الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب على الإنسان أم حرب على الله؟

ساكري البشير

2016 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


يقول الدكتور مصطفى محمود – رحمة الله عليه- : " وإني لأشعر أحيانا أن تحت أقدامنا فتيل قنبلة دينية زمنية، وأن النار تسرح في الفتيل، وأن القنبلة وشيكة الإنفجار.. وأننا في أشد الحاجة إلى طلائع لترشيد هذا الحماس الديني وتنويره حتى يأتي التحول بإصلاح وليس بموجات جديدة من الجرائم، والخيط دائما رفيع جدا بين أهل الله وأهل الشيطان، خاصة إذا تلثم أهل الشيطان باللثام الديني واتخذوا المصاحف والأناجيل شعارا ودعوا إلى الله وإلى الفضيلة والتقوى، والفارق دائما هو تلك النبرة الحادة وذلك الميل إلى التعصب... والمتعصبون من جميع الأديان ليسوا في الواقع على دين سوى دين نفوسهم..فهم عابدون لذواتهم ولتصوراتهم الشخصية وليس لله الواحد الداعي إلى التواضع".
إزدحم التاريخ بالمعارك والحروب في كل الحضارات، ولعب الموت على أوتار الإنسانية، ولعل ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط وبعض المناطق في آسيا وإفريقيا، ليس هو وليد اليوم، بل له جذور تمتد منذ خلق الإنسان على هذه المعمورة، وتلك ليست فطرة جُبل عليها الإنسان، بل هي الذات المنحطة التي تبحث عن السلطة والهيمنة، التي سكنت روحه ودمرت كيانه وحرفت مساره، لتنحط به من الملائكية إلى الشيطانية...
والحرب التي نتكلم عليها هي نتاج الفهم الخاطئ، والتأويل المنحرف للدين، فيصبح هذا الأخير يلعب دورا غير الذي وجد لأجله، فالحرب بإسم الإله هي أعظم الحروب وأعنفها، سطرها التاريخ بحبر أسود وخطوط حمراء، لهذا كان غرضي من هذا المقال ليس تقديم نبذة تاريخية عن هذه الحروب، بل هو سعي حقيقي، ونداء يجمع الوجدان والعقل في صف واحد إلى علمائنا المسلمين، ومفكرينا ومثقفينا الذي يقع على عاتقهم هذا الدور السامي، لإنارة المجتمع، وتصحيح مساره..
فما نشهده في ساحات سورية وفي العراق، أو بالأحرى الإستقطاب العجيب للشباب العربي والغربي على السواء، وإستغلاله في عمليات إجرامية وتفجيرات إرهابية وسط المصلين أو في الكنائس وفي محطات المسافرين وفي التجمعات المكتظة، وتكون هذه – حسب إعتقادهم – في سبيل الإله، هو من أعظم الكوارث التي يجب معالجتها قبل كل قضية أخرى، وهو شأن لا يحتاج إلى الهوان والتأجيل، بقدر ما هو بحاجة إلى السرعة والحزم والتعجيل، وهذه الحرب المقدسة التي تسري اليوم، لها من التاريخ جذور، ومن الفكر نظريات، ومن الواقع تجارة تديرها رؤوس ذات مصالح كتصدير السلاح..وغيرها..وبما أن هذه الحرب التي يخرج إطارها من الحرب على الإنسان والإنسانية إلى إعلان الحرب على الله وملكوته، وإختراق قوانينه الملكوتية، وهذا حقيقة ما يسمى بالإرهاب..
ولقد سبق أن مرت أوربا بمثل هذه الحروب الدينية الطائفية ولم تجني منها أي فائدة والتي استمرت عن ما يناهز 131 عاما حيث جرت حروب مابين سويسرا وفرنسا وألمانيا والنمسا وبوهيما وهولندا وانجلترا وسكوتلاندا وايرلندا والدانمارك وأسبانيا حيث قتل مالا يقل عن 2مليون نسمة وكانت حروبا مابين طائفتي البروتستانت والكاثوليك المسيحيتين ولقد خسرت ألمانيا وحدها في حرب الثلاثين عاما نصف عدد سكانها ودمر السويديون في ألمانيا 2000قلعه، 118 ألف قرية و 500 مدينة وأما في أسبانيا فقتل 6485 رجل دين وحوالي 360 الف قتيل، ومع الأسف كان الكل يعتقد أنه مكلف بأمر سماوي.. بحرب تطهير للعقيدة، فلقد ذهب جراء ذلك ضحايا كثير من قتلى ومصابين ومشردين بسبب أن رجال الدين في الكنيسة قد أضفوا عليها صفة القداسة بالرغم من أنها حرب مابين طوائف مسيحية.
ونفس هذا الحدث يتكرر مرارا وتكرارا دون إعتبار من متأمل، ولا مفكر، ذلك أن الصراع بين البروتستانت والكاثوليك، هو نفسه الصراع بين الطوائف المختلفة عند المسلمين، بين سنة وشيعة، وفي كل دائرة نجد إخوان وسلفية في السنة، ودرزية وعلوية في عند الشيعة، وهكذا تتكون الفسيفساء الدينية تحت راية سوداء، وأنهارا من الدماء، كل يبرر نظرته، وكل يعلن خلافته، وكل محق فيما يفعل مع تبرير فعلته الإجرامية، ورمي بعض الغبار القدسي عليها حتى تصبح قضية دينية وشأن إعتقادي لا رجوع فيه..
وقد يتساءل الكثير، كيف يكون لهذه التنظيمات الإرهابية أتباع من العامة؟
فنقول له، عندما تصبح الروح فارغة، يكون هناك تعطش للدين، ولا سبيل للقضاء على ذلك الفراغ سوى شيء من القداسة يرمى على أي قضية ما، إلا لما كان هناك تُبَّعْ، وفي قصة البابا جيم جونز عبرة كبيرة في هذا الموضوع بالذات، حيث إستطاع إقناع الكثير، ليكون جماعة، سُمِّيت بجماعة الأب جيم جونز، وهي التي يقول عنها مصطفى محمود طائفة بروتستانتية تأسست في كاليفورنيا عام 1963، وبلغ عدد أعضائها ثلاثين ألفا..وقد تلقى الأب جونز تزكيات من عدد من رجال الكونجرس ومن عمدة سان فرانسيسكو ومن زوجة الرئيس كارتر، وهي تزكيات شجعت حاكم جويانا على أن يمنحه قطعة أرض من 27 ألف فدان يقيم عليها مستعمراته ويحقق عليها حلمه المزعوم بمجتمع تسوده المحبة والتعاون والإخاء وتزول فيه الطبقات ..وهي المستعمرة التي انتهت بحادث قتل وإنتحار رهيب لأطفال وشباب ورجال ونساء جاوزوا التسعمائة عددا، وعلى رأسهم رئيس الطائفة الأب جونز نفسه، الذي قاد عملية الإنتحار الجماعي وكأنها صلاة أو طقس ديني، والتزكيات التي قدمها رجال الكونجرس وعمدة سان فرانسيسكو وزوجة الرئيس كارتر تدل على أننا أمام رجل لامع مؤثر بليغ وداعية من أصحاب الشخصيات المغناطيسية.. وأبلغ في الدلالة على قدرة هذا الرجل ما فعله في آلاف الشباب ممن دفعهم أمامه هم وأسرهم وأطفالهم حتى الموت في طاعة عمياء ودكتاتورية بشعة، وكأنه الرب الواحد الذي لا يناقش.
أليس هذا ما دعى إليه بعض المشايخ عندنا، عندما ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش – لتعلو أصواتهم المنابر، صارخين في وجوهنا..الخلافة ..الخلافة..الجهاد..الجهاد..
ونحن نقول لهم بأن هذه الخلافة، وهذا الجهاد، ليس سوى لعبة من ألعاب الشيطان التي أوصلتنا إلى كهف يغرق بالدماء، وفخ عظيم يصل عدد ضحاياه الدائرة في اليمن منذ 18 شهرا إلى عشرة آلاف قتيل.
وأن التحالف الذي يدعي إنقاذ العالم الإسلامي من الغرق في هذه الفتنة، قد ساهم بهجماته الهمجية في بعض المناطق اليمنية في زيادة وثيرة هذا الصراع، ليصبح الدفن الذي يكرم من خلاله الإنسان الميت، إلى دفن جماعي لا تحصيه المقابر..
وقد يكون عدد الضحايا أكبر من العدد الذي تذكره مراكز الأبحاث، نظرا لأن بعض المناطق تنعدم فيها المنشآت الطبية، ويدفن القتلى بدون أوراق رسمية.
وسبق أن قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن 3799 مدنيا قتلوا في الصراع، وإن الهجمات الجوية للتحالف بقيادة السعودية مسؤولة عن نحو 60 بالمئة من القتلى.
مضيفا أن الحرب في اليمن أدت إلى تشريد ثلاثة ملايين يمني، وأجبرت نحو 200 ألف آخرين للبحث عن مأوى خارج البلاد؛ ولدى الأمم المتحدة معلومات عن أن 900 ألف من بين الذين شردهم القتال ينوون العودة لبلادهم.
ويحتاج نحو 14 مليونا من سكان اليمن، البالغ عددهم 26 مليونا، إلى الغذاء، ويعاني سبعة ملايين من إنعدام الأمن الغذائي.
أما عن سوريا - وفقا لجماعات سورية محلية - بلغ عدد قتلى النزاع الدائر هناك بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2015، أكثر من 250 ألف شخص بينهم أكثر من 100 ألف مدن؛ يعيش أكثر من 640 ألف شخص تحت حصار طويل الأمد في سوريا، كما نتج عن النزاع أزمة إنسانية مع نزوح 7.6 مليون داخليا ولجوء 4.2 مليون شخص إلى دول الجوار.
وإذا كانت هذه المؤشرات تدل على شيء، فهي تدل على حالة تعطش ديني عند الشباب، وحالة خواء وفراغ وضياع واستعداد للموت وراء أول صارخ في برية يدعوهم إلى الله، هكذا يجب أن تسمى وتفهم، لا أن نسميها إرهابا ونكتفي بأننا إكتشفنا تحديد هوية صاحب الجرم الأكبر، بل يجب أن يخرج الحبر من الأوراق والكلمات من اللسان..والفكرة من العقل إلى الواقع للتطبيق..آن أوان العمل، للخروج من العزلة والتكالب، إلى تعزيز الوحدة خارج إطار جامعة الدول العربية، وخارج أيدي منظمة الدول الإسلامية...لنلقي بالفتنة خارج أوطاننا..لنخرج الحلول من عقولنا لتتلقفها الشعوب...فإلى متى نحصرها بين أوراقنا؟
يجب أن نتغلب هؤلاء الذين يدعون التأسلم، ويجيدون فنونه، ويستغلونه في شؤون غير الشؤون التي كان لزاما أن يعمل بها، ولا شك أن هؤلاء هم طلائع المسيخ الدجل كما يقول مصطفى محمود: " في عصر عجيب جمع بين الإنحلال والعهر المادي وبين الصحوة الروحية والشوق إلى الله، ويكاد يجتمع هذان الوجهان الوجه المادي والوجه الروحي في كل شاب ويتصارعان أحيانا في وعيه وأحيانا في عقله الباطن ولا أنسى تلك المرة التي قابلت فيها إمرأة تعيش حياتها في تبذل كامل وانحلال وكانت تبكي في طهارة كطفلة كلما ذكر أمامها الله أو استمعت إلى قرآن، وكانت تبكي وسط ضجيج الجاز وصخب السكارى في ناد ليلي وقد نسيت تماما أنها في زحام وأنها وسط الناس ..وأي ناس؟
وتلك هي الشخصية المزدوجة لهذا العصر المتفجر بالتناقضات.
ولقد رأينا صاحبنا الأب جيم جونز يدعو إلى الطهارة والتدين، ويعيش في نفس الوقت حياة الجنس والمخدرات والشذوذ، ورأيناه يمسك الإنجيل بيد ويقتل باليد الأخرى".
أليس من الغريب أن لا يدعوا مثل هذا السلوك إلى التساؤل في أذهان علمائنا الذين وضعنا كل ثقتنا فيهم كما تساءل الدكتور عبد الجبار الرفاعي؟
ما الذي يسوق الشباب في الغرب وغيره، ممن هم في كفاية معاشية، وبعضهم يعيش ترفاً مادياً، للهجرة إلى ولائم الذبح، وحفلات الرقص على أشلاء الضحايا في بلادنا، والتسابق على الإنخراط في وحشية عبثية، تتلذذ بالدم المسفوح، وتتهافت على مغامرات مهووسة في العمليات الإنتحارية؟
وآخر ما يمكنني قوله لكل مسلم كرسالة من أخ إلى أخ ومن مثقف إلى مثقف: هو أن الدين لم يكن يوما وسيلة للقتل، فقد جعله الله دستورا نرتقي به من الحياة الحيوانية إلى الحياة الملائكية، وليس الدين الذي نراه اليوم من شكليات تتضمن اللحية وقص الشوارب، أو تقصير الجلابيب، بقدر ما هو خشوع وإيمان دقيق يسمو بنا إلى المحبة والألفة،..والدين اليوم بحاجة إلى عقلاء..وهو فيما أرى يمثل حاجة راهنة لتحريره من الإغتصاب، وإنقاذه مما انتهى إليه التوظيف المخيف له، كآلة للقتل والإبادة والتدمير، وإعادته إلى مهمته الأصيلة في الحياة البشرية، ووضعه في نصابه الحقيقي، وتحرير البحث في الدين من الإتجاهات المغالية في التعاطي معه نفيا وإثباتاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س