الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتخابات الأمريكية 3 : نقد الشيوعيين الثوريين لمواقف الخضر و نعوم تشومسكي

شادي الشماوي

2016 / 10 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الإنتخابات الأمريكية 3 : نقد الشيوعيين الثوريين لمواقف الخضر و نعوم تشومسكي
إلى الخضر : فى ظلّ هذا النظام لا تغيّر الإنتخابات أبدا أي شيء
نحتاج إلى الإطاحة بهذا النظام و ليس إلى التصويت له
نحتاج إلى ثورة فعلية !
جريدة " الثورة " عدد 451 ، 8 أوت 2016
تعِد أرضية حزب الخضر بوضع نهاية للفقر و بتقليص ميزانيّة الجيش الأمريكي إلى النصف و بحما ية البيئة و بتوفير التعليم و الرعاية الصحّية المجانيين و بنزع عسكرة الشرطة و وضع حدّ للعنصريّة و أكثر . و فى الوقت الذى يقال لكلّ إنسان يُرهبه الجنون الفاشي لترامب إنّ " البديل " الوحيد هو هيلارى كلينتون ، يقول مرشّح الخضر للرئاسة ، جيل ستاين ، " لهيلاري كلينتون مسيرة حياة واضحة جدّا – عمليّا مسيرة حياة تسجّل أرقاما قياسيّة فى خنق الأفروأمريكيين وفى ترحيل المهاجرين و خدمة مصالح وول ستريت ، وهي مموّلة من قبل وول ستريت و المستفيدين من الحرب .لذا لا يجب أن ندّعي للحظة أنّ سجلّها يوفّر أي أمل " .
و من اليسير إدراك لماذا يلمسون هذا فبالفعل من غير الضروري و غير المقبول تماما أن تتحكّم حفنة من الرأسماليين فى الثروة التى ينتجها مليارات البشر عبر العالم فى ظروف تفرض عليهم الألم و العنف ، و ان تواصل الشرطة إطلاق النار و قتل السود و اللاتينيين ، و أن يغزو جيش الولايات المتحدة العالم و ينهبه ، و أن يُدفع بالبيئة كلّ يوم أكثر إلى الكارثة العامة . و صحيح أنّ هيلارى كلينتون جزء من المشكل و لا أساس لتعليق أمل على ترشّحها .
لكن فكرة أنّ هذه الفظائع يمكن وضع نهاية لها ب " التصويت للخضر " فكرة مضلّلة و ضارة .
ما هو المشكل ؟
لننطلق مع شيء أساسي للغاية : ليس المشكل هيئات نظام إنتخابات " مرتّبة " فقط بل يكمن المشكل فى أنّ طبقة رأسمالية – إمبريالية تحكم و تفرض النظام الرأسمالي – الإمبريالي على المجتمع و على العالم .
و فوق ذلك ، ليست الإنتخابات فى ظلّ هذا النظام جزءا من ديمقراطية لاطبقيّة بل هي جزء من ديمقراطية برجوازية أو الرأسمالي . و قد أثبتت المرّة تلو المرّة أنّها دكتاتوريّة .
و تشاهدون أنّ الذين يسيّرون فعلا هذه البلاد يملكون قدرا هائلا من القوّة العسكريّة و قد عولجت كلّ حركة تهدّد عمليّا قدرتهم على نهب الكوكب فورا بتلك القوّة المسلّحة . و لم يكن هذا صحيحا عبر تاريخ هذا البلد و كلّ بلد رأسمالي فحسب بل هناك عدّة أمثلة من السنوات القليلة الماضية ف قط . تذكّروا الدبّابات و القنابل المسيلة للدموع و الأسلحة العسكرية التى أطلقت ضد المحتجّين فى فرغوسون ، المسيسيبي ، إثر قتل الشرطة لمايكل براون الذى لم يكن يحمل سلاحا . و تذكّروا الحملات العنيفة المنسّقة للشرطة و الإيقافات الجماعيّة ضد حركة إحتلال الشوارع [ أوكوباي ] فى المدن عبر البلاد بأكملها طوال أربعة أيّام فى نوفمبر 2011 . و تذكّروا الإيقافات الجماعيّة العنيفة للثوريين قبل أسبوعين فقط ، أثناء المؤتمر الوطني الجمهوري لترامب فى كليفلاند لحرقهم العلم الأمريكي – وهو عمل من المفترض أنّه يندرج ضمن حقّ التعبير الحرّ ، " حقّ يصونه الدستور " .
كلّ برنامج سياسي لا يعالج ذلك معالجة جدّية هو بمثاب وضع شخص لا يراوده أيّ شكّ إلى جانب مجرم لا يتوقّف عن إرتكاب الجرائم .
نحتاج إلى الإطاحة بهذا النظام و ليس إلى التصويت له
هناك فعلا برنامج و إستراتيجيا للقيام بهذا بالذات إعتمادا على تحليل علمي للمجتمع . و هناك قيادة تطوّر هذا و هناك قوّة منظّمة تعمل من أجل تحويل هذا إلى حقيقة . و سنتعمّق فى ذلك لاحقا ، لكن قبل ذلك ، لنلقى نظرة على أرضيّة حزب
أرضيّة الخضر : إحباط قاتل
درس من اليونان حول لماذا لن ينجح ما يقترحه الخضر – و لماذا نحتاج إلى ثورة و لا شيء أقلّ من الثورة
لقد غدت كافة القاعدة الماليّة فى الولايات المتحدة ثريّة إلى هذا الحدّ بفعل الشبكة الواسعة من الإستغلال العالمي . و دون ذلك ، سيتفكّك إقتصاد الولايات المتحدة و لن يوجد رأسمال للبناء أو لتشغيل أيّ شخص كان.
و هناك قوانين تحدّد كيف يسير الإقتصاد فى أي نظام إجتماعي . و إن وقع إستبعاد هذه القوانين – فى حال الرأسمالية ، إقتصاد تحدّده و تحرّكه قوّة جشع و منافسة من أجل الربح – على الطريقة التى يقترحها اليونانيّون ، عندئذ ، بشكل أو آخر ، ستتقدّم مؤسّسات الطبقة الرأسمالية عبر المحاكم و وسائل الإعلام و آلة القمع العنيف " لإعادة النظام " – إعادة القوانين و السياسات العامة فى إنسجام مع طبيعة النظام الإقتصادي . و قد قام حكّام الولايات الماتحدة بهذا المرّة تلو المرّة حول العالم حينما حاولت أنظمة أن تدخل إصلاحات وجدها حكّام الولايات المتحدة غير مقبولة . و نهائيّا من المؤكّد أنّهم سيقومون بذلك فى بلدهم الخاص ، الولايات المتحدة .
ثمّة درس من اليونان فى كيفيّة سير هذا العالم الحقيقي . فى 2015 ، إنتُخب مرشّح حزب سيريزا كوزير أوّل لذلك البلد . و وعدت سيريزا بالقيام بإصلاحات كبرى للتخفيف من وطأة البطالة المتفشّية و من تداعى الخدمات الإجتماعيّة و من الفقر ( و ايضا تغييرات كبرى أخرى فى القانون اليوناني ). إلاّ أنّ مؤسسات رأسماليّة عالميّة كبيرة هدّدت بخنق الإقتصاد اليوناني إن تمّ تطبيق تلك الإصلاحات . و بالتالي ، مهما كانت نواياها ، أمضت قيادة سيريزا على تجديد إجراءات " التقشّف " التى شدّدت من الفقر و اللامساواة .
و يقوم الخضر بحملة ضد الترفيع من الميزانية المرصودة لجيش الولايات المتحدة . و يعدون بإعادة توجيهها نحو التعليم و الرعاية الصحّية . هذا الجيش الذى يتحدّثون عنه جيش يُرهب ويقتل و يحتلّ عبر العالم . و هذه ليست " مشكل سياسة " و ما هي بالأساس نتيجة "المتمعّشين من الحرب " . هذا جوهر أمريكا . بلا نابالم و أسلحة نوويّة و " قوّات خاصة " و بقيّة الآلة الهائلة ، لن تتمكّن الولايات المتحدة من أن تفرض نظام إستغلالها العالمي – من المعامل الهشّة و الحقول و مناجم المواد المعدنيّة الممتدّة من بنغلاداش إلى أفريقيا ، إلى أمريكا الوسطى وأبعد من ذلك . إنّ الجيش الأمريكي يفرض الإستغلال عبر العالم . وهو يهدّد و يخوض حروبا ضد البلدان أو القوى المنافسة التى يرى أنّها تمثّل تهديدا لوضع هيمنته على نظام إستغلال و إضطهاد رأسمالي – إمبريالي عالمي .
و لئن صعد الخضر بطريقةما إلى السلطة ، و حتّى إنتمكّنوا بطريقة ما أن يفرضوا على الجيش أن يتراجع عن حتّى نصف ال800 قاعدة عبر العالم ، سيعنى كلّ ذلك أنّ كامل الأساس الإقتصادي لهذا البلد القائم على الإستغلال و النهب العالميين سيتداعى . وحينئذ من أين سيأتون بالأرصدة للتعليم و الصحّة المجانيين ؟
لا غرابة فى أنّ هذا النظام قد إستخدم أجهزة دكتااتوريّته للسجن و التقتيل و للتجسّس و بثّ الخوف و لإغتيال أو إختطاف و إخفاء الذين تحدّوا تفوّقه العسكري . لا تستطيعون إصلاح هذا أو إلتماسه له ، يجب أن تطيحوا به . و عليكم أن تقوموا بهذا كجزء من مجمل النضال العالمي الذى يستهدف جميعه إنشاء عالم متحرّر حيث لن توجد بعدُ أمم مهيمنَة و أمم مهيمَن عليها و فى نهاية المطاف ، لنتوجد بعدُ حدود مهما كانت .
و يعد الخضر ب " وضع حدّ لعنف الشرطة و السجن الجماعي " بإنشاء " لجنة الحقيقة و المصالحة لفهم إرث العبوديّة و القضاء عليه " .
هل هم يمزحزن؟ هل أمكن لأيّة لجنة مسمّاة "لجنة الحقيقة والمصالحة " أبدا أن تغيّر أيّ شيء بالنسبة للجماهير الشعبيّة ؟ أنظروا إلى جنوب أفريقيا . فرغم بعض التعييرات الشكليّة و الوجود المختلفة فى أعلى هرم السلطة ، فإنّ الفقر الذى تغذّيه العنصريّة لا يزال مستشريا و نظام الكاست العنصري الوحشي لا يزال مفروضا و قد تحطّمت آمال الملايين .
و إرهاب الشرطة فى الولايات المتّحدة وعنفها و قتلها للسود والسمر بدم بارد ليس نوعا من " الخطإ ". هذا هو الدور المفترض أن تلعبه الشرطة – فرض نظام مبني على تفوّق البيض و غالبا ما إستخدم العنف المفضوح لدعم ذلك و دعم نظام ، فى هذا العصر المعولم ، لم يعد يجد من المربح إستغلال ملايين السود – لذا دفع بالسود و اللاتينيين إلى الغيتو و الفرقة و العداء فى صفوفهم وهو يقتلهم تماما فوق ذلك .
إلى الجحيم لجنة أخرى . الطريقة الوحيدة لإنهاء هذا هي الإطاحة بهذا النظام و تفكيك فوّات شرطنه و بناء إقتصاد و مجتمع جديدين كلّيا يجتثّان الإستغلال وتفوّق البيض . إنّنا فى حاجة إلى أجهزة سلطة دولة تعود إلى الجماهير فى تغيير كافة علاقات الإستغلال و الإضطهاد و نحتاج إلى قيادة مصمّمة على القيام بذلك ، وفى هذا المجتمع الفاسد و العنصري، يجب أن يكون تحرير السود محوريّا .
نحتاج إلى ثورة و ليس إلى توفيق
يعد الخضر ب " شغل أجر معيشة " لكلّ أمريكي يحتاج العمل و بتعويض مكاتب البطالة بمكاتب تشغيل .
ولنفهم عمق هذه الأوهام : لنفترض أنّ الخضر بطريقة ما فرضوا على الشركات الأمريكيّة أن تشرع فى تشغيل ملايين الأمريكيين الذين يبحثون عن شغل بأجر معيشة . و بدلا من تشغيل المهاجرين ببضعة دولارات فى الساعة لجني محاصيل المزارع أو الأطفال ببضعة دولارات يوميّا لخياطة الملابس فى بنغلاداش ، ستضطرّ هذه المؤسسات إلى دفع 15 دولارا أو أكثر فى الساعة الأمريكيين . و حالئذ ستضطرّ - وهي فى منافسة شديدة مع غيرها عبر العالم – إلى بيع منتوجاتها باسعار تجعلها خاسرة لدفع هذه الأجور . و فى هذا السعي المحموم للمنافسة ، سيتراجع الرأسمال المركّز حاليّا فى أمريكا و سيبحث عن أرباح أكبر فى أماكن أخرى . و بذلك تتفتّت كامل القاعدة الماليّة فى الولايات المتحدة التى أثرت جدّا بفعل الإستغلال العالمي . و عندئذ من أين ستأتى الموارد لتشغيل كلّ هؤلاء الناس ؟
إجابة قائمة على الواقع :
يتطلّب القضاء على أيّ من هذه الفظائع المدوّية شيئا أعمق بكثير من مجرّد إعادة توزيع الثروة المراكمة عبر النهب و الإستغلال الإمبرياليين العالميين . إنّه يتطلّب الإطاحة بهذا النظام ، و إفتكاك السيطرة على قوى الإنتاج فى المجتمع و الإجتثاث العميق لكافة أشكال الإستغلال التى يتمّ عبرها إنتاج الثروة . و يتطلّب إعادة صياغة هذه القوى المنتجة لدعم التغيير الثوري عبر العالم و تبية الحاجيات المادية للشعب و إصلاح الأنظمة البيئيّة لكوكبنا و حمايتها و تعظيمها . كما يتطلّب سلطة دولة ثورية جديدة و قيادة ثوريّة تستند إلى الشعب لخوض نضال جماهيري إجتماعي و سياسي لنقتلع من الجذور و نجتثّ كلّ الإنقسامات الإجتماعية و الإضطهاد الإجتماعي العميقين الممتدّة عروقهما فى هذا النظام الرأسمالي الإستغلالي : تفوّق البيض و النظام الأبوي / البطرياركية و ما إلى ذلك .
لا يملك الخضر برنامجا للقيام بذلك لكن الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية يملك هذا البرنامج .
ينظّم الحزب الشيوعي الثوري النضال الآن من أجل الإطاحة بهذا النظام فى أقرب وقت ممكن . إنّه يُعدّ لقيادة ثورة فعليّة لإنشاء مجتمع جديد راديكاليا و أفضل : أنظروا " دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا " . وهو يقوم بهذا إعتمادا على المقاربة و الإستراتيجيا العلميّتين اللتين طوّرهما بوب أفاكيان ، كارل ماركس زمننا . لقد طوّر بوب أفاكيان الخلاصة الجديدة للشيوعية وهو يقود بنشاط القتال ليس لإعادة توزيع نهب الإمبراطوريّة و إنّما لإنشاء عالم متحرّر من الإمبراطوريّات – عالم يكون فيه كافة السبعة مليارات متحرّرين .
لا وجود لمسلك مختصر لمجتمع على طريق تحرير الإنسانيّة . لا وجود لوسيلة لتلبية حاجيات الشعب باللعب ضمن قوانينهم و ضمن إطار النظام الرأسمالي – الإمبريالي . لا وجود لطريق بلا ألم لبلوغ أعماك ، لا وجود لتوظيف الوسائل التى تمنحها إيّاكم هذه الطبقة الحاكمة عندما تمتلك كحدّ أدنى إحتكار القوّة . بيد أنّ الثورة ممكنة و هناك طريقة للقتال و فرصة حقيقيّة للإنتصار .
و هذا الطريق أصعب إلاّ أنّه أكثر واقعيّة بكثير – و أكثر تحرّرا بكثير جدّا . تعمّقوا فيه و أدرسوه بداية من اليوم . ناقشوا أعمال بوب افاكيان و شكّلوا رأيكم الخاص . توجّهوا إلى revcom.us . إلتحقوا بنوادى الثورة . و أتم تقومون بذلك – و كجزء من الإعداد للثورة و التسريع بها – إلتحقوا بخوض مقاومة سياسيّة قويّة جماهيريّة مستقلّة لجرائم هذا النظام التى تنبع من قنواته الرسميّة و من الإنتخابات التى لا معنى لها . هذا هو الطريق الوحيد الذى له مغزى القابل أبدا لتحقيق الإنتصار .
( أنظروا أيضا " منطق الأقلّ شرّا القاتل " )
===============================================================
لسنا فى حاجة إلى " التصويت للأقلّ شرّا " أو إلى " التصويت لطرف ثالث "
نحن فى حاجة إلى الإطاحة بالنظام برمّته فى أقرب وقت ممكن !
ردّ على نعومتشومسكي و جون هالى
مقال لقارئ ؛ جريدة " الثورة " عدد 453 ، 22 أوت 2016
لقد كتب بوب أفاكيان أنّ " فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. "
و اليوم يقدّم نعوم تشومسكي و جون هالى مثالا قويّا عن " الأسوء " الذى تحدّث عنه بوبأفاكيان . ففى " ثمانى نقاط مختصرة لأجل التصويت للأقلّ شرّا " المنشور فى 15 جوان 2016 ، يحاجج تشومسكي و هالى أنّ منتهى أخطار دونالد ترامب تفرض على " اليسار " أم يتقدّم و يصوّت لهيلاري كلينتون .
و المشكل ليس مجرّد أنّ تشومسكي و هالى يدافعان عن مساندة شخص ( هيلاري كلينتون ) مورّط إلى العنق فى الإبادة الجماعيّة للسود و فى جرائم ضد الإنسانيّة تمتدّ من العراق إلى ليبيا و أبعد منهما . المشكل أعمق وهو أنّهما يظلاّن أسيرين – و هما موضوعيّا يصارعان لإبقاء الآخرين أسرى – أوامر نظام يتطلّب و يزدهر على الإضطهاد و الإبادة الجماعية للسود و الجرائم ضد الإنسانيّة من ركن من العالم إلى آخر . و لنتفحّص كيف أنّ ذلك كذلك .
أوّلا ، يقيم تشومسكي و هالى حجّتهم برمّتها على " التصويت للأقلّ شرّا " فى معارضة لإستراتيجيا مساندة مرشّحي أطراف ثالثة . غير أنّ هذه ليست الخيارات الوحيدة أمامنا .
و بالفعل ، هذه " الخيارات " مجرّد تعبيرات متباينة عن نفس الخطأ الجوهري للقبول بالدكتاتورية الرأسمالية و البقاء أسرى لها - و الخيارات التى توفّرها لنا تلك الدكتاتورية – بكلّ الفظائع التى يسلّطها هذا النظام على الشعوب عبر العالم . و يشمل هذا الحروب الإمبريالية للولايات المتحدة و السجن ا الإبادة الجماعية و العنف الخبيث ضد النساء و تحطيم البيئة و شيطنة المهاجرين . تدركون إذن أنّ هذه الجرائم ليست مجرّد "مشاكل سياسة " . إنّها الخطوط العميقة المميّزة لهذا النظام و المتجذّرة فى ، و اليوم المرتبطة بشكل لا ينفصم بالنظام الرأسمالي – الإمبريالي كما ظهر فى أمريكا . هذه الجرائم لا يمكن وضع نهاية لها فى ظلّ هذا النظام .
و هكذا ما نحتاج إليه ليس " التصويت للأقلّ شرّا " و ليس كذلك " التصويت لطرف ثالث " فى ظلّ هذا النظام فهذا التصويت يساوى عمليّا التصويت لأجل هذا النظام .
ما نحتاج إليه هو ثورة فعليّة تطيح بهذا النظام وتعوّضه بنظام مغاير راديكاليّا ، الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا . و على هذا النحو و على هذا النحو فقط نضع حدّا للفظائع التى يفرزها هذا النظام ، و سيواصل إفرازها ، مهما كان من ينتصر فى إنتخاباتهم .
ثانيا ، عند صياغتهما لحجّتهما من أجل " التصويت للأقلّ شرّا " ، يشدّد تشومسكي و هالى على أنّ أخطار ترامب تفوق الأخطار التى تمثّلها كلينتون . لكن المشكل أكبر بكثير من ترامب . إنّ ترامب و خطابه الفاش المتطرّف و البرنامج الذى يروّجله ينبعون من تفوّق البيض العميق الجذور فى هذا البلد و من التعصّب و الشوفينية القومية و كذلك من الحاجيات الخاصة لنظام الإستغلال و الإضطهاد العالميين وهو يواجه تحدّيات قصوى . لهذا كانت وسائل إعلام الطبقة الحاكمة و أهمّ وجوهها السياسيّة تعامل بإستمرار ترامب كمرشّح " شرعي ". فكّروا مثلا فى الساعات الطوال من" النقاش المعقول" التى وفّروها لخيالاته للإبادة الجماعية و كرهه الوحشي للنساء .
ما ينبغى مواجهته هو التالى : أي نظام يتعاطى مع أمثال ترامب الفاشي على أنّهم " شرعيين " هو فى حدّ ذاته غير شرعي تماما . و يحتاج نظاممن هذا القبيل الإطاحة به و ليس التصويت له .
و جزء مفتاح من الإداد للثورة هو خوض المقاومة الجماهيريّة السياسيّة المستقلّة . و بالفعل هذا هو السبيل الوحيد للردّ على جرائم النظام وهو جزء أساسي من الإستعداد للإطاحة بهذا النظام . و بقدرما تكون هذه المقاومة السياسية شرسة فى بنائها – لحروب هذه البلاد من أجل الإمبراطوريّة ، و لكره النساء المستشري و لشيطنة المهاجرين و للإبادة الجماعيّة للسود و لتحطيم البيئة ، بقدر ما تكون هذه المقاومة مرتبطة بالقيام بثورة فعليّة ، و بقدر ما سيكون الوضع أفضل مهما كان من سيصبح رئيسا .
و بالمقابل ، بقدر ما يطبّق الناس ما يدعو إليه تشومسكي و هالى و يجدون موقعهم ضمن الخيارات الإجرامية التى يمليها النظام الإجرامي الذى يتحكّم فينا ، بقدر ما ستكون الأمور أسوأ . و مثلما أشار بوب أفاكيان فى ملف صوتي فى المدّة الأخيرة ، " يؤدّى القبول المستمرّ بالإطار و " الخيارات " التى يمليها – نعم يمليها – هذا النظام و قواه و مؤسّساته الحاكمة ، و الإلتحاق المتكرّر أو تبنّى الأقلّ شرّا ، إلاّ إلى شرّ أكبر فأكبر " .
لقد كان هذا صحيحا بصفة متكرّرة حتّى فى ظلّ أوباما إذ إلتفّ عددكبير من الناس حول أوباما عندما تسابق لأوّل مرّة من أجل الرئاسة ، فى جزء كبير منه لأنّه لم يبدو كداعية حرب أو خبيث مثل الرئيس بوش . وماذا كانت النتيجة ؟ لقد تخطّى توجيه ضربات الطائرات دون طيّار و فى ترحيل المهاجرين و تقنين التجسّس و إغتيال المواطنين الأمريكيين (1) ، و تعذيب و سجن المخبرين عن الأعمال غير القانونية و غير ذلك كثير و كثير جدّا . بينما ظلّ الذين إحتجّوا على هكذا أمور قام بها بوش صامتين لمّا قام بها أوباما .
أو ماذا عن هيلارى كلينتون ذاتها ؟ كسكرتيرة دولة ، لم تشارك بقسط كبير فى الجرائم التى إقترفها أوباما و حسب بل كانت أيضا ناشطة و مساهمة فى التصعيد الكبير لبيل كلينتون فى تجريم السود و سجنهم و فى تحطيم برامج الرفاه التى كان حياة ملايين النساء و الأطفال مرتهنة بها ، و عسكرة الحدود الأمريكية – المكسيكيّة و العقوبات الخبيثة التى تسبّبت فى قتل نصف مليون طفل عراقي ، و هلمّجرّا . و فى خطابات حملتها الراهنة لتصبح القائد العام ، تعد ليس بمواصلة جرائم حرب أوباما فحسب و إنّما بتصعيدها أيضا فى الشرق الأوسط .
إنّ الإصطفاف وراء هيلاري كلينتون ، حتّى إن قمتم به بإسم " معارضة الشرّ الأكبر " هو مصادقة من جانبكم على كلّ هذا . وهو ما يجعلكم شركاء فى هذه الجرائم و ما يعزّز النظام المتسبّب فى هذه الجرائم .
ثالثا ، و الأكثر جوهريّة ، ما يكمن وراء كلّ هذا هو أنّ تشومسكى و هالى يسقطان تحديدا فى الخطإ الذى نبّه إليه بوب أفاكيان . يخفقون فى الإقرار بالطبيعة الطبقيّة لديمقراطية الولايات المتّحدة و الطبقة التى تخدمها تلك الديمقراطية .
فى الجملة الأولى من نصّهما ، كتبا : " من عناصر الشكل الضعيف للديمقراطية المتضمّنة فى الدستور ، تظلّ الإنتخابات الرئاسيّة تطرح مفارقة بالنسبة لليسار فى ما يتعلّق بأي شكل من المشاركة أو عدم المشاركة يبدو أنّه يفرض ثمنا هاما على قدرتنا على تطوير معارضة جدّية لأجندا الشركات التى يخدمها سياسيّو النظام القائم " ( التشديد مضاف ) .
لكن المشكل ليس أن " شكل الديمقراطية المتضمّن فى دستور " الولايات المتحدة " ضعيف " . وكذلك ليس المشكل أنّ بعض " أجندا شركات " قد أفسدت " سياسيي النظام القائم " . المشكل هو أنّ " شكل الديمقراطية المتضمّن فى الدستور " – مثل دستور الولايات المتحدة ذاته – يعكس و يخدم دكتاتورية البرجوازية ( الطبقة الرأسمالية ). إنّ الطبقة الرأسمالية تملك أكبر وسائل الإنتاج و تتحكّم فيها – الأرض و الموارد الطبيعية و الطاقة و المصانع و النقل و أنظمة الإتصالات إلخ – وهي تراكم ثروات طائلة من خلال الإستغلال الفاحش للناس هنا و عبر العالم . و هم يفرضون هذا الإستغلال بواسطة الدولة الرأسمالية – بواسطة الغزوات و الإحتلال و التعذيب و الإنقلابات و ضربات الطائرات دون طيّار و القتل دون محاكمات و القتل التعسّفي على يد الشرطة و غير ذلك كثير و كثير . أبدا لم تستخدم سلطة دولتهم – جيوشهم و شرطتهم و محاكمهم و سجونهم – لأيّ غرض آخر عدا فرض مصالح الطبقة الرأسماليّة ، و ليس بوسعها القيام بذلك .
كلّ هذا هو الذى يحدّد إطار ما يفعله النظام – و ليس إنتخاباتهم .
و بالفعل من أقوى الأمثلة عن كيف أن هذا صحيح يمكن أن نعثر عليه فى ذات التجربة التى يذكرها تشومسكى و هالى – لكن مع تأويلها تأويلا سيّئا تماما .
يتّهم تشومسكى و هالى ما يسمّيانه ب " كتلة يساريّة متطرّفة فى حركةالسلام " على أنّها " قلّصت من الإخطار المقارنة لرئاسة نكسون خلال إنتخابات 1968 . و كانت التيجة سنوات ستّ من القتل و الدمار الذى لا حدّله فى جنوب شرق آسيا و كذلك تسبّب قسم متوقّع من اليسار فى تداعيه النهائي فى عقود التراخي التالية " .
ببساطةهذا غير صحيح . إنّ توبيخ حركة مناهضة الحرب بسبب الجريمة التى إقترفتها حكومة الولايات المتحدة خاطئ بصورة عميقة! – وبالأخصّ فى ما يتعلّق بالذين ضمن تلك الحركة الذين كانوا عقلاء إلى درجة القطع مع إنتخابات هذا النظام و وضعوا أرواحهم على أكفّهم لخوض مقاومة ذات معنى.
إنّ الدرس الحقيقي للإنتخابات حول حرب الفتنام كان على وجه الضبط عكس الإستنتاجات التى إستخلصها تشومسكي وهالى . لرؤية كيف أنّ ذلك كذلك لنتفحّص بسرعة الإنتخابات الأولى و الثانية اللتين دعّمتا الإنخراط الكبير للولايات المتحدة فى حرب الفتنام .
فى إنتخابات 1964 ، وعد لندن جونسون بتخفيف الإندفاع الأمريكي فى الفتنام بينما كان غلدواتر يدعو إلى أنّه يجب السماح للقادة الميدانيين الأمريكيين فى الفتنام بإستخدام الأسلحة النوويّة دون موافقة الرئاسة . ومع ذلك بعد إنتخابه قد جونسون عمل على تصعيد الحرب تصعيدا دراماتيكيّا .
ثمّ فى 1972 ، وقعت إعادة إنتخاب الرئيس نكسون داعية الحرب فى نجاح جارف على حساب جورج ماك غوفر الديمقراطي المناهض للحرب . ومع ذلك ، عقب بضعة أشهر لا غير ، شرع نكسون فى سحب فيالق الولايات المتحدة و التخلّى عن الحرب .
و لا فى واحدة من الحالتين لعبت الإنتخابات أيّ دور مهما كان فى تحديد ما يقوم به حكّام الولاياتالمتحدة فى الفتنام . فقد كانت خياراتهم يُحدّدها ما يمليه نظامهم وما هو فى حاجة إليه . لسنوات ، شعر الحكّام فى الحزبين الحاكمين الكبيرين بأنّ مصالحهم تكمن فى توسيع هيمنتهم على جنوب شرق آسيا بواسطةالإرهاب العسكري و الإبادة و القتل . و مع تعرّضهم إلى هزائم عسكريّة و سياسيّة أكبر فأكبر على يد مقاتلى التحرير الفتناميين – و مع تمرّد عدد متنامى من الناس ضدّهم فى " وطنهم " الخاص – توصّل الحكّام إلى الشعور بأنّ مصالحهم تكمن فى الإنسحاب من تلك الحرب . مجدّدا ، لم تكن للإنتخابات أبدا أيّة علاقة بهذا !
وفى الأخير ، لنعد إلى جمل بوب أفاكيان التى بدأنا بها هذا المقال و نردفها بجمل أخرى تلتها :
" طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ."
يصيب بوب أفاكيان كبد الحقيقة و منذ زمن طويل كان على الآخرين أن يتعمّقوا فى ما قوله ويتعلّموا منه حقّا . فالإخفاق - أو رفض – الإعتراف بالطبيعة الطبقية للديمقراطية التى تحكمنا و الطبقة التى تخدمها ، يلحق بنا ضررا جسيما . و طالما أنّ البرجوازيّة تحافظ على إحتكارها للسلطة السياسية و القوّة العسكريّة ، ستفرض وتركّز شكلا من الديمقراطية ييسّر تواصل دكتاتوريّتها – و إستغلالها و نهبها – ضد الشعب هنا و عبر العالم . لا مجال لتغيير هذا بالمشاركة فى إنتخاباتهم – ليس عبر " التصويت للأقلّ شرّا " أو " التصويت لطرف ثالث " .
إلاّ أنّ هذا يمكن أن يتغيّر من خلال ثورة فعليّة . و للتعمّق فى هذا بوسعكم التوجّه إلى هنا :
revcom.us/439/time-to-get-organized-for-an-actual-revolution-en.html
الهامش 1 : أنظروا مقال " جرائم الولايات المتحدة فى اليمن : لا دستوريّة ... و نذير شؤم " ، revcom.us ، 9 أكتوبر 2011.
===================================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي