الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤيا في ديوان قصائد تعشق الشمس-حسن سليفاني - عايده بدر

عايده بدر
باحثة أكاديمية وكاتبة شاعرة وقاصة

(Ayda Badr)

2016 / 10 / 11
الادب والفن


رؤيا في ديوان قصائد تعشق الشمس

هذا العنوان الذي اختاره الأديب حسن سليفاني لعنونة ترجماته لنصوص بعض الشعراء الكورد .... لماذا قصائد تعشق الشمس ؟ لعلي أستبط الإجابة هنا من قراءة سعدت بها لهذه الأضمومة الراقية الحافلة بتنوع الزهور فيها ،هذا الروض الذي أدخلنا إليه متعمدا من بوابة الشمس ، و هل في بلاد الشمس من لا يعشقها !
من منشورات اتحاد الأدباء الكورد في دهوك لعام 2013 و في قطع متوسط ، عبرنا أكثر من ثلاثمائة صفحة بصحبة الأديب المترجم حسن سليفاني رئيس اتحاد الأدباء الكورد الذي أهداني مشكورا نسخة من هذا الديوان ، رحلة طويلة عبر قصائدهم ، تنوعت فيها الأصوات و تباينت فيها الغايات من سطر الحرف و لكن لعلنا نتسأل بداية ما الذي جذب المترجم لتلك الأسماء بعينها و هي كما تتنوع بين شاعرات و شعراء فكذلك التباين العمري واضح بينهم و من ثم فحجم التجربة المعاشة يحمل ذات التباين و بالتالي فإن الحرف ربما ستتفقون معي أنه سيكون له مذاقا مختلفا مع روض ندخله
خلف رياض هذه الترجمات يستقبلنا النرجس و زهور الجبل لكن لا يجعلك هذا تظن أن اعتدال الربيع النضر وحده من يحفل بنا كقراء لأن خلف هذه النراجس ملامح وطن تناوبت عليه كثير كبوات و عثرات افترشت دربه لوقت طويل و من ثم فلابد و أنها تاركة رائحة الحرية التي يصبون إليها تضج بها رياضهم ، الروض لا يتسع للزهر فقط فخلف أبواب الربيع ثمة كثير من زهور حمراء ، تربة حمراء و شواهد قبور مبعثرة و تراتيل حزن دفين ، عن الأرض و رائحة اللشمس على جلد النهار ، الأزقة المحاصرة و الخوف المزروع في العيون من قادم لا هوية له يحمل سيفا يجتث معاني الحياة ،عن قضايا الوطن و ملامح العثرات تشاطرك القصائد ، عن أحلام ضائعة لقلوب كابدت التعلق بالأمل و يأتي الغبار الأسود لاعنا الأحلام و الأمال و مفترشا ساحات الحياة و معلقا الحزن جرس يقرع أوقاتهم ، عن الوطن قد يحدثك الكثيرون أما إذا كان الوطن جبلا فلعل الكوردي خير من يحدثك عن الوطن الجبل و عن الجبل الصديق الأوفى
بعد عبورنا سياج الشمس نقف أنفسنا أمام 34 شعاعا لشعراء و شاعرات تنوعت إبداعاتهم في تقديم نصوص مختلفة و متمايزة بحيث أصبح من الصعب عليَّ كقارئة إغفال اسم دون آخر في الحديث عن تجربة هؤلاء المبدعون ، و سيكون من سوء حظ القارىء ألا يتيح لنفسه فرصة الدخول إلى حروفهم و طرق أبواب الشمس لديهم ، و أنا و إن كنت هنا سأقدم نماذج من حروفهم المبدعة مع إلقاء بعض الضوء عليها و تباعا سأعود لإلقاء الضوء على بقيتهم آملة أن تغفروا لي سرعة القراءة و ضيق الوقت الحالي ....
عن وطن يسكن داخلنا يئن بأنين الأمهات و الأطفال و يبكي دماء روّت زهوره الحمراء لنا هذه الوقفة مع بعض النماذج الحاضرة بالديوان :
* آرجن آري / زهور الربيع المتأخرة
كل ربيع
في الجبال ، في الوهاد
في السجون تتفتح دوما
أزهار الربيع المتأخرة
لا السوسن اسمها و لا النرجس
للزهور المتفتحة توا اسم آخر
تولد حمراء قانية كالدم
تتفتح في "هركول ، و في "كبار
كل ربيع
في الجبال التي لم تنل مرامها بعد
مروية بالدم كانت أو بالملح
إن بالنار احترقت أو بالآلام
"سعيد ما يزهو منهما ، إحدى وريقاتها "القاضي
إن شممت عطرها فهي ديرسمية الأنفاس
في فروعها الأربعة مقاومة
تتفتح "رزا " بارزان " مظلوم
في كل انفتاح صرخة حياة
في هذا الجبل ... في ذاك الجبل
و أنفاس تحرير باقية في آثارها
إنها أزهار الربيع المتاخرة
لا تبق فى انتظار "آران
فأذار قد اختطف فستان شباط
لذا غير الربيع الهائج أوقاته الأربعة
اآن كل وردة روح لشهيد
تتفتح خضراء ، خضراء
تتفتح صفراء ، صفراء
حمراء ، حمراء تتفتح
في كل انفتاح تتكاثر
و تروي شتلاتها بكل قطرة دم
على اتساع المدى
تنفسها
عطر الحرية يفوح منها
إنها أزهار الربيع المتأخرة

الحرية معضلة النفس الثائرة و التي لا ترتضي العيش بهوان ، الحرية غاية ووسيلة تسعى من خلالها الأمم لإثبات مكانها ،في سبيل الحرية كم ارتوت تربة الجبل الحمراء بكل هؤلاء الشهداء ، في سبيل الأمان سقيت تلك الزهور الملونة بدم الشهداء لذا الربيع الهائج بما ارتوى من دماء يأبى إلا أن يظل حرا ، استعراض النضال الشعبي الذي استحضره الشاعر و اعتمد على ذكر أبرز أمثلته الخالدة أرواحهم حتى يومنا ما منح القصيدة دفقة شعورية هائلة تستطيع أن تشحذ همة قارئها لاسيما من كان متعطشا للحرية مثله ....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذا ما قاله طفل مؤنفل / حياة مجيد برخي
( أماه ، لم لكل واحد أب
أما أبي فصورة فقط )
لم لا يوقظنا أبي في الصباحات
لم لا يجلب لنا الخبز الحار من الفرن
لم لا يمسك بيدي و يأخذني الى السوق ؟
الى مدينة الالعاب
الى بيوت الأقرباء
أماه المعلم يقول اجتماع الآباء
كل آباء رفاقي يحضرون
لكنك الأم الوحيدة بينهم
أماه لن أذهب بعد الان الى الزقاق
لن ألعب مع أحد
رفيق يقول لي : اشترى ابي لي قميصا
و آخر يقول : اشترى لي هذه الساعة
و آخر يقول : اشترى لي هذه السيارة
أماه ، صامت انا بينهم
أخبئ رأسي في حضني
يسألونني
و أنا اقول لهم ، أبي صورة فقط
لا ينام أبدا و لا يهرم
كل ليلة أنا و أمي ننظر إليه
إلى أن ننام
ثم يدثرنا بالبطانيات
و يراقب بيتنا الخالي حتى الصباح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*طفل و نار / كرمانج هكاري
يقولون كانت الشمس على وشك المغيب
و الطيور ودعت النهار
كان الجندرمة يقبلون صوب جبل " سيبان
حاصروا قرية
كوموا الكل في زريبة الأغنام ثم قتلوهم
قالوا كان قد بقى في تلك القرية
طفل واحد
كان واقفا على عتبة غرفة
نظر خلفه كانت النار
نظر أمامه كان الجندرمة ببيراتهم الحمراء
صرخ ضابط في وجهه : أتريد النار ، النار
أو الجندرمة و الموت ؟
يقولون إن طفلنا اختار النار
و غدا يسبح في النار

نحن أمام تجربتان قد تبدوان مختلفتين لكن ما جعلني أجمع بينهما أن بطل كليهما هو الطفل الذي فقد عماده سواء كان فقد الأب كما طفل مؤنفل أو الأسرة بأكملها كما طفل النار
العنصر الثاني الذي يجمع بينهما تشابه الظرف و القوى الغاشمة التي اجتاحت حياة الاطفال و جعلت منهم يتامى و فاقدين لأسس الحياة ، طفل الأنفال يقارن بين وضعه و وضع الأطفال حوله و يشعر كم هو بحاجة لهذا القابع خلف إطار زجاجي ينظر للبيت و لا يستطيع حراكا ، يود لو كسر هذا الاطار و خرج لبرهة ليعيد تنظيم حياة هذا البيت الخالي من الحياة رغم سكنى الاحياء به و كأنما فقد الأب هنا هو فقد للحياة ذاتها و أن ما يحيا منهم هو الجسد فقط و رغم الدور السلبي الذي يبدو لنا من كلمات الطفل عن الاب انه لا يهرم و لا ينام لكنه يعود في ختمة القصيدة ليؤكد أن هذا ما يبدو ظاهريا لكن الحقيقة أن الاب رغم موته فهو راع لهذا البيت ، هو الدفء و الحنان و الأمان ، هو حارس الروح و الجسد و أن الأنفال التي راح ضحيتها الآلاف لم تفقد روح الأمل في الغد في نفوس الأطفال و الأجيال التي قدمت بعد هذه الجريمة المروعة
بينما نجد طفل النار يقف وحيدا لا ساند له ، لا أم و لا أب ، حتى الحياة حوله انتهت في فم النار المشتعلة و أصبح هو من يملك حق تقرير مصيره و إن كان المصير لم يخلو من السواد ، فما بين الوقوع بيد الجندرمة العثماني و بين النار ليس ثمة فارق كبير ، لماذا اختار الطفل النار و لم يفكر بحدس طفل يسعى للنجاة ، لكنه هنا تقمص روح آبائه و علم أن النار ربما تحرق الجسد لكن ستظل روحه طاهرة لن يلوثها فكر أسود ، اختار طفل النار النار و ترك ما تبقى له من لحظات الحياة غير عابئ بها
ما بين طفل مؤنفل و بين طفل سيبان الذي أكلته النار كثير لم نخرج بعيدا عن أرواح و أجساد احترقت أو دفنت حية أو رميت برصاص لم يعرف الرحمة لكونها مختلفة عن الآخر أو لكونها رفضت أن تحبس أنفاسها الحرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* آسيا خليل / أعلى من الحلم
ربما تكون تائها بين أسرارك
ربما ما تزال تفكر في حديثك الأخير
أنا نفسي لم أجد أي معنى لكلمات لا قلب لها
أتمرغ في حريق آخر أيضا
في جريان الموت
تغدو كل الخيالات عاقرة
لولا هذه المذابح الجماعية
لكنت حدثتك عن هجرة السنونو
أو عن بهجة أسراب إوزات الصباح في نهر الخابور
ــــــــــــــــــ
في ليلة
أجفلت ثلاث مرات من حلم
ثلاث مرات اصطدم راسي بحجارة اللحد
من ضقيع ما حولي تكورت حول قلبي
و الآلام كانت تسن سيوفها
في روحي ثلاث مرات
حملت رأسي المذبوح
و ملء صوتي الكسير صرخت
هبت العاصفة الثانية
تأكلنا الذئاب
تأكلنا الذئاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس سهلا ، لا ليس سهلا
حمل ظلال الموت الثقيلة
الآهات الجريحة
خوف الطفولة
نظرات العيون التي ظلت مفتوحة في انتظار الغد
قصص البيوت المتهدمة
دفء الجثث
دموع الغربة
حسرات الأمهات
افتراق أيدينا دونما وداع
و الأغنية التي كنا نسمعها معا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتصدق حقا أن البقصائد موجودة في الطرقات
و أن بوسع المرء التقاطها كالخرز
فلم إذا
في دروب هذا الوطن
ألتقي الحرائق فقط ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما أنت أيضا ميت مثلي
شتائنا نضب هذه السنة
رذاذ المطر
لا يكفي ظمأ أطفال مدينتنا
و لا المقبرة تسع جثثنا
بخيوط أي حلم
أرتق الشرخ الذي أصاب هذا القلب
بحمى أي ليلة أدثره ؟
منذ الطوفان الأخير
تأسرني حمى
تخطفني حمى
و حمى مرتعشة ، بلا هدأة
تقرأ بي الليالي المظلمة الطويلة
أخاف من أحلامي و من لدغة الغدر
لطالما نهضت من ميتاتي الماضيات
هذه المرة أيضا
سأجتاز الحد الذي بين الموت و الخداع بألم جم

في خمس مقاطع تنقلت بنا الشاعرة بين تجربة ذاتية ربما ، لتخرج بنا نحو تجربة عمومية ، انعكاس لدواخل تشتعل فيخرج من صدرها زفرة تبرق للسماء تناشدها : ما هكذا يكون احتراق القلب و الروح في آتون هذا العالم الممتلئ باللاشيئ ، المتنازع فيما بينه على العدم و اللاجدوى ، في صرخة الشاعرة التي عبرت لنا من بوابة القلب لندخل حميم هذه الروح نجد ظلا حاضرا لكل تجارب الوعي الذي عاشته ربما و تناقلته الصدور شفاهة ربما ، لكننا بصدد تأريخ حياة عاشها هذا الوطن استلبت منه الحلم و نازعت الحالمين البقاء ، في قبور جماعية لم تلق فقط الأجساد و لكن قبلها الأرواح و الأحلام و الآمال ،العاصفة التي حصدت الأرواح و ذئاب كانت تطوف حول أرض الوطن ما لبثت أن اجتاحته ممزقة في طريقها كل عرف ينادي بنقاء الانسان ، حصاد العاصفة بيوت مهدمة و ذعر سكن عيون طفل أغمض على صوت الموت يحيط به ، أي قبر يمكن للانسان أن يدفن فيه نفسه بعيدا عن صوت الموت القسري و أي منديل يمسح دموع الأمهات ، هل يبقى لهذا القلب من أمل ، حلم ، أمنية أن يعيش للحظة دون خيبة ترتجف لها مفاصله ؟ ، الحياة ما بعد الموت الأول تتشابه كثيرا غير أننا نكون قد تذوقنا طعم أول حريق فما عاد من مكان يظل بعيدا عن النار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني