثابت وما يترتب عليه، نظريا، من تقدير عالي للتخصيصات في المنهاج والتي كانت للسنة الأولى من فترة الخطة أعلى مما توصل إليه الحساب علما أن تخصيصات سنة 1980 شكلت ما يشبه الطفرة بالنسبة للسنوات السابقة والتي بدورها كانت تخصيصاتها مرتفعة.
ولتقييم تلك المحاولات موضوعا، لا بد من القول أن الصلة الحسابية بين النمو والاستثمار صلة واهية جدا كما تتضح من مجريات الحساب، أو أن الصلة موجودة ولكنها تنطوي على نسبة رأس المال للناتج فوق المستويات المعروفة، ويصعب تفسيرها في حدود المعلومات التي استخدمتها الخطة.كما أن الصلة بين الاستثمار باعتباره راسمال مضاف والقوى العاملة غير مبحوثة، وأن معدل نمو القوى العاملة بدوره لا صلة له بالواقع لكي تدرس العلاقة بين الاستثمار والقوى العاملة.
والأهم من كل ذلك الصلة الحسابية بين الاستثمار بالمعنى المنهجي للكلمة، المقدر في الخطة، والتخصيصات في المنهاج الاستثماري الذي يستعمل لغة حسابية مغايرة تماما للغة الخطة. وهي لغة غير منهجية لأغراض الحساب التخطيطي، وأن المنهاج الاستثماري ليس موثقا بطريقة يسهل معها ارجاع محتوياته إلى منظومة الحساب المنهجي للخطة.
وكان المفروض في حينه، والكلام ينسحب على الخطة 76-80 أيضا، وطالما أن التنمية معقودة على جعل الاستثمار أقصى ما يمكن، إن يستخدم نموذج إجمالي دالة الهدف فيه الاستثمار الذي يراد جعله أقصى ما يمكن بالإذعان لجملة شروط (قيود) منها القوى العاملة وبعض مكونات الاستثمار الأكثر ندرة، وهذا على فرض أن الهدف هو زيادة الاستثمار فحسب. ومن نافلة القوى حتى أن هذا النموذج البسيط يتطلب معرفة بالمشاريع الاستثمارية تحت التشييد ومواقيت إنجازها، ثم يصار إلى تقدير العرض المضاف من العمل، ويخصم منه الطلب لتشغيل الطاقات الإنتاجية المضافة، ويتم بعد ذلك استقصاء النشاط الاستثماري في ضوء قيد القوى العاملة والقيود الأخرى. هذا على الصعيد الإجمالي فحسب ولغرض استخلاص مؤشرات أولية تتعلق بالاستثمار فقط لكي تعامل النتائج المتحصل عليها من هذه المرحلة مع المراحل الأخرى لتحضير الخطة إذ لا يوجد في العراق نموذج تخطيطي شامل، بالمعنى الرياضي للكلمة.
والحقيقة أن توصيف القيود يصطدم بحاجز المعلومات الدقيقة خاصة، وإن الأمر يتطلب حداً أدنى من التفصيل.
ولكن إن كان يمكن الحصول على معلومات إحصائية من المصادر الاعتيادية فإنها تبقى منفصمة كليا عن محتويات المنهاج الاستثماري، وتبقى النتائج المحتصل عليها في الجدار الخارجي له، وذلك ليس فقط بسب اللغة التي يعتمدها المنهاج الاستثماري، ولكن لأن مثل هذه المهمة لا تعني الأجهزة التي تتعامل بالمنهاج كثيرا. فهي قد ترغب في الحد من الاختناقات ولكن هذا لا يعني أبدا أن لديها الاستعداد للتعاون الكامل في دراسة موضوع الاستثمار دراسة منهجية.
وقد ساد آنذاك رأى بأن التناقض بين الطاقات الاستثمارية والإنفاق واضح تمام الوضوح، وأن الهدف من بناء نموذج تخطيطي هو التأثير على سير الممارسة الجارية للتصرف بالموارد، وأن مثل هذا التأثير غير متوقع بالمرة فلماذا هذا النموذج إذن . وفي رأيي يبقى من الضروري على كل حال السعي الجاد لبناء نموذج تخطيطي في العراق ، أو سلسة مترابطة من النماذج، لأن في ذلك فائدة في تطوير نظام المعلومات، ولو أن تطور نظام المعلومات التخطيطية لا يتوقف فقط على معرفة كيفية التطوير بل استعداد الجهات ذا العلاقة للتعاون في هذا المجال.
ولمقارنة هذا الأسلوب الحسابي مع ما جرى في الخطط السابقة:

لا بد من ملاحظة التغير الكبير في الظروف الاقتصادية للفترة ما بعد عام 1973 مقارنة بما قبلها فالوسائل التي استخدمت في اقتراح مؤشرات الخطة 1981-1985 وبدت عاجزة أمام الظروف الاقتصادية كانت كفؤة في استنباط مؤشرات توجيهية قبل عام 1973 ولكن مع ذلك يبدو وأن الخطة 1970 – 1974 بدأت رأسا باقتراح معدل لنمو الدخل القومي ، والتمسك به، على عكس الآلية الحسابية للخطة 1981-1985 إذ سنرى كيف جرى تعديل معدل النمو الإجمالي بموجب الحوار الذي جرى بينه وبين معدلات النمو القطاعية المرتبطة:
ونجد أن الخطة 1970-1974حاولت أن تتجاوز معدل النمو الذي تحقق الخطة السابقة لها بطريقة تحكمية وكان الحذر في ذلك هو النظرة الواقعية. إذ ورد ما نصه " أن دراسة نتائج الخطة الاقتصادية الخمسية 1965-1969، تفصح عن أن النمو الذي تحقق في الدخل القومي كان بنحو 5.4 بالمائة سنويا بالاسعار الثابتة ، وهذا رغم كل ما واجهته أفضى إلى وضع لا يتجاوز عنده معدل النمو المركب لدخل الفرد 2.2 بالمائة سنويا. فإنه يمكن أن يقدر معدل مركب لنمو دخل الفرد في حدود 3.6 بالمائة سنويا معدلا يعكس التقدم المستهدف في الخطة. إلا أنه يفرض ، في نفس الوقت، زيادة في الدخل القومي، في السنوات القادمة تعادل ما يحققه معدل نمو مركب قدرة نحو 7.1 بالمائة سنويا، وهو بعينه المعدل الذي ينبغي أن يتحقق لكي يتضاعف الدخل القومي في عشر سنوات".
من الصيغة أعلاه يتبين أن نسبة رأس المال للناتج الاجمالية الموضوعة في المذكرة التفسيره للخطة قد احتسبت لاحقا. إذ أن معدل النمو وضع ابتداء أما بالنسبة للاستثمار فقد كان الحساب مبنيا على أن التمويل هو القيد المحدد، وهذا ما يستكشف من قراءة الخطة كلها.
واجتهد الحساب أن يرفع الاستثمار، وذلك بافتراض إمكانية زيادة الميل للادخار، ولعل مما يدفع إلى هذا الإجراء آنذاك انخفاض نسبة الاستثمار إلى الدخل، وإرادات الخطة أن ترتفع به إلى مستويات طموحة لكنها ليست بعيدة المنال.
لما تقدم توقعت الخطة انخفاض نسبة رأس المال للناتج وعللت ذلك بزيادة إنتاجية العمل والتقدم التقني والكفاءة الإدارية. إن نسبة رأس المال الناتج التي وردت بالخطة قد تتحقق فهي ليست مستحيلة ولكن السؤال كيف جرى حساب كل هذه العوامل خاصة وأن المقدمة التي تسبق الإطار المقترح للخطة، والتي تضمنت مراجعة لفترة الخطة السابقة لا تدل على استخدام تكنيك من شأنه أن يفضي إلى ذلك، مما يؤكد الحساب اللاحق لنسبة رأس المال الناتج. واعتقد أن نسب رأس المال للناتج القطاعية رتبت لتتفق مع النسبة الإجمالية وهذا ممكن . وذلك بخفض نسب رأس المال للناتج التاريخية للقطاعات بنفس معدل انخفاض النسبة الاجمالية كتقريب أولي، ثم إجراء تعديلات تحكمية اضافية، بسبب أن تخصيص الاستثمارات بين القطاعات، بموجب نسب رأس المال للناتج الجديدة والزيادات في النواتج القطاعية، سيفضي إلى مجموع للاستثمار مختلف عن الاجمالي المقدر سلفا مما يحتاج جولة جديدة من التعديل وهكذا.
وأن القوى العاملة آنذاك لم تشكل قيدا على النمو بالعكس فإن العرض يفوق الطلب، وكان الحساب يحاول الوصول إلى أقصى تشغيل للقوى العاملة بدليل أنه استهدف زيادتها في القطاع الزراعي بنسبة 22 بالمائة لسنة 1974 مقارنة بسنة 1969 وبذلك استوعب أكثر من نصف الزيادة في القطاع الزراعي الذي لا يشكو من شحة في القوى العملة آنذاك. مع العلم بأن هذه الحالة مجافية جدا لأنماط التنمية المعروفة إلى ذلك الوقت. أو أن هذه الأرقام من العمالة جاءت بمجرد تنميتها بنمط ينسجم مع البيانات التاريخية للقوى العاملة آنذاك وهي ليست دقيقة عادة.
أما فيما يتعلق بالربط بين المنهاج الاستثماري وإطار الخطة، فإن المحاسب الاقتصادي للخطة 1970-1974، سلك السلوك نفسه الذي اتبع في الخطة 1981-1985، إلا أنه وعلى ما يبدو أعتبر تخصيصات المنهاج الاستثماري بمثابة الاستثمار الممول مركزيا نفسه، بينما جرى في الخطة 1981-1985 الانتقال عن طريق معاملات لبعد الشقة بين التخصيصات في المنهاج ومفهوم وواقع تكوين رأس المال في القطاع الاشتراكي. وربما كان آنذاك، عند إعداد الخطة 1970-1974ما يبرر هذا الأجراء إلا أن المبرر ليس واضحا تماما. إلا إذا قبلنا ما اعتقدناه قبل قليل، وهو أن حساب الخطة كان ينطلق من محدودية التمويل، فلم يشأ أن يجعل تكوين رأس المال الممول مركزيا أدنى من تخصصات الاستثمار لأن ذلك يجعله أقل فتنخفض معاملات رأس المال أكثر. هذا ومن الضروري القول أن المسافة بين التخصيصات المركزية وتكوين رأس المال الثابت في القطاع العام لم تكن أقل نسبيا عما هي عليه الآن.
وإن شئنا الرجوع للخطة 1965- 1969 فلقد أوضحت تماما هذه الخطة كيفية اقتراح معدل النمو الاجمالي، وكذلك الاستثمار وسلكت في ذلك أبسط الطرق على الإطلاق. إذ إكتفت بنظرة سريعة إلى البيانات واختارت معدلا للنمو دون استعمال حساب إقتصادي كما يبين النص الآتي:" غن قدرة الأقتصاد العراقي على النمو تظهرها حسابات الدخل القومي وهذه الحسابات متوفرة للسنين 1953-1963... بلغ المعدل المركب لنمو الناتج القومي ككل 4.6 بالمائة سنويا، بلغ المعدل المركب لنمو مجموع القطاعات الرئيسية : الزراعة، الصناعة، النفط، الإنشاء، الماء والكهرباء كمجموعة 6.1 بالمائة ، كان معدل نمو القطاع الزراعي منفردا صفرا بسبب عوامل متعددة أوقفت نموه فإذا استثني من مجموع الناتج القومي أصبح معدل نمو الناتج القومي عدا الزراعة 8.3 بالمائة سنويا ... وإذا استثني كل من قطاع النفط وقطاع الزراعة معا بلغ معدل نمو الناتج القومي 8.2 بالمائة سنويا... وبديهي إنه إذا وجهت العناية اللازمة لتطوير الإنتاج الزراعي مع المحافظة على معدلات النمو السابقة في القطاعات الأخرى أمكن تحقيق معدل نمو للناتج القومي لا يقل عن 6 بالمائة سنويا وقد يصل إلى 8.3 بالمائة سنويا... لذا تقرر أن يكون هدف الخطة تحقيق زيادة في الدخل القومي في السنوات الخمس المقبلة تعادل ما يحققه معدل نمو مركب قدرة 8 بالمائة في السنة على الأقل ... "
أما بالنسبة للاستثمار، فافترض أنه ينمو بنفس معدل الدخل على أساس أنه " ... ليس ثمة ما يمنع من نمو الاستثمار وبالتالي الإنشاء بنفس معدل نمو الناتج القومي ..." وبقي على معدي الخطة آنذاك ترتيب نسبة رأس المال إلى الناتج بما يتلاءم مع ذلك ولا غير فقد جرى حساب الاستثمار باعتباره نسبة ثابتة من الناتج القومي وهي 22 بالمائة، وفقط لأسباب إحصائية جعلت هذه النسبة 21 بالمائة سنة 1965 و 23 بالمائة سنة 1969. ومن ثم قسمت الاستثمارات على الزيادة في القيمة المضافة فاستخرج معامل رأس المال، واعتمد عرض النتيجة الحسابية بطريقة مغايرة ولكنها تؤكد ما جاء في أعلاه كما يبين النص"... لقد بلغ معامل رأس المال في السنوات العشر الماضية 4... إلا أنه من الممكن افتراض أن هذا المعامل سينخفض خلال السنوات الخمس المقبلة تتيجة... ولذلك فقد وجدنا من غير المبالغ فيه افتراض تحديد معامل رأس المال الحدى للسنوات الخمس المقبلة ب 3.6 ..." وبخصوص القوى العاملة فقد اعتبرت الخطة أن عرض العمل متاح ويسمح بأي معدل للنمو لذلك لم يكن للقوى العاملة دور في تحديد معدل النمو الإجمالي.
وفي الخطة 1976-1980 قد جربت في مرحلة الإعداد لها تحليلات كمية عديدة وإن كانت بسيطة بما في ذلك محاولات جادة للتوصل إلى نسب رأس مال للناتج تخطيطة، استنادا إلى فرضيات منها مثلاً التوزيع الطبيعي للمشاريع الاستثمارية حسب فترة التنفيذ مع استطالة متوسط الفترة، وحسابات منفصلة للقطاع الخاص عن الاشتراكي. وجرت محاولات جادة لتقدير الاستثمارالممول ذاتيا، ولكن نفس الأسباب التي اعترضت حسابات الخطة 1981-1985 أدت أيضا إلى ابتعاد حسابات الخطة تدريجيا عن مقدماتها.
وفي القوى العاملة إنتهجت حسابات الخطة 1976-1980 نفس طريقة الخطة 1981-1985 في توقع العرض المقبل للقوى العاملة، ولكن معدل النمو الإجمالي المعتمد في الخطة 1976-1980 كان محصلة للحوار مع الدوائر القطاعية حول إمكانات النمو مما انعكس على معدل النمو الإجمالي للخطة . ومن ذلك فقد كانت الاستثمارات أعلى بكثير مما يتطلبه النمو وفق الحسابات المنهجية الإجمالية، أما بالنسبة لإنتاجية العمل فقد وضعت كنتيجة بعد أن تحدد معدل النمو العام ومعدل نمو القوى العاملة.
إن كيفية الوصول إلى الأرقام التي تتضمنها الخطة تعتمد على العلاقة بين الخطة والاقتصاد الذي تخطط له، فعندما تكون شبكة المواصلات التخطيطية مكتملة، والتراتبية التخطيطية واضحة فإن الأرقام التي تحدثنا عنها ما هي إلا توجيهات أولية تأخذ طريقها إلى القطاعات وفروعها والمنشآت. وبعد ذلك ترسل إلى جهاز التخطيط خطط أو مقترحات تتضمن مجدداً بيانات تغذى النموذج التخطيطي أو سلسلة النماذج التخطيطية المعتمدة. فينظر في اتساق مجموع الخطط على فرض وجود نماذج تؤمن هذا.
والآن يعتمد المستخدم المنتج وعلى نحو واسع في العالم لاختبار الاتساق وتتفاوت الدقة التفصيلية في الاتساق بمدى سعة وتفصيل النموذج التخطيطي. وفي تحقق الموازنات على ذلك الصعيد، إضافة إلى استعمال المستخدم – المنتج. وفي هنغاريا نقرأ عن وجود نموذج تخطيطي ضخم، يقول ليف جوهانس فيه نقلا عن كورناي، إن بضعة مئات من الاقتصاديين والمخططين الممارسين والرياضيين والمهندسين ساهموا في بناءه يستخدم لتأمين الاتساق.
وحتى أن النموذج القياسي الصغير والذي يحتوي: عددا بسيطا من المعادلات السلوكية، كدالة للاستهلاك، ودالة للاستثمار، وعددا بسيطا من المعادلات مثلا دالة أو دالتين للإنتاج، وعددا من المعادلات التعريفية يفيد أيضا في اختبار الاتساق على المستوى الأجمالي على أن يستعان بمجموعة من الموازين للسلع أو المجموعات السلعية الرئيسية وعدد من الموازين للقوى العاملة.
ولكن الملاحظ أن الخطط الخمسية في العراق تبدأ كمؤشرات توجيهة وتنتهي كذلك: وحتى أن المرء يحار في كيفية الحكم عليها. فإذا أخذنا مثلا الخطة 1970-1974 أو الخطة 1981-1985 ،عدا أن الخطة الأخيرة تضمنت كميات إنتاج من السلع الرئيسية في الزراعة والصناعة ومشاريع أساسية في النقل والمواصلات، فهذه الخط هي ذاتها المؤشرات التوجيهية، وهي لم تأخذ طريقها إلى التفصيل ولم تتضمن ما يفيد كيفية تفصيلها . فإذا ما اعتبرت خطة وليست مؤشرات توجيهية في ذلك اشكال، فهي في حقيقها لا تخاطب جهات محددة أبداً، بل هي مفاهيم كمية مجردة مبوبة في قطاعات نظرية، وهي بحد ذاتها لا تمثل إلزاما على أحد.
وفيما يتعلق بالقطاع الخاص فإن هذه الخطط لم تتوصل إلى أرقامها باستخدام معادلات سلوكية تتضمن أدوات السياسة الاقتصادية كالضريبة والتعرفة الكمركية، والفائدة أو حجم الائتمان فجاءت تقديراتها نتائج معالجة إحصائية صرفة ومن النوع شديد البساطة. وبالتالي لا تستطيع هذه التقديرات أن تستخلص توجيهات محددة للتأثير في سلوك القطاع الخاص. وفيما يتعلق بالربط بين الاستثمار والإنتاج فحتى أن الخطة 1970-1974 لم تكلف نفسها استخراج جداول لعمالة القطاع الخاص وإنتاجه تقابل الاستثمار، وعندما مرت الأيام وكانت هذه هي كل الخطة لذلك فهي لا معنى لها البته ،فهي مجرد تمرين إحصائي لا غير.
والحال كذلك بالنسبة للخطتين 1976-1980 و 1981-1985 وإن كانت الأخيرة والتي قبلها حاولت التفصيل في الجداول الرئيسية، وهي كل جداول الخطة، بين القطاع الاشتراكي والخاص لأن هناك أهداف تتعلق بتقسيم العمل بين القطاعين. ولعل هناك رأي يقول أن النماذج السلوكية لا تنفع لأن الإجراءات التشريعية هي الأكثر حسما والتي تلغي الآثار التي تتحدث عنها النماذج السلوكية في القطاع الخاص ولكن هذا ليس صحيحا دائما وقد يصح هنا في مجال الاستثمار إلا أنه لا يصح في البنود الأخرى للخطة.

ثمة قضية أساسية وهي الأولويات القطاعية، فعند دراسة الخطط يظهر تماما أن هذه المسألة ليست واضحة حسابيا بما فيه الكفاية، فنجد في هذه الخطط، أن الحساب الاقتصادي المستخدم لا يمكّن من تخصيص الاستثمارات بين القطاعات بشكل يتماسك مع الأولويات المعروفة. إذ ليست هناك دالة تفضيل واضحة كميا،إضافة إلى عدم استخدام نماذج استمثال كالبرمجة الخطبة مثلا ثم أن المسائل المحورية للأسبقيات القطاعية ( إنتاج وسائل الإنتاج مقابل إنتاج وسائل الاستهلاك، تكنيك لإنتاج المختار ومضامينه في الأسبقيات القطاعية ، توزيع الدخل ومعناه في الأسبقيات القطاعية، التبعية والاستقلال الاقتصادي شروط التوازن الحركي) هذه جميعها أصبحت في الوقت الحاضر ممكنة، فضلا عن أن أغلبها كان ممكنا منذ البداية. ولكن الحساب الاقتصادي للخطط الخمسية في العراق لم يعالج تخصيص الاستثمار بين القطاعات على أساس هذه النماذج الكمية عدا أن الخطة 1981-1985 أجري لها اختبار تنسيقي تجميعي جدا بقصد التأكد من انسجام أهداف الإنتاج القطاعية على المستوى التجميعي وهذا الإجراء لا يعني الكثير لأنه لا يحسم مسألة الأسبقيات كميا، ولا يؤمّن انسجاما تفصيليا بين الإنتاج والاستثمار كما جاء في هذا النقد.
وهناك وجهة نظر مفادها إن مؤشرات هذه الخطط أساسا كانت توجيهية يراد تفصيلها لاحقا، ولكن الأسبقيات القطاعية تحتاج إلى جهد حسابي متميز مسبقا أي في مرحلة بناء المؤشرات التوجيهية.

ثانياً: الإنتاج والتناسبات القطاعية:

قبل الدخول في كميات حساب الأهداف الإنتاجية، لا بد من الإشارة إلى مسألة التبويب القطاعي، وإن العراق يعتمد التصنيف القياسي الدولي للأنشطة. ولو كانت الخطط تفصل تفصيلا كافيا في مجال الإنتاج فالامرلا يستحق الاختلاف حول التصنيف الذي يجب أتباعه ولكن الحقيقة ليست كذلك. وإذا عدنا إلى التنظير التنموي فان النماذج مبينة على التقسيمات القطاعية التالية:
قطاع إنتاج وسائل الإنتاج وقطاع إنتاج وسائل الاستهلاك كما في نموذج دومار 1957. وقبل ذلك مها لانوس الهند، وقبلهم فليدمان في الاتحاد السوفييتي. كما يصار إلى تجزئة هذه القطاعات إلى قطاعات أصغر لأغراض مفيدة تخطيطيا، وأصبح العراق أحوج ما يكون إلى مثل هذا التصنيف بعد عام 1973 لأن قطاع إنتاج وسائل الإنتاج بالتصريف محددا للطاقة الاستثمارية التي أصبحت ضيقة.
والقول بأن العراق يعتمد على استيراد وسائل الإنتاج عدا التشييد الذي يوضحه التصنيف القياسي الدولي للأنشطة، لا يكفي لتأكيد عدم الحاجة إلى تصنيف الإنتاج بين وسائل الإنتاج ووسائل الاستهلاك، على الأقل لمعرفة ما ستقدمه الخطة من تغيرات في الوضع البنيوي منظورا إليه من هذه الزاوية ، فضلا عن أن البحث في إعادة تبويب المعلومات بموجب هذا التصنيف تثير جملة تساؤلات من المفيد الإجابة عنها تتعلق بالمحتوى الأعمق للخطة وتتجاوز الحساب.
وكذلك هناك تصنيفات أخرى في النماذج التنموية منها، القطاع الحديث والقطاع التقليدي، ومنها الإنتاج السلعي الصغير والإنتاج السلعي الكبير. وهذه التبويبات تفيد في وضعها إلى جانب التبويب أعلاه، للكشف أيضا عن ماذا ستقدم الخطة في هذا المجال وإلى أي مدى ستفضي الخطة إلى إعادة صياغة للواقع التنظيمي والتكنولوجي في الاقتصاد.

طبعا أن ذلك لا يمنع أبدا من الإبقاء على التصنيف القياسي الدولي للأنشطة، أو حتى إعادة تبويب المعلومات إلى جانب ذلك وفق تصنيف فروع الاقتصاد الوطني للدول الاشتراكية، وهذا الجمع بين التبويبين قد حصل في دولة أخرى على الأقل. وهناك تجربة في العراق لإخراج الحسابات القومية وفق نظام الموازين المادية يمكن إحياؤها وتطويرها، هذا لكي ينظر إلى الحقيقة الاقتصادية من زوايا متعددة بما من شأنه الأستجابة لأغراض التخطيط خاصة في مرحلة إعداد المؤشرات التوجيهية. لكن هذه المقترحات، والتي لا يمكن تبنيها بعضا أو كلا في حدود إمكانية الكادر العراقي، قد يتطلب الأمر مساعدة فنية لبعض الوقت.
ومرة أخرى قد لا يفيد التصنيف القياسي الدولي بشكله التجميعي لوحده في دراسة مهمات تنموية جسيمة والإجابة بشأنها إجابة محددة . ولكن ذلك لا يمنع من إمكانية تحقيق بعض الأغراض التخطيطية التوجيهية في حدوده. والآن نحو إلى كيفية اقتراح الأهداف الإنتاجية في الخطة 1981-1985 ونذكر في هذا المجال أن الفكرة الأساسية كانت هي الاختلال البنيوي ومعالجته في سياق التنمية، كما تسمح بذلك قوانين التغير البنيوي التي التي تعبر عنها ، بهذا القدر من الدقة أو ذاك ، أنماط التنمية المكتشفة إحصائيا على نهج كوزنتز وشنرى وسواهم من كتاب البنك الدولي وبعض الأكاديميين. وقد جرت محاولات في الدائرة الاقتصادية قبل المباشرة بحسابات الخطة منها: استعمال معادلات شنرى في كتابه "أنماط التنمية للفترة 1950-1970 المنشورة باللغة الانكليزية عام 1975 وذلك بتعويض المتغيرات المستقلة للعراق في تلك المعادلات ، وبالنسبة للناتج المحلي للفرد استبعد منه في إحدى التجارب ما يعادل حصة النفط في الناتج وفي تجربة أخرى عوض (الناتج المحلي – ناتج النفط + الاستيرادات ) للفرد.

واستخرجت البنية الإنتاجية النظرية بعد تعديل التبويب بما يناسب خصوصية العراق بعزل الزراعة من التعدين والتشييد عن الصناعة، واستخراج ما يقابل ذلك من نسب لمكونات الطلب النهائي، وتوزيع السكان بين الحضر والريف، والاستثمار. واتضح من ذلك وبملاحظة بيانات أخرى أن بنية الناتج في العراق لا تختلف عن النمط العام بمجرد هيمنة النفط إنما التناسبات فيما بين القطاعات الأخرى تختلف أيضا اختلافا كبيرا لأسباب تستطيع النظرية الاقتصادية تفسيرها، حيث أن مستوى الطلب الكلي غير محدد بالإنتاج الذي يتجه نحو السوق المحلية لكي يتحقق انسجام الحركة بين مستوى وبينه الطلب من جهة ومستوى وبنية العرض من جهة ثانية. فمورد النفط، والتصرف به، استطاعا أن يفصما العلاقة المعروفة بين قطاعات الخدمات وقطاعات السلع حيث بغياب المورد النفطي لا تتمكن قطاعات الأنتاج غير السلعي أن تتجاوز كثيرا ما تسمح به قطاعات السلع، إذ أن قطاعات السلع هي الممول بالتحليل الأخير للإنفاق على قطاعات الخدمات. كذلك فإن إمكانية الاستيراد تجعل من الممكن للقطاعات السلعية أن تتخلف عن مواكبة الطلب، وكلما كان الاقتصاد أكثر انفتاحا على الخارج أصبح من الممكن التملص أكثر فأكثر من التناسبات الضرورية بين الفروع الإنتاجية، إلا أن هناك ما لا يمكن استيراده. وعندما يرتفع مستوى الطلب الكلي فهو ينصب، وإن كان بشدة متفاوتة تبعا لمرونات الطلب، على ما يستورد وما لا يستورد ، وعلى النادر والأكثر ندرة، وإذا ما استمر الطلب في تصاعده لا بد من مواجهة اختناقات حادة.

وقد وضعت تلك الأفكار والاستنتاجات الكمية موضع العناية ولغرض اقتراح أهداف الإنتاج جرت دراسة من بيانات مقارنة دولية حديثة لأكثر من ثلاثين دولة ، وإن كانت هذه الدراسة غير موثقة، وهي عبارة عن ربط المساهمات النسبية للقطاعات التجميعية العشرة بمعدل الدخل للفرد أو ما ينوب عنه، والسكان ، ونسبة المشتغلين إلى مجموع السكان. واستخرجت من هذه الدراسة مرونات النمو القطاعية ، وهي عبارة عن معدل نمو القطاع مقسوما على معدل نمو الناتج المحلي من المعادلات المقدرة، وكذلك احتسبت هذه المرونات من البيانات التاريخية للعراق، وجرت مقارنة بين الاثنين، وتم التوصل إلى مرونات جديدة بطريقة تحكمية ولكنها على معرفة بنتائج الحساب، للانحياز بهذا القدر أو ذاك نحو القطاعات التي تنخفض مساهماتها مقارنة بالنمط العام، أما بالنسبة لقطاع التشييد فجرى ربطه بالاستثمار. وعندما كان معدل النمو الإجمالي قد تحدد كما تبين في الفصل الأول، تم التوصل إلى معدلات النمو القطاعية بضرب المرونات بمعدل النمو الإجمالي ولم يجري حوار كاف مع الدوائر بخصوص هذه الأهداف سوى أن دائرة النقل والمواصلات إعترضت على هدف الإنتاج لقطاع النقل الاشتراكي إذ أنها أصرت على تثبيت معدل النمو الذي تنطوي عليه البرامج الجارية في الدوائر المعنية كما هو، ولم تناقش الدائرة المعنية هدف قطاع النقل الخاص فعلى حد تعبيرهم ليس لهم علاقة بذلك أو أن هذه مسألة لا تعنيهم !؟.
ومع التذرع بحجة التفصيل اللاحق، لا بد من القول أن الأهداف الإنتاجية المذكورة أعلاه لم تدقق بالرجوع إلى إمكانات النمو الفصلية، ممثلة بالطاقات الإنتاجية الموجودة والتي ستضاف ودرجات استعمالها الحالية والمقبلة، ولم تدقق لاحقا باستخدام دوال إنتاج معتنى بتقديرها ومن أسباب ذلك غياب شبكة المواصلات التخطيطية الميسرة إضافة إلى مشاكل المعلومات كما ذكر في الفصل الأول.
وكانت علاقة أهداف الإنتاج بمكونات الطلب النهائي(الاستهلاك، الاستثمار) ممثلة بجدول الموارد والاستخدامات الكلي . وعندما يتبين عجز الموارد ممثلة بالسلع والخدمات المنتجة محليا والاستيرادات، يصار إلى اقتراح بديل توازني بتخفيض الاستخدامات لمساواتها مع الموارد، واقتراح حل وسط بين الاثنين، ولسان حال الدائرة الاقتصادية هو عسى أن يلتزم بهذا الحل الوسط من أجمل تخفيف الضغوط التضخمية.
بينما كان المفروض أن تفصّل أهداف الإنتاج هذه تفصيلا كافيا، ومستلزمات الإنتاج ، وتذكر إلى جانب كل فرع من فروع الإنتاج الاستيرادات المنافسة، والمستلزمات المستوردة، وبربط كل ذلك مع الاستهلاك والاستثمار اللذان ينبغي تفصيلهما أيضا، للكشف عن اتساق الخطة من جهة، وما ستقدمه من تغيير ومن توسيع للطاقة الاستثمارية. آخذين بالأعتبارالإصرار على عدم تخفيض الإنفاق الحكومي آنذاك، ليس لأغراض التوازن فحسب إنما لأن الارتفاع بمستوى النشاط الاستثماري يعتبر مفيد شريطة ألا يستبدل هذا الهدف بتعظيم الإنفاق كما لو أنه هدف بذاته.

إلا أن الخطة 1981-1985 أرفقت كميات إنتاج لبعض السلع الزراعية والصناعية ولكن بدون ذكر الجهة التي ينبغي أن تلتزم بهذه الأهداف وان الخطة لا تتضمن، حسابيا ومؤسسيا كيفية الوصول إلى هذه الأهداف، وأن هذه الأهداف غير مربوطة بموازين سلعية. ولو كان هناك تخطيط قطاعي بالمعنى المنهجي للكلمة لانعكس ذلك في المنهجية الحسابية للخطة، فالتخطيط القطاعي الجاد يخلق الحاجة لمنهجية التخطيط الشامل أن لم يقل يفضي إليها كما تؤكد تجارب عديدة منها ما حدث في الاتحاد السوفييتي في بداية العشرينيات. وكما ينقل ليف جوهانسن أيضاً يبدو أن الخطة الأولى التي لها أهمية منهجية عامة هي التي سميت التخطيط لكهربة روسيا السوفييتية، خطّط لكهربة جمهورية روسيا السوفييتية في غضون 10 إلى 15 سنة، ولكنها، ما دامت تتعلق بأنشطة التشييد، إنتاج واستهلاك الكهرباء، وما دامت الكهرباء ذات أهمية مركزية لعديد من فروع الأقتصاد، تطورت إلى خطة شاملة تغطي أكثر القطاعات أهمية في الاقتصاد و اندمجت لجنة الكهربة لاحقا بلجنة التخطيط الحكومي الأوسع منها التي تسمي أل،كوزيلان، ومن الواضح أنها أثّرت في طرق التخطيط هناك إلى أوسع حد.

ومن الواضح في العراق أنه لم تتبلور بعد تغطية مؤسسة تنسيقية للقطاعات لا داخل وزارة التخطيط ولا خارجها، ولو جرت محاولة لتفصيل الأهداف وتعيينها لانكشف هذا النقص. ونضرب مثلا على ذلك أن الخطة 1981-1985 عينت هدفا عينيا في السكن، ولكنه لا يعدو كونه مؤشرا ترشيديا لجهاز التخطيط نفسه، ب إذ من هي الجحة التي تسأل من قبل الدولة عن عقلانية هذا الهدف وأسلوب تحقيقه، وما هي المنهجية التنسيقية التي ستتبعها مع فروع القطاع الصناعي وغيرها بحيث تؤمّن مواد البناء المطلوبة، وماذا ستفعل مع البلديات وأمانة العاصمة، ووزارة الزراعة والوزارات الأخرى لكي تخصص الأرض، وكيف ينسق كل ذلك مع مؤشرات التخطيط الحضري والإقليمي والتنمية الريفية على فرض وجودها صراحة في مقترح الخطة وإن كانت لم توجد في حقيقة الأمر.
بالإضافة إلى ذلك هناك دوال سلوكية للقطاع الخاص في الإنتاج، إضافة لدوال الإنتاج الفنية، وهذه الدوال لم تحسب بدلالة أدوات للسياسة الاقتصادية، وحتى لو تم حسابها فسوف يصعب تدقيقها وتشغيلها ووضعها موضع التنفيذ للإسباب التي ذكرت آنفا.

وإذا قارنا مع الخطط السابقة فإن الخطة 1976-1980 سلكت طريق الحوار مع دوائر التخطيط وخارجها، كما تقدم في الفصل الأول، لوضع الأهداف الإنتاجية وكل ما قيل حول الخطة 1981-1985 يقال عنها تماما في هذا المجال.
أما الخطة 1970-1974 والتي ينطبق عليها ما قيل حول الخطط الأخرى فإن اسلوبها كان بسيطا جدا ويبدو أنه تحكمي إلى حد كبير ولم تنتفع بما فيه الكفاية من فكرة التحولات البنيوية . إلا أن ضرورة استخدام النماذج التخطيطية والحساب التفصيلي كانت أشد عند أعداد الخطط اللاحقة لها. ما كان يلحظ من فيض في طاقات الإنتاج وبطالة في القوى العاملة عام 1969 قد أثر على مزاج المخطط ، إلا أن ذلك لا يبرر كل البساطة التي اتبعت في حسابها. كما لا يبرر كل ذلك التجريد الذي وصل إلى حد عدم تفصيل أهداف الإنتاج والعمالة بين القطاعين الخاص والاشتراكي، وبقيت هكذا إلى الأخير، مما أبقى الحساب وكأنه لا يخاطب أحدا بالمره. وكمثال على اللجوء للحلول الشكلية أحيانا ما حدث لقطاع السكن ، إذ وضعت الخطة 3.4 بالمائة سنويا كمعدل نمو مركب لخدمة السكن معبرا عنها بالناتج المحلي والحقيقة أن مثل هذاالهدف لا يصح اقتراحه في خطة مهما كانت الظروف لأنه أقل من معدل نمو السكان الحضري الذي يزيد عن 5 بالمائة وكانت هذه الحقيقة معروفة آنذاك . ولكن لو نفتش في ثنايا الجداول الأخرى نجد أن الخطة وضعت استثمارات قليلة نسبيا للسكن في حدود 14 بالمائة من مجموع الاستثمار، فإذا ما وضع هدف لخدمة اسكن أعلى من 3.4 بالمائة سينخفض معامل رأس المال كثيرا، وهو في حقيقة الأمر منخفض حتى مع هذا الهدف الإنتاجي البسيط إذ كان حوالي 5 . ولكن لماذا لجأت الخطة إلى وضع هدف واطئ للسكن، إن الجوانب على ذلك موجود بهدف النمو العام 7.1 بالمائة سنويا فلكي يتحقق مع حجم محدود من الاستثمار لا بد من تخصيص استثمارات أكثر للقطاعات التي تكون معاملات رأس المال فيها أوطأ. بينما كان بإمكان المعنيين آنذاك أن يستخدموا وسائل للتحليل والحساب أخرى للخلاص من هذا الأشكال، بشرط الالتزام بالموضوعية.
ومثال آخر على منهجية حساب الخطة 1970-1974، هو الهدف الإنتاجي للكهرباء ، إذ تورطت فجعلت الناتج المحلي للكهرباء ينمو بمعدل مركب سنوي هو11.4 بالمائة سنويا، مما أدى إلى انخفاض معامل رأس المال إلى حوالي 2 ومعروف أن معامل رأس المال في قطاع الكهرباء مرتفع جدا لأسباب كثيرة منها العمر الإنتاجي الطويل، أو على الأقل أن هذا المعامل لا تؤيده البيانات الإحصائية ولا تستطيع تفسيره.
أما الخطة 1965-1969 فقد أرادت للقطاع الزراعي أن ينمو بمعدل مركب سنوي 7.5 بالمائة ، بينما كان على حد قولها متوقفا عن النمو للفترة السابقة للخطة ، أما في بقية القطاعات السلعية فقد أبقت على المعدلات السائدة في الفترة السابقة لها، وأعطت لقطاع التشييد معدل نمو الاستثمار، واستخدمت مرونات النمو المتحققة في الفترة السابقة لها واستخرجت بموجبها معدلات نمو قطاعات التوزيع والخدمات.
ومن الجدير بالذكر أن الخطة 1965-1969 أشتملت على دراسات تفصيلية إلى حد كبير وكانت هذه الدراسات التفصيلية عبارة عن ما أسمته " البيان القطاعي للاقتصاد العراقي وتطوره بالخطة " ، وفيه قسمت الصناعات التحويلية إلى 22 فرع وأدخلت قطاعات الزراعة، والنفط وباقي التعدين، والكهرباء والماء والتشييد، والإدارة العامة والدفاع، وجمعت باقي القطاعات في قطاع واحد فأصبح المجموع 29 قطاع. وقدر لكل قطاع، الإنتاج المحلي ، والمستخدمات والاستثمار والتصدير والإضافة إلى المخزون والطلب الوسيط ، وقدرت الاستيرادات إزاء كل قطاع.والأسلوب الحسابي الذي اتبعته كان من النوع البسيط ويستند إلى مجموعة بسيطة من الفرضيات هي: مبدأ التوازن بين العرض والطلب أي أن الطلب الكلي لجميع الأغراض ينبغي أن يساوي المتاح من تلك المجموعة السلعية ، وينبغي أن لا تزيد نسبة الاستيراد إلى المتاح عن سنة الأساس، وتم تخفيض هذه النسبة بموجب العلاقات الإنتاجية التي ستضيفها المشاريع الاستثمارية التي ستنجز في فترة الخطة، وافترض الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات الزراعية لنفس السبب أيضا.
وافترض أن ينمو الطلب على السلع الاستهلاكية بموجب مرونات الطلب الإنفاقية التي كانت محتسبة في وثيقة الخطة، وينمو الطلب على السلع الانتاجية بمعدل نمو القطاعات التي تستخدمها ، وافترض ثبات نسبة مستلزمات الإنتاج إلى الإنتاج. وفي الصادرات قد أضيفت الأسمدة الكيماوية إلى قيمة الصادرات المقدرة التي افترض أنها تنمو بنسبة نمو الإنتاج المحلي للسلع المعنية ،وقد بينت الوثيقة أن اللجوء إلى الفرض التبسيطي الأخير كان بسبب نقص البيانات.
هذا وتضمنت الخطة المذكورة أيضا جدولا أكثر تفصيلا بمصادر واستخدامات السلع بالقيمة اشتمل على 59 فقرة.
وفي القطاع الزراعي وضعت جدولا بالموازين السلعية الكمية لسلع زراعية عددها 15، ولبناء هذه الموازين قدر الطلب كذلك على أساس المرونة الإنفاقية. وجاءت بعد ذلك بالتفصيل على المشاريع الاستثمارية التي اشتملت عليها وكانت جريئة في تحديد الكثير من الأهداف الكمية بما في ذلك ما أسمته وسائل تحقيق الأهداف.
أما القطاع الصناعي في الخطة المذكورة ، فقد وضعت له صورة تفصيلية وفقا لنظام الحسابات القومية وإضافة لما جاء في "بنيان الاقتصاد العراقي" ، فقد احتسبت معادلات انحدار لمجموعات سلعية بدلالة معدل الدخل للفرد، وتضمنت وثيقة الخطة كل هذه الحسابات بما في ذلك كيفية استخراج معامل الانحدار، وكذلك استخدمت بيانات بحث ميزانية الأسرة بعد إجراء تعديلات عليها للغرض نفسه. ودرست الخطة التطور المتوقع للطاقات الانتاجية بفعل انجاز مشاريع عددها 17 ،مشرعا صناعيا،لغرض تقييم آثار انجازها وهي من المشاريع الكبيرة منها تحليلا مكتملا ومها تحليلا جزئيا. وأن بعض هذه المشاريع لم ينجز لحد الآن ( عام 1983).
وبين التحليل ما تضيفه هذه المشاريع إلى الدخل القومي حسب مكوناته، وما تشغله من قوى عاملة مباشرة، وأثر انجازها على ميزان المدفوعات، مقارنا بين ما يترتب على إقامة هذه المشاريع من تعويض للاستيرادات بفعل انجازها والصادرات منها، مع كلفة الفرصة البديلة للعملات الأجنبية المستخدمة في إنشائها، معرفة بسعر فائدة قدره 4 بالمائة سنويا والاستيرادات التشغيلية وفوائد القروض المدفوعة للخارج.
وفي قطاع الوقود والطاقة أيضا ذهبت إلى تفاصيل كثيرة بالوحدات المادية متناولة العرض والطلب. أما في قطاع النقل والمواصلات فكان الأسلوب الذي اتبع هو ذاته الذي انتهجته الخطة 1976-1980، عبارة عن وصف للمشاريع التي يتضمنها المنهاج الاستثماري ليس من حيث تكاليفها وآثارها إنما من حيث عناوينها وبعض المعلومات الخارجية عنها وإن كانت بالكميات. إلا أن قطاع الخدمات فصل على نمو كاف وحتى أن المشاريع الصحية تضمنت الخطة تكاليف تشغيلها. إلا أن الخطة أهملت في تفصيلها قطاع الإسكان تماما.

ثالثاً: توليد الدخل والتصرف به والجوانب المالية.

لم يعتني الحساب الاقتصادي للخطط في العراق كثيرا بمسألة توليد الدخل وتوزيعه لذاتها، وكان الدخل يتولد في الخطة كناتج عرضي لتعيين الأهداف الإنتاجية للقطاعات وبافتراض ثبات نسبة المستلزمات إلى الإنتاج تنمو القيمة المضافة بنفس معدل نمو الإنتاج. وعمدت الخطة 1976-1980 إضافة لذلك إلى تثبيت نسبة الأجورمن القيمة المضافة في كل قطاع على أساس أن الأجر ينمو بمعدل نمو الإنتاجية. وقد وزعت الإنتاج بين القطاع الخاص والاشتراكي، ، وتختلف القطاعات فيما بينها بنسبة الأجور إلى القيمة المضافة، وهي تختلف في معدلات نموها وتكون عادة القطاعات ذات المرونة العالية للنمو في نفس الوقت ذات نسبة أجور إلى الناتج عالية، أدت كل تلك العوامل إلى ارتفاع نسبة الأجور في الناتج المحلي قليلا مما كانت عليه في سنة الأساس.
وفي حقيقة الأمر أن الإجراء المذكور في أعلاه شديد التبسيط، لأسباب عديد منها: إذ يمكن النظر إلى الاقتصاد العراقي على أنه يتكون من قطاعين، الأول قطاع الانتاج الشخصي أو قطاع الذين يعملون لحسابهم الخاص، ويندرج في هذا القطاع أغلب النشاط الزراعي، وأغلب قطاع النقل والموصلات، ونسبة من قطاع الخدمات الشخصية؛ والقطاع الثاني، وهو قطاع الإنتاج الكبير. والصورة الإحصائية التي انطلقت منها حسابات الخطط في العراق لا تعتمد هذا التقسيم أبدا فهي مجمعة على أساس نوع المنتج لا على أساس علاقة الإنتاج.
ولذلك ينبغي على الدراسة التخضيرية الجادة توضيح تقسيم العمل وتطوره بين القطاعين، وتبعا لذلك تبين توليد الدخل من قطاع الإنتاج الشخصي الذي يسمى الدخل المختلط الذي لا يشهد مرحلة التوزيع بين الأجور والفائض، إلى جانب توليد الدخل من قطاع الانتاج الكبير موزعا بين الأجور والفائض.

إضافة لذلك فإن حسابات توليد الدخل في الخطط تخفي البنية التوزيعية له. وأن الحساب بشكله الحالي لا يسمح بترتيب أي هدف كمي يتعلق بتوزيع الدخل، فضلا عن أن الخطط لا تحتوي حسابات خاصة بالدخل العائلي وتوزيعه. ومن الجدير بالذكر أن التطور السريع في العلوم الاقتصادية في السبعينات جعل من الممكن صياغة نماذج وتقديرها، تقيم هذه النماذج منظومة من العلاقات تربط القطاعات وتوليد الدخل فيها وتوزيعه وضيفيا بين، ما لكي وسائل الانتاج، والملاك الآخرين، والذين يعملون لحسابهم الخاص، ومختلف الفئات المهنية للقوى العاملة من جهة، والعوائل التي ينتسب إليها مستلمو هذه الدخول من جهة ثانية، بتعبير آخر تربط تفصيليا بين التوزيع الوظيفي للدخل والتوزيع العائلي له، وبعد ذلك بين التوزيع العائلي للدخل وأشكال الصرف به.
ولعل من المسائل المهمة في توليد الدخول ومحدداتها هي أن الخطط تتعامل بالأسعار الثابتة، أي أنها ثبتت تبعا لذلك الأسعار النسبية، وهكذا تصبح التغيرات في البنية القطاعية للإنتاج وكأنها مستقلة عن تغير الأسعار النسبية.
و يبتعد هذا الحساب كثيرا عن الواقعية، لأن الأسعار النسبية تتغير وبنسب عالية أحيانا، ولهذه فإن التحولات في البنية القطاعية للدخل تختلف عن التحولات في البنية القطاعية للإنتاج اختلافا يحتاج لحسابه نماذج معقدة. وكلما توغلنا في تفاصيل القطاعات أكثر أصبحت هذه الحقيقة أوضح. ومن المؤكد أن قضية توليد الدخول، وتوزيعها والآثار المرتبة على التوزيع في الاستهلاك والادخار تتطلب جهودا جبارة لسير اغوارها والتعبير عنها في الحساب الاقتصادي للخطط.
ولابد من ذكر بعض الملاحظات حول معالجة التصرف في الدخل في الخطط، ومن الملاحظ أن جميع الخطط تضمنت معدلا لنمو الاستثمار يفوق معدل نمو الاستهلاك بهذا القدر أو ذاك، وذلك بالرغم من اختلاف الظروف الاقتصادية جذريا في ما بعد عام 1973 عن الفترة السابقة لها، إلا أن الخطة 1965-1969 جعلت الاستهلاك الحكومي والاستثمار ينموان بمعدل واحد واكتفت في ديباجتها بجعل معدل نمو الاستهلاك العائلي يقل عن معدل نمو الدخل ، وسمحت الخطة 1970-1974 للاستهلاك الخاص أن ينمو بمعدل نمو الدخل.
وأن جميع الخطط لم تتضمن في حساباتها نماذج سلوكية لتخصيص الدخل الخاص بين الادخار والاستهلاك، كما أنها لم تتضمن دوال تفضيل تثبت حسابيا أمثلية التخصيص الذي اختارته للدخل بين الاستهلاك والاستثمار.

وتضمنت الخطة 1970-1974، والخطة1981-1985 موازين إجمالية لمصادر الدخل والتصرف به للاقتصاد بأكمله، والقطاع الاشتراكي، والقطاع العائلي.
إلا أنه في الخطط 1976-1980 و 1981-1985 برزت ظاهرة عدم التطابق بين ميزان الدخل والتصرف به (المالي)، وميزان الموارد والاستخدامات لقيمة السلع والخدمات المتاحة والتصرف بها. وذلك لأن القيمة المضافة لقطاع النفط الخام هي في جانب الدخل ولكن يستبعد ما يعادلها تقريبا (الصادرات من النفط الخام) ويضاف مبلغ الاستيرادات للوصول إلى قيمة الموارد المتاحة من السلع والخدمات.
فالميزان السلعي للموارد والاستخدامات يعلي تخفيض الاستخدامات بينما لا يتطلب الميزان المالي للدخل والتصرف به الحاجة إلى تخفيض الاستخدامات. وهذه الظاهرة أوضحت وجوب وضع ميزان جديد للقطاع الحكومي نسميه ميزان المقبوضات والمدفوعات بالعملات المحلية إلى جانب ميزان المقبوضات والمدفوعات بالعملات الأجنبية. وأن هذا الميزان إذا ما تم اعتماده سيفسر منشأ الضغوط التضخمية، ويساعد في التكهن بحدتها المقبلة، وهو الذي يكون العجز أو الفائض فيه منسجما مع العجز أو الفائض في ميزان الموارد والاستخدامات.

ولنتناول الآن متغير الاستهلاك الخاص، ومن المفيد ذكره أن الخطة 1981-1985 إعتمدت بنية الاستهلاك الخاص كما بينها بحث ميزانية الأسرة لسنة 1979 كأساس، ونفس التبويب الذي جاء به البحث. وبعد أن تم التوصل لمعدل نمو مجموع الاستهلاك الخاص الذي ينسجم مع معدل نمو الدخل العائلي الذي جاءت به حسابات الخطة نفسها، استخدمت مرونات الطلب للتوصل إلى معدلات نمو مكونات الاستهلاك، وبالتالي بنية الاستهلاك في سنة الهدف. ومرونات الطلب المعتمدة هي المرونات الإنفاقية التي قدرتها معادلات الانحدار مزدوجة اللوفارتيمات، من بيانات بحث ميزانية الأسرة المبين أعلاه، والمتغير المستقل فيها هو مجموع الاستهلاك للفئة. وقد يرد اعتراض على طريقة استخراج المرونة، ولكن هذا الاعتراض موجه لهذه الطريقة الإحصائية عموما، ومفاده أن الفئات غير متساوية في الحجم ولكنها في حساب الانحدار تتساوى في الوزن، أي أن الفئة مهما كان حجمها النسبي لها نقطة واحدة في شكل الانتشار. ولكن الأهم من ذلك هو إمكانية تفصيل هذه المؤشرات التي تم التوصل إليها، ومن الجدير بالذكر أن الخطة 1970-1974 لم تتضمن تجزئة للاستهلاك العائلي. ومن الطبيعي القول أن الحاجة ماسة لحسابات أكثر دقة وتفصيلا فيما يتعلق بجانبي العرض والطلب للسلع والخدمات الاستهلاكية، ومن المعروف مدى ما يتطلبه ذلك من نظام مناسب للمعلومات حول إنتاج واستيراد السلع الاستهلاكية بحيث تكون سهلة التناول وبالصيغة التي تتطلبها المنهجية التخطيطية.
وإذا كان توزيع الدخل وإعادة التوزيع من المسائل التي تحتويها منهجيات التخطيط، فلا بد من إيجاد صلة حسابية بين التغيرات في توزيع الدخل والتغيرات الملائمة لذلك في بنية الطلب.
بقي أن نتطرق إلى الاستهلاك الحكومي، وهو مفهوم شائك من الناحية الحسابية والمصدر الرئيس للمعلومات هو الميزانية الاعتيادية، ويصار إلى حذف بعض الفقرات منها للتوصل إلى الاستهلاك الحكومي، وتقترح الدائرة الاقتصادية عادة أرقاما للاستهلاك العام تنطوي على حجم إنفاقي في الموازنة الاعتيادية أقل مما يقررعادة. وفي تقديرها للاستهلاك العام في الخطة تلجأ إلى النظر في الاتجاهات السابقة وتحاول التقليل في ضوء ذلك. ولتقسيم الاستهلاك العام إلى مكونات يصار إلى تبني التعاريف التي تستخدمها الموازنة الاعتيادية ولا أجدها أوثق من علاقة الخطة بالجهات القطاعية خارج وزارة التخطيط . وأنه لا توجد علاقة منهجية بين عملية إعداد الخطة وأسلوب إعداد الموازنة.
وأرى أنّ الطريق لتوثيق العلاقة المنهجية أن يصار إلى تأطير الموازنة الاعتيادية بتحليل اقتصادي يوضح الصلات والآثار المتبادلة بين الاقتصاد ككل والإنفاق منها. والأكثر من ذلك أن يصار إلى إعادة صياغة المنهاج الاستثماري والموازنة بوثيقة واحدة بما يسهل انفتاح الجوانب المالية للدولة على الحساب التخطيطي لكي يمارس تأثيره فيها تدريجيا.
أن الوصول إلى خطة لقطاع الخدمات مفصلة بما فيه الكفاية سيضع إلى جانب ما تقدم أساسا متينا للارتباط بين الإنفاق الجاري والتخطيط المنهجي، لأن ذلك سيوفر الأساس الفني للارتباط إذ تصبح الموازنة الاعتيادية آنذاك شكلا من أشكال التعبير المالي عن الخطة إن أرادت ذلك.
رابعاً: القوى العاملة:

أشرت في الفصل الأول إلى كيفية حساب معدل النمو الإجمالي الذي اعتمدته الخطة 1981-1985، أما بالنسبة للمكونات القطاعية، فقد افترض في القطاع الزراعي أن يبقى حجم القوى العاملة على ما هو عليه في سنة أساس الخطة، أي أن يتساوى معدل نمو الناتج الزراعي مع معدل نمو إنتاجية العمل ، إلا أن هيئة تخطيط القوى العاملة كانت تريد للقوى العاملة في القطاع الزراعي أن تنمو، وجرى بعد ذلك تقسيم الزيادة في عرض مجموع القوى العاملة، بين القطاعات الأخرى، بالاسترشاد ببيانات كانت قد قدرتها هيئة تخطيط القوى العاملة عن الفترة 1976-1980، آخذين بنظر الاعتبار أن بيانات القوى العاملة من القطاع الاشتراكي دقيقة والمشكلة في دقة بيانات القطاع الخاص. وجاء تقسيم القوى العاملة بين القطاعات نتيجة حوار يدور حول المعادلات الممكنة لنمو إنتاجية العمل في كل قطاع، وإن ذلك الحوار لم يستند إلى دوال إنتاج مقاسة، وإنما يستند إلى نمو الانتاجية المتحقق في فترة قريبة ماضية وقصيرة، والمستخرج عن طريق المزاوجة بين بيانات الحسابات القومية بالأسعار الثابتة وتقديرات هيئة القوى العاملة مارة الذكر، باستخدام المعادلة البسيطة المبينة في بداية الفصل الأول. وبعد ذلك جرت تسويات تدريجية بما يؤمن مساواة الطلب على القوى العاملة مع العرض المقدر وبهذه الحالة ارتفعت معدلات نمو إنتاجية العمل كنتيجة حسابية لتخفيض الطلب على القوى العاملة.
ومن المعروف أن لدى هيئة تخطيط القوى العاملة خطة مؤشرات للقوى العاملة بالغة التفصيل، ولكن الخطة 1981-1985 لم تتضمنها، وأن خطة هيئة القوى العاملة مفتوحة على النظام التعليمي، مما يجعلها بداية جيدة في هذا المجال. إلا أنها وحسب ما أفهم لا تقوم على أسس متينة فيما يتعلق بالفن الإنتاجي وتحولاته المقبلة، وما يعنيه ذلك من تبدلات في بنية الطلب على القوى العاملة.
اعتقد أن هناك حاجة لتصور خطة تنطلق أساسا من القوى العاملة ، لكي يتوضح ما هو مطلوب في الجوانب الاقتصادية الأخرى للتلاؤم معها. وربما قد تثبت الأيام أن الانطلاق من القوى العاملة في الحساب التخطيطي هو الأجدى، طالما يراد دائما الاستخدام الكامل للقوى العاملة في حالة البطالة، والاقتصاد في القوى العاملة عند الوصول للاستخدام الكامل.
وتضمنت جميع الخطط المبحوثة بيانات عن القوى العاملة مبوبة في القطاعات بهيئتها التجميعية. وجاءت أرقام القوى العاملة كنتيجة إذ أن الحساب المتبع لا يسمح بأكثر من ذلك. وإعتذرت الخطة 1965-1969 كما يتضح من النص" إن زيادة حجم الإنتاج إلى أقصى حد ممكن يتطلب زيادة حجم الاستثمار إلى أقصى طاقته، والأخذ بالفن الإنتاجي المتطور ذي الطبيعة المدخرة للعمل، والذي يستخدم كميات كبيرة نسبيا من رؤوس الأموال، مع أن زيادة الاستخدام عند أقصى حدوده يتطلب تطبيق الفن الإنتاجي الوسيط، الذي يستخدم كميات قليلة نسبيا من رؤوس الأموال وحجما أكبر نسبيا من أيدي العاملة... إن معظم الدول المتقدمة تلجأ إلى الفن الإنتاجي الأكثر تطورا... إن تطبيق الفن الإنتاجي المتقدم في الدول المتخلفة اقتصاديا.. لا يقلل كثيرا من مشكلة البطالة.
أي إن الخطة الاقتصادية ورغم اعترافها بالحقائق الواردة أعلاه لا زالت تأخذ إلى حد كبير بعد حجم الانتاج عند أقصى حدوده، وتعتبره الهدف الأساس وإن كثيرا من المشاريع والصناعات التي تضمنتها يستند على الفن الإنتاجي المتقدم... ولم يراعى فبها تكييف الإنتاج بشكل يقتصد في استخدام رأس المال ويتوسع في استخدام العمل ويعود ذلك إلى عدة عوامل أهمها : ضيق مجال الحرية في اختيار المشاريع المتضمنة في الخطة إذ أن كثيرا من تلك المشاريع قد ابتدئ بتنفيذه قبل وضع الخطة...".
وإن الخطة 1965-1969 أوردت تقديرات عن البطالة عام 1970 وعادت فوضعتها موضع الشك. ومع ذلك فهي قامت بحسابات لفرص التشغيل الجديدة التي توفرها الخطط مبنية بشكل صريح على ما تتطلبه العمليات الإنشائية في المشاريع الاستثمارية وكذلك الطاقات الانتاجية التي تخلقها. وكان أسلوبها في حساب متطلبات العمليات الإنشائية هو تجزئة الإنفاق والوصول إلى الأجور وتقسيمها على متوسط الأجر. وذكر في المتابعة التي توفرها مقدمات الخطة 1970-1974 إلا أن المتحقق من تشغيل فعلي أكبر بكثير مما احتسبته الخطة 1965-1969، ولو تأكد لي أن الأرقام التي جاءت بها مقدمات الخطة1970-1974 صحيحة لقلت أن سبب ذلك هو اعتماد الخطة1965-1969 على حساب الآثار المباشرة فقط وعدم حساب الآثار غير المباشرة، أي أثر المضاعف، والحقيقة في حدود منهجيتها الحسابية لا مكان لذلك، ويضاف أن البطالة التي توقعتها الخطة 1965-1969 وتشككت فيها تحققت كما تبين المتابعة التي أجرتها الخطة 1970- 1974.
والخطة 1970- 1974 وأن تضمنت جدولا بالعمالة والأجور ولكن يبدو أنه ليست هناك منهجية حسابية معقدة، ولجأت إلى استيعاب أكثر من نصف القوىالعاملة في القطاع الزراعي الأمر الذي لا يؤيده التنظير التنموي وكذلك يختلف مع الخبرة المشاهدة في التطور الاقتصادي للعالم. وكذلك ثبتت حصة مجموع القطاعات السلعية من القوى العاملة.
إن المهمة الصعبة والمطروحة أمام المختصين هي كيفية بناء نموذج لتخطيط القوى العاملة، واقتراح شبكة مواصلات تخطيطية وتغطية مؤسسية بحيث يؤدي كل ذلك إلى جعل التصرف المنهجي في القوى العاملة ممكن فيها.
إن نمط التوظيف الحالي للقوى العاملة في الاقتصاد العراقي هو نتاج لأشكال التصرف الأخرى بالموارد، بحيث تزداد مثلا قدرة قطاع الخدمات الحكومية على التشغيل بازدياد قدرته على الإنفاق، وإذا علمنا أن الأجور محددة من قبل هذا القطاع نفسه، نستطيع أن نتصور كم هي الحاجة ماسة إلى خطة للقوى العاملة.
وأن الممارسة الحالية لوزارة التخطيط في توزيع الخريجين وإن كانت تقوم بها هيئة تخطيط القوى العاملة، إلا أن حساباتها ليست ذات صلة بخطة القوى العاملة التي سبق الحديث عنها، مما يبين المهمات الصعبة الملقاة على عاتق المختصين لابتكار السبيل إلكفيلة بنقل الخطط إلى ممارسات. كما أن خطة المؤشرات لهيئة تخطيط القوى العاملة لا تشتمل على تقديرات حسب الوزارات والدوائر وإنما بقيت في قطاعات وفئات نظرية كما هو حال الخطة الإجمالية.

ومن ناقلة القول أن بناء نموذج تخطيطي للقوى العاملة شأنه أن يربط بين رأس المال والإضافة له (الاستثمار) من جهة والإنتاج والإنتاجية مرورا بالفن الإنتاجي من جهة ثانية، كما يربط بنية العرض من القوى العاملة وتغيراتها المستقبلية بنظام التعليم، والتأهيل، والتدريب وإعادة التدريب، والتعلم من خلال العمل. ولأن الخطة إقتصادية تصبح الحاجةإلى تقديرات لتكلفة الفرص البديلة لمختلف أنواع العمل مفهومة. وإن الدراسات التحضيرية لمثل هذا النموذج تتيح الفرصة لتطوير التحليل الاقتصادي كله بما في ذلك الكف عن التجميع البسيط للقوى العاملة والتوصل إلى أوزان توجيهية لمختلف الفئات. إن البعد المكاني للسكان والقوى العاملة أمر لا يمكن إغفاله، كما لا يمكن تجريد القوى العاملة إلى عوامل إنتاج بحركية مطلقة ولهذا تصبح إي خطة جادة للقوى العاملة تتطلب وضوحا كافيا في البعد المكاني، وتبعا لذلك لا بد أن ترتبط بخطط الإسكان والتحضر والتنمية الريفية، وأن تكون وثيقة الصلة بخطة الأجور (مصدر الدخل، والمحدد لمستوى المعيشة)... وهكذا حتى تندمج بكل منظومة التخطيط المنهجي.
خامساً: العالم الخارجي:

تضمنت الخطة1981-1985 فصلا مستقلا عن التجارة الخارجية، كما هو الحال مع الخطة 761976-1980 بينما لم تتضمن الخطة1970-1974 ذلك. واعتمدت أساسا بيانات الجهاز المركزي للإحصاء مبوبة حسب الفئات الاقتصادية الموسعة، وللربط بين بيانات التجارة الخارجية والعمليات الاقتصادية الفعلية ترجمت التسميات الواردة في تبويب التجارة إلى تسميات وضيفية (سلع استهلاك، سلع إنتاج، استثمارية ومستلزمات إنتاج). وجرى تقدير الطلب على الاستيرادات سلوكيا بمساعدة معادلات انحدار: تربط الطلب على السلع الاستهلاكية المستوردة بالاستهلاك، والاستثمارية بالاستثمار، ومستلزمات الإنتاج بالإنتاج. واستعملت نتائج هذا الحساب في تقدير الاستيرادات المطلوبة وفق الأرقام الأخرى للخطة.
طبعا كان من الأفضل استعمال جدول مستخدم – منتج بدرجة كافية من التفصيل وتقدير المتطلبات الاستيرادية بموجبه، أو حتى سلوك المنهج الذي اتبعته الخطة1965-1969. ويمكن تتبع أهمية استعمال جدول المستخدم المنتج بشكله المفصل من إتاحته الفرصة للنظر مليا في تغيرات بنية الانتاج والمستلزمات، واستنتاج ما تفضي إليه التنمية بالنسبة للمسائل الرئيسية التي طرحها الأدب التنموي في هذا المجال وهي: تعويض الاستيرادات، وتنويع الصادرات، ودرجة تشابك الاقتصاد ونوع هذا التشابك مع العالم الخارجي.
إن الحساب الاقتصادي للخطط في العراق لم يقف طويلا عند هذه المسائل، رغم أن الاستراتيجيات تؤكد على ضرورة تقليل الاعتماد على النفط وجملة مسائل ذات علاقة. كما أن المؤشرات الإجمالية للتجارة الخارجية وتطورها لا يعتني بها كثيرا، إلا ما يتعلق بالموازنات الإجمالية (الموارد والاستخدامات، وموازنة العالم الخارجي).

وواجهت الخطة 1976-1980 حاجة ملحة إلى زيادة الاستيراد ووفرة في العملات الأجنبية مما جعلها تتحرى الوصول إلى أقصى أرقام يمكن وضعها للاستيراد الذي كان محددا بقيود ليس من بينها العملات الأجنبية، كما لم تتمكن الجهات المعنية من تطوير أساليب حسابية جديدة تستجيب لهذه الظاهرة.
وفي الواقع أن دراسة مشكلة تشابك الاقتصاد العراقي مع الخارج من أجل تقليل التبعية يتطلب التحرك على جبهة واسعة، والذهاب إلى المستوى الجزئي أكثر فأكثر، وتجميع معلومات وآراء لا توفرها عادة نشرات الجهاز المركزي للإحصاء.
وكانت حسابات الخطط تدور بالدرجة الأولى حول بيانات الاستيرادات والصادرات السلعية، مع تقدير غير دقيق لأستيرادات وصادرات الخدمات، ولا تتعامل مع ميزان المدفوعات ككل.
إن الحجم الملحوظ للشركات والقوى العاملة غير العراقية في بناء المشاريع الاستثمارية، والعمل في المنشآت القائمة يجعل من فقرات الدخول المحولة في ميزان المدفوعات بالغة الأهمية، إلا أن البيانات التي حصلت عليها الدائرة الاقتصادية لا تبدو أنها تعبر عن المجريات الفعلية إلى الحد الذي لا يشجع على استعمالها. ثم أن التعاقد على أساس المشروع الجاهز (تسليم المفتاح) جعل من بيانات التجارة الخارجية، التي تتحدث عن السلع، أقل فائدة لدراسة تشابك الاقتصاد مع الخارج.
ولعل من المسائل ذات العلاقة أيضا، أن الحساب التخطيطي لم يتناول بالتحليل المعروف في العلوم الاقتصادية قضية الحماية والتعرفة الكمركية، واكتفى بالتعامل مع الرسوم الكمركية باعتبارها ضريبة وإنها من مصادر تمويل الموازنة الاعتيادية، او عدها من التفاصيل التي تراعيها الجهات المختصة عند إعداد مناهج الاستيراد. ولابد من القول أن درجة تأثير الحساب الاقتصادي لوزارة التخطيط في إعداد مناهج الاستيراد والصادرات يكاد ينعدم، أو يشبه تأثيره في الموازنة الاعتيادية للدولة.
ولعل الوسيلة التي تساعد في انفتاح التجارة الخارجية على التخطيط المنهجي، هي مباشرة الجهات التي تعد مناهج التجارة الخارجية بربطها، بعد إعادة صياغتها حسابيا، بإطار اقتصادي عام على غرار الأطر التي تعدها الدائرة الاقتصادية في وزارة التخطيط. لأن هذه الخطوة سترسي أساسا فنيا للحوار الدائم بين متخذي القرارات التجارية وجهاز التخطيط المنهجي.
إن الصلة بالعامل الخارجي لا تنحصر فقط بما تقدم أعلاه من حيث الأبعاد، إنما هناك أبعاد أخرى تستحق العناية، منها نقل التكنولوجيا. ويلاحظ من دراسات ف دول أخرى مدى الأهتمام بتحليل الفعالية الاقتصادية للمكائن والمعدات المستوردة، واتجاهات هذه الفعالية. وكذلك لا بد من النظر مليا في كيفية التعامل مع العالم الخارجي بكل الأبعاد الاقتصادية والعلمية بما في ذلك الخبرات المكتسبة (عمايا) من استخدام الشركات الأجنبية ولا بد من إجراء مسوحات إحصائية دورية لذلك وتقييم الجدوى الاقتصادية لهذه الخبرات المكتسبة التي تعبر عن نفسها بتطوير محتويات مهارة القوى العاملة وما تفضي إليه من تعويض الاستيرادات للخبرات الأجنبية. ولعل من المهم أيضا دراسة مساهمة المشاريع الاستثمارية التي تنفذ من قبل شركات أجنبية في نشر الخبرة الفنية، واختلاف هذه المساهمة تبعا لطريقة التعاقد ومساهمة الجانب العراقي.
وكل ذلك، ولأننا معنيون الآن بالحساب التخطيطي، ينبغي أن ينعكس في مؤشرات تتضمنها الخطة لكي تصبح دليل عمل في هذا المجال. إذ لا بأس أن تختلف صياغة الخطة العراقية عن الصياغة العامة للخطط في العالم بهذا القدر أو ذاك لكي تندمج اندماجا طبيعيا مع خصوصية الاقتصاد العراقي. والحمد لله رب العلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة


.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام




.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با