الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطورة تجديد الخطاب

السيد نصر الدين السيد

2016 / 9 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"وُجدَ الدين لخدمة الإنسان ولم يُخلقْ الإنسان لخدمة الدين"

في عصر ما قبل العلم بأدواته المنضبطة لدراسة الواقع وللتحقق من صدق ما يقال عن احواله، كانت الأسطورة. والاسطورة هي حكاية ولكنها ليست ككل الحكايات فأبطالها كائنات علوية، آلهة ملائكة شياطين، تؤثر رغباتها وافعالها على مصائر الانسان. وقد ابتدعها خيال الانسان لتساعده على تفسير ما يدور حوله من احداث سواء كانت طبيعية، كشروق وغروب الشمس، او اجتماعية، كتفسير مصدر سلطة الحكام. ففي مصر القديمة، على سبيل المثال، لم يكن شروق وغروب الشمس الا رحلة الاله رع في مركب يعبر به البحر السماوي. اما سلطة الحاكم فهي مستمدة من كونه وريث الاله حور اول من حكم مصر بعد انتقم ممن قتل اباه الاله أوزير.
الا ان ظهور منظومة العلم الحديث منذ حوالي 500 سنة قدم أداة بديلة لفهم الواقع ولتغييره تم التأكد من فعاليتها عبر ما قدمته من إنجازات. واليوم مع تعاظم دور العلم وحضوره غير المسبوق كعامل مؤثر في مختلف جوانب حياة الانسان انتهى دور الأسطورة كأداة لفهم الواقع وتغييره. وهكذا لم يعد للأسطورة مكان الا صفحات الكتب التي تعني بتاريخ تطور المجتمعات. الا ان العبارة السابقة ليست دقيقة بدرجة كافية اذ ماتزال الاساطير تلعب دورا مؤثرا في تقرير مصائر مجتمعات هذه المنطقة المنكوبة. فقد ابتليت هذه المجتمعات بمجموعة من الاساطير مثل "العصر الذهبي" و"الوسطية" و"الأصالة والمعاصرة" و"الغزو الثقافي" (قنصوة, 2007) ص. 36-41). واسطورتنا اليوم هي واحدة من تلك الاساطير التي تقدم وصفا مغلوطا للواقع ومن ثم تخرب أي محاولة لتطويعه لصالح الانسان. انها اسطورة "تجديد الخطاب الديني الاسلامي" التي تتعدد اشكالها. وهي في أحد اشكالها الأكثر شيوعا تنص على "ان سبب انتشار الفكر الاسلامي المتشدد في المجتمع وعلى الأخص بين الشباب، وبكل ما ينشأ عن هذا الفكر من تيارا ت تكفيرية، هو ضعف خطاب ما يسمونه بالإسلام الوسطي. لذا يصبح تجديد هذا الخطاب امرا ضروريا لمقاومة هذا الانتشار"
وعبارة "تجديد الخطاب الديني"، التي تعبر عن مضمون هذه الأسطورة، عبارة ملتبسة بامتياز. و"الالتباس" هو تعدد الآراء أو الخيارات حول موضوع ما وصعوبة اختيار أيا منها إما لنقص المعلومات أو لغيبة الشواهد (أو المعايير) المؤكدة للترجيح فيما بينهم. إنه الموقف الذي يوجد فيه من يقف أمام مفترق طرق حائرا لا يدري أيها يسلك. وأحد مصادر التباس هذه العبارة هو تعدد تفسيرات كلمة "تجديد". فالبعض يرى ان عملية التجديد تتعلق بلغة الخطاب الديني المحكية وفي طرق التواصل مع الفئات المستهدفة وذلك باستغلال ما توفره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أدوات. انه فريق "التجديد السطحي" الذي يهتم بالأدوات، أدوات التواصل، ولا يلقي بالا للمحتويات.
ويرى البعض الآخر (التيار السلفي) التجديد على انه إعادة الشيء الى صورته التي كان عليها من قبل (صورته الاصلية). ومن منظورهم فإن تجديد الخطاب الديني يعني اعادة الاسلام الى صورته الاولى كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته. وهم في ذلك يستندون على الحديث الضعيف "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".
والتجديد بالنسبة لفريق ثالث، فريق "التنقية"، هو تنقية الأحاديث النبوية ومراجعة التراث الفقهي الإسلامي لتنقيته مما لا يتلاءم مع مقتضيات العيش في مجتمع حديث. ويرتكز هذا الفريق في دعواه على تاريخ عملية تدوين الأحاديث التي بدأت في نهاية القرن الهجري الأول واكتملت في منتصف القرن الثالث الهجري بإصدار الإمام البخاري كتابه الشهير "الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيام"، الشهير بِاْسم "صحيح البخاري". ولقد شهدت هذه الفترة صراعات على السلطة بين عدة أطراف حاول كل منها دعم موقفه باستخدام الدين. وكانت الأحاديث الموضوعة والمكذوبة أحد الأدوات التي استخدمها المتصارعون. وبالطبع لا يمكن اغفال أثر عادات وتقاليد الأمم التي غزاها المسلمون على التراث.
والفريق الرابع هو فريق "الاجتهاد" الذي يرى ان فتح باب الاجتهاد من جديد هو التجديد المنشود. والاجتهاد هنا هو "بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظنِّي". ويرى هذا الفريق ان إعادة تفسير النصوص المقدسة على ضوء ما استجد من تغيرات في المجتمعات الإنسانية هو أمر لا غنى عنه. والاجتهاد عندهم في كافة الأمور باستثناء النصوص القطعية من حيث الثبوت والدلالة والإجماع الصريح المنقول إلينا بطرق التواتر.
والفريق الخامس هو فريق "التأويل" الذي يرى ان الاكتفاء بالمعنى الظاهري لكلمات النصوص المقدسة غير كاف لمواكبة التغير المتسارع في الواقع المعاصر. والحل الذي يتبناه هذا الفريق هو "التأويل". والتأويل هو الخروج من معنى الكلمة (الجملة، النص) القريب الظاهر، إلى معناها البعيد بدليل أو قرينة لولاهما ما جاز هذا الخروج.
وعلى الرغم من وجود اختلافات بين هذه الفرق الخمس (التجديد الظاهري، السلفي، التنقية، والاجتهادي، التأويل) الا انها جميعها تتفق في امر واحد يمكن ايجازه في عبارة "النص أولا والواقع ثانيا". فنقطة البداية لديهم هي النص الديني الذي يعتبرون ان اغلبه منزه عن كل تحريف وشبهة ولا يخضع للنقاش. الا ان تعقد الواقع المعاصر وسرعة ما يحدث به تغيرات يظهران عجز هذه النصوص، أو تفسيراتها السائدة، عن مواكبة مستجدات الأمور وينذر بانتهاء صلاحيتها. لذا فهم يحاولون مد تاريخ صلاحية هذه النصوص سواء كان ذلك عن طريق الاجتهاد او التأويل او الاجماع ا ... ان وجود هذا المشترك يعني في نهاية المطاف ان تبني أيا من مفاهيم التجديد تلك لمواجهة انتشار الفكر المتشدد سيكون كمن يحاول إطفاء نار مشتعلة باستخدام البنزين.
ويبقي السؤال كيف يمكن مواجهة انتشار الفكر المتشدد بشتى اشكاله؟ فهو فكر تتعدد اشكاله ما بين صورة زاعقة تكفيرية تتبنى منهج العنف المسلح وصورة وديعة تتبنى منهج الدعوة كوسيلة للتمكين. وهو سؤال تقتضي الإجابة علية الإجابة عن سؤالين. الأول ماهي العوامل التي أسهمت ولا تزال تسهم في انتشار هذا الفكر؟ والسؤال الثاني هو عن البديل؟ فنجاحك في تخليص عقل من فكر ضار لا يدوم مالم توفر الفكر البديل.
سؤالين سأحاول الإجابة عليهما ومساعدة قراءي الاعزاء مرحب بها.
المراجع
قنصوة, ص. 2007. تمارين فى النقد الثقافى. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مأساة الاسلام
محمد البدري ( 2016 / 9 / 30 - 02:55 )
لا شئ اسمه تجديد الخطاب الديني ولا شئ ايضا اسمه اصلاح ديني. فاي اقتراب من الدين أو بنية الدين تؤدي لانهياره وبزوغ دين آخر، ذلك لان الدين وكما تكلس في بناء مصمت لا يقبل الا طاعة اتباعه كلس ايضا وتحجرت بسببه عقول تابعيه. ولنا في الاصلاح الديني في اروبا نموذج حي لما سبق بيانه، فبدءا من البرتستانت ظهرت كنائس اخري وعقائد اخري ادت الفوضي فيما بينها الي الخروج تماما من عباءة المسيحية الي العلمانية. عدم ظهور امر مماثل في الاسلام ان لا احد حاول عمل اصلاح اي بتشريح الدين واستخراج ما يصلح منه أو علي الاقل تشريحه وفهمه كما فعل المعتزلة قديما وجري لهم ما جري ولمنافسيهم ايضا. لقد حرصت السلطة الي عدم الاقتراب من النص اي الاقتراب من الدين ليس خوفا عليه انما حرصا علي بقائها هي وتلك هي ماساة الاسلام. تحياتي وجزيل الشكر والي لقاء في استكمال السلسلة

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah