الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الخوف

عيسى مسعود بغني
(Issa Baghni)

2016 / 10 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


زرع الخوف سياسة أصيلة متوارثة عند كل الدكتاتوريات قديما وحديثاً، بداية من ملوك الفراعنة إلى يومنا الحالي. زرع الخوف يهدف إلى فرض الطاعة العمياء للسلطة، وقد يكون ذلك ضمن إتفاق ضمني غير معلن كما في دول الخليج، بحيث تقوم السلطة بإمتلاك وسائل القوة والتحكم، مقابل توفير حياة مادية مناسبة للرعية، أي تنازل الرعية عن حقوقها المدنية مقابل إحتياجاتها المادية، وقد يكون دون مقابل مجزي سوى تحقيق الامن الذي هو جزء من منظومة المحافظة على النظام، وليس له علاقة بالمواطن، كما في الحكومات الشمولية العربية.
التعامل مع الجريمة والإرهاب وتحقيق الأمن في ظل الحكم الشمولي عملية بسيطة وسهلة، وذلك أن السلطة العسكرية تقوم برص صفوفها وكوادرها وأموالها المنهوبة وإذاعاتها لتصفية الخصم دون الإعتراف بحقوق أو بإختلافات عقائدية أو فئوية؛ فمثلا القيام بعملية زج العشرات أو المئات من المواطنين المتهمين في السجون دون محاكمة، ورمي بعضا من جتثهم في المكبات يجعل عشرات الالآف من المجرمين والقتلة يحجمون عن أفعالهم. أما محاربة الجريمة في ظل المجتمع الديموقراطي فيتطلب إلى معايير كثيرة منها إحترام مواثيق حقوق الإنسان وإحترام الحريات الخاصة، وفي النهاية المتهم برئ حتى تثبت إدانته.
إستمرار سياسة الخوف لعقود طويلة تنتج ثقافة الخوف، وتنتهي معه مبادئ الإحترام، وتفقد الوطنية معناها، فلا إحترام لقوانين الدولة ولا القيام بالواجبات نحوها ما دامت سياط السلطة غائبة، ويرافق ذلك مطالب لا تنتهي، مع ترسيخ لثقافة الغنيمة وكل في مجاله وتبعا لإمكانياته، فعضو مجلس النواب يُسبح ليل مساء لإدامة الفوضى العارمة في البلاد حتى لا تنتهي مدة عمله (صوريا)، وينتهي معه بناء العمارات والسيارات الفارهة والإقامة المستديمة في شرم الشيخ أو أغادير، أما ( أصحاب جنح غير مشرعنة) فما عليه إلا تهريب الوقود وخلع أسلاك الكهرباء من أعمدتها وسرقة السيارات وتوريد الحاويات الفارغة، قد نحتاج إلى عقود طويلة لتصحيح العلل النفسية التي علقت بالجميع.
في فترة الإتحاد السوفيتي السابق، كان هناك متاجر صغيرة مملوكة للأفراد، وكان أصحابها في خوف مريع من السلطة بسبب النقذ لفكرة الملكية، فكانوا يلصقون على متاجرهم مقولات الشيوعية مثل " يا عمال العالم إتحدوا" هذا الرجل لا يهمه عمال العالم ولا إتحادهم بل كل أمله أن لا يقترب أحد من الساسة إلى متجره، بالمثل وضع الليبيون النسور والصقور على محلاتهم ، وزينوا بيوتهم بصور القذافي ومقولاته لعقود طويلة، والأعلام الخضراء ترفرف عاليا حتى بعد سقوط طرابلس في يد الثوار ليس حباً للقذافي بل إتقاً لشرة وتقربا لزبانيته.
عودة الأجهزة الأمنية السابقة في بعض مدن ليبيا دون إعادة هيكلتها وتأهيلها تبعا للمواثيق والأعراف الدولية المتعارف عليها، ينبئ إلا بإستمرار ثقافة الخوف، وغياب الأمل في بناء ثقافة المواطنة، نسمع كثيرا عن إختطاف الشرفاء والنشطاء، والقليل عن كشف وإعتقال عصابات الجريمة المسلحة والعابثين من الإستخبارت الجنبية.
فعلى مستوى المواطن العادي الخوف هاجس يومي تغذيه الإشاعات من الإذاعات المأجورة؛ فمثلا الخوف من إنقطاع الكهرباء إلى الخوف من نضوب البنزين وغاز الطهي إلى الخوف من نقص السيولة أو غلاء أسعار البيض، وجميع ذلك يجد له مبرر للوقوف من أجله في طوابير طويلة والتكديس منه ما أمكن ذلك، فبعد الوقوف في طابور طويل، من يفكر أن حاجات أسرته لا تتعدى أربعة أرغفة؟. مشاكل المواطن الليبي تافهة خلقت من رجال تافهين مثل جضران الذي إنتهى في لمح البصر، بعد أن أدى دوره وأصبح لا قيمة له، وبعض القرارت القبلية، وثلة من مجلس النواب الذين فقدوا الإحساس وإنقطعوا عن الواقع بعد أن أوصلهم الشعب إلى أنهار اللبن والعسل، تلك العاهات لن تنتهي بسهولة ولن يحتفل الشعب بنفوقها، فالثقافة لا يتم تغييرها في بضع سنين، ولذا هناك من سئم الحياة وأصبح نادلا يصدح بالعودة لحكم العسكر بسم مطالب النخبة.
أما الخوف الأكثر أهمية فهو خوف النخبة (التي تعتقد أنها كذلك)، وهو الخوف الممزوج بالنفاق، هذا الخوف يداهن ويلفق ويدلس على نفسه قبل غيره، وإن إستطاع أن يجد له مريدون فلا غرابة في ذلك، فالتسعة رهط إتفقوا على عقر ناقة صالح، ونوح لم يؤمن معه إلا قليل، وإبراهيم لم يختلف قومه على القذف به في النار. في العصر الحديث وصل موسيليني وهتلر إلى سدة الحكم بالإنتخاب، أي أن صندوق الإنتخاب السوي يحتاج إلى شعب على درجة من الوعي، وإلا أنتج قيادات تؤدي بالأمة إلى الهاوية، والشرعية الإنتخابية غير المسئولة لا شرعية لها.
البطانة السيئة على مر التاريخ هي أس البلاء، (وبطانة مجلس النواب الليبي دروة سنامها)، ولذلك عرف الغرب كيف يكبح جماحها، وذلك بترسيخ قواعد مؤسسات الدولة، وإعتماد الشفافية والحكم الرشيد. هذه النخبة النفعية الجهوية هي التي أفشلت عمل المؤتمر، وتزعمت مقولة لا للتمديد، وقامت بتهريب مجلس النواب إلى طبرق، وأصدرت أكثر من خمسين قرار بلا إجماع، ودعمت الجضران في قفل الحقول، وجلبت القوات العربية والأجنبية إلى أرض الوطن للإستقواء بها، ووقفت أمام إتفاق الصخيرات والرئاسي دون بديل سياسي لذلك، وبذلك أنهت دور مجلس النواب فعليا لتقوم بتسليم ليبيا للحكم العسكري من جديد، ولم تتورع أن تصدح بذلك على المنابر الإعلامية، فهل الليبيون والجامعة العربية والأمم المتحدة ودول الغرب جميعاً تدخلت في ليبيا لإستبدال حكم إنقلابي شمولي مستبد بحكم شمولي مقنع؟.
من أدبيات التاريخ الليبي قصة بن دلفوا الذي كان حاكما جباراً لإحدى قرى الجنوب، هذا الرجل له ناقة سائبة تعتدي كل يوم على مزارع الأهالي، ولا أحد يستطيع أن يعترض، وبعد فترة إتفق أهل القرية أن يجتمعوا مع بن دلفوا لإيقاف الناقة عند حدها، وفي لحظة وصولهم سألهم عن سبب قدومهم إليه، فقال أحدهم "الناقة" فرد بن دلفوا بقوة وعنجهية وماذا تريدون من الناقة، فرد الخائف الرعديد " نرى أن الناقة تحتاج إلى جمل معها" وتفرق القوم، وبذلك أصبح للقرية جمل وناقة سائبة يعتدون على أملاكهم بعد أن كانت ناقة فقط. هاكذا مجلس النواب هرب من مسؤلياته لتضمين الإتفاق في الدستور وإعطاء الشرعية للحكومة ومناقشة بنود الدستور إلى تسليم بنغازي والشرق الليبي والمواني النفطية للأحكام العرفية العسكرية، وبيع النفط الليبي بالجنيه المصري، والبدء في زعزعة الأمن بمدن الغرب الليبي وجنوبه، من أجل صناعة سيسى جديد بين سيسى وسبسي.
رجعت هذه النخبة المطبلة إلى بيوتها في أمن وأمان قريرة العين مما دخل في جيوبها، ولكن مقابل ذلك إجهاض المخاض العسير لبناء الدولة المدنية وهو ما سيسجله التاريخ نكسة ويلعنهم اللأعنون إن نجح مشروع توريث الإستبداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم