الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعود العراق على الأقل موحداً؟

مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب

(Moustafa M. Gharib)

2016 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ــــ هل سيعود العراق في اضعف الأيمان موحداً وطنياً وجغرافياً؟
سؤال يراود ذهن كل عراقي وطني حريص على مصلحة وطنه بسبب القلق على مستقبله.
هذا السؤال لا يعني الفهم الميكانيكي للوحدة عن ارض جغرافية يقبض عليها نظام تسلطي لا يعير أهمية للشعب دكتاتوري النزعة والنهج أو قوة عسكرية بقيادة قائد عسكري تخضع الجميع بالقوة على الرغم من التناقضات والصراعات وعدم وجود الوفاق على نوعية السلطة، ولمجرد أن تفل هذه القوى أو تزاح بالقوة أو تسقط تتبعثر الأرض الجغرافية المعنية ، ولنا دراية في التجارب يا أولي الألباب كثيرة منها القديم ومنها القريب والقريب جدا ونحن في غنى عن ذكرها، بل نعني إضافة للأرض الجغرافية والامتداد التاريخي ضرورة الوحدة الوطنية والشعور الوطني بالانتماء وهو أعمق وأوسع وأكثر موضوعية، ويعني الوحدة في موضوعة المواطنة بعيداً عن الفهم الطائفي والتقسيم العرقي والقومي أو التربص للانقضاض وإقامة الكيانات وفق المفاهيم التي اشرنا لها في المقدمة، إذن الوحدة والحفاظ عليها يعني الشعور بالانتماء الفكري والنفسي، وتبقى قضايا ذات أهمية بالنسبة للشعوب والقوميات المضطَهَدة أو التطلع للاستقلال الوطني الذي انتهك من قبل الاحتلال الأجنبي أو من ممارسات القوى القومية الشوفينية والقوى الدينية المتطرفة التي تعمل جاهدة من اجل إلغاء الآخر وحجب الحقوق المشروعة بما فيها حق تقرير المصير وفق الأسس الذاتية والموضوعية.. واليوم وبما مر على البلاد من كوارث يعتبر المخاض العسير لمصير وحدة العراق بعد ( 35 ) عاماً من حكم ديكتاتوري جعل البلاد في خضم مشاكل لا تعد ولا تحصى بما فيها الصراعات الخارجية والداخلية، واعتماد الأسلوب الأوحد في إلغاء الآخر معتمداً على الإرهاب السلطوي والحروب الداخلية والخارجية ثم سقوطه واحتلال البلاد بقوة السلاح وبالعساكر الأجنبية وإقامة حكومات على نهج المحاصصة الطائفية البغيضة مما أدى إلى زيادة التوتر وخلق الانقسامات وتخلخل الثقة مما ساعد القوى الخارجية بالتدخل في شؤون الداخلية والقرار الوطني المهدد بالتقسيم غير الطبيعي الذي يهدد وحدة البلاد الوطنية والجغرافية والتاريخية وعلى كافة الصعد، وبسبب تفكك الدولة بالاحتلال والسياسة الطائفية والتبعية أدى إلى خروج التطرف الطائفي لكلا الجانبين من القمقم الذي غلف بشكل كاذب بالوطنية والشعائر الدينية ومسؤولية الانتماء.
إن الشعور بفقدان الوحدة وتفككها لم يكن وليد هذه السنة أو حتى السنوات السابقة بل هو شعور تاريخي عميق بالمسؤولية الوطنية تجاه رفض تقسيم البلاد على أسس طائفية أو قومية ضيقة، وهذا الشعور بالقلق وحتى الخوف تنامى بشكل تدريجي ومباشر نتيجة سياسة التسلط وكم الأفواه وإلغاء الآخر على أسس طائفية مما أدى إلى سيطرة الإرهاب على الموصل ومناطق أخرى وخوض الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والبيشمركة والحشد الشعبي وكل القوى الوطنية حرباً أولاً: منذ تشكيل حكومات المحاصصة وثانياً: منذ سنتين تقريباً تَتَوجت الأوضاع الكاريثية، الأمنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية والخلافات على المناصب واستشراء الفساد والاختراقات الأمنية بالحرب ضد داعش الإرهاب،
هذه الحرب التي كلفت البلاد خسائر بشرية تعد بمئات الالاف من النازحين والهاربين الأبرياء وآلاف الضحايا منهم ومن القوات المسلحة ، الجيش والشرطة الاتحادية والبيشمركة والحشد الشعبي وحشد العشائر وغيرهم، وهذه الخسائر البشرية والإحصائيات المهولة مسجلة بالأرقام ليس لدى المؤسسات الرسمية والمنظمات ذات الاهتمام فحسب بل لدى منظمات عالمية بما فيها بعثة الأمم المتحدة في العراق، وأشارت جميع الإحصائيات بان الحرب قد نتج عنها خسائر مادية هائلة تعد بمليارات الدولارات أُنفقت سابقاً وأثناء الحرب على شراء المعدات الحربية والأسلحة والآليات والطائرات الحربية، إضافة إلى قضية في غاية الأهمية وهي تزعزع الثقة بين المكونات العراقية وتوسع شقة الخلافات بين القوى السياسية المتنفذة داخل تحالفاتها وخارجها، وانعكست سياسة النهج الطائفي على مجمل العلاقات الداخلية وحتى الخارجية ومع البعض من دول الجوار كما أدى هذا النهج إلى توسيع الخلافات بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم مما خلق تباعداً كاد أن يصل إلى حافة الصدام المسلح أما الضحية من كل هذا وذاك فهو على الأغلب الشعب العراقي بطبقاته وفئاته الكادحة من عمال وفلاحين وكسبة كادحين وموظفين وأصحاب الدخل الضعيف على اختلاف أعمالهم، فقد دفعوا وما زالوا يدفعون ضريبة السياسة غير السليمة والمضرة بوحدة البلاد، هذه الوحدة التي هي اليوم مهددة بالتفرقة والانقسام أكثر من أي يوم مضى ولن نكرر أو نذكر الأسباب فهي معروفة وقد كتب عنها بشكل مفصل وأصبحت معروفة لا لبس فيها ولا تغيب على العديد من الخبراء والمتابعين والمحللين السياسيين والقوى الوطنية والديمقراطية وحتى عن منظمات ومؤسسات مخابراتية أمنية عالمية بما فيها وكالة المخابرات الاستخبارات المركزية الأمريكية ( السي آي أي ) فقد شكك مدير هذه الوكالة جون بريان الخميس 8 / 9 / 2016 بعودة العراق وسورية كدولتين موحدتين تحت حكومة مركزية وقد نشرت المقابلة من قبل مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية ( ويست بوينت قال فيها "لا أعرف ما إذا كان ممكنا إصلاح العراق أو سوريا. هناك الكثير من سفك الدماء وتدمير هائل وانقسامات طائفية، إنه توتر محتدم دائما. لا أعرف ما إذا كنت سأبقى حيا لرؤية حكومة مركزية في كلا البلدين لديها قدرة على الإدارة بشكل عادل".وهذا الرأي ليس جديداً على إدارة هذه الوكالة التي لها شأن غير اعتيادي منذ احتلال البلاد من قبل القوات الأمريكية وليس غريباً على ما طرحه نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في السابق حول التقسيم! كما أن هناك آراء واستنتاجات ودراسات وصلت إلى حد وضع خارطة لتقسيم العراق جغرافياً وسياسياً ثم يضاف إلى هذا الرأي استنتاج آخر أكثر خطورة حول مستقبل العراق أو سورياً ووجود تنظيم داعش واستمراره فيقول مدير" سي آي أي "جون برينان إن تنظيم داعش سوف "يحتفظ بوجوده في سوريا والعراق على مدى زمن لا بأس به" وهو استنتاج ليس عشوائي كما يقال وبدون أسس تدعمه بل العكس فهذا الاستنتاج بجانب آراء واستنتاجات عديدة تؤكد على أن الانتصار على داعش عسكرياً ليس كافياً إذا لم تصطحبه إجراءات جذرية لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم في مقدمتها
1 ـــ الإصلاح السياسي بإنهاء نهج المحاصصة الطائفية وتطبيق إصلاحات جذرية أيضاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية لأنها ستكون القاعدة المادية للسير بالبلاد والوقوف بالضد من التطرف الطائفي والديني والحد من سطوة الميليشيات الطائفية المسلحة التي تعبث فساداً في أمن البلاد واستقرارها
2 ــــ التوجه الحقيقي لإقامة حوار موضوعي شامل مع الإقليم بشكل مباشر بدلاً من سياسة المخاتلة أو التحريض لخلق العداء والتفرقة بين القوى السياسية الكردية وخير مثال ما قام به نوري المالكي وزيارته للسليمانية أو تحرك النائب حنان فتلاوي وغيرهما لتأليب الوضع وزعزعة الاستقرار بدلاً من دعم الحلول العادلة التي لا تخدم الكرد فحسب بل الشعب العراقي برمته.
لقد أشار بهذا الصدد تصريح المتخصص في العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين في اربيل الدكتور صالح ملا عمر" أن إقليم كردستان سوف لن يبقى إلى الأبد بهذا الشكل في علاقاته مع بغداد، وعلى الإقليم وبغداد حسم موقفهما والتوصل إلى نتيجة ــ هل أنهما يتمكنان من التعايش معهاً أم لا؟" وعلى الرغم من الاختلاف بين جوهر الاتجاهين فهو يتطابق مع الدعوة الوطنية الصريحة لإقامة حوار هادف ضروري بين القوى السياسية جميعها بدون استثناء، وهذا الأمر يتطلب داخل الإقليم بين القوى والأحزاب الموجودة التي تؤمن بالإصلاحات والديمقراطية، مع ضرورة استعداد الحكومة المركزية في بغداد للتوصل إلى حلول صحيحة وفق منظور وطني يقوم على أساس التنفيذ على ما جاء بالدستور وترك النهج المعادي للكرد كي يعم التفاهم والخير على البلاد، وهذه الدعوة تمكن في الشعور بالمسؤولية لإنقاذ العراق من التقزم والانقسام والتقسيم ويبعد عنه شبح الحرب الأهلية والعودة للتآخي الذي أصابه البعض من التلف والتمزق بسبب السياسة المعتمدة على البغضاء والطائفية التي تخلق الفرقة والتباعد بين الشعب بقومياته وأعراقه وأديانه، ولهذا نرى أن وحدة العراق خاضعة لعدة اعتبارات اشرنا لها أثناء السياق ولا يمكن التجاوز عليها لان التجاوز يؤدي رضينا أم أبينا إلى التقسيم، فالعراق بلد له امتدادات جغرافية وتاريخية وبشرية بمكونات وأطياف مختلفة جمعها التاريخ المشترك والتجاوز عليها بالقوة وبدون التفاهم والحوار الذي يخضع للظروف الذاتية والموضوعية الهادفة لتجاوز محنة بقائه عليلاً بدون علاج صحيح يعني بالتالي التجاوز على الوحدة وتهديد السلم الاجتماعي وخلق مطبات كثيرة من بينها عدم الاستقرار وزيادة التوترات والانقسامات والتحارب وتمكين القوى الرجعية والمتطرفة والإرهاب والطائفية البغيضة من هيمنتها وسيطرتها وتهديمها للقيم الإنسانية والأخلاقية المتعارف عليها كونها أحدى الأعمدة التي تكبح توجهات هذه القوى المعادية للقيم الديمقراطية والعدالة أمام القانون والقضاء على الفساد ومحاربته والتوجه لبناء الدولة المدنية الاتحادية الديمقراطية بالطرق السلمية وانتقال السلطة بشكل سلمي يخضع لصناديق الاقتراع الانتخابي تحت مظلة قانون انتخابي عادل .
أمام هذه التداعيات والمشاكل المحيطة يبرز السؤال الملح هل سيبقى العراق موحداً؟ أم انه آيل للتقسيم والفوضى السياسية؟ الأجوبة ضمن السياق وقد ذكرناها ولا حاجة لتكرارها وذكرها ويبقى الجواب السليم ــــ إن التخلص من المحاصصة الطائفية والاستئثار والهيمنة والفساد والحد من انتشار الميليشيات الطائفية المسلحة وإنهائها والقضاء على داعش ومنابع الإرهاب، والاعتماد على القرار والنهج الوطني الديمقراطي كفيل بخلق الحلول الصحيحة في مقدمتها إعادة الثقة بالعملية السياسية لبناء الدولة المدنية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة