الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات سريعة عن خطاب الملك امام البرلمان

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2016 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


أثار الخطاب الذي افتتح به الملك محمد السادس الدورة التشريعية العاشرة للبرلمان ، جملة ملاحظات دقيقة قررنا استعراضها بإيجاز ، لان ما خفي كان ولا يزال أعظم .
إنّ أول ملاحظة يمكن بكل سهولة تسجيلها ، هي أن الفريق الذي حرر الخطاب للملك ، وأعطاه إياه لقراءته ، إما انه جاهل يعاني من مرض الأمية ، وإما انه يكذب على الملك ، مستغلا ضعفه البيّن ، لتمرير خطاب للاستهلاك المناسباتي ، مع تضخيم العبارات الثورية لانبهار الملك بها أمام برلمانييه ، لا أمام الشعب الذي وجه رسالته القوية للملك نفسه من خلال المقاطعة التي تعدت 75 في المائة.
فكيف للملك ان يدعو الى صياغة قانون ينظم اللاّتمركز ، والمغرب أنهى هذا الموضوع في بداية الثمانينات من القرن الماضي ، وانتقل من اللاّتمركز او عدم التركيز إلى نظام اللاّمركزية التي سالت من اجلها المئات من الكتب والأطروحات والرسالات ، وحظيت بالمناقشة والتفكير من قبل كل الأحزاب والنقابات ؟
بل كيف للملك ان يتكلم عن اللاّتمركز او عدم التركيز الذي جاء قبل اللاّمركزية ، وفي نفس الوقت يتكلم عن الجهوية الموسعة الاختصاصات ؟ شيء لا يمكن لعقل سليم قبوله .
ان حديث الملك عن الجهوية الموسعة الاختصاصات ، يلغي بالكامل وبالمباشر كل حديث اللاّمركزية فأحرى الحديث عن اللاّتمركز او عدم التركيز ، ورغم ان اللاّمركزية هي شكل أكثر تقدما في العمل الديمقراطي مقارنة بعدم التركيز او اللاّتمركز الذي سلط عليه الملك خطابه .
ان الجهوية المتعددة الاختصاصات ، والتي تنشئها السلطات المركزية المختصة ، تلغي الكامل اي حديث عن التمركز ، او عدم التمركز ، او اللاّتمركز او اللاّمركزية ، اللهم إذا كان الملك يريد التركيز فقط على اللاّتمركز المرتبط اشد الارتباط بالمركزية لتثبيت سلطات الضبط الإداري ، ومنها تثبيت سلطة الملك الذي يستعمل الجهوية لدغدغة المشاعر ، ومحاولة الظهور بمظهر الديمقراطي الذي يحرس على تولي سكان الجهات ، تدبير شؤونهم بنفسهم ودون حاجة لوصاية سلطات المركز . فهل هذا الخلط بين نظام اللاّتمركز ، وبين نظام الجهة ، هو خوف من الجهة التي ستتمتع باستقلالية القرار الجهوي عن سلطات العاصمة الغارقة في البيروقراطية ؟
ان هذا الخلط الذي سقط فيه الملك حين أراد الجمع بين شيئين متناقضين ، نظام اللاّتمركز او عدم التركيز الإداري والذي انتهى منه المغرب في بداية الثمانينات من القرن الماضي ، وبين اللامركزية التي تجاهلها الخطاب الملكي نظرا لأنها تتعارض مع نظام اللاّتمركز ، ونظام الجهة ، له تفسير واحد أوحد ، هو النظام الملكي لم يختر نظام الجهة ، سوى لأنها فرضت عليه قهرا لتعويض الفشل الذي أصاب حل الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به . وحيث انه من المستحيل تطبيق نظام الحكم الذاتي من جانب واحد ، وأمام رفضه من قبل المعنيين به ، الذين هم جماعة البوليساريو ، لأنه سيؤدي إلى تشكيك النظام في مغربية الصحراء وفي مغربية الصحراويين ، وليس هؤلاء من يكُونُ قد شكك في مغربية الصحراء ، او شككوا في مغربيتهم ، ابتكر نظام الجهة الموسعة الاختصاصات ، كنظام متقدم عن نظام الجهة المحددة الاختصاصات ، ونظام يقترب شيئا من نظام الحكم الذاتي ، الذي تطبيقه من عدمه يتوقف على الشروط التي ستتقدم بها جبهة البوليساريو ، وتحت إشراف الأمم المتحدة عند البدء في المفاوضات ، أي أن نظام الحكم الذاتي إن قبلت به الجبهة ، سيكون مستجيبا لشروط الطرفين المتنازعين ، وليس كما يريد النظام بشروطه التي قد تفرغ نظام الحكم الذاتي من مضامينه الأساسية .
لذا فالنظام حين تقدم بمقترح الجهة الموسعة الاختصاصات ، فهو اعتمد المقاربة الأمنية ، ولم يعتمد المقاربة الديمقراطية الحقيقية . فلو قبلت الجبهة بصيغة النظام لمقترح الحكم الذاتي ، ما كان للنظام ان يطرح إطلاقا نظام الجهة الموسعة ، والدليل أن النظام في البداية حين كان يتكلم عن الجهة ، فهو كان يعني بها فقط الأقاليم الجنوبية المتنازع حولها ، لكن حتى لا تتضح نوايا النظام من استعمال نظام الجهة كتكتيك للركوب على فشل حل الحكم الذاتي ، وحتى يظهر بمظهر الديمقراطي ألتشاركي أمام المنتظم الدولي ، عمّم نظام الجهة المتقدمة الاختصاصات لتشمل كل المغرب ، وليس فقط الأقاليم الجنوبية المتنازع حولها .
ان تركيز الملك في خطابه على نظام اللاّتمركز او عدم التركيز المتجاوز منذ الثمانينات عند انشاء نظام اللامركزية ، لهو دليل ساطع على رغبة النظام في المزيد من الاستئثار بالسلطة على كل المغرب ، وليس فقط على جنوبه .
فهل خطاب الملك بالتكيز على اللاّتمركز او عدم التركيز ، هو تراجع حتى عن اللامركزية ، فأحرى الجهة ،، أقول هو اعتراف بالفشل الذي أصاب الديمقراطية من الحسنية الى المحمدية ، من اللاّتمركز او عدم التركيز الى اللامركزية الى نظام الجهة المبني على سلطات الضبط الإداري ؟
وهل اقتصار الملك في الحديث عن اللاّتمركز هو إرادة معبر عنها من الملك عن المزيد من بسط السيطرة المطلقة على كل مفاصل الدولة ؟
ان الملاحظة الثانية هي ان الملك لم يتطرق الى ملف نزاع الصحراء الذي تنتظره أخطار خطيرة ، ولم يتطرق الى مشكل التعليم اخطر ملف يتهدد الشعب بالسكتة الدماغية . لقد تطرق فقط للإدارة وكأن هذه موجودة في بلد آخر وليس بالمغرب . ان الملك من خلال وزرائه هو المسؤول عن الإدارة . انه المنفذ الأول ( السلطة التنفيذية ) والمشرع الأول ( السلطة التشريعية ) والإمام ( القاضي الأول - السلك القضائي ) . فمن يسير وزارة الداخلية ؟ أليس الوزير وزير الملك ؟ ألا يخضع الكاتب العام للوزارة الذي هو والي الى وزير الملك ؟ ألا يخضع كل رجال السلطة لوزير الداخلية الذي هو وزير الملك . ونفس الشيء عن وزارة تحديث القطاعات ( الوظيفة العمومية ) . أليس الوزير ، هو المسؤول الأول ، ورئيس الكاتب العام الذي يمكن للوزير إزاحته ، او تقليص مهامه ،او تحديدها ؟ . ونفس الشيء بالنسبة لوزارة التعليم والخارجية وكل الوزارات . ثم بالنسبة للسلط ( السلطة القضائية ) من هو القاضي الأول ؟ أليس الملك ؟ من يعين رئيس المجلس الأعلى للقضاء والوكيل العام به ؟ أليس الملك ؟ من يعين القضاة ورجال السلطة بظهائر ؟ أليس الملك ؟ ألا تصدر الأحكام باسم الملك وتنفذ باسمه كذلك ، والأعوان الذين ينفذونها هم أعوان الملك ، من درك ، وقوات مساعدة ،وشرطة ، ورجال سلطة ؟ من يعين رئيس المجلس الاعلى للحسابات وقضاته ؟ اليس الملك ؟ من يعين رئيس المحكمة الدستورية وقضاتها ؟ اليس كذلك الملك ؟ كيف يتحدث الملك عن وفاء الأحزاب بوعودها لجمهور الناخبين ، وهي الأحزاب التي ليس لها برامج ما دام ان الملك قد صادق على برنامجه الحكومي ( القانون المالي لسنة 2017 ) وحتى قبل ان تجري الانتخابات وتظهر النتائج . فإذا كان البرلمان والحكومة سيشتغلان عل برنامج الملك لسنة 2017 ، فما الجدوى من دعوة الأحزاب الفائزة بالوفاء بوعودها ، وهي لن تكون غير معاويل بيد الملك لتنفيذ برنامجه ، وليس تنفيذ البرنامج التي تقدم به الحزب الى الانتخابات ؟ فمن المسؤول عن عدم وفاء الأحزاب بتعهداتها ؟ أليس الملك الذي أفرغها من برامجها ؟ من هو الممثل الأسمى للأمة ؟ أليس الملك ؟ كيف للملك ان يُقرّع إدارة هي إدارته ، وهو المسؤول عنها ؟ هل أصبح الملك يُقرّع نفسه بنفسه ؟ أما الرعايا الذين يهرولون وراء سيارات الملك لإعطائه غلافا ، فهم يهرولون وراء مأذونيات -- رخص سياقة ، او طلب شغل -- ان هذه التصرفات تدخل في التقاليد المرعية ، والثقافة المخزنية لإذلال الناس ، وتحطيمهم للمزيد من الركوع والسجود ، وإلاّ ، لو كان الملك حقا صادقا ، او كان مدركا لما كان يردده في خطابه ، لماذا لم يستجيب للنداءات التي وجهناها له من ظلم مجرمين ( فؤاد الهمة والخسيس الشرقي ضريس و الجلاد عبداللطيف الحموشي ) الذين يستعلمون الأجهزة البوليسية في الاعتداء على الناس ظلما وبدون وجه حق ؟ لماذا لم يستجيب لقضاة تعرضوا للظلم فقط لأنهم ابدوا وجهة نظر حول إصلاح منظومة القضاء او رفضوا الانصياع للأوامر الغير القانونية لرئيس المحكمة ؟ ان الكلام يطول ويطول . والخطاب الذي ألقاء الملك أمام البرلمان ، يبين انه يجهل ما يجري بالدولة ، وإن كان يعلم ما يجري ، ومع ذلك يلتزم الصمت حيث انه هنا يتواطأ مع صديقه فؤاد الهمة والشرذمة المحيطة بهذا الأخير ، فهذا ليس له من تفسير ، غير ان الملك يعاني من ازدواجية الشخصية . وهي ازدواجية تنعكس على الملك المسؤول عن الفساد الذي يتشكى منه ، لان الإدارة هي إدارته ـ والملك الرافض للفساد الثائر على مفاصليه ، والذي يلبس ثوب المصلح المنحاز للشعب ، معتقدا ان الشعب لا يزال كما كان في الخمسينات والستينات ، مع العلم ان نسبة المقاطعة التي وصلت الى 75 في المائة ، كانت رسالة واضحة لرفض أصل الفساد من أولفه إلى ياءه . المشكل اليوم لم يعد في الملك ، بل المشكل هو الملك الذي سلم المغرب ومصير المغاربة لمجرمين يعيثون فيه خرابا وفسادا . ان خطاب الملك أمام البرلمان ، هو اعتراف كبير بالفساد ، واعتراف ساطع بالفشل ، سواء في ميدان الديمقراطية ، او في ما يتعلق بملف الصحراء ، او في ما يتعلق بالملف الاجتماعي والاقتصادي .
فهل كان الملك يعلم في خطابه انه يدين سياسته ويدين نظامه ، ام انه كان يقرأ فقط للتخلص من عناء القراءة كما تعودنا على ذلك ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير