الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشق في ظروف غير مواتية – قراءة في رواية -ملك أفغانستان لم يزوجنا- للكاتبة إنجريد توبوا

كلكامش نبيل

2016 / 9 / 20
الادب والفن


إنه لقائي الأول بالكاتبة الفرنسية إنجريد توبوا، وقراءتي الأولى لرواية تدور أحداثها في أفغانستان، ذلك البلد الذي مزقته الحروب، وتحيطه هالة من الخوف والتصورات المتعلقة بالإنغلاق والتطرف، بعد أن كان يوماً ما بلداً في طور النهضة كغيره من دول العالم النامي. في هذا الكتاب نقرأ عن رحلة شابة فرنسية إلى ذلك البلد بعد سقوط نظام الطالبان بهدف تدريس اللغة الفرنسية، ووقوعها في حب ناتان – الأمير الأفغاني المتزوج – وإن كان الإسم لا يوحي بأنه أفغانياً. وفي ظل غموض قصة الحب تلك، التي لا تشغل معظم الرواية في حقيقة الأمر، نستكشف ولع الراوية الفرنسية بذلك البلد، غموضه، عنفوانه، قسوته، وجفافه، وسحره. من الغريب أن نقرأ كتابة بهذا الجمال عن عشق بلادٍ ما ليست بلد الكاتب، إنه ولعٌ من نوعٍ غريب في حقيقة الأمر.

تصف الكاتبة هذا البلد المتطرف في مناخه – حراً وبرداً – بطريقةٍ جميلة في معظم أرجاء الكتاب، فنقرأ، "أفغانستان جافة كمعصم العجائز الذين يراقبون الشوارع. لكنها أيضاً عفية كجسد رجل صحيح البنية. لا يعادل جمالها سوى رصانتها وعنفها." ويستعرض الكتاب صوراً عديدة عن كابول، ومزار الشريف، وهيرات، وباميان، وممر خيبر، والممرات الحدودية الأخرى مع إيران وباكستان وأوزبكستان. سنقرأ عن الفقر في شوارع كابول، والحافلات الباكستانية المزخرفة، وعمالة الأطفال مقابل أجرٍ زهيد، ولهو أطفالٍ آخرين بطائراتٍ ورقية تجوب سماء ذلك البلد الجريح، لتحلق فوق الموت الذي يضرب في أوقاتٍ غير متوقعة ليزهق الأرواح. سنقرأ عن إسطوله الجوي البدائي والرحلات إلى أذربيجان، ونقرأ عن ساعات إنقطاع التيار الكهربائي، والإهمال الذي تعاني منه المدن. سنقرأ عن حياة الأجانب في ذلك البلد، وموت ماريانا، والكنيسة الوحيدة في البلاد قرب السفارة الإيطالية. إنها رحلة لنسكن في بيوت الطين، ونجوب أروقة الجامعة المتداعية، لنتعرف على صورٍ كثيرة من تلك البلاد، فنأكل اللحم والرز ونشرب الشاي بالهال. لكن الكاتبة تتكلم أيضاً عن واقع المرأة هناك، وجمال بعضهن، ذلك الجمال الذي يقبع خلف الخمار الأزرق الذي يحيلهن إلى كائنات متشابهة بلا كيان أو وجود. لكنها لا تفوت ذكر تمرّد البعض في زيارتها لمدينة شمالية، حيث نقرأ، "النساء، مرتديات ثياباً لا نراها أبداً في كابول، ينتقمن من الدولة الإسلامية، فيكشفن عن أجسادهن بشكل يبعث على الحيرة. من وكري أراقب حيل الإغراء: رجال ونساء يتبادلون الحب بلمسة فخذ أو بتشابك ساقين." ومن مظاهر النهضة الضعيفة التي تحاول الكاتبة تصويرها واقع طلابها التواقين لتعلم اللغة الفرنسية، والذين يسعدون بوجودها، ويعتذرون لها عن موت ماريانا في هجومٍ إرهابي معلنين إدانتهم لذلك الحدث.

تكاد الرواية – الحائزة على جائزة الرواية الأولى في فرنسا عام 2007 – أن تكون كتاباً عن إنطباعات إنجريد توبوا ذاتها عن أفغانستان، ففي الرواية ستقرأ تأملات كثيرة، ووصفاً سردياً لرحلات في أرجاء البلاد، وتأملات في الحياة، والكتابة، والموت، والحدود الثقافية والجغرافية، فنراها تتكلم عن كل ذلك بحب ولغة مرهفة، لكنها تفتقر لعامل التشويق. بدا ظهور الملك ظاهر شاه هامشياً وكأنه تصوير عن بقايا ماضٍ غابر لذلك البلد، ماضٍ هرم على وشك الإنقضاء مع رحيل آخر ملوك أفغانستان. لكني أعتقد بأن قصة الحب هامشية حقاً، وربما هي في الواقع حب للبلاد وليس لناتان، حب بلاد يتجسد في هيئة شخوص. في النهاية، تنتهي قصة الحب وتعود الراوية لبلادها النظيفة والأنيقة والنظامية، لكنها لم تزل تحمل حباً لسحر تلك البلاد، والسلام الذي عثرت عليه في ذلك البلد المضطرب.

ختاماً، إنها رواية حب غريب لبلادٍ غريبة، تستغل الكاتبة هذا السيناريو المتخيل على الأغلب لعرض تصوراتها عن بلاد زارتها حقاً. لن تخسروا قراءتها، لأن فيها لغة جميلة منسابة ومنتقاة بعناية.

الإقتباسات:
في غمرة البحث عن الخلود، ندرك أن كل شيء مآله الزوال مهما حدث.

الحياة، للأسف، هي سلسلة متتابعة لنوبات موت أصغر نُبعث منها دائماً.

إن الغموض الذي يكتنف الموت يجعل الميت هو الرابح دائماً.

الحب لا يعرف الموت الإكلينيكي: فهو لا يفتأ يتحرك، يصعب تحديد مكانه، كأنه دودة تسري تحت الجلد.

إن مفهوم البشر واللغات والأراضي يعني حدوداً يلوذ بها البعض فيما يحاول البعض الآخر أن يجدوا سبيلاً لإجتيازها.

الرحيل بكل أنواعه قطعي ويسهم في الحركة المستمرة لتآكل الحياة.

يكمن بيت القصيد في بلوغ النهاية، ثم إلتقاط خيط بداية جديدة.

الحروب تزمجر عبثاً، والقنابل تمزق الأجساد، لكن ليس أكثر إيلاماً من حب نقتله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن