الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملخّص لكتاب -ثلاثة وثلاثون يوماً في الطوفان- -4

دلشاد مراد
كاتب وصحفي

2016 / 9 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


الوداع الأخير لتايهان

تايهان كان ينظر إلى عيون جهاد الثاقبة والمليئة بالإيمان والثقة.
قال جهاد مبتسماً: "حسناً، ماذا يتطلّب منّي لأفعله لأسمع العالم جميعاً بهذه العمليّة، ولأحوّلها إلى عمليّة حزبيّة…؟”
قال له سيدار بصوت مرتجف: "في البداية لا بدّ من رسالة للقائد، وأن تضمّ أقساماً وعهوداً تنادي الشعب وقوى المؤامرة…".
تدخّل تايهان في الحديث قائلاً: حسناً سأكتب الرسالة مع الرفيق جهاد، لكن يتطلّب تثبيت مكان العمليّة… أيّهما أكثر تأثيراً يا تُرى... الساحة الحمراء أم أمام الدوما...؟”
سيدار: أمام الدوما ستكون أكثر تأثيراً، فللدولة الروسيّة نصيب كبير في الوضع الذي آل إليه القائد، وإن حصلت هناك فستكون جواباً ورسالة لهم أيضاً.
بعد أيام أنهى تايهان الكتابة، وفي نهايتها كتب شعراً أيضاً، وأخبر سيدار بذلك، مؤكّداً أنّه سيعجبهم ما كتبه، وقد وصف سيدار ما كان يدور في داخله عندما كان تايهان يتحدّث معه: "عندما كان تايهان يتحدّث أحسست بألم يخزني، كأنّه خنجر انغرس في قلبي؛ كان يتكلّم من داخله، كأنّه هو الذي سينفّذ العمليّة... لا هذا الأمر مستحيل، فقط كتب لمساعدة الرفيق جهاد.... ثمّ إنّ القائد كلّفه بمهمّة لأجل المؤتمر...لا .... لا... كيف أبعد هذه الأفكار التي تحلّق في سمائي... أما وتلك الكلمات... "كتبت شعراً أيضاً، إنّني متأكّد أنّكم ستُعجبون بها جدّاً". وكأنّه يريد إخبارنا بشيء أو أن يقول شيئاً أو ربّما أنا الذي أظنّ ذلك. كان ينظر إليّ بنظرات عجيبة وذات مغزى. هل يريد الإفصاح عن شيء ما، لم يقله...؟
وقبل أن يغادر تايهان مع جهاد لمساعدته في تنفيذ عمليّة حرق جسده أمام مجلس الدوما، قال تايهان لـ سيدار: "سنلتقي قريباً" بعدها احتضنه وكأنّه سيذهب إلى سفر بعيد. ثمّ أضاف: "انتبه لنفسك جيّداً". سار مباشرة إلى السيّارة، فتح الباب الأماميّ للسيّارة، وعندما همّ بالصعود التفت للخلف وقال ضاحكاً: "لا تنسى سقاية أزهاري..!. اهتمّ بالقطّة البيضاء... لا تسمح لأحد أن يضربها أو يطردها..." ثمّ صعد السيّارة التي اختفت بعيداً عن الأنظار.
تساءل سيدار عن سبب وداع تايهان وكأنّه يخرج إلى رحلة طويلة...!

تنفيذ العمليّة

كان فريق العمليّة مكوّناً من جهاد وتايهان وطاهر (سائق سيّارة) وشاب لتصوير العمليّة (آراس).
بعد وقوف السيّارة في إحدى محطّات البنزين القريبة من موسكو، أخذ تايهان عبوتين من البنزين ووضعها في المقعد الخلفيّ بجانب آراس ونبّهه بالحفاظ عليهما.
"رفيق طاهر توقّف هنا". توقّفت السيّارة، ثمّ ترجّلوا جميعاً. قال تايهان لآراس وطاهر بهدوء واتّزان: "سننفّذ عمليّتنا الآن في الساحة الأماميّة للبرلمان، لكن هناك مناوبين مسؤولين عن حراستها، لذا سنقوم بجولة سريعة ونقف في مكان خاف عن أنظارهم، أما أنتم فستصوّرن من داخل السيّارة... كونوا حذرين... لا بدّ أن تسلّموا الشريط للحزب دون التحجّج بأيّة ذرائع أو مبرّرات".
صعدوا السيّارة ثانية... اتّجهت السيّارة نحو "الدوما" سالكة الطريق الفرعيّ. وسط ازدحام السيّارات في الشارع الفرعيّ، وفي الجولة الثانية عثر الرفيق تايهان على المكان المناسب وقال: "أجل، توقّف هنا" بعد أن أوقف طاهر سيّارته، نظر جهاد بعيون ترسل أسمى معاني الجمال والصدق إلى آراس وطاهر قائلاً: "حافظوا على صحّتكم... أوصلوا سلامي إلى كافة الوطنيين...! وداعاً...!" حمل العبوة المليئة بالبنزين ونزل من السيّارة راكضاً نحو ساحة البرلمان. عند ذلك التفت تايهان إلى آراس الجالس في المقعد الخلفيّ قائلاً: "هيا افتح النافذة وجهّز الكاميرا" أوشك جهاد على الوصول إلى ساحة البرلمان، أمّا آراس فكان لا يزال مشغولاً بفتح النافذة التي أبت أن تتزحزح بسبب تراكم الصقيع عليها، قال آراس مرتبكاً: "لا أستطيع فتحها".
ردّ تايهان:" أذب الجليد بنار القدّاحة" "لا أملك قدّاحة" وبحركة سريعة أخرج تايهان القدّاحة من جعبته. "خذ واستخدمها". بدأ آراس بإذابة الجليد المكوّن على النافذة بنار قدّاحة تايهان الهادئة. تايهان: أسرع يا آراس.
كان آراس يذوب مع ذوبان فلذات الجليد لكنّه واصل محاولاته دون توقّف. في هذه الأثناء كان جهاد قد شكّل حلقة دائريّة من البنزين وسط الساحة الأماميّة للبرلمان.
التفت تايهان إلى آراس الذي لم يكن منتهياً من إذابة الجليد ليفتح النافذة تماماً وقال:
أعد لي القدّاحة لأنّها تلزمني ولا أملك غيرها.
اضطرّ آراس لصرف كلّ قوّته، حتّى نجح في فتح النافذة حتّى منتصفها.
تايهان "حسناً، باستطاعتك التصوير من هنا".
أخذ آراس الكاميرا ووضعها بين يديه، حينها خرج تايهان من السيّارة مباشرة واتّجه نحو جهاد بخطوات سريعة ووصل إليه، كان جهاد يسكب البنزين على بدنه من رأسه حتّى أخمص قدميه، أما تايهان فركض متّجهاً نحو البرلمان تاركاً الرسالة أمام مدخله، ثمّ عاد مسرعاً إلى جهاد.
لم يكتفِ جهاد بسكب البنزين على بدنه، بل شربها أيضاً، حينئذ أخذ تايهان العبوة من جهاد ثمّ أشبع خطوط الحلقة التي رسمها جهاد بالبنزين ومن ثمّ بدء بسكبه على بدنه...
كان آراس شادّاً على الكاميرا بكلتا يديه، يصوّر المشاهد الحيّة التي تتراقص أمام عينيه، مذهولاً دون حراك.
انتهى كلّ من جهاد وتايهان من عمليّة سكب البنزين، وبدأ تايهان بإخراج قدّاحته، ثمّ تعانقا بحرارة... وما هي إلا لحظات حتّى غاص ظلام الليل الحالك بين ثنايا لهيب نار جسدي جهاد وتايهان، لتشكّل أعظم مشهد من مشاهد رقصة النار والحرّيّة عندما كانا متعانقين مع بعضهما وحلقات النار تهتف باسمهما أما همّا فيهتفان بـ:
(عاش القائد APO، عاش القائد APO).
وخلال لحظات جاء أحد الرفاق بفاكس قادم من موسكو، كانت الكتابات معنونة "إلى الرأي العام العالميّ".
ازدادت حسرة سيدار، لأنّ خط الكتابة كان لتايهان...أسرع في قلب صفحاتها مرتبكاً.... رأى النهاية مكتوبة بـ اسم تايهان أوميد وجهاد... تايهان أيضاً...!؟
كلّ الموجودين هناك كانوا في سكون يتابعون التلفاز، وإذ بأحد الأطفال يصرخ وينحب...
هفال تايهان... هفال تايهان...!
أسرع سيدار متّجهاً نحو التلفاز.
وسط ظلام دامس، ثمّة جسدان يضيئان بلهيب النار ويصرخان:
(عاش القائد APO...)
عرفهم سيدار بعد أن أمعن النظر، تعالت الأصوات واختلطت في الغرفة.
يقول سيدار عن أحاسيسه في ذلك اللحظة "صحيح أنّي أعدت عواطفي وأحاسيسي لهذا الصباح، لكن ليس بهذا القدر، فتحمّل ذلك كلّه كان يستدعي قوّة خارقة، لا أملكها".

*نشر في صحيفة روناهي- العدد 330 / 29 أيلول 2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا