الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متاهة السياسة الدولية الجديدة وتداعياتها

بدر الدين شنن

2016 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


من غير المعقول بشيء الزعم أن سوريا هي ، محور الصراع العالمي المعاصر ، وما يسمى بالأزمة السورية فيها ، قد قسم العالم إلى محورين متصارعين . إذ أن قدراتها بعامة ، والاقتصادية خاصة ، هي أقل بكثير من أن تؤهلها ، لتكون قطباً دولياً تنافسياً ، يستطيع أن يقوم بلعبة التجاذب التنافسي ، وسط تكتلات دولية عملاقة تملك الكثير من القدرات

إن ما أكدت عليه مجريات أحداث الحرب السورية ، إن أخذت خلافاتها الداخلية بالاعتبار أو لم تؤخذ ، هي بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ، وفرض عبودية النظام الرأسمالي المطلقة على العالم ، ونشوء عالم أحادي القطبية منفلت من معايير التوازن الدولي ، ومن القوانين الدولية ، هي ضحية المتغيرات والمخططات الدولية عامة ، وهي مستهدفة ، لتميزها الجغرافي السياسي ، ودعمها للمقاومة العربية التحررية في فلسطين وغيرها ، والتمسك باستعادة الجولان المحتل ، والتمرد على سيناريوهات الشرق الأوسط الجديد .

ولذا ، إن الحرب السورية انطلقت من رحم بنية النظام الدولي الجديد التنافسية ، ومن مقتضيات ، الوحدة والتنافس ، والانقسام والتمحور ، والتناقض والتفاهم ، دون الوصول إلى الحرب والتصفيات الممنوعة ، بقوة الردع النووي المتبادل ، مع بقاء قوانين أسلوب الإنتاج الرأسمالي ، وإفرازاته الناتجة عن دورة الإنتاج ، مثل توزيع فائض القيمة ، والتحكم بالناتج الإجمالي ، لصالح القوى المالكة لوسائل الإنتاج ، وسيدة الاستثمارات ، واقتصاد لسوق حسب الظروف الجديدة .


وتتحرك مفاعيل التمايز الطبقي الحاد ، والانقسام الاجتماعي ، واستغلال الشعوب المستضعفة ، حركتها المعتادة ، منذ أن هيمنت الرأسمالية وتحولت إلى نظام متكامل ، مهيمن على الدولة والمجتمع . بيد أن تحرك هذه المفاعيل ، يتخذ مع " العولمة " الرأسمالية السائدة ، طابعاً وآليات جديدة ، هي الأكثر توحشاً ، ويشكل السمة العامة ، للنظام الدولي الجديد .

بعد سلسلة من الصراعات الباردة بين مراكز النظام الجديد العريقة والنامية ، دخل هذا النظام مرحلة الانقسام إلى تكتلين أساسيين ، وشرع ينقل تداعياته المتنوعة المقلقة ، إلى البلدان المصنفة على هوامشه ، كمخازن للطاقة ، والثروات الطبيعية ، وأسواقاً للتصريف السلعي .

ومن هنا يمكن فهم خلفية ، تفكيك الاتحاد اليوغسلافي ، وحروب الخليج المتنوعة الذرائع الكاذبة ، الأولى والثانية والثالثة ، والثورات البرتقالية التي انتشرت في بلدان عدة ، وخاصة في أوكرانيا ، وجورجيا ، وتشيك سلوفاكيا ، ولبنان ، وفهم خلفية ما سمي " الربيع العربي " ، ونشوء الجماعات الدولية الإرهابية المسلحة ، وتوظيفها في نشر هذا الربيع المدمر ، تحت قيادة تكتل رأسمالي ، يضم أميركا والاتحاد الأوربي ، وأستراليا ، وكندا ، مقابل تكتل دولي نام في مقدمته مجموعة دول " بريكس " التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا .

وهذا الانقسام صار في السنوات الأخيرة ، وخاصة مع هجوم أعاصير " الربيع العربي " الذي امتدت أذرعه إلى أفريقيا ، وطالت أصابعه بلداناً في أوربا ، صار يفعل ، ويتفاعل ، ويتدخل بشكل تنافسي بارد ، في مختلف البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية اللافتة ، جغرافياً ، واقتصادياً وسياسياً ، وعسكرياً ، وانتشرت عالمياً حالة من المتاهة السياسية الدولية ، الفاقدة ، رغم توفر التكنولوجيا ، والعلوم الفضائية ، لأفق الاستقرار والمسارات المطابقة لاحتياجات العصر الحضارية والإنسانية ، معبرة أصدق تعبير عن التناقض الأساسي في النظام الرأسمالي ، وهو الدقة والرقي في التنظيم والفوضى والظلم في التوزيع .

وعليه ، كان أسلوب التدخل الدولي في سوريا متميزاً ، وخلافاً للتدخلات الدولية في البلدان الأخرى ، التي تربعنت " نسبة للربيع " وتوترت أوضاعها ، وخسرت استقرارها ، مثل ، مصر ، وتونس ، واليمن ، والعراق ، أو فقدت استقلالها مثل ليبيا ، إذ قلب هذا التدخل الدولي " الربيعي " ، استقرار سوريا إلى فوضى مدمرة ، وأمنها إلى مجازر متوحشة ، بواسطة أكثر من أربعمئة ألف إرهابي مسلح ، وهدد جديا المصير والوجود السوري بأسوأ المخاطر .
ما استدعى أن تطلب سوريا من روسيا ، مشاركتها في مواجهة جيوش " الربيع " الإرهابية ، وأن تستجيب روسيا ، حرصاً على أمنها القومي ، وتضع ثقلها العسكري والسياسي ، والدبلوماسي ، في مواجهة التكتل الدولي الآخر الداعم لحرب الإرهاب الدولي على سوريا بقيادة أميركا .

وحسب مقتضيات السمة العامة للنظام الدولي الجديد ، القائم على بنية تنافسية باردة ، لا حسم فيها للصراعات ، بين التكتلين الأعظم بالحرب المباشرة بينهما ، فإن العالم دخل ، نتيجة هذا التناقض المستعصي ، في مرحلة من الفوضى السياسية الجديدة ، وخاصة عند البحث عن حل " سياسي " لتناقضات حادة، مثل الحل المطلوب للحرب على سوريا ، حل يجمع بين مصالح القوى الدولية القابضة على قرار الحرب ، دعماً ، واستمراراً ، وتوقفاً ، وبين مصالح سوريا ، التي تحددها الوقائع العسكرية الميدانية .

ومن أجل أن يتحقق ذلك ، شهدت الساحة السورية ، تآمراً نوعياً دولياً واسعاً ، لتجنيد وتدريب وتسليح مئات آلاف المرتزقة " إلهياً " ومادياً ، من أكثر من مئة دولة ، وأرسلتهم لذبح الشعب السوري ، وتشريده ، وتدمير عمرانه ، ودولته . وقد أدى ذلك بالفعل ، خلال خمس سنوات ونيف ، إلى تدمير الكثير .. الكثير ، من العمران ، والبنى التحتية ، وقتل وتشريد ملايين السوريين بمقاييس وحشية .

وبالتوازي وبالتزامن مع حركة التدمير والموت ، كان السباق السياسي والدبلوماسي ، نتاج عقلية النظام الدولي الجديد ، ينشط في عقد المؤتمرات المشتركة والمنفصلة بين التكتلين الدوليين . المؤتمرات اللافتة أكثر ، كانت مؤتمرات " أصدقاء سوريا " ، التي كانت تخرج القرارات والخطط المعادية لسوريا ، والداعمة للإرهاب ، وللمعارضات الموالية لها .
ثم كانت عشرات اللقاءات الدبلوماسية الثنائية " الروسية الأميركية " مباشرة ، بمواعيد مقترحة ، أو عابرة ، أو عبر الاتصالات الهاتفية ، والمؤتمرات الخماسية والعشرية واكثر الدولية ، بين الدول ذات الصلة المباشرة بالحرب . وكانت مؤتمرات جنيف وفيينا تحت رعاية الأمم المتحدة . وعقدت المعارضات السورية عشرات المؤتمرات واللقاءات ، في استانبول ، وباريس ، وموسكو ، والقاهرة ، والدوحة والرياض . اتسمت جميعها باللاجدوى
أكثر هذه الأنشطة إضاءة وإثارة ، كانت اجتماعات الأمم المتحدة المقولبة أمريكياً ، وبخاصة اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول سوريا ، التي اتسمت بالمناقشات المتوترة ، وتداول الفيتو ، المبطل للقرارات المنشودة الإيجابية والسلبية المتعلقة بسوريا ، ويحيل الحلول إلى جبهات الحرب .

آخر اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول سوريا ، جسد الانقسام الدولي ، إن في الاشتراك بجدل تناحري ، حول تسوية للحرب في سوريا ، أو في تداول الفيتو ، مع ، وضد ، سوريا في جلسة واحدة ، بصورة انزلقت فيها مختلف الأطراف ، بجدلها ، وذرائعها ، إلى ما يشبه المهزلة . والتي وصفها المندوب الروسي " تشوركين " بالمسرحية .

وبعد انفضاض مجلس الأمن الدولي بلا قرار ملزم حسب القوانين الدولية المنصفة لسوريا ، وبلا التزام موضوعي وأخلاقي ، بالتصدي للإرهاب ، وإيقاف الحرب ، ومساعدة الشعب السوري في تقرير مصيره بعدالة وشفافية ، بمعنى مواصلة الحرب ، وعلى التأكيد على استعصاء حل معادلة " التنافس / الاستقرار " ، في النظام الدولي الجديد ، وعلى تواصل السير في متاهة السياسة الدولية ، التي يوسعها الدبلوماسيون الأغبياء ، ويستغلها قادة الجيوش العسكرية وقادة الاحتكارات الاقتصادية العابرة للقارات ، الحامين بإمبراطوريات كونية فضائية ، على حساب مصائر المليارات من سكان القارات المهمشة .

أما الشعب السوري .. فإنه مهما تكالبت قوى العدوان والإرهاب الدولي عليه ، وعلى حقوقه ، ووجوده .. فإنه بوحدته ، وتآخيه ، وتلاحمه مع جيشه الوطني ، وبمساعدة كل الشرفاء في العالم ، قادر على دحر العدوان ، وعلى الحفاظ على وحدته ووجوده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا