الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة وداع صامتة - نيابة عن صديق حميم – إلى مكان .. شهد بعض أحلامه وتألق رومانسيته

بشير صقر

2016 / 9 / 23
سيرة ذاتية



تلقيت عصر الأحد 18 سبتمبر 2016 خبرا مؤلما عن وفاة صديق الصبا المهندس محمد عبد المنعم بمدينة ديسلدورف الألمانية عن عمر يناهز الأربعة والسبعين عاما .


كان الفقيد محمد أحد أصدقائى الحميمين القريبين من قلبى فى مدينة شبين الكوم منذ منتصف خمسينات القرن الماضى، شدنى لصداقته بقدرته على الإنصات لمستمعيه واختيار ردوده التى عادة مالا تكون تقليدية . كنت أشعر أن هذا الفتى يحمل بين كتفيه رأسا يختلف عن كثير من أقرانه.

*حصل محمد على الثانوية العامة مرتين عام 1959 ، 1960 ودخل فى الأولى كلية الزراعة بشبين الكوم وفى الثانية كلية الهندسة جامعة الإسكندرية حيث تخصص فى الهندسة البحرية .


*وبعد انتقاله للإسكندرية كنا نلتقى ونتراسل بين الحين والآخر طيلة سنوات الدراسة الجامعية حتى تخرجنا من الجامعة وجاء تعيينى فى العمل بمنطقة المنتزة بشرق الإسكندرية قريبا من منزله بحى المندره فعاودنا لقاءاتنا الدائمة كما كنا فى الماضى .

*لم نكن نتعب أو نمل من الحوار والنقاش الذى كان يتسع لمختلف المجالات حتى البعيدة عن دراستنا وثقافتنا.

*بعدها شرع فى رحلته الأخيرة التى استمرت حوالى نصف قرن فى نصف العالم الشمالى والتى بدأها فى العمل بإحدى شركات صيد السمك الكبرى ، فتباعدت لقاءاتنا حتى انقطعت إلا من من خطاب أو اتصال تليفونى كل فترة طويلة.

*كان محمد عبد المنعم متنوع المهارات .. موهوبا فى بعضها ، وكان يتمتع بصفة قلما تجدها فى إنسان أو فى أحد أصدقائنا هى الجمع بين التألق النظرى والمهارة العملية، وكان يكتب بكلتا يديه بمستوى متقارب كما كان دءوبا وصبورا كما النمل ؛ مصرّا على الوصول إلى نتائج ملموسة لاجتهاداته العقلية النظرية.. طالما كان مقتنعا بها.

*فى إحدى رحلاته – باعتباره بناّء سفن – استقر به المقام لبعض الوقت فى ميناء جدانسك ببولندا –أحد أشهر موانى بناء السفن فى العالم - محاولا أن يكون قريبا من " أسطوات المهنة " ليكتسب الخبرة، وبالمناسبة فذلك الميناء هو الذى انطلقت منه حركة تضامن العمالية المتمردة التى تزعمها القائد العمالى ليش فاونسا.

*وفى " سرحة أخرى من سرحاته " عكف على تأليف قاموس أسبانى عربى .. إلا أنه لم يستكمله بسبب ضيق وقته وكثافة أعماله وانشغالاته ، وبقدر روحه العملية البارزة كان رومانسيا حالما يعزف على آلة الفلوت وهو فى مرحلة الدراسة الثانوية ثم أضاف لها آلة القانون فيما بعد؛ وعادة ما كان يعزف فى الحفلات المدرسية والعامة ولأصدقائه فى لقاءاته بهم .. أو فى أية مناسبات سعيدة تخص بعضهم.

*فى عام 1969عرفت بالمصادفة أنه يعمل على نفس السفينة مع صديق لى فسألته عن أحوال هذا الصديق وعن تقديره له فأجابنى برد يحمل بصمة العالم والفنان فى جملة واحدة وقال: " هو مثل طابع البريد .. له وجه واحد..واضح" ، وقيمة الإجابة تتمثل فى دقتها من ناحية وتشبيهها البليغ الجميل من ناحية أخرى.

*كما كان بسيطا جم التواضع ، واثقا من نفسه ، معتدا بذاته وبمصريته ، ومعتزا بأصدقائه القدامى وبأهله وبارا بهم .

*بعد أن جاب العالم كمهندس بحرى .. استقر به المقام فى ألمانيا حيث أسس مع أحد زملائه الألمان شركة للتفتيش على السفن كانت دولية النشاط ثم صارت فيما بعد متميزة ومعروفة فى هذا المجال .. إلى أن انتقل إلى عنوانه الأخير فى 18 سبتمبر 2016 .

*عندما أبلغنى صديقى سعيد شعلان – ابن خاله – يوم الأحد بالخبر كنت خارجا لتوى من وعكة صحية لازمتنى عشرة أيام مزعجة .. وعلى الفور اتصلت بشقيقه الأصغر المهندس سعيد عبد المنعم لأواسيه وأواسينا وأستفسرعن مكان استقراره الأخير ، وعرفت أنه سيكون بحى المندرة حيث مقابر الأسرة. وفى اليوم التالى الإثنين19 /9 عاود سعيد شعلان الاتصال بى ليخبرنى أن جثمانه سيصل فى السابعة مساء الثلاثاء20 سبتمبر لمطار القاهرة لتجرى مراسم الجنازة ظهر اليوم التالى الأربعاء 21 سبتمبر 2016.


فى صباح الإثنين وجدتنى أرتدى ملابسى وأغادر منزلى – رغم حرارة الجو وارتفاع نسبة الرطوبة – دون أن أحدد وجهتى .. وفى شوارع مدينة شبين الكوم قادتنى قدماى إلى شارع المدارس – المكان الأثير للقاءاتنا فى مقتبل شبابنا - حيث تقبع مدرستنا ، وهناك بالقرب من " الإعدادية القديمة " صوبت نظرى نحو شرفة منزل - كان يوما منزل محبوبته - الذى كثيرا ما كان يرنو إليه منتظرا إطلالة فتاته. فقد كانت أنفاسه وأنامله على آلة الفلوت هى من لفت نظرها إليه وحرك مشاعرها نحوه وأثار خيالها. أما ما حدث منى فقد كان أقرب لرسالة وداع صامتة - نيابة عن صديق حميم – إلى مكان شهد بعض أحلامه وتألق رومانسيته التى كانت واحدة من سماته و إحدى مواطن جاذبيته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة