الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أن في العولمة نهاية العالم ؟

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 9 / 19
العولمة وتطورات العالم المعاصر


هل أن في العولمة نهاية العالم؟

هل أن في العولمة نهاية العالم أم أن في العولمة نهاية الإنسان وحده؟
إن نهاية العالم لا تعني بالضرورة نهاية الوجود كله,نهاية الكينونة لان هذا أمر لا يستطيع أحد منا ان يتصوره الآن على الأقل , و لكن يكفي أن ينقرض الإنسان يوما حتى ينتهي العالم كله و يسقط في العدم إذ هو في الواقع به يوجد و به معناه يتحدد و إنه وحده الذي يدل عليه ،لأن الإنسان هو الكائن الوحيد في هذا العالم الذي يمتلك القدرة على منح هذا الوجود صفة الموجود و إنه بدونه لا يكون شيئا أبدا و ليس في هذا أية مفارقة أو مغالطة فقد لا ينتهي العالم و ينقرض الإنسان منه و لكن لم يعد لهذا العالم عندئذ أي وجود وإلا فمن ذا الذي يُشير إليه و يذكره؟ " إن الوجود إدراك" كما كان يقول المفكر الإنجليزي باركلي : فإذا لم يكن هناك من يدرك فكما لو انه لم يعد هناك ما يُدرك أيضا .
أما و كيف أن في > هذه نهاية الإنسان فذلك مما يسهل علينا فهمه و يتيسر إذا استقرأنا التاريخ الحيواني و عرفنا أن حيوانات كثيرة كانت فخمة و عظيمة و عاشت هي أيضا لعدة ملايين من السنوات عندما كانت ظروف العيش مناسبة لها و مواتية و لما تغيرت هذه الظروف تغيرت معها أحوالها تدريجيا فاضطرت إلى المقاومة و الصراع حتى أعيتها الحيل و لم تعد قادرة على المقاومة و الصراع و لم تعد قادرة على التكيف مع الظروف الجديدة هذه فضعفت ثم اندثرت و بادت و ها أن الإنسان نفسه قد بدأت تتغير ظروفه و قد أخذت تتبدل أحواله و هاهو قد بدأ أيضا يقاوم و يتحيل على الظروف الجديدة و يصارع.
و ما > هذه إلا الظروف الجديدة التي صار الإنسان يقاومها و سيحتم الدهر عليه أن يصارعها , و لكن ستكون – كما يبدو- أقوى من أن يصرعها أو يتكيف معا رغم انه هو الذي اصطنعها , إنها <<الوباء>> الذي سيقضي على الإنسانية بكاملها الفقراء منها و الأغنياء , الضعفاء منها و الأقوياء على حد سواء إنها كالرحي التي لا تتوقف , و إنها إن لم تجد في المستقبل ما ترحيه فإنها إذن سترحينا وترحي نفسها.





إن الزرافة في الماضي قد استطال عنقها لتتكيف مع الظروف الجديدة و تحصل على غذائها من الأشجار العالية لما لم تعد تجد ما تأكله من دونها ثم انقرضت عندما تغيرت الظروف مرة أخرى و عجزت عن مسايرتها و التكيف معها.
و الكركدنات و الدينصورات و حيوانات كثيرة غيرها كانت تعيش متكيفة مع الظروف عندما كانت ملائمة لها ثم ضعفت تدريجيا حتى انقرضت لما تغيرت ظروفها و ساءت أحوالها. و الإنسان أيضا من الحيوانات العظيمة و ربما هو أعظمها و الأقوى منها لأنه يفوقها بما يتميز به عنها من قدرة على التفكير و صنع الحيل لمواجهة الطوارئ و الكوارث و الجوائح و تغير الظروف , و ربما هو لذلك لا يزال باقيا بعدها,و لكن هل نظنه أيضا سيقدر على مجابهة نفسه و ما صنع,هذه العولمة التي من ذكائه أو جدها هي التي ستعمل على تغيير ظروفه كلها و تغيير أحواله معها و سوف لم يعد- في رأينا- قادرا على التكيف معها.
أليست العولمة التي يدعوننا إلى الانخراط فيها بشتى الوسائل و الطرق هي مجموعة تلك الشركات العابرة للقارات و التي أصبحت صاحبة القرار في كل الاختيارات (الاقتصادية منها و السياسية و الإستراتيجية) للدول الكبرى المسيطرة على العالم ؟ ألم يعد الآن مستقبل البشرية قاطمة بيد هؤلاء أصحاب هذه الشركات ؟ و أن بأيديهم هو وحدهم تغيير ظروف هذا العالم لخدمة مصالحهم دون غيرهم؟
و إذا كان ماركس قد أشار إلى ما يمكن أن يكون خطرا سيهدد الرأسمالية من داخلها وهو تضخمها الذي سيُفضى بها إلى انفجارها و سقوطها في أيدي عمالها عن طريق الثورة العارمة أو عن طريق اتساع رقعتها و انفلات الزمام من أيدي أصحابها , فإن ذلك لم يحدث حتى الآن و لا أظنه سيحدث يوما في المستقبل لأن هذه الشركات قد استفادت من فكر ماركس و حولته لصالحها و عملت حسابا بأن لا يثور العمال و لا تسقط الإدارة من أيديهم و ذلك بالسيطرة على اتحاداتهم و نقاباتهم و جعلهم جميعا شركاء لها في العمل و الاستهلاك معا و ليس بوسعهم بالتالي أن يخرجوا يوما عن إرادتها بما توفره لهم من الضمانات و الزيادات المتواصلة في الأجور و المكافآت.



لكن المشكلة هي في أن عمال العالم ليسوا جميعا هم عمالها بل إن النسبة الكبرى الباقية تعمل خارج دوائرها و لا علاقة لها بها إلا من حيث هي مستهلكة أيضا لمنتوجاتها المختلفة بفعل الشراكات و انفتاح العالم بعضه على بعض – و لا يخفى الآن على أحد أن النسبة الكبيرة من مواطن الشغل قد استحوذت عليها الآلة التي تصنعها هذه الشركات و تعوض بها عن العمال و بذلك هي اغتنت و كبرت و تضخمت و تسلطت و سيطرت , لأن الآلة اقل ثمنا من العمال و أقدر في العمل على صنع المحال و الزيادة في الإنتاج و تحسين الإنتاجية... بقطع النظر عما تسببه هذه الوضعية من حرمان لليد العاملة البشرية و لا ننسى أن هذه الشركات – تحسبا لما قد يتهددها من المخاطر- قد صنعت بالتوازي إلى هذه الآلة العاملة الآلة المخيفة و المفزعة لتصون بها ذاتها و تُرهب بها أعداءها و كل من تسول له نفسه الاعتداء عليها و النيل منها, آلة الحرب, آلة السلاح.
و بواسطة التخويف و الإرهاب دفعت هذه الشركات الدول دفعا إلى امتلاك هذه الأسلحة أيضا للدفاع عن نفسها و حراسة ممتلكاتها بل هي في الحق لاستغلالها كأسواق لبيع أسلحتها بالإضافة إلى بيعها إياها أدواتها و منتوجاتها التابعة لها. و ماهذه الأسلحة لدى هذه الدول الا كذر الرماد في العيون لكي لا ترى الحقيقة كما هي في الواقع إذ أن هذه الأسلحة لدى هذه الدول ماهي الا أموال ضائعة لا تنفعها في شيء لأنه بمجرد ما تحصل عليها تتكون في هذه الشركات أسلحة أخرى غيرها و أكثر تطورا منها فلم تعد تلك بصالحة لها و لا بد أن تتخلى عنها لتشتري غيرها و هكذا فإن هذه الشركات إذن هي وحدها المتحكمة فينا و في مصائرنا شئنا ذلك أم أبينا, تقدمنا بأنفسنا أو تأخرنا إذ الأمر كله لم يعد بأيدينا ... و إن هذه الشركات قد تفننت أيضا في الترويج لمنتوجاتها تلك بوسائل الإعلام المتطورة و بوسائل الإشهار ووسائل الترهيب و الترغيب التي لم تدع أحدا يخرج عن نطاقها أو عن إرادتها أحب ذلك أم كره .
و المعلوم لدى الجميع أن هذه الآلات و الصناعات و التقنيات الحديثة على اختلاف أنواعها و أشكالها و ألوانها ليست أبدا ضرورية للإنسان, و إنما هي فقط من أجل التقدم في المعرفة و تطبيقاتها و بدونها يمكن للإنسان أن يعيش سليما معافى في خير حال و انعم بال. لكن هذه الشركات قد استغلت هذا التقدم في المعرفة و عملت على استثماره في أقصى درجات الاستثمار لفائدتها و تلبية حاجتها المتنامية إلى تكديس الثروة و التوسع في المشاريع و أنواع الصناعات و جرّت الإنسان في كل مكان إلى الخضوع لها و الالتزام بمخططاتها حتى أصبح من لا ينخرط في نسقها و يرضخ لمشيئتها كما لو كان يعيش خارج التاريخ. لكن إلى أين –ترى- سيسير بنا هذا التاريخ الجديدالذي صار يرفض كل تاريخ قبله – كما لو كان هو وحده التاريخ؟
إنه لا شك –عندي- أنه سيسير بنا إلى الاضمحلال و الاندثار لأننا جميعا قد وقعنا في شباك العولمة و في الظروف الجديدة التي خلقتها و التي ستخرج قريبا عن سيطرة الإنسان و ستحوله دون وعي منه إلى شبه آلة متحركة أو ثابتة في دواليب هذه العولمة. و إذا فقد الإنسان السيطرة على نفسه و التحكم في ظروفه و صار مهمٌشا لا يعي ما يفعل فتلك هي الكارثة التي لم نعد ننتظر بعدها كارثة. و ليس هذا الكلام من باب التهويل أو التخويف أو اليأس من المستقبل بل هو حقيقة يؤكدها الواقع.الم تعد تظهر في حياتنا مؤشرات هذا المصير؟
... هذه الحروب المتوالية منذ عهد بعيد , و هذه الكوارث الطبيعية و الانحباس الحراري في الفضاء الكزني و تآكل طبقة الأوزون المتسارع حدوثه في هذا الزمان و تصحر المناطق الخضراء , و ذوبان الثلوج في قطبي الأرض, و انتشار الكراهية بين الناس في جميع أنحاء العالم ,و الهامشية و اللامبالاة بكل المبادئ و القيم,و الانسحاب التدريجي لمختلف الثقافات الخاصة لتفسح المجال لانتشار ثقافة واحدة , ثقافة الأسواق و الاستهلاك و المتاجرات. أليست كل هذه المشاكل الطبيعية منها و الاجتماعية و النفسية - المحددة في جملتها للشخصية الإنسانية- مؤشرات لسوء المصير؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف