الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوغادين: عار إثيوبيا المخفي

عدنان حسين أحمد

2016 / 10 / 16
الادب والفن


يُخصص مهرجان بورتبيللو السينمائي كل عام ثلاثة أيام للأفلام الوثائقية المحلية والعالمية التي يصل عددها إلى خمسين فيلمًا في أقل تقدير، فثمة أفلام وثائقية أخرى تُقدَّم خلال أيام المهرجان الثمانية عشر. لم تشذّ الدورة الحادية والعشرون عن هذا السياق. ففي العاشر من سبتمبر الجاري عُرض في صالة KPH بمدينة لادبروك غروف 16 فيلمًا وثائقيًا من بينها "كل شيء سيكون على ما يُرام" للمخرجة البريطانية بوبي رونا سكولد، و "زرادشت: النجمة الصفراء" للمخرج العراقي الكردي مازن شيرابياني، و "أوغادين: عار إثيوبيا المخفي" للمخرج البريطاني غراهام بيبلز مناط بحثنا ودراستنا النقدية.
لابد من الإشارة إلى أن إقليم أوغادين الصومالي قد ضُمّ إلى إثيوبيا عام 1954 وذلك لموقفها الداعم للحكومة البريطانية. ومنذ عام 1992 كان سكّان أوغادين يتعرضون للقمع، والتعذيب، والأعمال الحاطّة بالكرامة الإنسانية، خصوصًا بعد تأسيس الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين ومطالبتها بالحكم الذاتي وحق تقرير المصير. وفي عام 2006 تمّ اكتشاف النفط والغاز في هذا الإقليم الأمر الذي حرّض الحكومة الإثيوبية المُستبدة على ارتكاب الفظائع الكبيرة التي ترقى إلى جرائم حرب، وجرائم ضدّ الإنسانية. ومع ذلك فإن أميركا وإنكلترا والاتحاد الأوروبي يغضّون الطرف عن هذه الممارسات الوحشية ضد المواطنين الصوماليين العُزّل الذين يتعرضون منذ عدة ستة عقود إلى القتل، والاغتصاب، والتهجير القسري.
في عامي 2013 و 2014 قام المخرج غراهام بيبلْز بزيارة معسكر "داداب" في كينيا والتقى بالعديد من الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب والاغتصاب والسجن التعسفي وغالبيتهم من النساء. وبما أن معظم الناس لم يسمعوا بهذا الإقليم ولا يعرفون شيئًا عمّا يحدث في سجون أوغادين لأن القوات الإثيوبية لا تسمح بوصول الصحفيين إلى أي سجن أو معتقل لذلك قرر بيبلْز أن يلتقي بثلاث نساء شابات وهن مريامه، عنّاب وفطومة، تعرضن لمختلف أنواع التعذيب، والاغتصاب الفردي والجماعي، وشاهدنَ عن كثب عمليات القتل، والترويع، وحرق المنازل، وترك لهن فرصة سرد قصصهن المؤلمة وهَرَبهن من سجن أوغادين حتى وصولهن إلى معسكر "داداب" بعد عدة أشهر من المشي على الأقدام.
على الرغم من أهمية البوح للشخصيات النسائية الثلاث إلاّ أن المخرج قد اعتمد على تقارير منظمة حقوق الإنسان، وعلى اعترافات جنود منشقين عن الجيش الإثيوبي الذين أكّدوا على وقوع عمليات قتل وتعذيب وحشي، وتهجير جماعي وما إلى ذلك من انتهاكات صارخة لم تطْرق سمع المجتمع الدولي الذي يؤازر، مع الأسف الشديد، الحكومة الإثيوبية.
ربما تكون مريامه هي الإنسانة الأبسط بين شخصيات الفيلم الثلاث لكن الألم علّم هذه الإنسانة البسيطة كيف تسرد محنتها. فقد وصلت إلى معسكر "داداب" للاجئين في مايو 2014. وهربت من السجن لأنها تعرضت إلى مختلف أنواع التعذيب والاغتصاب ومن بين أكثر الوسائل ترويعًا هي أن السجّانين طلبوا منها أن تحمل جثة إنسان ميت بشكل منتصب وحينما أعياها ثقل الجثة سقطا معًا على الأرض. ثم أحاطوا رأسها بكيس مملوء بالفلفل الحار، وحينما أغمي عليها تعرضت للاغتصاب الجماعي. وإذا كانت مريامه قد تحملت فعل الاغتصاب وقبلت به كأمر واقع لا مفرّ منه فإن الضحايا الأخريات أصبنَ بحالات صرع، وانهيار عصبي، وانكسارات داخلية متعددة. لا تكتم مريامه مشاعرها فلاغرابة إن كانت منخرطة بالبكاء منذ مستهل الفيلم حتى نهايته لكن ذاكرتها الحادة تستعيد كل شيء فهي الوحيدة التي أعطت المتلقين معلومات دقيقة عن عدد السجينات الذي بلغ بحسب ادعائها 1079 سجينة وحجتها في ذلك أن السجانين كانوا يمارسون التعداد اليومي كل صباح ليتأكدوا من العدد الكلي لهن. كما تتذكر مريامه الجنود الإثيوبيين الذين هجموا على قريتها، وأرهبوا أناسها، ونهبوا كل شيء ثمين فيها بما في ذلك الماشية التي يعتاشون عليها، ولا تنسى بطبيعة الحال منازلهم التي أحرقوها وهي تحمل على صدرها مولودها الذي أنجبته قبل سبعة أيام. ولسوء حظها فقد اختاروا شقيقتها الصغرى وأطلقوا عليها النار، وشاهدتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتنزف دماءها وهي مضطجعة إلى جوار فتاة هامدة كان قد ضربوها ضربًا مبرِّحًا حتى الموت.
لا تعتقد مريامه بأن أثيوبيا تمثل حكومتها أو وطنها، فهذا الإقليم برمته تابع للصومال، كما يُفترض بالحكومة أن تحمي شعبها، وتصون كرامته، وأن توفر لهم الأمن والأمان لا أن تعذبهم وتوغل في اضطهادهم. لعل الجملة الأخيرة تمثل عصارة كلامها: "كل ما نريده منهم هو أن يُوقفوا هذا الاضطهاد" وكلما تتذكر وطنها وشعبها الحزين في السجون والمعتقلات تُصاب بانهيار عصبي!
تبدو "عنّاب" التي وصلت إلى "داداب" في سبتمبر 2014، أوسعهن تعليمًا وثقافة، فوالدها رجل أعمال لكنه لقي حتفه حينما كان عمرها 12 سنة، أي قبل سنتين من اعتقالها حيث قُتل والدها قرب قرية تدعى -dir--Dawa. استهلت عنّاب حديثها عن المقابر الجماعية للضحايا الأوغادينيين التي أخفاها الجيش الإثيوبي حيث تم العثور على بعضها بينما طوى النسيان بعضها الآخر. تعرضت عنّاب إلى الخنق بسلك معدني بشكل منتظم في محاولة لانتزاع الاعترافات منها، كما كانوا يضربونها بسوط مطاطي على مختلف أنحاء جسدها. كان معها خمس فتيات شابات. ومن مشاهداتها أنها رأت سجينة تُضرب بأخمص البندقية، ثم مزقوا ملابسها، وعادت إلى الغرفة بثوب مهلهل. وإذا كانت مريامه تحمل جثة ميتة فإن عنّاب حُشرت إلى جوار نساء ميتات ذُبحنَ من قَبل ولكم أن تتصوروا رائحة الغرفة الضيقة التي تكتظ بالجثث المتعفنة؟ ظلت الجثث في الغرفة لمدة أربعة أيام قبل أن يرمونها في الشارع. يمتلك أهل عنّاب ماشية في المدينة والقرية معًا لكن الجيش الإثيوبي صادر مواشي المدينة وفرضت الحكومة ضرائب على ماشية القرية. تعتقد عنّاب أن الحكومة الإثيوبية تستهدف المثقفين والمتعلمين. فمن بين أفراد أسرتها لم يذهب للمدرسة سوى شقيقها لذلك اغتالته القوات الحكومية فليس من مصلحتها أن يدرس الناس، وتتفتح عقولهم لأنهم سوف يصبحون عصيين على الانقياد. تخلص عنّاب إلى القول بأن القوات الإثيوبية سببت لها الكثير من المشاكل منذ طفولتها وحتى الآن، فقد قتلوا أبيها وأمها وابن عمها، كما اعتقلوها وعذبوها، ودمروا حياتها، ومع ذلك فهي تقول بأن تجربتها ليست فريدة من نوعها، فكل نساء أوغادين يشتركن بنفس المصير، ويعانين من محن متشابهة تتراوح بين السجن والتعذيب والقتل والاغتصاب ناهيك عن النهب والسلب والتشريد وحرق المنازل.
أما الشخصية الثالثة فهي "فطّومة" التي وصلت إلى "داداب" في مايو 2014 وبما أنها أوغادينية فإن الجنود الإثيوبيين يهددونها دومًا بالمحو من الوجود. تحمل فطّومة على جسدها آثار جروح غائرة فقد خنقوها في السجن وطعنوها بحراب البنادق غير مرة وقد رأينا نُدبًا عديدة في ذراعها الأيمن. كما صعقوها بالتيار الكهربائي، وسببوا لها آلامًا حادة وقاسية. لم تتأكد فطومة فيما إذا كانت الدوريات تابعة للجيش الإثيوبي أم إلى جهة مسلحة أخرى والسبب أن الحكومة الإثيوبية أنشأت "شرطةLiyu " غالبيتهم غير متعلمين وعاطلين عن العمل لكنهم يأتمرون بأمر الجيش الإثيوبي ويمارسون الفظائع نفسها. وقد حرق هؤلاء الشرطة منازل القرية التي تعيش فيها فطومة لتشترك بنفس المصير الذي تعاني منه النساء الصوماليات في إقليم أوغادين.
تقرّ منظمة حقوق الإنسان بأن الاغتصاب هو السلاح المفضل لدى الجيش الإثيوبي ومليشياته البوليسية فالسجينة الأوغادينية هي مُستعبدة جنسية لا غير، كما أنها تتعرض للتعذيب الممنهج، والقتل، ولا تنجو من التمثيل بجثتها.
يسلط المخرج الضوء على الحكومة الدكتاتورية الإثيوبية التي قمعت هذا الإقليم منذ سنوات طويلة علمًا بأن عدد سكّانه ربما يتجاوز الخمسة مليون نسمة غالبيتهم من المسلمين. وعلى الرغم من اكتشاف النفط والغاز منذ ثماني سنوات إلاّ أن ثلث السكّان يعانون من نقص الماء والغذاء والخدمات الصحية، وأن 40% منهم يعيشون تحت خط الفقر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/