الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مختصر لكتاب -ثلاثة وثلاثون يوماً في الطوفان- -1

دلشاد مراد
كاتب وصحفي

2016 / 9 / 26
السياسة والعلاقات الدولية



كتاب "ثلاثة وثلاثون يوماً في الطوفان"
تأليف: سيدار ـ 2000م
منشورات لجنة الأدب في روج آفا
طبع في شباط 2016م
توزيع: مؤسسة روناهي للإعلام والنشر



سيدار عضو في حركة التحرر الكردستانية، من بينغول في باكور كردستان، تلقى التدريب في اليونان عام 1995 ـ 1996 ، ثم تم فرزه إلى استانبول للقيام بالعمليات، بعدها ألقي القبض عليه من قبل السلطات التركية، وبعد إطلاق سراحه جاء إلى روسيا، وفي الشتاء الروسي القارس من عام 1999م كان يقيم كأحد أعضاء إدارة قرية أو معسكر أدوينسوفا الواقعة في الغابات السيبيرية الكثيفة والتي اشترتها حركة التحرر الكردستانية من روسيا، باعتبارها كانت مهجورة، واستخدم كمقر تدريبي للناشئين وكمقر إعلامي وفني للحركة.
استدعي سيدار للمجيء إلى موسكو من قبل صديقه الصميمي "تايهان" المسؤول الإداري الأول لمنظمة روسيا لحركة التحرر الكردستانية، دون أن يخبره في البداية عن سبب استدعائه.
وعندما التقيا، أخبره تايهان إن القائد عبد الله أوجلان موجود في موسكو وهو في منزل جيرنيوفسكي، وإنه اختير كعضو في طاقم الحماية والمرافقة للقائد إلى جانبه وفاطمة (هي من عائلة كردية تم نفيهم من كازاخستان في القرن الثامن عشر)، وقال له إنه ينبغي الاستفادة من فرصة وجوده في روسيا لرؤيته ومشاركته الحياة والتعلم منه، قائلاً: "الأكاديمية بذاتها موجود هنا"، وهو ما أثار فضول سيدار الذي داهمته عاصفة هوجاء من العواطف أثناء لقائه إلى جانب تايهان وفاطمة بالقائد في بيت جيرنيوفسكي وبحضور (ماهر مسؤول تنظيم روسيا آنذاك والعضوة في الحركة روزرين) والسائق طاهر، وما لاحظه سيدار أثناء اللقاء اهتمام القائد بمن يخاطبه، ونظراته العميقة المؤثرة في الإنسان.
كان القائد يدرك جيداً أهمية وخطورة الظرف الذي عاشه آنذاك بقوله لهم: "أحياناً وفي لحظات يتم اتخاذ القرارات التاريخية, مثلما نحن عليه الآن تماماً، حيث لم أفكر في ذلك أبداً، جرني التاريخ إلى هنا، فلا أنا ولا أنتم كنتم تنتظرون هذا المجيء، والآن سنعمل من هنا لإعطاء اتجاه للتاريخ".
بعد هذا اللقاء التعارفي انطلق موكب القائد مع مرافقيه إلى منزل للضيوف مبنية في بداية غابة كبيرة للصنوبر، والمسكن الجديد كان مكوناً من ثلاثة طوابق يقف أمامه ثلاث عناصر من عناصر الحماية، وبعد جولة للقائد ومرافقيه في طوابق المنزل، قال مبتسماً: "سنحول هذا المكان إلى أكاديمية"، البيت كان أيضاً لجيرينوفسكي, وقد كانت الأجرة الشهرية مقابل بقاء القائد في البيت 15 ألف دولار. وقد علق سيدار على ذلك ساخراً بقوله "صديق يأخذ المال من ضيوفه".
نظم مرافقو القائد أعمال البيت الداخلية, حيث كلف سيدار وتايهان بالحراسة أمام الشقة، أما روزرين وفاطمة فاهتمتا سوية بمطبخ القائد.
في اليوم التالي بدأ القائد على الفور ببرنامجه اليومي، في الصباح بدأ بالمشي خارج المنزل وبرفقة الحماية "سيدار وتايهان"، "وفي الخارج تفحص القائد جميع الاتجاهات بعيون مدققة, عينيه تغوص بعض المرات في خضرة الغابات, وتتعلق أحياناً بالسماء المغيمة الزرقاء, وأحياناً أخرى هي التي تنعكس على حدقة عينيه، وبإعطاء عيناه الغائرتين في البعيد وضعية غامضة, يضحك وتتلمع عيناه ومن جديد، تتصل حاجباه ويصبح عيناه حادتين. في كل مرة نظراته المؤثرة تشمل حتى أعماق الروح. أبطأ من خطواته قليلاً ليحادث تايهان قائلاً: "أفكر هل يوجد شيء يسمى معجزة..؟ عندما أنظر لنفسي, أرى خروجي يشبه الأنبياء... بحث مثل كلكامش... ومهما يكن فأنا أفكر بشكل مادي, إلا إنني أفكر, عجباً هل لخروجي جوانب معجزوية".
يجاوبه تايهان:"قائدي؛ إنه يشبه الحركة الثانية للهجرة. فقبل خروج محمد للمدينة ذهب للطائف وفيما بعد قام بهجرته الثانية الكبيرة للمدينة... التاريخ يكرر نفسه بأشكال متفرقة...".
ثم قال القائد: "لقد قمنا بهجرتنا عندما خرجنا للشرق الأوسط, التاريخ لا يتكرر, ولكن ينتعش مرة أخرى عندما يأتي مكانه وزمانه, اننا الآن نحيا التاريخ... ماذا سيقول الروس عن مجيئنا، ماذا سيحصل..؟".
يجاوب تايهان: "قائدي، إن كانت روسيا تريد ممارسة السياسة في منطقة ذات موقع سياسي هام مثل الشرق الأوسط، فإنها مجبرة على أخذ الكرد بعين الاعتبار, وسيقومون بتقييم مجيئكم ....".
وهنا أنهى القائد المحادثة مع تايهان، بقوله: "حسناً هل هناك قوى سياسة مبدئية تليق بتاريخهم..؟، كل يوم نعيشه هنا سيخلق تطورات تعادل الـ 20 سنة التي قضيناها في الشرق الأوسط, هل تريدون أن نحيي البلشفية هنا... طبعاً أنتم بعيدين كل البعد عن الابداع والتطورات...! أنتم تنتظرون الأشياء الجاهزة..".
القائد كان في المنزل إما يقرأ الكتب أو الصحف أو يفكر وهو يتمشى داخل الغرفة, كان يفكر كثيراً، وعندما كانت روزرين تأخذ الطعام في أوقاته كان سيدار وتايهان يسألونها عند رجوعها "ماذا يفعل..؟". كان يتلقون منها الإجابة مثل كل مرة "إنه يفكر". وقد كان لدى القائد كتب جلبها معه منها كتاب (النبي محمد) لـ م. رودينسون، من منشورات حرييت، (نسخة مختصرة لملحمة كلكامش)، (التاريخ المختصر للمائة عام) لـ ستيفن هاوكينغ، وكتاب (تاريخ الفكر في بلاد ما بين النهرين)، وكان يأتي بانتظام الصحف التركية التي تنشر في موسكو ومن أوروبا كان يتم إرسال جميع كتابات الزوايا وأخبار أشهر الصحف بالفاكس، وكان القائد يستمع بدقة إلى أخبار MED TV وللموسيقى التي تبدأ قبل الأخبار. يقول سيدار في ذلك: "لاشك ان الإنسان الذي يحب الاستماع إلى الموسيقى هو إنسان قوي العاطفة، يحس بعظمة ما يعيشه في قلبه والموسيقى تحرك عواطفه ويحيي في مخيلته ذكريات وخيالات مختلفة انسجاماً مع الموسيقى، وهذا الوضع يؤثر في عمق نفسيته"، ويضيف "كان عينا القائد تنظران دوماً إلى الغابة وصفحة السماء، أما الطابع الحاكم فيه فهو تفكيره المتواصل دون أن يقطع نظراته للبعيد".
في اليوم التالي يأتي جيرنيوفسكي لمقابلة القائد وبرفقته "رستم برويي" العضو الوحيد الممثل للكرد في مجلس الدوما (البرلمان)، وهو من كرد روسيا، بغرض الترجمة بين القائد وجيرنيوفسكي أثناء المقابلة، وكان ولفترة طويلة عضواً في الاستخبارات الروسية كمختص في الأمور التركية. فقد كان جميع الاتصالات تهدف لخلق جو سياسي يمكن من إيجاد مكان دائم ملائم للقائد.
أراد القائد معرفة مصداقية الروس، فسأل في المشي الصباحي سائقه طاهر عن طبيعة الشعب الروسي ، فأجاب طاهر موضحاً:" قائدي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تفشى انحلال خلقي كبير بين الشعب، خاصة جيل الشباب، فهم لا يفكرون بأي شيء ما عدا الغرائز، يشربون الفوتكا من الصباح حتى المساء".
قوى المؤامرة الدولية كانت تتربص بالقائد، لا تعرف على وجه التحديد مكان تواجده، والشعب الكردي أيضاً في تلهف شديد لمعرفة مكان القائد وأوضاعه الصحية.
القائد كان قد أصيب في كبريائه عندما لم تسمح اليونان له بالبقاء فيها، عندما خرج القائد من الشرق الأوسط جاء إلى اليونان في البداية وظهرت حقيقة صداقة اليونانيين الذين رفضوا بقاء القائد بقولها: "إن لم تخرجوا من بلادنا، سنقوم بما يتطلبه عضويتنا في الاتحاد الأوروبي".
لذلك فإن روزرين كانت تبذل جهوداً حثيثة لتجهيز مكان للقائد في اليونان من خلال بعض السياسيين اليونانيين الأصدقاء في حال حدوث طارئ، إذ كانت تتصل وبشكل يومي تقريباً بروجهات الذي يهتم بالعلاقات التنظيمية في اليونان بشأن ذلك.
قرر القائد الادلاء بخطاب تاريخي متلفز عبر الهاتف من غرفته إلى الرأي العام أوضح فيه تفاصيل المؤامرة بشكل مفصل، داعياً الكريلا إلى العمل والنضال والفكر، وعن نتائج خروجه من الشرق الأوسط؛ اختصر ذلك بهذه المعادلة :"بخروجنا من أنقرة إلى دياربكر تحولنا إلى حزب، وبخروجنا من تركيا إلى الشرق الأوسط تحولنا إلى جيش، ومن الشرق الأوسط انفتحنا على العالم وسنتحول الآن إلى دولة".
ومن خلال المكالمة التي أجراها القائد تمكنت أمريكا والموساد من تثبيت موقعه عن بعد بواسطة الأقمار الصناعية ، وأصبحت ذلك مانشيتات في معظم الصحف التركية، من بينها مانشيت بعنوان عريض "أودينسوفا" جاء في متن الخبر: "عثر الـ MIT على آثار عبدالله أوج الآن في روسيا بناحية أودينسوفا التي تبعد عن موسكو بـ 30 كم نحو الغرب، موجود في فيلا تحت المراقبة، وفور تثبيت وجود أوجلان في روسيا قامت وزارة الخارجية باستدعاء السفير الروسي في أنقرة وأبلغته بالمعلومات في موضوع أوجلان ، لكن السفير بيديف قال: "إن أوجلان غير موجود لدينا".
بعد كشف مكان القائد وحتى لا يتأزم الموقف وحفاظاً على حياة القائد تطلب ترك المنزل مباشرة وإخراجه وأخذه لمكان آخر. ولهذا تم نقل القائد ومرافقيه إلى بيت (ميترافانوف) وهو من حزب جيرنيوفسكي وعضو بالبرلمان ورئيس لجنة الجيوبوليتيكا " الجغرافية السياسية" في الدوما، لحين البحث عن منزل آخر ليبقى القائد في سرية وبعيداً عن الأنظار.
التقى ميترافانوف مع القائد في الشرق الأوسط قبل الآن وهو أحد الذين وجهوا إليه الدعوة للقدوم إلى روسيا، وهو لا يستعمل المنزل كثيراً، بل يبقى فيه أوقات العطل فقط.
بعد أن أنهى القائد جولته في البيت قال لمرافقيه: "من الآن فصاعداً سأسير واضعاً أفكاري، جهودي الثورية وكل ما أملك في خدمة من يدرك قيمتها، لن أكون كالسابق أبداً...!. في الحقيقة كان علي أن أقوم بهذا الانفتاح في أعوام91 ـ 92. إن توفر لي الوقت في المستقبل سأقدم نقدي الذاتي وبشكل مكثف في هذا الإطار، إن جميع محاولاتي تستند إلى جذوري التاريخية؛ الحياة وفق جذور التاريخ جميلة بمرارتها وسعادتها"، ثم أضاف وبغضب: "منذ 20 سنة وأنا أتحدث كل يوم للجميع ومع الجميع دون توقف, من الصباح حتى المساء، حولتموني إلى ثرثار يكرر الكلام نفسه، معدتي تورمت من الكلام طوال عشرين عاماً، لكن ومنذ مجيئي إلى هنا، سكنت آلامها، قمت بما يتطلب مني، ومن الآن فصاعداً افعلوا ما يحلو لكم، لا تعملون ولا تنجحون، لذا تموتون بكل سهولة..! اننا نسير على الصراط المستقيم, مَنْ منكم يحس بهذا الأمر..؟. حملة طوفان التمشيطية التي بدأت في 1 تشرين الأول هدفها التخلص من القائد جسدياً، وان لم يتحقق ذلك فسيخلقون وضعاً لا نستطيع فيه التنفس"، ثم قال:" لقد أديت مهمتي، قمت بما يتطلب مني".
ترك ما قاله القائد صدىً مدوياً لدى سيدار، بينما قال تايهان لسيدار مبتسماً: أنا أيضاً مثلك، لكن لا تنسى إنها خصوصيات تميز كل إنسان عن الآخر؛ لحياة القائد منذ الصغر جوانب كثيرة مميزة، وهذا ما يمكنك رؤيته في قصص حياة جميع العظماء، إنهم يعيشون منذ صغرهم تناقضات، وأغلب تطوراتهم هي تلك الفروق التي تميزهم عن الناس العاديين، ومميزات هؤلاء الناس متقاربة؛ مثل نيتشه ونابليون وماني، حيث عاشوا خلافات حادة مع الآخرين في عهودهم, هذه الفروقات تمنح شخصياتها سجية التصرف, قد تكون التصرفات مختلفة ومذهلة للناس العاديين، وتصرفات القائد تعكس شخصيته بهذا الشكل للخارج".



* نشر في صحيفة روناهي - العدد 327 – 18/9/2016م









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا