الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لأجل العراق ساعدوا المساعد

مفيد بدر عبدالله

2016 / 10 / 3
المجتمع المدني


مشهد جميل يتكرر امام ناظري بين حين وآخر لأطفال يصنعون بيوتا على اكوام الرمال الرطبة بعد ان تلقيها سيارات الحمل، فرحون يتفاخرون بجمال ما يصنعون، لكنني توقفت كثيراً عند بكاء أحدهم على أنهار بناؤه الجميل في مرحلته المتقدمة وهو يضع اللمسات الاخيرة، وتساءلت: هل ان لبنائه قيمة معنوية تستحق دموعه ؟ فليس اصدق من الدموع وهي تنساب من طفل صغير على حلم كبير، مشهد بكائه تكرر امام ناظري مرات وانا اشاهد برنامجا تلفزيونيا بثته احدى الفضائيات، ضيفه الدكتور المعماري أمجد زكي المساعد، تراءى لي الدكتور المساعد وهو يكفكف دموع الطفل ويزرع بدلا منها الامل الكبير له ولسواه من العراقيين صغارا كبارا، بما يطرحه من رؤية واقعية لتصاميم مدن حديثة بميزات تتلاءم ومتطلبات احتياجاتنا وبتكاليف بسيطة، للوهلة الاولى شككت في قدراته، لكن سيرته الذاتية بددت كل شكوكي، ولم ترسّخ في ذهني سوى حقيقة واحدة : أن الدكتور زكي المساعد هو جاد في كل ما قال، ولعل عودته للبصرة خير شاهد على صدقه، فلقد غادرها مع أهله وهو طفل صغير قاصدين ارض الكنانة، وفي القاهرة أكمل دراسته الابتدائية ثم الإعدادية والثانوي، ومنها توجه الى رومانيا ليكمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الهندسة المعمارية، بعدها اتجه الى الدانمارك ليعمل في النهار ويدرس في الليل كليات جديدة في العمارة والتكنلوجيا في مساحة البحث العلمي ما بعد الدكتوراه وحصل على اول لقب مهندس شمال أوربا 2003-2004 في التصميم المتعدد الوسائط، يجيد اربع لغات الرومانية الانكليزية العربية والدانماركية ولديه مؤلفات باللغات الأربع، طبعت في اكبر دور النشر العالمية، وتدرس في أغلب دول العالم ومنها جامعة طوكيو.
أن عودة المساعد الى العراق شكلت مفارقة عجيبة، فكثير من المهاجرين العراقيين لا يحملون أية مؤهلات علمية، يغادرون بلدهم مخاطرين بحياتهم وحياة عائلاتهم، فيما يعود رجل يحمل كل هذه المؤهلات العلمية الثقيلة لبلد غادره في طفولته، يا لها من شجاعة حقة، وقدرة على مواجهة الردى بصدر مفتوح، عاد لجذوره يسبقه امله الكبير ورغبته العارمة في المساهمة في بنائه، يستند على قراءة دقيقة للظروف الموضوعية في محاولة جادة منه لشغل حيز مهم وفاعل في بلد أستحوذ المتحاصصون على صناعة القرار، تحت ضغط إغراءات السلطة ومنافعها، فهل سيحظى برعايتهم واهتمامهم؟ وهل يتخلون عن نرجسيتهم وعن فكرة أنهم وحدهم يحوزون الحقائق - بكل تفاصيلها- وأن ليس لغيرهم منها نصيب إلا بدرجة اقترابهم منها ؟ وهل نجد بينهم من يكرر ما فعلته معه يوما الاميرة ميري والدة ولي العهد الدانماركي بعدما طرح مشروعا معمارياً مهماً ومتكاملاً، تركت مكانها واتجهت صوبه، صافحته وهنأته ووعدته بنقل فكرته الى الاتحاد الاوربي، وبالفعل تم اقرار مشروعه ورصدت له ميزانية نصف مليار يورو، لا أظن بان مثل هذا سيحصل عندنا، وستبقى مشاريعه حبرا على ورق، فرياح المحاصصة الحزبية الفئوية تمنعه من التحليق في فضاء العمارة الفسيح، وسيزداد بؤسه بؤسا وهو يجد الهوّة تمنعه من تحقيق حلمه الجميل فهو يرى ان العمارة تخدم الانسان وليس العكس، وان المعمار الناجح قادر على أن يحول البناء الى كائن حي ناطق، فللبناء بعد معنوي وفلسفي .
لقد أدمن المساعد البصرة حلمًا ولم يكف عن اصطحابها معه عند كل منتأى، ولعل الدراسات المقارنة بين البصرة ومدينة اوربية، هي صورة لتلكم العلاقة الحميمة، فلقد حملها في قلبه - وهو في المغترب – ولم تغب عن باله. وانا اشاهد لقاءه المتلفز انتابني احساس اني امام رجل أحرق حياته من أجل التخفيف من معاناة الآخرين، وملأتني الثقة بانه يمتلك الوصفة العلاجية القادرة على محو الكثير من الاخطاء التي رافقت المشاريع وان عودته الى العراق هي فرصة ثمينة علينا اغتنامها، فالمساعد ثروة لا ينبغي التفريط بها، وان علينا أن نستمع له بروية وعقل الحكماء، فليس من المعقول ان يبكي طفل على انهيار بيت صنعه من الرمل ولا يبكينا انهيار مدننا لهذه الدرجة، وتدون في مؤخرة المدن على لوائح التصنيفات العالمية !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة -هيومن رايتس ووتش- توثق إعدام 223 مدنيا شمال بوركينا ف


.. بعد فض اعتصام تضامني مع غزة.. الطلاب يعيدون نصب خيامهم بجامع




.. بينهم نتنياهو و غالانت هاليفي.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة


.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا




.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د